أخبار الفضائل
من المعلوم أن القبول بأي رواية كانت سواء أكانت رواية عقدية أم رواية تفسيرية، أم رواية فرعية فقهية، أم رواية تأريخية، فرع نقدها سنداً، ومتناً. نعم يختلف اعتبار كل واحدة من هذه الروايات عن بعضها البعض، وبالتالي يختلف اعتبار نقدها من حيث السند.
والذي يهمنا هو البحث حول كيفية التعامل مع نصوص الفضائل والأحداث التأريخية مثل السيرة النبوية والسيرة الحسينية، وتواريخ الأنبياء والأئمة(ع)، وأخبار المناقب والمثالب المتعلقة برجالات التاريخ الإسلامي، وكذا الإخبارات عن أمور تكوينية مثل تحديد قبور بعض الأنبياء والأولياء، مثل: فبر نبي الله آدم، وقبر نبي الله هود، وقبر نبي الله صالح(ع)، وقبر السيدة زينب(ع)، وموضع رأس الإمام الحسين(ع).
ومثل ذلك ما جاء في مسائل الطب من خصائص النباتات وتاريخ العالم وتكوينه وأوضاع الجنة والنار وأحداث القبر ويوم القيامة.
وقد وقع الخلاف بين الأعلام في كيفية التعامل مع هذه النصوص، وأن التعامل معها يكون بضابط التعامل مع الرواية العقدية، أو الرواية الفرعية الفقهية أو الرواية التأريخية، أم أن التعامل معها يكون بنحو آخر يختلف تماماً عن جميع ما تقدم، وذلك لأنه لا يعتبر في الاستناد لشيء منها اعتبار الضابطة لشيء مما ذكر فيها، فيمكن الاعتماد عليها ولو لم يتوفر فيها الشروط المعتبرة في تلك الروايات، فيمكن نقل روايات الفضائل ولو لم يتوفر فيها شيء من ذلك اعتماداً على جريان قاعدة التسامح في أدلة السنن. فوجد قولان في المقام:
الأول: البناء على شمول قاعدة التسامح في أدلة السنن لهذه الأمور.
الثاني: البناء على عدم شمولها لمثل هذه الأمور، وهو الذي أختاره بعض الأعاظم(قده)، وبعض الأعلام(ره)[1].
القول الأول:
وقد اعتمد أصحاب القول الأول على الالتـزام بتفسير أخبار من بلغ بما عليه المشهور من دلالتها على حجية الخبر الضعيف، وأنه يفيد الاستحباب أو الكراهة.
وتتوقف تمامية هذا القول على توفر أمرين:
أحدهما: تفسير روايات من بلغ وفق مختار المشهور بين المتأخرين من علماء الطائفة.
ثانيهما: أن تكون النصوص المذكورة مطلقة لتكون شاملة لمثل هكذا موارد، أما لو بني على أنها مختصة بالشبهات الحكمية وعدم شمولها للشبهات الموضوعية، فلن يتم هذا القول.
تقريب شمول أخبار من بلغ للموضوعات:
وتقريب كيفية دلالة نصوص من بلغ لتشمل هذه الموضوعات، من خلال أن جميع الإخبارات المذكورة تؤثر على عمل الإنسان وسلوكه وإعطائه الثواب بالبكاء على مصائب الأولياء، أو زيارة القبور، أو أنها تقوي إيمان الإنسان وعلاقته بالله سبحانه وتعالى، من خلال معرفة أخبار القبر والقيامة، وغير ذلك.
وبالجملة، إن هذه الإخبارات تصلح أن تكون موضوعاً لعمل يرجع بالثواب، فمثلاً إثبات أن المكان الفلاني هو موضع قبر السيدة زينب(ع)، يحقق تطبيقاً للصلاة في هذا المكان الثابت استحبابها، أو أن ثبوت فضيلة لأحد الأئمة من أهل البيت(ع)، في أمر معين يحقق مورداً لنشر فضائل أهل البيت في الأمة، وهكذا.
وقد تمسك أصحاب هذا القول بأمور:
الأول: حكم العقل بحسن ذلك خصوصا مع الأمن من الضرر على تقدير وجود الكذب.
الثاني: ما دل على حسن الإعانة على الخير وفضيلة الإبكاء على المولى أبي عبد الله الحسين(ع) مثلاً. بل استحباب الإبكاء على أهل البيت(ع) في كل ما يظن أنه مصيبة لهم(ع).
الثالث: إطلاقات أخبار من بلغ، فإنها شاملة لهذه الأمور.
وجمع ما ذكر من الأمور المستدل بها قابلة للمناقشة، إلا أن المقام ليس موضع ذكرها.
القول الثاني:
بينما نجد أصحاب القول الثاني، يمنعون ذلك، فمضافاً لمناقشتهم في دلالة نصوص من بلغ على مختار المشهور، والبناء على أن دلالتها إما للإرشاد إلى حكم العقل، بحسن الاحتياط والانقياد، أو دلالتها على الوعد الصرف على إعطاء الثواب حال الاتيان بالعمل الذي يشتمل على الثواب، فإن ذلك يندرج تحت عنوان الكذب وهو قبيح عقلاً ومحرم شرعاً، فنشر الفضيلة التي لا حجة عليها، وذكر المصيبة التي لا حجة عليها قبيح عقلاً، ومحرم شرعاً، فلا تعمها ولا تشملها أخبار من بلغ.
ويمكن التأمل في كلا الأمرين، ويكفينا ملاحظة الأمر الأول، أن أكثر علماء الطائفة اليوم، لم يقبلوا بتفسير المشهور للنصوص، ولهذا عرف بينهم البناء على عدم ثبوت قاعدة التسامح في أدلة السنن بالمعنى المشهور، والذي يصير الخبر الضعيف دالاً على حكم ترخيصي، وهو الاستحباب أو الكراهة.
بل إن بعض علماء الطائفة(أطال الله في عمره الشريف)، قد فسر نصوص من بلغ بأنها ناظرة لما إذا جاء خبر معتبر ينص على فضل الاتيان بعمل ما، ثم جاء خبر ضعيف يشير لما لهذا العمل من الأجر والثواب. فلا تشمل ما إذا كان أصل العمل وارداً في نص غير معتبر، فضلاً عن ثوابه.
[1] المرجع الديني الكبير السيد محمد الحسيني الروحاني(قده).