الوقوف في عرفات مع المسلمين(5)

لا تعليق
خواطر حوزوية
10
0

الوقوف في عرفات مع المسلمين(5)

استدلال المحقق الداماد ببعض النصوص:

ولم يكتف بعض الأعلام(ره)[1] بالاستدلال على اجزاء الوقوف معهم وفقاً لقول قاضي المسلمين بخصوص خبر أبي الجارود المتقدم، بل تمسك بنصوص أخرى:

منها: صحيح محمد بن قيس، عن أبي جعفر(ع) قال: إذا شهد عند الإمام شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوماً أمر الإمام بالإفطار ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس، وإن شهدا بعد زوال الشمس أمر بإفطار ذلك اليوم وأخر الصلاة إلى الغد فصلى بهم[2]. وقد قرب(ره) دلالتها على المدعى بلحاظ أن المقصود من كلمة الإمام الوارد فيها لا يختص بالإمام الشرعي، بل هو أعم فيشمل غير الشرعي أيضاً، فيكون مفادها هو جواز متابعة الحاكم المخالف عندما يأمر بالإفطار استناداً إلى قيام البينة عنده بانقضاء شهر رمضان، ومقتضى إطلاق الرواية هو الشمول لمورد العلم بالخلاف، كما أن مقتضى إطلاقها هو الإجزاء من دون حاجة إلى القضاء.

وأجيب عنها بجوابين:

الأول: بأنها أجنبية عن المدعى، ذلك أنها بصدد بيان أن الموجب للإفطار هو إكمال المسلمين صيام شهر رمضان المبارك ثلاثين يوماً، لأن الشاهدين قد شهدا أنهما رأيا الهلال قبل ثلاثين يوماً، فيكون المسلمون قد صاموا ثلاثين يوماً، فلا حاجة لتحري الهلال بعد ذلك بعدم إكمال العدة. وهذا يعني أن الموجب للإفطار هو إكمال العدة، وليس حكم الحاكم. وليست الرواية بصدد إفادة موضوعية شهادة الشاهدين على الرؤية عند الحاكم وأمره بالإفطار، حتى يقال: إن مقتضى إطلاق الصحيح هو البناء على الاجتزاء بمتابعة المسلمين في حلول عيد الفطر، وعدم الحاجة إلى القضاء حتى مع العلم بمخالفة عيدهم للواقع، لأن لفظ الإمام الوارد فيها مطلق.

الثاني: إنه بعد التسليم بدلالة الصحيح على ثبوت حكم الحاكم بالهلال، ولزوم متابعته، فإن المقصود من الإمام الوارد فيه وبمقتضى مناسبات الحكم للموضوع هو خصوص الإمام العادل، وهو الذي يكون مستحقاً للإمامة، ولا إطلاق في المقام حتى يشمل الإمام غير الشرعي، ويساعد على ما ذكر استناد بعض الفقهاء للصحيح في ثبوت الهلال بحكم الحاكم، ومقصودهم هو الحاكم العادل، وهو الإمام المعصوم(ع)، أو الأعم منه ومن نائبه المنصوب من قبله بالنصب الخاص، أو النصب العام، ولم يقل أحد بثبوت الهلال بحكم الحاكم غير الشرعي[3].

ويلاحظ عليه:

أما الأول، فإن الأمر الصادر من الإمام دال على أن الموجب للإفطار ليس هو شهادة الشاهدين بإكمال العدة ثلاثين يوماً، وإنما ذلك بسبب الأمر الصادر منه.

ثانياً: إن مدلول الصحيح أنه متى قامت البينة عند الإمام على ثبوت الهلال، فإن له الحق على أن يحكم فيأمر الناس بالصيام أو الإفطار أو التضحية

وأما الثاني: فإن الظاهر من الفاضل المعاصر(دام مجده) التسليم بإطلاق لفظ الإمام على غير الحاكم الشرعي، كما في غير واحد من الأدلة الشرعية مثل قوله تعالى:- (يوم ندعو كل أناس بإمامهم)[4]، وقوله تعالى:- (وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار)[5]، ولذا تمسك بالقرينة الموجبة لصرف اللفظ المذكور في الصحيح لخصوص الإمام الشرعي، وقد عرفت أن قرينته على ذلك مناسبات الحكم للموضوع، والظاهر أن مقصوده من ذلك أحد أمرين:

1-الانصراف، فإن أهمية موضوع الهلال وما يترتب عليه من أحكام توجب عدم المتابعة لكل أحد، وإنما المتابعة لخصوص الإمام الشرعي.

2-التقيـيد بالأدلة الدالة على أن الإمام هو من استجمع مجموعة من الشرائط ومنها العدالة، فغير العادل لا يكون أهلاً للإمامة.

وكلاهما لا يصلحان لرفع اليد عن الإطلاق، ذلك أن الأول منهما وهو الانصراف بدوي يزول بأدنى تأمل، وأما الثاني، فإن الوارد في الصحيح قضية حقيقية، وقد اشتمل على الموضوع وهو الإمام، ويكون المتبع في تحديد المقصود منه هو المفهوم منه عرفاً ولغة، فيكون نظير أي مفهوم قد ورد في لسان الأدلة، فإن المتبع فيه حمله على معناه لغة وعرفاً، فكذا لفظ الإمام، وهو صادق على الإمام غير الشرعي كصدقه على الإمام الشرعي.

ومع فقد القرينة الموجبة لحمل لفظ الإمام المذكور في الصحيح على خصوص المعصوم(ع)، لن يكون هناك ما يوجب ذلك، لأن البناء على ذلك مخصوص بوجودها.

وعليه، فلا مناص من بقاء ظهور اللفظ في الأعم، ويساعد على ذلك تكرار لفظ الإمام المذكور فيه، لظهوره عرفاً في من يكون نافذ الأمر متبع الكلمة.

والحاصل، إن المستفاد من الصحيح أن الإمام(ع) بصدد بيان الحكم الكلي في الشريعة المقدسة، وليس في مقام بيان أمر الإمام المعصوم بذلك[6].

نعم قد يلتـزم باختصاص الصحيح بخصوص الحاكم العادل وليس مطلق الحاكم اعتماداً على قرينة داخلية في الصحيح، وهي أمره بثبوت الهلال، فإن هذا يكشف عن أن مفاد الصحيح هو أن متابعة الحاكم في أمره مختص بمن يكون له الأمر لا مطلقاً، ومن المعلوم أن الذي يكون له الأمر هو خصوص الحاكم العادل، وليس مطلق الحاكم، فإن الحاكم غير الشرعي، يأمر ولكن ليس له الأمر، وإنما الذي يكون له الأمر هو خصوص المعصوم(ع)، أو نائبه الخاص، وفي ثبوت ذلك للنائب العام في ثبوت الهلال كلام، ليس هذا محله، وإن كان الحق عدم ثبوت ذلك.

وأما الاستشهاد لذلك باستناد بعض الفقهاء إلى الصحيح للإفتاء بثبوت الهلال بحكم الحاكم، وأنه خصوص الإمام الشرعي، ففي غير محله، لأنه اجتهاد منه في فهم مدلول النص، فلا يكون حجة على الآخر. اللهم إلا أن يكون مقصود الفاضل المعاصر(دام مجده)، أن هذا الاستدلال كاشف عن وضوح دلالة الصحيح على كون المقصود بالإمام المذكور فيه هو الإمام الشرعي، فيكون الصحيح بمثابة النص في ذلك، وهو بعيد جداً.

ومنها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(ع)، قال: سألته عن الرجل يرى الهلال في شهر رمضان وحده لا يبصره غيره، له أن يصوم؟ قال: إذا لم يشك فيه فليصم، وإلا فليصم مع الناس[7]. وتقريب دلالتها يعتمد على أن يكون المقصود من لفظة الناس المذكورة في النص هم خصوص المسلمين دون الشيعة، وقد أفادت لزوم متابعتهم في الصوم وثبوت الهلال حال حصول الشك فيه عند المكلف، مع أن الشك محتمل في دعواهم الثبوت أيضاً، لأنه كما لا يجزم المكلف بالرؤية، فإنه لا يجزم برؤيتهم أيضاً، ويحكم بإجزاء الصوم معهم.

والظاهر أن العرف لا يرى خصوصية للصوم، فيتعدى منه إلى الوقوف معهم في عرفات، والاجتزاء بذلك.

وقد أجيب عنها، بأنها أجنبية عن المدعى، لأن هناك قرينة دالة على أن المقصود من لفظة الناس الواردة في الصحيح الأعم، وليس خصوص المسلمين غير الشيعة، لأن المتابعة سوف تكون حاصلة جزماً، فإن المفروض أن الرجل الشاك في أن اليوم هو أول أيام شهر رمضان المبارك، يتيقن أن اليوم الذي يليه هو أول أيامه، ولا محل لافتراض أنه يوم شك أيضاً، لأن الاستهلال والتحري عن هلال شهر رمضان يكون عادة في ليلة الثلاثين من شهر شعبان وليس قبل ذلك، فلو لم يتيقن برؤية الهلال فيها يبني على إكمال عدة شعبان، فيكون اليوم الذي بعده من شهر رمضان يقيناً[8].

كتاب علي بن جعفر:

وتعبير الفاضل المعاصر(دام موفقاً) عنها بالصحيح كاشف عن اعتباره لنسخة كتاب علي بن جعفر الموجودة عند صاحب الوسائل(ره)، وقد اشتملت الفهارس على وجود كتاب لعلي بن جعفر(رض) بعنوان مسائل علي بن جعفر، قد ضمنه أسئلته لأخيه الإمام الكاظم(ع)، إلا أن الكلام في انطباق ذلك على النسخة التي بيد صاحب الوسائل(قده)، والتي حصل عليها بالوجادة، ولم يحصل عليها بالإجازة، وقد حدس في نسبتها لعلي بن جعفر(رض)، ما يمنع من الاطمئنان بها، مضافاً إلى أنه لم يذكر طريقه إليه في ما ذكره من الفوائد. نعم المستفاد من بعض الأعاظم، وبعض الأكابر(ره) البناء على تطبيق نظرية التعويض في المقام، ذلك أن للشيخ(ره) طريقاً إلى مسائل علي بن جعفر، ولصاحب الوسائل(قده) طريق للشيخ(ره) يشمل كل كتبه ومروياته، فيثبت المطلوب.

وقد منع صحة النسبة أيضاً لعلي بن جعفر(رض) بعض الأساتذة(دامت أيام بركاته)[9]، حيث قام بالمقارنة بين الكتابين، وخلص إلى نتائج:

منها: وجود الفرق بينهما بلحاظ الطرق، فإن كتاب مسائل علي بن جعفر كتاب مشهور، له طرق متعددة معتبرة، والكتاب المطبوع ليس له إلا طريق واحد لا يخلو عن مجاهيل.

ومنها: وجود التفاوت بينهما من حيث كم الروايات، فإن الكتاب المطبوع أقل من أخبار كتاب قرب الإسناد إلى الإمام الكاظم(ع)، بنحو مائة رواية.

ومنها: تضمن الكتاب المطبوع مجموعة من الروايات الشاذة، والتي لم ترد في كتاب قرب الإسناد، ولا في غيره من المصادر.

ولهذا فقد بنى(دامت أيام بركاته) على نسبة الكتاب المطبوع إلى أبي يزيد بن النضر الخراساني، وأنه عبارة عما أختاره من روايات الإمام الكاظم(ع) بواسطة أخيه علي بن جعفر(رض). واستند في ذلك لما جاء في بداية النسخة المطبوعة من التصريح بالطريق التالي: أخبرنا أحمد بن موسى بن جعفر بن أبي العباس، قال: حدثنا أبو جعفر بن يزيد بن النضر الخراساني، من كتابه في جمادى الآخرة، سنة إحدى وثمانين ومائتين، قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(ع)، عن علي بن جعفر بن محمد، عن أخيه موسى بن جعفر(ع) قال: سألت أخي موسى بن جعفر، عن رجل.

ووفقاً لما تقدم، فلن يكون للكتاب المطبوع أي اعتبار، ولن يعول على مروياته، سيما وقد سمعت شيئاً حوله.
ثم إنه لو سلم بدلالة الصحيحين على المدعى من لزوم متابعة المسلمين في ثبوت الهلال، إلا أنهما لا يصلحان للدلالة على المدعى، لأن دلالتهما على ذلك توجب إلغاء الخصوصية ورفع اليد عن موضوعهما، وهو الصوم، وأن الحج مثله في الحكم، وهذا لا قطع به، ولا ظن أصلاً بعد ثبوت الخصوصية له، خصوصاً وأنه يمكن في الحج إدراك اختياري مزدلفة غالباً ولو بمقدار المسمى من دون مخالفة للتقية، وهذا لا يمكن في شهر رمضان في اليوم الذي لا يصومه الناس[10].

التمسك بعمومات التقية:

الثالث: التمسك بعمومات أدلة التقية:

وقد تمسك جملة من الأعلام على إجزاء المأتي به تقية على وفقها بنصوص التقية، وقد ذكر جملة منها بعض الأساطين(قده)، واستند إلى بعضها[11]. وقد استقصاها بعض الأعيان(ره)، في رسالته في التقية، واعتمد عليها جميعاً[12]. وقد سبقهما إلى ذلك الشيخ الأعظم(قده) في رسالته التقية[13].

وعلى أي حال، فإن النصوص المذكورة:

منها: خبر أبي عمرو الأعجمي، عن أبي عبد الله(ع)-في حديث-أنه قال: لا دين لمن لا تقية له، والتقية في كل شيء إلا في النبيذ والمسح على الخفين[14]. وتقريب دلالته أن يقال بأن استثناء مسح الخفين مع كون المنع من المسح عليها عند عدم التقية منعاً غيرياً ولا تحتمل حرمته ذاتاً، دليل على شمول الرواية للتكليف والوضع، فتدل على صحة العمل الناقص مع التقية وإجزائه. نعم يمنع من العمل به ضعف سنده، فإن الراوي، وهو أبو عمر الأعجمي، مجهول.

ومنها: معتبرة معمر بن خلاد، قال: سألت أبا الحسن(ع) عن القيام للولاة؟ فقال: قال أبو جعفر(ع): التقية من ديني ودين آبائي، ولا إيمان لمن لا تقية له[15]. وقد قرب دلالتها على المدعى بعض الأساطين(ره)، بأن ظاهر كون التقية ديناً هو الإجزاء، فإذا كان العمل الفاقد للجزء أو الشرط أو الواجد للمانع بنفسه ديناً، أو من الدين، كان لا محالة مأموراً به بالأمر الاضطراري، فيقع المأمور به كذلك مجزياً عن الأمر الواقعي[16].

ومنها: خبر المعلى بن خنيس، قال: قال لي أبو عبد الله(ع): يا معلى، اكتم أمرنا ولا تذعه فإنه من كتم أمرنا ولم يذعه أعزه الله في الدنيا، وجعله نوراً بين عينيه يقوده إلى الجنة، يا معلى، إن التقية ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له، يا معلى، إن الله يحب أن يعبد في السر كما يحب أن يعبد في العلانية، والمذيع لأمرنا كالجاحد له[17].

وقرب بعض الأعيان(قده) دلالتها بأن العبادة سراً هي العبادة تقية، وقد قال(ع): إن الله يحب أن يعبد في السر، فالعبادة الواقعة على وجه التقية عبادة محبوبة، فوقعت صحيحة[18].

وأما بعض الأساطين(قده)، فجعل تقريب دلالتها بمثل ما ذكره في تقريب دلالة معتبرة معمر بن خلاد[19].

ومنها: صحيحة الفضلاء، قالوا سمعنا أبا جعفر(ع) يقول: التقية في كل شيء يضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله له[20]. ولها تقريبان:

الأول: الالتـزام بأن الحلية فيها أعم من التكليفية والوضعية.

الثاني: ما ذكره بعض الأعيان(قده)، من أن المقصود فيها خصوص الحلية الوضعية، واستشهد لذلك بقوله تعالى:- (وأحل الله البيع)، ويساعد على ذلك ندرة ابتلاء الشيعة في تلك الأعصار بالأحكام التكليفية[21].

ومنها: ما رواه مسعدة بن صدقة، قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول وسئل ع إيمان من يلزمنا حقه وأخوته كيف هو وبما يثبت وبما يبطل؟ فقال: إن الإيمان قد يتخذ على وجهين، أما أحدهما فهو الذي يظهر لك من صاحبك فإذا ظهر لك منه مثل الذي تقول به أنت حقت ولايته وأخوته إلا أن يجيء منه نقض للذي وصف عن نفسه وأظهره لك، فإن جاء منه ما تستدل به على نقض الذي أظهر لك خرج عندك مما وصف لك وأظهر، وكان لما أظهر لك ناقضاً، إلا أن يدعى أنه إنما عمل ذلك تقية، ومع ذلك ينظر فيه، فإن كان ليس مما يمكن أن تكون التقية في مثله لم يقبل منه ذلك، لأن للتقية مواضع من أزالها عن مواضعها لم تستقم له وتفسير ما يتقى مثل أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم وفعلهم على غير حكم الحق وفعله، فكل شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقية مما لا يؤدي إلى الفساد في الدين فإنه جائز[22].

وقد قربت دلالتها على الإجزاء من خلال التمسك بإطلاق الجواز الوارد في ذيلها فيكون شاملاً للحكمين التكليفي والوضعي، فتدل على إجزاء الأمر الاضطراري الناقص عن الأمر الواقعي، قال الشيخ الأعظم(ره): أن المراد بالجواز في كل شيء بالقياس إلى المنع المتحقق فيه لولا التقية، فيصدق على التكفير في الصلاة الذي يفعله المصلي في محل التقية أنه جائز، غير ممنوع عنه بالمنع الثابت فيه لولا التقية[23].

وقال بعض الأعيان(قده): لا ريب في أن الجواز هو المضي وكون الشيء مرخصاً فيه تكليفاً ووضعاً، فيستفاد منه صحة العمل ومضيه. وهذا نظير قوله(ع): الصلح جائز بين المسلمين، فلا يختص بالتكليفي، بل يعم الوضعي، فتكفير المؤمن صلاته وإفطاره لدى السقوط، أي سقوط القرص، ووقوفه بعرفات قبل وقته، وإيقاعه الطلاق مع فقد العدلين، ووضوؤه بالنبيذ، وهكذا يكون جائزاً نافذاً ماضياً لدى الشرع حال التقية، فتسقط الأوامر المتعلقة بالطبائع بالفرد المأتي به تقية، فإذا قضى عنوان التقية كتمان السر والخوف من إذاعة المذهب إتيان عمل على خلاف الواقع يكون جائزاً ومصداقاً في هذا الحال للمأمور به[24].

ومنع بعض الأعاظم(ره) دلالتها على الإجزاء، لأن غاية ما يستفاد من هذه العمومات هو الوجوب التكليفي، أي وجوب العمل على مقتضى التقية، وعدم جواز المخالفة، فيجب متابعتهم وجوباً تكليفياً، وأما أن ذلك يجزي عن الواقع وترتب آثاره، بأن يسقط الواجب، ويسقط الجزء عن الجزئية، والشرط عن الشرطية، بحيث تسقط الإعادة والقضاء، فلا يستفاد منها ذلك[25].

وقد ذكر بعض فضلاء العصر(دام موفقاً)، أن التمسك بإطلاق الجواز الوارد في ذيل الموثقة ليكون شاملاً للحكمين التكليفي والوضعي بحاجة إلى قرينة، ومع عدمها، فإن اللفظ ظاهر في الحكم التكليفي دون الوضعي.

ولو منع ظهور اللفظ في ذلك، فسوف يلتزم بإجمال اللفظ، فيقتصر على القدر المتيقن منه، وهو يقضي بحمله على خصوص المعنى التكليفي دون الوضعي أيضاً.

إن قلت: إن صدر الموثقة وهو قوله(ع): إن الإيمان على وجهين، أما أحدهما فهو الذي يظهر لك من صاحبك فإذا ظهر لك منه مثل الذي تقول به أنت حقت ولايته وأخوته إلا أن يجيء منه نقض للذي وصف من نفسه وأظهره لك. يصلح قرينة للبناء على الإطلاق فتكون شاملة للحكمين التكليفي والوضعي.

قلت: إن الصدر لا يصلح أن يكون قرينة للتعميم، وذلك أولاً: لاختلاف موضوعه عن موضوع الذيل ولا ملازمة بين أن يكون الناقض للإيمان مطلق ما لا يجوز تكليفاً أو وضعاً في غير حال التقية، وتكون التقية مجوزة لما هو حرام تكليفاً لا وضعاً.

ثانياً: إن الذيل قد اشتمل على بعض وجوه التقية وليس جميعها، حيث قال: وتفسير ما يتقى مثل أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم وفعلهم. فيحتمل أن يكون هذا المقدار ناظراً إلى بعض وجوه التقية، وهو الاتيان بما هو محرم تكليفاً، فتأمل[26].

وقد تضمن كلامه(دام موفقاً) أمرين:

الأول: ظهور لفظة الجواز في خصوص الحكم التكليفي، وحملها على الأعم لتكون شاملة للحكم الوضعي بحاجة إلى قرينة.

الثاني: إجمال لفظ الجواز، وعدم الجزم بظهوره في معنى معين، فيلجأ إلى القدر المتيقن، وهو خصوص الحكم التكليفي.

وقد خلى كلامه من ذكر قرينة موجبة لظهور اللفظ المذكور في خصوص الحكم التكليفي، ما يجعله مجرد دعوى غير مبرهنة، كما أن الحاجة إلى وجود قرينة على التمسك بالإطلاق ليكون اللفظ شاملاً للحكمين التكليفي والوضعي في غير محلها، وذلك لأن المقصود من لفظ الجواز في الموثقة بمعنى المضي، وهو شامل لكليهما، فيكون تخصيصه بأحدهما هو الذي يحتاج قرينة لا أن التمسك بإطلاق اللفظ يحتاج ذلك.

ومنه يتضح جواب الأمر الثاني في كلامه، فإن وضوح حقيقة الجواز الوارد في الذيل، وأنه بمعنى المضي، فلا إجمال في المقام حتى يقتصر على خصوص القدر المتيقن.

[1] كتاب الحج تقريرات المحقق الداماد ج 3 ص 77-78.

[2] وسائل الشيعة ج 10 ب 6 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 1 ص

[3] بحوث في شرح مناسك الحج ج 18 ص 458-459.

[4] سورة الإسراء الآية رقم 71.

[5] سورة القصص الآية رقم 41.

[6] فيض العروة ج 2 ص 147.

[7] وسائل الشيعة ج 10 ب 4 من أحكام شهر رمضان ح 2 ص 261.

[8] بحوث في شرح مناسك الحج ج 18 ص 459.

[9] هو آية الله العظمى السيد موسى الزنجاني(دام ظله العالي).

[10] المصدر السابق ص 460.

[11] مستمسك العروة الوثقى ج 2 ص 402،403، 406، ج 8 ص 320.

[12] الرسائل ج 2 ص 175، رسالة التقية.

[13] موسوعة الشيخ الأعظم ج 23 ص 77، ص 90.

[14] وسائل الشيعة ج 16 ب 25 من أبواب الأمر والنهي ح 3 ص 215.

[15] المصدر السابق ب 24 من أبواب الأمر والنهي ح 4 ص 204.

[16] مستمسك العروة ج 8 ص 320.

[17] وسائل الشيعة ج 16 ب 24 من أبواب الأمر والنهي ح 24 ص 210.

[18] الرسائل ص 149.

[19] مستمسك العروة ج 2 ص

[20] وسائل الشيعة ج 16 ب 25 من أبواب الأمر والنهي ح 2 ص 214.

[21] الرسائل ص 178.

[22] وسائل الشيعة ج 16 ب 25 من أبواب الأمر والنهي ح 6 ص 216.

[23] موسوعة الشيخ الأعظم(ره) ج 23 ص 92.

[24] الرسائل ج 2 ص 191.

[25] موسوعة الإمام الخوئي(ره) ج 29 ص 195.

[26] بحوث في شرح مناسك الحج ج 18 ص 704.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة