صوم يوم الشك(1)

لا تعليق
خواطر حوزوية
5
1

صوم يوم الشك(1)

 

وقع الخلاف بين الأعلام في مشروعية صيام يوم الشك من عدمه، على أقوال ثلاثة:

الأول: ما عليه المشهور، وهو البناء على مشروعية صومه.

الثاني: ما حكاه في الحدائق(ره) عن بعضهم من القول بحرمة صوم يوم الشك.

الثالث: ما نسب للمفيد(قده) من القول بكراهة صوم هذا اليوم.

ومرجع الاختلاف الحاصل بين الأقوال الثلاثة يعود لاختلاف النصوص، فإنها على طائفتين، سوف تتضحان خلال عرض أدلة الأقوال الثلاثة.

 

معنى يوم الشك:

والمقصود من يوم الشك، هو ليس مطلق الثلاثين من شهر شعبان، وإنما هو ما يحصل فيه الشك في كونه من شعبان، أو من شهر رمضان، لوقوع الاختلاف في هلال شعبان، أو هلال شهر رمضان، أو لوجود مانع آخر من الرؤية.

وكيف ما كان، فقد استدل للقول الأول، بدليلين:

الأول: الإجماع المدعى من غير واحد. بل عن آخرين أنه متفق عليه[1].

وقد عرفت أنه يعتبر في الإجماع الذي يكون حجة شرعية للكشف عن الدليل على الحكم الشرعي، شروط:

منها: أن يكون محصلاً من خلال متابعة فتاوى القدماء من الفقهاء، المعاصرين للمعصومين(ع)، أو القريبين من عصرهم، وقد عدّ النجاشي(ره) في فهرسته ما يقارب من خمسين، وأما المتأخرون، فإن الإجماع المحصل من كلماتهم يصلح للتأيـيد والاستئناس ليس إلا.

 

والظاهر أن منتهى عصر القدماء بعصر شيخ الطائفة(رض)، فلا تكون فتاوى من جاء بعده موجبةً لتحصيل الإجماع التعبدي الذي يستند إليه في الكشف عن الدليل على الحكم الشرعي.

ومنها: أن لا يكون بأيدينا من النصوص الدينية خصوصاً الروائية ما يصلح أن يكون دليلاً للمجمعين في الحكم الذي يراد تحصيل الإجماع عليه، وإلا كان الإجماع فاقداً لقيمته، لأن التعويل عندها سوف يكون لما يعلم أو يحتمل أنه مستند لهم فيما أفتوا به.

ومنها: أن تكون المسألة التي يراد تحصيل الإجماع عليها من المسائل المتلقاة من الشارع المقدس، ولا أقل من احتمال ذلك فيها، وهذا يعني أنه يعتبر أن تكون المسألة مسألة أساسية أصلية، فلا يمكن البناء على تحصيل الإجماع لو كان بالإمكان استفادة الحكم الشرعي من خلال قاعدة عقلية، أو أن تكون المسألة مسألة تفريعية يستفاد حكمها من عموم أو إطلاق.

 

ولا يخفى قلة صغريات المسائل التي تتوفر فيها الشروط المذكورة في الفقه، لو لم نقل بندرتها، ومن ذلك المقام، فإنه لو بني على توفر الشرط الأول منها، مع أنه ليس حاصلاً، فإن الشرط الثاني غير متوفر، لاحتمال أن يكون مستند القائلين بذلك هي النصوص كما سوف تعرف.

 

وأما دعاوى الإجماع المتكررة في كلمات قدماء أعلام الطائفة، كالسيد المرتضى في كتابيه الانتصار والناصريات مثلاً، والشيخ في كتابيه الخلاف والمبسوط مثلاً، فإنها تفتقر للشرط الثالث، ذلك أنها مبنية على قاعدة اللطف التي جعلاها مستنداً لحجية الإجماع، كما هو مفصل في محله.

وأما دعاواه في كلمات المتأخرين من أعلام الطائفة، كابن إدريس، والعلامة، والشهيدين(ره)، فإنها تفتقر للشرط الأول، ذلك أنه لا يحرز أنهم قد وقفوا على مصادر لفتاوى قدماء الأعلام المعاصرين للمعصومين(ع)، أو القريبين من عصرهم، بل إن أقصى ما يحرز وقوفهم على ذات المصادر الموجودة بأيدينا اليوم، نعم ربما ظفروا بشيء بسيط يزيد على ما هو الموجود عندنا مثل رسالة علي بن بابويه، ومختصر الفقه الأحمدي لابن الجنيد، والمتمسك بحبل آل الرسول لابن أبي عقيل العماني، وهي لا تحقق الغرض المطلوب لمعرفة فتاوى القدماء الذين كانوا معاصرين للأئمة الأطهار(ع)، أو القريبين من عصرهم.

 

الثاني: النصوص الدالة على جواز صوم هذا اليوم:

منها: صحيح الكاهلي، قال: سألت أبا عبد الله(ع) عن اليوم الذي يشك فيه من شعبان، قال: لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوماً من شهر رمضان[2]. ولا يبعد أن يكون مدلولها هو البناء على عدم مشروعية الصوم بنية شهر رمضان، لأن قوله(ع): لأن أصوم يوماً من شعبان، يفيد أن يكون صوم يوم الشك بنية شهر شعبان، وما يكون مشروعاً فيه، ولا يصومه بنية شهر رمضان.

ومنها: ما رواه سعيد الأعرج، قال: قلت لأبي عبد الله(ع): إني صمت اليوم الذي يشك فيه، فكان من شهر رمضان، أفأقضيه؟ قال: لا، هو يوم وفقت له[3]. والظاهر أنه لم يصمه بنية شهر رمضان، وإنما صامه بغير هذه النية، ويساعد على ذلك سؤاله عن القضاء، إذ لو كان قد صامه بنية شهر رمضان، ووافق أنه منه لم يكن معنى لأن يسأل عن قضائه.

 

ولا يضر باعتباره وجود محمد بن أبي الصهبان، فإنه محمد بن عبد الجبار، وهو ثقة. إلا أن المشكلة في الراوي وهو سعيد الأعرج إذ لم يرد في حقه توثيق خاص، ولا مجال لتوثيقه بوقوعه في أسانيد كامل الزيارات، نعم يمكن البناء على وثاقته برواية صفوان بن يحيى عنه، وهو حسن لو أكثر الرواية عنه، وإلا بني على وثاقته كما هو المعروف من عدم اعتبار الكثرة في قبول كبرى المشائخ الثقات.

ومنها: صحيح معاوية بن وهب، قال: قلت لأبي عبد الله(ع): الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان، فيكون كذلك، فقال: هو شيء وفق له[4]. وتقريب دلالتها على المدعى بلحاظ أن يكون قول الراوي: من شهر رمضان، بيان لليوم، وليس المقصود منه نية الصوم، فيكون معنى قوله أنه قد صام يوم المشكوك في أنه من شهر رمضان أو من شعبان. نعم لم يتضمن الصحيح ذكراً لنية اليوم الذي صامه، والظاهر أنه لم يكن من شهر رمضان، ما يعني أنه قد صامه من شعبان بأي واحد من أنواع الصوم المشروعة فيه.

 

ومنها: مضمرة سماعة، قال: سألته عن اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان، لا يدري أهو من شعبان أو من شهر رمضان، فصامه فكان من شهر رمضان، قال: هو يوم وفق له، لا قضاء عليه[5]. ولا يختلف حال هذا النص عن سابقه إلا في زيادة الايضاح لحقيقة يوم الشك، وهو اليوم الذي يكون مردداً أنه من أيام شعبان، أو أنه من أيام شهر رمضان، وأيضاً لم يشتمل المضمر ذكراً للنية التي أوقع الصوم بها، وإن كان الظاهر أنه قد صامه من شعبان، خصوصاً وأنه لم يحرز دخول شهر رمضان.

نعم ربما منع من الاستناد للنص كونه مضمراً، وذلك للمناقشة في حجية المضمرات، وما ذكر من توجيه للبناء على حجيتها محل تأمل، بل منع. نعم ربما منعت الصغرى، فلا يبنى على أن النص محل البحث مضمراً، وذلك بسبب التقطيع الواقع غالباً في مثل مرويات سماعة من قبل شيخ الوسائل(ره)، بل وغيره، وهذا يوجبم لاحظة المصدر الأصل.

 

والأنصاف، أن ما ذكر لا يبنى عليه بنحو الموجبة الكلية، فإنه لو جرى في بعض الموارد، لا يحرز جريانه في غيرها، والظاهر أن المورد مما لا يمكن إجراء ذلك فيه.

ومنها: ما رواه معمر بن خلاد، عن أبي الحسن(ع): قال: كنت جالساً عنده آخر يوم من شعبان، ولم يكن هو صائماً، فأتوه بمائدة، فقال: أُدنُ، وكان ذلك بعد العصر، فقلت له: جعلت فداك صمت اليوم، فقال لي: ولم؟ قلت: جاء عن أبي عبد الله(ع) في اليوم الذي يشك فيه أنه قال: يوم وفق له، قال: أليس تدرون أنما ذلك إذا كان لا يعلم أهو من شعبان أم من شهر رمضان فصام الرجل فكان من شهر رمضان كان يوماً وفق له، فأما وليس علة ولا شبهة فلا، فقلت: أفطر الآن؟ فقال: لا[6].

ولم يذكر الشيخ(ره) طريقه إليه في المشيخة، نعم قد ذكر في الفهرست طريقين إلى كتابه، وهما ضعيفان، فإن الثاني منهما قد اشتمل على ابن أبي جيد، ووثاقته تعتمد على التسليم بكبرى وثاقة جميع مشائخ النجاشي، كما عن بعض الأعاظم(ره)، وهي ليست مسلمة كما هو مقرر في محله.

 

على أن البناء على جريان نظرية التعويض رهين كون الطريق المذكور في الفهرست لجميع كتبه ورواياته، وليس لخصوص كتبه، أو كتابه. اللهم إلا أن يدعى بأن جميع مروياته قد أودعها في كتابه، فيمكن البناء عندها على التعويض، فتأمل.

وبالجملة، إن الخبر المذكور ساقط عن الاعتبار والحجية لضعف سنده.

ومنها: خبر محمد بن حكيم، قال: سألت أبا الحسن(ع) عن اليوم الذي يشك فيه، فإن الناس يزعمون أن من صامه بمنـزلة من أفطر في شهر رمضان؟ فقال: كذبوا، إن كان من شهر رمضان فهو يوم وفق له، وإن كان من غيره فهو بمنـزلة ما مضى من الأيام[7].[8]. وقد اشتمل سنده على الخضر بن عبد الملك، وفي التهذيب الحسن بن عبد الله بدل الخضر بن عبد الملك، وهو مهمل.

ويتحصل مما تقدم، تمامية دلالة النصوص على مشروعية صيام يوم الشك، وأنه لو وافق ثبوت هلال شهر رمضان كان مجزياً عنه، وأنه يوم قد وفق له.

 

دليل القول الثاني:

ويمكن الاستدلال للقول الثاني بالنصوص التي تضمنت المنع من صيام يوم الشك، وهي نصوص الطائفة الثانية:

منها: صحيح محمد بن مسلم، عن أبي جعفر(ع): في الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان، فقال: عليه قضاؤه وإن كان كذلك[9]. ومقتضى إطلاق الصحيح البناء على عدم صحة صوم يوم الشك بأي نية كانت، سواء صامه بأنه من شهر رمضان، أم صامه بنية الندب، أو القضاء، أو أداء الكفارة، أو النذر، أو غير ذلك مما يكون مشروعاً صومه في شهر شعبان.

 

وقد أجيب عن دلالتها ومنع ظهورها في عدم مشروعية صوم يوم الشك، وذلك بحملها على ما إذا كان قد صامه بنية شهر رمضان المبارك، وذلك بأن يكون قول الراوي: من رمضان، متعلقاً بقوله: الذي يشك فيه، ليكون مفادها هكذا: صام من رمضان اليوم الذي يشك، فيكون قد أوقع صيام يوم الشك بنية شهر رمضان.

وهو بعيد، لأن الظاهر من النص، أن قول الراوي: من رمضان، بيان لليوم الذي يشك فيه، لا أنه نية اليوم الذي يشك فيه، فيكون معنى الخبر، إن المكلف قد صام اليوم الذي يشك فيه أنه من شهر رمضان، من دون تحديد لنوعية النية التي أوقعها، فيكون دالاً على القول الثاني. ويساعد على ذلك ما جاء في ذيل الصحيح من قوله(ع): وإن كان كذلك، يعني وإن تبين بعد ذلك أنه أول أيام شهر رمضان المبارك.

 

نعم يمكن البناء على كون المقصود من الصحيح هو إيقاعه صوم يوم الشك بنية شهر رمضان المبارك، جمعاً بينه وبين النصوص الدالة على مشروعية صومه بأي نية من النيات المشروعة خلال شهر شعبان، لو كان الصحيح قابلاً للجمع معها، وهذا ما سوف يتضح إن شاء الله تعالى.

نعم لو بني على منع صدوره، ذلك أنه لم ينقل في كتابي الكافي، والفقيه، وإنما انفرد الشيخ(ره) بنقله، وما ينفرد الشيخ بنقله في التهذيبين، يكون مما أعرض الأصحاب عنه، خصصواً بملاحظة الداعي لتأليف الشيخ(ره) التهذيب، كان له وجه.

وهو ممنوع، إذ أن البناء على عدم القبول بمنفردات الشيخ(ره) رهين عدم توفر شاهد على الخبر المنقول في التهذيب، وأما مع وجوده، فإنه يصعب ذلك، وهذا ما يلحظ في البين، فإن نصوص الطائفة الثانية المانعة والتي تعدّ دليلاً للقول الثاني، وإن كان أكثرها منقولاً في التهذيب فقط، إلا أن بعضها قد رواه الكليني، والصدوق(ره) أيضاً، وهذا كافٍ للقبول بما انفرد الشيخ(قده) بنقله.

 

ومنها: معتبرة هشام بن سالم، عن أبي عبد الله(ع) قال: في يوم الشك: من صامه قضاه وإن كان كذلك، يعني من صامه أنه من شهر رمضان بغير رؤية قضاه، وإن كان يوماً من شهر رمضان، لأن السنة جاءت في صيامه على أنه من شعبان، ومن خالفها كان عليه القضاء[10].

وليس في السند من يتوقف فيه، ذلك أن طريق الشيخ(ره) إلى الزراري صحيح، لأنه يروي عنه بواسطة المفيد، وابن الغضائري، وأحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر، كما أن المقصود بأحمد بن محمد في السند هو ابن علي بن عمر بن رباح القلا السواق، وقد نص النجاشي والشيخ(ره) على وثاقته، نعم هو فاسد العقيدة، لكونه واقفياً. وعبد الله بن أحمد، هو ابن نهيك، وهو ثقة.

 

وربما منع دلالته على المطلوب لكون المعتبرة قد تعرضت للإدراج، وذلك لوجود محتملين في التفسير الوارد فيه:

أحدهما: أن يكون هذا التفسير صادراً من الراوي، أو أحد رواة الحديث، وليس صادراً من الإمام(ع).

ثانيهما: أن يكون التفسير صادراً من الشيخ(ره)، وليس من الإمام(ع).

 

وسواء بني على الاحتمال الأول، أم بني على الاحتمال الثاني، سوف يكون المعتبر أجنبياً عن المدعى، ضرورة أن التفسير الوارد في الذيل ناجم عن اجتهاد صاحبه واعتماده على ما فهمه من كلام المعصوم(ع)، وهذا إنما يكون حجة على صاحبه، ولا يكون حجة على غيره.

والصحيح أن الاستدلال به من خلال الإطلاق المستفاد من قوله(ع): من صامه قضاه، وإن كان كذلك، فإنه صريح في الدلالة على لزوم قضائه بأي نية صامه ولو بنية شهر شعبان، فيكون مفاده المنع من صوم يوم الشك مطلقاً، وهو بهذا يكون أوضح دلالة على المدعى مما تقدمه من النصوص.

 

ومنها: ما رواه قتيبة الأعشى، قال: قال أبو عبد الله(ع): نهى رسول الله(ص) عن صوم ستة أيام: العيدين، وأيام التشريق، واليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان[11].

وقد تضمن سنده جعفر الأزدي، وهو لم يوثق توثيقاً خاصاً، نعم قد روى ابن أبي عمير كتابه، وهذا كافٍ كما للبناء على وثاقته.

 

ودلالته على المطلوب جلية واضحة، ذلك أن المستفاد منه هو النهي عن صوم يوم الشك مطلقاً وبأي نية كانت، من دون فرق بين أنواع الصوم المشروع في شهر شعبان، واجباً كان أم ندباً، لأن النهي في العبادة إرشاد إلى فسادها.

ومنها: موثقة عبد الكريم بن عمرو، قال: قلت لأبي عبد الله(ع): إني جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم، فقال: صم، ولا تصم في السفر ولا العيدين، ولا أيام التشريق ولا اليوم الذي يشك فيه[12].

وقد رواها المشائخ الثلاثة بأسانيد صحيحة تنتهي إلى عبد الكريم، وهو ثقة فاسد العقيدة، فقد نص الكشي، والشيخ والنجاشي(ره) على أنه واقفي، فالتعبير عنها بالصحيحة، كما عن بعض الأعاظم(قده) على خلاف الصناعة[13]. نعم الوارد في سند الكليني(ره) كرام، وليس عبد الكريم، والظاهر أنهما واحد.

 

ودلالة الموثق على المنع من صوم يوم الشك مطلقاً وبأي نية كانت جلية واضحة، فقد تضمن النهي عن صيام اليوم الذي يشك فيه، ومن الواضح أن المقصود به هو اليوم الذي يكون مردداً في أنه من شهر شعبان، ليتم بذلك شعبان ثلاثين يوماً، أو أنه أول أيام شهر رمضان المبارك.

ومنها: ما رواه أبو خالد الواسطي، عن أبي جعفر(ع) قال: قال رسول الله(ص): من ألحق في رمضان يوماً من غيره فليس بمؤمن بالله ولا بي[14].

والظاهر أنها أجنبية عن المدعى، لأن المستفاد منها أنه قد صام يوماً بنية شهر رمضان ليس من أيام شهر رمضان، فيكون داخلاً في التشريع المحرم، بينما الفرض هو صوم يوم الشك. اللهم إلا أن يدعى أن المقصود من الإلحاق ليس الإلحاق الحقيقي والذي يدخل في التشريع المحرم، وإنما يقصد به الإلحاق المسامحي، والذي يكون بصوم يوم الشك، فيوصل صوم يوم الشك بأيام شهر رمضان، وإن لم يكن بنية شهر رمضان، فسوف يكون الخبر دالاً على المدعى.

 

إلا أن الجزم بحمل الخبر على الإلحاق المسامحي، مضافاً لكونه خلاف الظاهر، يمنعه وجود الاحتمال الآخر الذي أشرنا إليه، وهو كون المقصود بالإلحاق هو الإلحاق الحقيقي، وعليه، لا مجال للاستناد للخبر المذكور، ولا أقل من جهة الإجمال.

على أن الرواية ضعيفة سنداً، لأنها قد تضمنت نصراً، والظاهر أنه نصر بن مزاحم المنقري، المؤرخ صاحب كتاب صفين وغيره، بقرينة روايته عن أبي خالد الواسطي، فقد نص النجاشي وغيره أنه راوي كتاب الواسطي، وقد مدحه النجاشي، بقوله: مستقيم الطريقة، صالح الأمر….كتبه حسان. والظاهر عدم ظهور التوثيق من شيء مما ذكر. كما أن السند يشتمل على ابنه الحسين(الحسن)، وهو مجهول الحال.

 

وأما طريق الشيخ(ره) إلى ابن فضال، فإنه وإن كان ضعيفاً بوجود الزبيري كما عرفت غير مرة، إلا أن الظاهر عدّ كتب ابن فضال من الكتب المشهورة التي لا تحتاج طريقاً، فتأمل.

ومنها: ما رواه محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرضا(ع)، في اليوم الذي يشك فيه-إلى أن قال-: لا يعجبني أن يتقدم أحد بصيام يومه[15]. ودلالته على المدعى تامة، فإن من الواضح أن مقصوده بقوله: يتقدم أحد بصيام يومه، يعني يوم الشك، وقد عرفت قبل قليل أن المقصود من يوم الشك، هو اليوم الذي يتردد أمره بين أن يكون الثلاثين من شهر شعبان، وبين أن يكون أول أيام شهر رمضان، فيستفاد من هذا التعبير أنه لا يصوم حتى يجزم بدخول هلال شهر رمضان المبارك، وقبل دخول شهر رمضان لا يجوز الصوم من دون فرق بين نية الصوم حينئذٍ. نعم يمنع الاستناد للخبر المذكور اشتمال سنده على محمد بن عبد الحميد بن سالم العطار، وقد استند في توثيقه لأمرين:

 

الأول: وقوعه في أسناد كامل الزيارات. وهذا وإن عدّ واحداً من التوثيقات العامة والتي عول عليها بعض الأعلام(ره) للبناء على الوثاقة، إلا أننا ذكرنا في محله، عدم ظهور العبارة الواردة في مقدمة الكتاب في التوثيق، وأنها ناظرة لشيء آخر.

الثاني: نص النجاشي على وثاقته، فقد جاء في ترجمته، قوله: محمد بن عبد الحميد بن سالم العطار، أبو جعفر، روى عبد الحميد، عن أبي الحسن موسى، وكان ثقة من أصحابنا الكوفيـين، له كتاب النوادر. وإنما يتم هذا الطريق بناءً على عود التوثيق في كلامه(ره) لمحمد، لأنه صاحب الترجمة، فتكون جملة: روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى(ع)، جملة معترضة. إلا أن هناك احتمالاً آخر وهو أن يكون التوثيق راجعاً لعبد الحميد، فإنه الأقرب ويكون عوده إليه على وفق قواعد اللغة، لأن الضمير يعود للأقرب. وهذا هو ما فهمه العلامة، كما يظهر من الخلاصة، وصرح بذلك الشهيد الثاني(ره) في حاشيته عليها[16]، بل هو قول آخرين أيضاً[17].

 

وقد جعل أصحاب القول الثاني قرينتهم على رجوع التوثيق للأب مضافاً لما ذكر وجود واو العطف، فإن رجوع التوثيق للأبن لا يتناسب مع العطف بالواو: وكان ثقة، إذ لم يذكر جملة تامة قبل ذلك إلا جملة: روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى(ع)، فلابد أن يكون المعطوف عليه تلك الجملة، لا ما قبلها، وإلا لو كان التوثيق راجعاً للأبن، لكان مذكوراً من دون واو العطف.

ويؤيده ما أشار إليه بعض المحققين، من أن طريقة النجاشي فيما يرتبط بأصحاب العناوين المذكورة في كلامه أن يذكر ما يتعلق بهم من دون استخدام كلمة: كان، فيقول عادة: ثقة، عين، وهكذا، فلو كان المقصود بالتوثيق هو المترجم، لقال: ثقة من أصحابنا، مثلاً.

 

والجزم بأحد المحتملين من الصعوبة بمكان، وعليه، لا مناص عن رفع اليد عن هذا الوجه الموجب للبناء على مجهولية محمد بن عبد الحميد، فتأمل.

نعم قد روى عنه ابن أبي عمير[18]، فإن لم يعتبر في روايته عن شخص الكثرة، كما عليه المشهور، فلا ضير في البناء على وثاقة محمد ببن عبد الحميد، وإلا فيصعب البناء على وثاقته، ولما كان المختار عدم الاكتفاء بمجرد الرواية، وإنما لابد من الإكثار، فإنه يصعب ترتيب الأثر على الخبر المذكور بعد عدم ثبوت وثاقة محمد بن سالم كما عرفت.

 

كما اشتمل سنده أيضاً على محمد بن الفضيل بن كثير الأزدي، وقد تعارض فيه التوثيق والتضعيف، فقد عدّه المفيد(قده) في رسالته العددية من الفقهاء الرؤساء المأخوذ منهم الحلال والحرام. كما روى عنه البزنطي. بل عن المحقق الأردبيلي(ره) في جامع الرواة عدّه متحداً مع محمد بن القاسم بن الفضيل الثقة، لأنهما متعاصران ويشتركان في عدد من الرواة عنهما.

وقد نص الشيخ(ره) في رجاله على ضعفه عند ذكره أصحاب الإمام الكاظم(ع). واحتمال أن يكون منشأ التضعيف الصادر من الشيخ(قده) هو العقيدة لكونه مرمياً بالغلو، لا يخلو عن بعد، وعليه فيقع التعارض بين التوثيق والتضعيف.

وليس في البين ما يوجب ترجح أحد القولين على الآخر، فإن التضعيف وإن كان نصاً، إلا أن التوثيق المستفاد من شهادة الشيخ(ره) في العدة لا يقصر عن ذلك أيضاً، ومثل ذلك ما جاء في الرسالة العددية، لو قبلنا بما تضمنته، ولم نحمله على الأعم الأغلب.

 

وبالجملة، مع عدم توفر ما يوجب الترجيح، فلا مناص من البناء على تساقط القولين، خصوصاً على المختار في حجية قول الرجالي، والذي يقوم على البحث عن القرائن التي توجب حصول الاطمئنان بالصدق، وعدم الكذب، ومع شهادة الشيخ(ره) بالتضعيف، يصعب البناء على ذلك.

وأما الدلالة، فقد تمنع دلالتها على الحرمة، لعدم ظهور التعبير بـ: لا يعجبني، في ذلك، فتأمل.

 

ومنها: مرسل الصدوق(ره) الجزمي، قال: كان أمير المؤمنين(ع) يقول: لأن أفطر يوماً من شهر رمضان أحب إلي من أن أصوم يوماً من شعبان أزيده في شهر رمضان[19]. والظاهر أنه أجنبية عن المدعى، ضرورة أن صدق الزيادة يقوم على أن تكون نية صوم يوم الشك بأنه من شهر رمضان المبارك، فيكون النهي والمنع عن صومه بهذه النية لا مطلقاً.

وقد سلم من النصوص التي يستدل بها على القول الثاني روايات أربع، وهي صحيح محمد بن مسلم، ومعتبرة هشام بن سالم، إذ قد عرفت الاستدلال بإطلاقها، وما رواه الأعشى بعد البناء على دخوله دائرة الحجية، وموثقة عبد الكرم بن عمرو، لظهورهم في المنع من صوم يوم الشك مطلقاً ولو كان بنية شعبان، وهذا يوجب حصول المعارضة بينهم وبين ما دل من النصوص على مشروعية صومه، والتي تقدم ذكرها في أدلة القول الأول.

———————————————————————–

 

[1] تذكرة الفقهاء ج 6 ص 17، مدارك الأحكام ج 6 ص 35، جواهر الكلام ج ص .

[2] المصدر السابق ح 1 ص 20.

[3] المصدر السابق ح 2 ص 20.

[4] وسائل الشيعة ج 10 ب 5 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 5 ص 22.

[5] المصدر السابق ح 6 ص 22.

[6] المصدر السابق ح 12 ص 24.

[7] المصدر السابق ح 7 ص 22.

[8] وسائل الشيعة ج 10 ب 5 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 7 ص 22.

[9] وسائل الشيعة ج 10 ب 6 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 1 ص 25.

[10] المصدر السابق ح 5 ص 27.

[11] وسائل الشيعة ج 10 ب 6 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 2 ص 25.

[12] المصدر السابق ح 3 ص 26.

[13] موسوعة الإمام الخوئي(ره) ج 21 ص 66.

[14] وسائل الشيعة ج 10 ب 6 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 6 ص 27.

[15] وسائل الشيعة ج 10 ب 6 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 7 ص 27.

[16] موسوعة الشهيد الثاني، حاشية على خلاصة الأقوال رقم 331 ص 155.

[17] الفوائد الرجالية للسيد بحر العلوم ج 3 ص 283.

[18] وسائل الشيعة ج 9 ب 14 من أبواب زكاة الفطرة ح 3 ص 358.

[19] وسائل الشيعة ج 10 ب 6 من أبواب وجوب الصوم ونيته ح 8 ص 28.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة