دروس في التفسير: أسباب النـزول

لا تعليق
دروس في التفسير
302
2
دروس في التفسير: أسباب النـزول

 

تعدّ أسباب النـزول قرينة خارجية تساعد على تحديد المقصود من الآية الشريفة، وهي تعدّ من صغريات التفسير بالمأثور، من دون فارق بين آية وأخرى. نعم قد تكون العناية بها في آيات الأحكام أكثر أهمية من غيرها من الآيات، سيما وأنها تعدّ قرينة خارجية معينة على تحديد المقصود من الآية، وآيات الأحكام ترتبط بواقع المكلفين.

 

ويشير لأهمية أسباب النـزول بصورة عامة، ما ذكره الواحدي، قال: لا يمكن معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها دون الوقوف على قصتها، وبيان نزولها[1].

وقريب منه قال بعض مراجع العصر(حفظه الله): إن لمعرفة أسباب النـزول دوراً هاماً في رفع الإبهام عن الآيات التي وردت في شأن خاص، لأن القرآن الكريم نزل نجوماً عبر ثلاثة وعشرين عاماً إجابة لسؤال أو تنديداً لحادثة، أو تمجيداً لعمل جماعة إلى غير ذلك من الأسباب التي دعت إلى نزول الآيات، فالوقوف على تلك الأسباب لها دور في فهم الآية بحدها ورفع الإبهام عنها[2].

 

مناط حجية الرواية التفسيرية:

نعم يبقى الكلام بعد ذلك في تحديد سبب النـزول الذي يصلح أن يكون قرينة خارجية يتكأ عليها في تحديد المقصود من الآية المباركة، وتفسيرها، وهذا يستدعي الوقوف على مناط الحجية في الرواية التفسيرية، حيث توجد نظريات ثلاث:

الأولى: اعتبار قطعية الصدور فيها، فلا يعول على أخبار الآحاد في التفسير ولو كانت صحيحة، ومن القائلين به شيخ الطائفة(ره)، وهو الذي أصر عليه كثيراً بعض أعيان التفسير(قده)[3].

 

قال الشيخ الطوسي(قده): بل ينبغي أن يرجع إلى الأدلة الصحيحة، إما العقلية، أو الشرعية: من إجماع عليه، أو نقل متواتر به عمن يجب اتباع قوله، ولا يقبل في ذلك خبر واحد خاصة إذا كان مما طريقه العلم.

وقال بعض أعيان التفسير(رض): هذا كله في بيانهم المتلقى بالمشافهة فقط، وأما الخبر الحاكي له، فما كان منه بياناً متواتراً، أو محفوفاً بقرينة قطعية، وما يلحق به، فهو حجة لكونه بيانهم، وأما ما كان مخالفاً للقرآن، أو غير مخالف، لكنه ليس بمتواتر، ولا محفوفاً بالقرينة، فلا حجية فيه، لعدم كونه بياناً في الأول، وعدم احراز البيانية في الثاني[4].

 

وقال(ره) أيضاً: ولا معنى لجعل حجية أخبار الآحاد في غير الأحكام الشرعية، فإن حقيقة الجعل التشريعي إيجاب ترتيب أثر الواقع على الحجة الظاهرية، وهو متوقف على وجود أثر عملي للحجة كما في الأحكام، وأما غيرها فلا أثر فيه حتى يترتب على جعل الحجية، مثلاً إذا وردت الرواية بكون البسملة جزء من السورة، كان معنى جعل حجيتها وجوب الاتيان بالبسملة في القراءة في الصلاة، وأما إذا ورد مثلاً أن السامري كان رجلاً من كرمان، وهو خبر واحد ظني، كان معنى جعل حجيته أن يجعل الظن بمضمونه قطعاً وهو حكم تكويني ممتنع، وليس من التشريع في شيء، وتمام الكلام في علم الأصول[5].

ولا يذهب عليك أن قطعي الصدور لا ينحصر في خصوص الخبر المتواتر، بل يشمل الخبر الذي يكون محفوفاً بالقرائن القطعية، وقد أشير لاعتبار هذا النوع من الأخبار أيضاً في كلمات بعض أعيان التفسير(قده).

 

النظرية الثانية:

الثاني: كفاية الخبر الصحيح ولو كان خبر آحاد، فلا يفرق في مقام الحجية بين الرواية التفسيرية والرواية الفرعية، فكما يكتفى في الرواية الفرعية بخبر الواحد الثقة، كذلك يلتـزم بذلك في الرواية التفسيرية أيضاً، وتظهر هذه النظرية من بعض الأعاظم(ره) فقد جاء في مقدمة كتابه القيم البيان: وسيجد القارئ أني لا أحيد في تفسيري هذا عن ظواهر الكتاب ومحكماته، وما ثبت بالتواتر، أو بالطرق الصحيحة من الآثار الواردة عن أهل بيت العصمة من ذرية الرسول(ص)، وما استقل بع العقل الفطري[6].

وقد دافع(قده) عن مختاره ودفع ما يرد عليه من إشكال، من أن الحجية تحتاج إلى أثر شرعي ليكون مصححاً للعمل به، فقال: قد يشكل: في حجية خبر الواحد الثقة إذا ورد عن المعصومين(ع) في تفسير الكتاب، ووجه الإشكال في ذلك أن معنى الحجية التي ثبتت لخبر الواحد، أو لغيره من الأدلة الظنية هو وجوب ترتيب الآثار عليه عملاً في حال الجهل بالواقع، كما تترتب على الواقع لو قطع به، وهذا المعنى لا يتحقق إلا إذا كان مؤدى الخبر حكماً شرعياً، أو موضوعاً قد رتب الشارع عليه حكماً شرعياً، وهذا الشرط قد لا يوجد في خبر الواحد الذي يروى عن المعصومين في التفسير.

 

وهذا الإشكال، خلاف التحقيق، فإنا قد أوضحنا في مباحث علم الأصول أن معنى الحجية في الأمارة الناظرة إلى الواقع هو جعلها علماً تعبدياً في حكم الشارع، فيكون الطريق المعتبر فرداً من أفراد العلم، ولكنه فرد تعبدي لا وجداني، فيترتب عليه كلما يترتب على القطع من الآثار، فيصح الإخبار على طبقه كما يصح أن يخبر على طبق العلم الوجداني، ولا يكون من القول بغير علم، ويدلنا على ذلك سيرة العقلاء، فإنهم يعاملون الطريق المعتبر معاملة العلم الوجداني من غير فرق بين الآثار[7].

ومن الواضح، أنه يترتب على النظرية المذكورة البناء على التفصيل في الروايات التفسيرية، لأن مسلك جعل العلمية والذي أبرزته مدرسة المحقق النائيني(ره) في الحجية يشترط ترتب الأثر الشرعي على الرواية الحجة، وهذا يوجب اختصاص الروايات التفسيرية بما تكون ذات أثر شرعي، ولا يعول عليها فيما يبرر إثبات حقيقة تأريخية، أو تكوينية، فضلاً عن قضية عقدية. لأن دليل حجية الأمارة وإن جعلها علماً، إلا أنه علم تعبدي جعلي، ومن الواضح أن العلم التعبدي يتقدر بمقدار الجعل، فيكون ناظراً إلى ما يتصل بعمل المكلف دون غيره، كالاعتقاد.

والانصاف، أن النتيجة المترتبة على هذه النظرية توجب خدشة فيها، بل تحول دون القبول بها.

 

النظرية الثالثة:

الثالثة: اعتبار الوثوق النوعي والاطمئنان في الرواية التفسيرية، وهو المختار، وهو يتوافق والنظرية الثانية في عدم الفرق بين الرواية التفسيرية والرواية الفرعية، وإن كانا يختلفان في أن المناط على خبر الثقة، أو على الخبر الموثوق بصدوره.

والوجه في ذلك، أن الوثوق والاطمئنان النوعي علم عرفي، قد جرى عامة العقلاء على الاعتماد عليه في كل المجالات، عقدية كانت أم غير ذلك.

ولا يوجد ما يمنع من التعويل عليه، إذ أقصى ما يتصور مانعاً من حجيته هو الآيات التي تضمنت النهي عن اتباع الظن، ومن الواضح جداً أجنبيتها عنه، لأن المفروض عدم كون الوثوق النوعي ظناً، بل هو اطمئنان، وهو علم عرفي كما عرفت.

ومع تمامية النظرية الثالثة، لا موجب للبناء على النظرية الأولى، لأنه لو لم تتم هذه النظرية فلا مناص عن الالتـزام بالنظرية الأولى خصوصاً وقد عرفت عدم تمامية النظرية الثانية.

 

تفصيل بعض الأعلام في الرواية التفسيرية:

ومع البناء على النظرية الثالثة، لن يحتاج إلى ما بنى عليه بعض أعلام التفسير المعاصرين(دام ظله)، من التفصيل في الآيات القرآنية بلحاظ موضوعاتها، فيقبل خبر الواحد الظني في خصوص الأحكام العملية التعبدية، والمعارف العقدية غير أصول الدين، ولا يعتبر الاعتقاد التفصيلي فيها من الضروريات، مثل حقيقة العرش، والكرسي، واللوح، والقلم، والملائكة. دون الآيات القرآنية التي يكون موضوعها المعارف الاعتقادية أعني أصول الدين، والتي يكون الاعتقاد بها ضرورياً، فإنه لا يكتفى فيها بالخبر الظني، ولو كان حجة.

وأما الأمور العلمية والتكوينية، كالآيات الإلهية في الخلق، وأن السماوات والأرض كانتا وحدة متصلة في بداية الأمر، ثم انفصلت بعضها عن البعض الآخر، فلما لم يكن لمثل هذه الأمور ثمرة عملية، وتفتقر إلى اليقين العلمي، فيمكن الاستفادة من خبر الواحد الظني الحجة على نحو الاحتمال، وليس الجزم واليقين، ولا يكون حجة تعبدية، لأن حجية خبر الواحد تتعلق بالمسائل التعبدية العملية[8].

لأن المفروض أن النظرية الثالثة تفيد علماً عرفياً، وليس ظناً، فتأمل.

 

موجبات الاطمئنان النوعي:

وحتى يحصل الاطمئنان النوعي لابد من توفر موجبات في الخبر نشير لبعضها، وتطلب البقية من البحث الأصولي والدرائي:

منها: وثاقة الرواة.

ومنها: موافقة مضمونه للكتاب، وثوابت السنة.

ومنها: موافقته للمرتكزات العقلائية.

ومنها: موافقته لأحكام، وعدم مخالفته لها.

 

الاتجاهات في أسباب النـزول:

وقد أوجب اختلاف النظريات في حجية الرواية التفسيرية حصول الاختلاف بين المفسرين في التعاطي مع أسباب النزول، فوجد اتجاهان:

الأول: وهو الذي يرى أنه لا يمكن تفسير آية من الآيات القرآنية إلا بعد ملاحظة سبب نزولها، وهذا يظهر جلياً من خلال الواحدي مؤلف أسباب نزول الآيات، وقد تقدم نقل كلامه في مقدمة كتابه، قال: لا يمكن معرفة تفسير الآية، وقصد سبيلها دون الوقوف على قصتها، وبيان نزولها[9].

ولم أقف على من وافقه من علماء الطائفة المحقة، فإن المتابع لكلماتهم يقف على خلاف ذلك تماماً، وهذا ما سوف يتضح إن شاء الله تعالى.

الثاني: ما أختاره جل علماء الطائفة المحقة، لو لم يكن جميعهم، من البناء على رفض التعويل على شيء من أسباب النـزول والاستناد إليها، بسبب ضعف أسنادها، وكثرة وجود الإسرائيليات فيها، نعم بينها قليل يوثق بصدوره، فيؤخذ به، وهذا يعني أنه لا يؤخذ بكل رواية، بل لابد من معرفة صحتها من سقمها.

 

قال الشيخ البلاغي(قده): وأما الرجوع في التفسير وأسباب النـزول إلى أمثال عكرمة، ومجاهد وعطاء وضحاك، كما ملئت التفسير بأقوالهم المرسلة، فهو مما لا يعذر فيه المسلم في أمر دينه فيما بينه وبين الله، ولا تقوم به الحجة، لأن تلك الأقوال إن كانت روايات فهي مراسيل مقطوعة، ولا يكون حجة من المسانيد إلا ما ابتنى على قواعد العلم الديني الرصينة[10].

قال بعض الأعلام(ره): ومما ينبغي الإلماع إليه، أنني بطبعي لا أميل إلى الأخذ بروايات موارد النـزول وأسبابه، فإنها جميعاً ضعيفة السند، وغير مؤكدة الصحة، بالرغم من اهتمام بعض المؤلفين بها كالسيوطي[11] وغيره، وإنما المهم في نظري كما ينبغي أن يكون هو المهم في نظر الجميع، إن كل آية من آيات الكتاب الكريم، تعدّ قاعدة عامة ومنهج حياة وأسلوب سلوك قابل للانطباق على جميع المستويات، وعلى جميع المجتمعات، بل على جميع الأجيال، بل كل الخلق أجمعين، فإن القرآن هو خلاصة القوانين والمعارف المطبقة فعلاً في الكون والموجودة في أذهان الأولياء الراسخين في العلم[12].

 

وقد تضمن كلامه(ره) مانعين من الأخذ بأسباب النـزول:

الأول: عدم الحجية، فإنها أخبار ضعاف الأسناد.

الثاني: ملاحظة قاعدة المورد لا يخصص الوارد، والتي سوف نشير إليها.

وجاء عن بعض مراجع العصر(حفظه الله): لا يمكن الاعتماد على كل ما ورد في الكتب باسم أسباب النـزول، بل لابد من التحقيق حول سنده والكتاب الذي ورد فيه، فإن أكثر المفسرين في القرون الأولى أخذوا علم التفسير من مستسلمة أهل الكتاب، خصوصاً فيما يرجع إلى قصص الأنبياء وسيرة أقوالهم، فلا يمكن الاعتماد على كلام هؤلاء[13].

 

وقد ألتـزم بهذا المعنى أيضاً بعض الأعلام(ره) قال: تجاهلت ما جاء في الروايات في أسباب التـنزيل إلا قليلاً منها، لأن العلماء لم يمحصوا أسانيدها، ويميزوا بين صحيحها وضعيفها[14].

نعم نص بعض أعيان الطائفة(رض) على أن مانعهم من العناية بأسباب النـزول يعود لملاحظة قاعدة المورد لا يخصص الوارد، كما يظهر ذلك من كلام بعض أعيان التفسير(ره)[15].

وقال بعض الأعيان(قده): كما أني لم أهتم بذكر شأن النـزول غالباً، لأن الآيات المباركة كليات تنطبق على مصاديقها في جميع الأزمنة، فلا وجه لتخصيصها بزمان النـزول أو بفرد دون فرد آخر[16].

 

سبب النـزول والمسألة الفقهية:

وقد اتضح من خلال ما تقدم دور سبب النـزول في المسألة الفقهية، وأنه متى يمكن التعويل والاعتماد عليه، وعدّه قرينة مفسرة لمدلول الآية القرآنية ليستنبط منها حكم شرعي، ومتى لا يكون كذلك، إذ قد عرفت أن ذلك رهين دخول الخبر الناقل لسبب النـزول دائرة الحجية، كي ما يصلح للاستناد، وأنه متى افتقر لذلك كان ذلك مانعاً من الركون إليه.

ومن المعلوم أن أحد موجبات الوثوق والاطمئنان بروايات أسباب النـزول وعدّها قرينة خارجية دالة على تحديد المقصود من الآية الشريفة في كل مورد ليعول عليها، ملاحظة مصدرها، بمعنى أنها صادرة عن أحد المعصومين(ع)، أو أنها صادرة عن أحد الصاحابة أو التابعين، ومن الواضح جداً أن هناك فرقاً بين ما إذا كانت صادرة عن المعصوم(ع)، فيصلح عدّها قرينة حينئذٍ بخلاف ما إذا كانت صادرة عن أحد الصحابة أو التابعين، لاحتمال أن يكون ذلك نحو اجتهاد منه، وليس معتمداً في ذلك على رواية صادرة عن النبي(ص) مثلاً. نعم يمكن التعويل على ما يكون صادراً عن أحد الصحابة أو التابعين لو كانت القرائن الحالية تساعد على ما ذكر.

 

وهذا ما لا تتوفر عليه جل أسباب النـزول الموجودة في كتب التفسير، فإنها منقولة إما عن أحد الصحابة، أو عن أحد التابعين، ويغلب على هؤلاء افتقارهم إلى التوثيق ما عدا ابن عباس على كلام فيه، يطلب من محله. مضافاً إلى أنها ليست منقولة عن أحد المعصومين(ع)، وهذا يجعلها أقرب ما تكون إلى الاجتهاد الشخصي الحاصل من الصحابي أو التابعي من خلال تطبيقه الواقعة التاريخية، أو الحدث الخارجي على الآية الشريفة ويقرر أنها المقصودة بذلك. وقد أشار لهذا المعنى بعض أعيان التفسير(ره)، قال: ما ذكروه من أسباب النـزول كلها أو جلها نظرية بمعنى أنهم يروون غالباً الحوادث التأريخية، ثم يشفعونها بما يقبل الانطباق عليها من الآيات الكريمة فيعدونها أسباب النـزول، وربما أدى ذلك إلى تجزئة آية واحدة، أو آيات ذات سياق واحد، ثم نسبة كل جزء إلى تنـزيل واحد مستقل، وإن أوجب ذلك اختلال نظم الآيات، وبطلان سياقها، وهذا أحد أسباب الوهن في نوع الروايات الواردة في أسباب النـزول[17].

ومن الواضح أنه مع وجود الاجتهاد من قبل الصحابي أو التابعي، ولا أقل من احتماله في تعيـين سبب نزول الآية الشريفة، يصعب البناء عليه، وعدّه قرينة لتفسيرها. ويزداد الأمر وضوحاً حال ملاحظة أسباب النـزول الموضوعة والتي لا مجال للبناء عليها أبداً.

 

قاعدة المورد لا يخصص الوارد:

على أنه لو رفعت اليد عن جميع ما تقدم، فإن روايات أسباب النـزول على ما يبدو محكومة بقاعدة وهي أن المورد لا يخصص الوارد، وهذا يمنع انحصار الآية الشريفة غالباً بالمورد الذي ذكر علة وسبباً لنـزولها، فلا يصلح لتقيـيد إطلاقها أو تخصيص عمومها، بل العبرة كما ذكر ذلك الأصوليون، بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب. إذ لا يتصور أحد اختصاص الحكم الوارد في آية الظهار، وهي قوله تعالى:- (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودوا لما قالوا فتحرير رقبة)[18] بمن نزلت فيه، وهو أوس بن الصامت، ومظاهرته لزوجته خولة بنت ثعلبة. ومثل ذلك آية اللعان. قال بعض أعيان التفسير(قده): القرآن نزل هدى للعالمين، يهديهم إلى واجب الاعتقاد، وواجب الخلق، وواجب العمل، وما بينه من المعارف النظرية حقائق لا تختص بحال دون حال، ولا زمان دون زمان، وما ذكره من فضيلة أو رذيلة أو شرعه من حكم عملي لا يتقيد بفرد ولا عصر دون عصر لعموم التشريع. وما ورد من شأن النـزول لا يوجب قصر الحكم على الواقعة لينقضي الحكم بانقضائها ويموت بموتها، لأن البيان عام، والتعليل مطلق[19].

 

ومثله ذكر بعض الأعيان(ره): كما أني لم أهتم بذكر شأن النـزول غالباً، لأن الآيات المباركة كليات تنطبق على مصاديقها في جميع الأزمنة، فلا وجه لتخصيصها بزمان النـزول، أو بفرد دون فرد آخر[20].

وقد أوجب هذا بناء الأعلام(رض) على قاعدة الاشتراك، وأن الأحكام ليست مختصة بالمشافهين الحاضرين مجلس الخطاب، ولا تشمل الغائبين عنه، بل هي شاملة لهم جميعاً حتى المعدومين الذين بعدُ لم يوجدوا، وسوف يوجدون في المستقبل.

نعم لا ينكر صلوح بعضها لتقيـيد الإطلاق، أو تخصيص العموم، كما في الآيات النازلة في أهل البيت، وفي أمير المؤمنين(ع)، كما هو مفصل في محله.

والحاصل، إنه لو قبل بروايات أسباب النـزول، فإنها لا تخرج غالباً عن كونها من صغريات الجري والتطبيق، وهذا يجعلها مجرد مصاديق للآية الآيات الشريفة، وليست تفسيراً لها[21].

 

 

 

 

[1] أسباب نزول الآيات ص 10.

[2] المناهج التفسيرية في علوم القرآن ص 38.

[3] التبيان ج 1 ص 7، الميزان ج 14 ص 38.

[4] الميزان ج 12 ص 262.

[5] الميزان ج 14 ص 205-206.

[6] البيان ص 13.

[7] المصدر السابق ص 398.

[8] تسنيم ج 1 ص 156-158.

[9] أسباب نزول الآيات ص 10.

[10] آلاء الرحمن ج 1 ص 45.

[11] يعتبر أول من ألف في أسباب النزول هو الواحدي صاحب أسباب نزول الآيات، وكان ذلك في القرن الخامس، وبعد خمسة قرون كتب السيوطي كتاباً في ذلك أكبر حجماً مما كتبه الواحدي، وهذا يعد منبهاً للتوقف في مرويات السيوطي في الكتاب المذكور، إّ كيف ظفر بعد عشر قرون بما لم يظفر به سابقه، وما هي قيمة ما دونه في كتابه وقد أعرض عنه الواحدي، أو لم يقف عليه.

[12] منة المنان في الدفاع عن القرآن ص 21.

[13] المناهج التفسيرية في علوم القرآن ص 40-41.

[14] الكاشف ج ص 14.

[15] القرآن في الإسلام للعلامة السيد محمد حسين الطباطبائي(ره) ص 153.

[16] مواهب الرحمن ج 1 ص 7.

[17] الميزان ج 4 ص 74.

[18] سورة المجادلة الآية رقم 3.

[19] الميزان في تفسير القرآن ج 1 ص 42.

[20] مواهب الرحمن ج 1 ص 7.

[21] لا زال قاعدة المورد لا يخصص الوارد تحتاج بحثاً أكثر تفصيلاً، ولكن نكتفي بهذا المقدار، حتى لا يخرج المقام عما هو المطلوب.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة