غسل الإحرام

لا تعليق
خواطر حوزوية
13
0

غسل الإحرام

لا خلاف في مشروعية غسل الإحرام، والنصوص الدالة على ذلك لا يبعد تواترها. وإنما وقع الخلاف في كونه واجباً أو مستحباً، قولان في المسألة:

الأول: القول بوجوب الغسل للإحرام، وهو مختار ابن الجنيد وابن أبي عقيل العماني، بل نسبه السيد المرتضى(ره) إلى مشهور القدماء، قال: الصحيح عندي أن غسل الإحرام سنة، ولكنها مؤكدة غاية التأكيد، فلهذا اشتبه الأمر على أكثر أصحابنا، واعتقدوا أن غسل الإحرام واجب لقوة ما ورد في تأكيده، والحق الاستحباب.

لنا: الأصل براءة الذمة، وما تقدم من حديث سعد عن الصادق(ع) حين قال: الغسل في أربعة عشر موطناً، واحد فريضة والباقي سنة[1].

والمستفاد من صدر كلامه أمران:

الأول: أن غسل الإحرام مستحب مؤكد.

الثاني: أن المشهور بين قدماء أصحابنا، هو القول بوجوب غسل الإحرام، وأن الذي دعاهم إلى هذا الاشتباه النصوص المشتملة على التأكيد الشديد على الاعتناء بغسل الإحرام.

وأخيراً استدل للقول بالاستحباب بأمرين:

أولهما: الأصل العملي، وهو برائة الذمة من التكليف، لكون المقام مقام شك في الوجوب، فيكون مجرى لأصالة البراءة، كما لا يخفى.

الثاني: حديث سعد.

إلا أن المشكلة تكمن في استدلاله بحديث سعد، لأنه اعتمد في دلالته على مدعاه من خلال التعبير الوارد فيه: والباقي سنة، فظن أن السنة هنا بمعنى الاستحباب.

لكنه في غير محله، لأن الظاهر من النص أن السنة هنا مقابل الفريضة، وهي تعني ما سنّه النبي(ص) مقابل الفريضة، وهي ما شرعه الله سبحانه وتعالى، وعليه لا يكون الخبر المذكور صالحاً للاستدلال به على المدعى كما لا يخفى.

وقد يتوقف في قبول النسبة المذكورة في كلامه(ره) لقدماء الطائفة من القول بالوجوب، إذ لم يعرف القول بذلك إلا من ابن أبي عقيل، لأن نسبة القول بذلك لابن الجنيد لا تخلو عن شيء، لأنه قد اختلف كلام العلامة(ره) في كلامه في المختلف في ذلك، حيث نسب له القول بذلك في موضع[2]، ونفى عنه القول به في موضع آخر[3]. بل إن المعروف بينهم هو القول بالاستحباب، كما ستأتي الإشارة لذلك في القول الثاني.

ولا مجال لتأيـيد كلامه(ره) بما يظهر من كلام الشيخ(ره) في النهاية من البناء على وجوبه، قال: من أحرم من غير صلاة وغسل، كان عليه إعادة الإحرام بصلاة وغسل[4]. لأن ديدنه(ره) في الكتاب المذكور الافتاء بمتون الأخبار، وهذا لا يكشف عن وجود شهرة قدمائية على القول بالوجوب.

نعم يساعد على ما جاء في كلام المرتضى(ره)، ما ذكره الصدوق(ره) في كتابيه المقنع والهداية، حيث جاء فيهما: وإذا بلغت، فاغتسل والبس ثوبي إحرامك[5]. وهو ظاهر في القول بالوجوب مع أنه لم ينسب له القول بذلك، ولم يتضح لي وجه عدم نسبة ذلك له.

وما جاء في كلام ابن إدريس(ره)، فإنه نسب في السرائر القول بالوجوب إلى بعض أصحابنا[6].

الثاني: القول باستحبابه، وهو مختار مشهور المتأخرين، بل عليه مشهور القدماء، فهو مختار ابن حمزة في الوسيلة، وسلار في المراسم، والحلبي في الكافي، وابن زهرة في الغنية مدعياً عليه الإجماع، وابن البراج في المهذب، والكيدري في إصباح الشيعة، وابن سعيد في نزهة الناظر، مضافاً للمفيد والشيخ(ره).

كما أنه قد يتأمل في نسبة القول بالاستحباب لشيخنا المفيد(ره)، لعدم وضوح ذلك من عبارته، فقد جاء في المقنعة: غسل الإحرام للحج سنة أيضاً، بلا خلاف، وكذا غسل إحرام العمرة. لوجود محتملين في المقصود بالسنة الواردة في كلامه، وسوف يختلف الحال في حكم الغسل على كل منهما، والمحتملان:

الأول: أن يكون المقصود من السنة في كلامه ما يقابل الفريضة، فيكون بمعنى ما سنه النبي(ص)، مقابل ما شرعه الله سبحانه وتعالى، كما أشرنا لذلك في حديثنا عن قاعدة: لا تنقض السنة الفريضة.

الثاني: أن يكون المراد به ما يقابل الواجب، فيكون المراد منه المستحب، فيكون قوله: سنة، يعني مستحباً.

ومن الواضح، أنه لو بني على الاحتمال الأول، سوف يكون غسل الاحرام واجباً، وليس مستحباً بخلاف ما لو بني على الاحتمال الثاني، فإنه سوف يكون مستحباً وليس واجباً.

ولا وجه لأن يقال، بأنه ليس من ديدن الأعلام استعمال التعبيرات الواردة في النصوص، فيكون التعبير الصادر عنه تعبيراً فقاهتياً، وليس تعبيراً معصومياً، لأن المتابع لكلمات القدماء يجد أنه يغلب عليهم الحفاظ على تعابير النصوص كما هي قدر المستطاع، سيما ما قبل كتابة شيخ الطائفة(ره) كتابه المبسوط، فتأمل.

وعلى أي حال، الجزم بكون المفيد(ره) قائلاً بالاستحباب، خصوصاً مع ملاحظة عبارة السيد المرتضى التي حكيناها، من الصعوبة بمكان، كما أن الجزم بكونه قائلاً بالوجوب أصعب.

نعم لا يأتي المحتملان المذكوران في كلام شيخ الطائفة(ره)، لأنه قد صرح في المبسوط بكون الغسل مستحباً، قال: يستحب الغسل عند الأحرام، وعند دخول مكة[7].

وقال في المبسوط: ويستحب له أن يغتسل عند الإحرام[8].

ومع وجود خلاف بين قدماء الأعلام، ولا أقل من استفادة ذلك من كلام السيد المرتضى(ره)، كما عرفت، لن يكون وجه لما ذكره المحقق الهمداني(ره)، وتبعه على ذلك بعض الأعاظم(ره)، من البناء على استحباب غسل الاحرام، وحمل النصوص الظاهرة على الوجوب على ذلك، اعتماداً على قرينية لو كان لبان، واشتهر بين الناس، خصوصاً وأن المسألة ابتلائية كثيرة الدوران في حياة الناس[9]. لأنه يحتمل أن يكون منشأ اختفاء ذلك وعدم ظهوره يعود لاشتهار فتوى الأعلام بدءاً من شيخ الطائفة(قده)، ومن جاء بعده من الأعلام بعدم الوجوب، واستحباب الغسل.

وكيف ما كان، فإن اللازم هو ملاحظة دلالة النصوص، خصوصاً وأن وجود الخلاف الذي أشير إليه ولو في كلام السيد المرتضى(قده) مانع من توهم كون المسألة إجماعية، ويمكن تصنيف النصوص وفق دلالتها على المدعى إلى طوائف:

الأولى: ما تضمنت وصف غسل الإحرام بكونه واجباً:

وذلك إما بالتعبير بكلمة الفرض، والتي تكون ظاهرة في الوجوب، أو التعبير بكلمة واجب:

منها: مرسلة يونس عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الغسل في سبعة عشر موطنا: منها الفرض ثلاثة، فقلت، جعلت فداك ما الفرض منها؟ قال: غسل الجنابة، وغسل من غسل ميتا، والغسل للإحرام[10].

والمقصود بأحمد بن محمد الذي يروي عنه المفيد، هو أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد.

ولعل نكتة الحصر في الواجب من الأغسال في خصوص هذه الثلاثة دون غيرها هو ملاحظة الأغسال المشتركة بين الرجل والمرأة حال حياتهما. وقد أشار لهذا المعنى صاحب الوسائل(ره)، حيث عقب على الخبر بقوله: المراد حصر الغسل الواجب على الرجل ما دام حياً.

ولا موجب لحصر الأمر في خصوص الرجل دون المرأة سيما مع ملاحظة قاعدة الاشتراك.

ومنها: موثقة سماعة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن غسل الجمعة؟ فقال: واجب في السفر والحضر، إلا أنه رخص للنساء في السفر، لقلة الماء، وقال: غسل الجنابة واجب، وغسل الحائض إذا طهرت واجب، وغسل الاستحاضة واجب إذا احتشت بالكرسف فجاز الدم الكرسف – إلى أن قال – وغسل النفساء واجب، وغسل المولود واجب، وغسل الميت واجب، وغسل من غسل الميت واجب، وغسل المحرم واجب، وغسل يوم عرفة واجب، وغسل الزيارة واجب إلا من علة، وغسل دخول البيت واجب، وغسل دخول الحرم يستحب أن لا تدخله إلا بغسل، وغسل المباهلة واجب، وغسل الاستسقاء واجب، وغسل أول ليلة من شهر رمضان مستحب، وغسل ليلة إحدى وعشرين سنة، وغسل ليلة ثلاث وعشرين سنة لا تتركها، لأنه يرجى في إحداهن ليلة القدر، وغسل يوم الفطر، وغسل يوم الأضحى سنة لا أحب تركها، وغسل الاستخارة يستحب[11].

وإنما يستدل به على المدعى إما برواية الصدوق، أو رواية الشيخ(ره)، دون رواية الكليني(قده)، لأنه نقل المعتبر ولم يتضمن الإشارة إلى وجوب غسل الإحرام.

ولا يضر عدم نقل الكليني(ره) لذلك، إذ يحتمل جداً أن منشأ ذلك يعود لبنائهم على عدم وجوبه، ولذا أعرض عن هذه الفقرة ورفعها من المعتبر، وهذا له نظائر في كتابه يقف عليها من يتتبع ذلك.

نعم لو بني على أن الموجود في نقل الكليني خالياً من الأساس، لا أنه(ره) أسقط العبارة محل البحث، وبالتالي يكون المورد من صغريات الدوران بين جريان أصالة عدم الغفلة في جانب الزيادة في شأن نقلي الصدوق والشيخ(ره)، وجريان أصالة عدم الغفلة في جانب النقيصة في نقل الكليني(ره). والمعروف بين الأعلام بعد البناء على أن الأصلين المذكورين أصلان عقلائيـيان، تقديم جريان أصالة عدم الغفلة في جانب الزيادة، وهذا يستدعي تقدم نقل الصدوق والشيخ(ره).

ومع التسليم بكون الأصلين المذكورين أصلين عقلائيـين، فإن البناء على مقالة المشهور بنحو الموجبة الكلية لا يخلو عن شيء، لأن احتمال الخطأ في نقل الزيادة في بعض الموارد يعدّ أمراً عرفياً يعتد به، وهذا يوجب التفصيل، فتقدم أصالة عدم الغفلة في جانب الزيادة حال عدم وجود احتمال وقوعها، وأما مع وجوده فلا يصار إليها.

والظاهر أنه لا يوجد في المقام ما يوجب حصول الزيادة في البين، بل إن احتمالها لو لم يكن وهماً، فلا أقل من كونه قريباً منه جداً، وعليه، فلا موجب لرفع اليد عن نقل الصدوق والشيخ(ره).

هذا كله كما سمعت بناءً على الالتـزام بأن الأصلين المذكورين أصلين عقلائيـين يعول عليهما، والمقرر في محله خلاف ذلك، وعليه لابد وأن يعمد الفقيه إلى ملاحظة موجبات ترجيح أحد النسختين على الأخرى، والظاهر أن تعاضد الصدوق والشيخ(ره)، موجب للوثوق بتقدم النسخة المشتملة على الزيادة دون النسخة الفاقدة لها، فتأمل.

الطائفة الثانية: ما تضمنت الأمر بغسل الإحرام:

ومن المعلوم أن الأمر ظاهر في الوجوب، فتكون النصوص المذكورة دالة على ذلك:

منها: صحيحة معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله(ع) قال: إذا انتهيت إلى العقيق من قبل العراق أو إلى الوقت من هذه المواقيت وأنت تريد الاحرام فانتف إبطيك-إلى أن قال-واغتسل والبس ثوبيك[12].

ومنها: صحيحه الآخر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا انتهيت إلى الحرم إن شاء الله فاغتسل حين تدخله، وإن تقدمت فاغتسل من بئر ميمون أو من فخ أو من منزلك بمكة.

ومنها: صحيحة معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد الله(ع) ونحن بالمدينة عن التهيؤ للإحرام؟ فقال: أطل بالمدينة وتجهز بكل ما تريد، واغتسل، وإن شئت استمتعت بقميصك حتى تأتي مسجد الشجرة[13].

ومنها: صحيحة هشام بن سالم قال: أرسلنا إلى أبي عبد الله (عليه السلام) ونحن جماعة ونحن بالمدينة إنا نريد أن نودعك، فأرسل إلينا أن اغتسلوا بالمدينة، فإني أخاف أن يعز الماء عليكم بذي الحليفة فاغتسلوا بالمدينة، والبسوا ثيابكم التي تحرمون فيها ثم تعالوا فرادى أو مثاني[14].

ومنها: صحيحه الآخر قال: قال له ابن أبي يعفور ما تقول في دهنة بعد الغسل للإحرام – إلى أن قال: – فلما أردنا أن نخرج قال: لا عليكم أن تغتسلوا إذا وجدتم ماء إذا بلغتم ذا الحليفة.

ومنها: صحيح عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله(ع)-في حديث- إن رجلاً أعجمياً دخل المسجد يلبي وعليه قميصه، فقال لأبي عبد الله(ع): إني كنت رجلاً أعمل بيدي واجتمعت لي نفقة فجئت أحج لم أسأل أحداً عن شيء، وأفتوني هؤلاء أن أشق قميصي وأنزعه من قبل رجلي، وأن حجي فاسد، وأن عليّ بدنة، فقال له: متى لبست قميصك، أبعدما لبيت أم قبل، قال: قبل أن ألبي، قال: فأخرجه من رأسك، فإنه ليس عليك بدنة، وليس عليك الحج من قابل، أي رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه، طف بالبيت سبعاً وصل ركعتين عند مقام إبراهيم(ع)، واسع بين الصفا والمروة، وقصر شعرك، فإذا كان يوم التروية فاغتسل وأهل بالحج، واصنع كما يصنع الناس[15].

ومنها: موثقة إسحاق بن عمار قال: سألت أبا عبد الله(ع) عن غلمان لنا دخلوا معنا مكة بعمرة وخرجوا معنا إلى عرفات بغير إحرام، قال: قل لهم: يغتسلون ثم يحرمون واذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم[16].

ومنها: صحيح معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد الله(ع) عن الحائض تحرم وهي حائض؟ قال: نعم، تغتسل وتحتشي وتصنع كما تصنع المحرمة، ولا تصلي[17]. والظاهر أن العرف لا يرى خصوصية للحائض في الحكم الذي تضمنه الصحيح من لزوم الغسل، فيتعدى منها لكل من يود الإحرام.

ودلالة النصوص المذكورة تعتمد على المختار في وجه دلالة الأمر على الوجوب، فلو كان ناجماً من الوضع، كما هو المختار، فإن ورود الأمر بالوجوب في سياق المستحبات يشكل قرينة مانعة من البناء على دلالته على الوجوب، نعم لو بني على مختار المحقق النائيني، وبعض الأعاظم(ره)، وشيخنا الأستاذ(دامت أيام بركاته)، من استفادته من حكم العقل، فإنه لا ضير في البناء على دلالتها على الوجوب، لرفع اليد عن السياق.

الطائفة الثالثة: ما تضمنت الأمر بإعادة الإحرام إذا أوقعه من دون غسل:

فإن الأمر بإعادة الإحرام حال عدم الإتيان بالغسل إرشاد إلى بطلانه:

منها: صحيح الحسين بن سعيد عن أخيه الحسن، قال: كتبت إلى العبد الصالح أبي الحسن(ع): رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلاً أو عالماً، ما عليه في ذلك؟ وكيف ينبغي له أن يصنع؟ فكتب: يعيده[18].

وقد منع بعض الأعاظم(ره) دلالتها على المطلوب، على أساس أن السائل لم يسأل عن وجوب الإعادة وعدمه، وإنما سأل عن كيفية التدارك، فالصحيح ليس في مقام بيان أصل الحكم[19].

وهو ممنوع، لأن ظاهر الصحيح أن السؤال عن حكم الإحرام بغير غسل من حيث الصحة والبطلان، وأمر الإمام(ع) إياه بإعادة الإحرام ظاهر جداً في الحكم ببطلان الإحرام بدون غسل.

الطائفة الرابعة: ما تضمنت الأمر بإعادة الغسل إذا نام أو لبس قميصاً:

فإنه لو لم يكن الغسل واجباً لم يكن وجه للأمر بإعادته:

منها: صحيح النضر بن سويد، النضر بن سويد، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يغتسل للإحرام ثم ينام قبل أن يحرم؟ قال: عليه إعادة الغسل[20].

ومنها: خبر علي بن أبي حمزة، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل اغتسل للإحرام ثم نام قبل أن يحرم؟ قال: عليه إعادة الغسل[21].

ومنها: خبر محمد بن مسلم، عن أبي جعفر(ع) قال: إذا اغتسل الرجل وهو يريد أن يحرم فلبس قميصاً قبل أن يلبي فعليه الغسل[22].

ولا تنحصر النصوص الدالة صراحة أو ظهوراً على وجوب غسل الإحرام في خصوص ما ذكر، بل هناك نصوص أخرى، نشير لبعضها:

منها: خبر معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: الغسل من الجنابة، ويوم الجمعة، والعيدين، وحين تحرم، وحين تدخل مكة والمدينة، ويوم عرفة، ويوم تزور البيت، وحين تدخل الكعبة، وفي ليلة تسع عشرة، وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين من شهر رمضان، ومن غسل ميتا.

وقد تضمن سندها محمد بن إسماعيل، وهو مردد بين النيسابوري والبرمكي، وكلاهما لم تثبت وثاقته.

ومنها: مرسل الصدوق الجزمي عن الإمام الباقر(ع): الغسل في سبعة عشر موطنا: ليلة سبعة عشر من شهر رمضان، وليلة تسعة عشر، وليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وفيها يرجى ليلة القدر، وغسل العيدين، وإذا دخلت الحرمين، ويوم تحرم، ويوم الزيارة، ويوم تدخل البيت، ويوم التروية، ويوم عرفة، وإذا غسلت ميتا وكفنته، أو مسسته بعد ما يبرد، ويوم الجمعة، وغسل الكسوف، إذا احترق القرص كله فاستيقظت ولم تصل فعليك أن تغتسل وتقضي الصلاة، وغسل الجنابة فريضة.

ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الغسل في أربعة عشر موطنا: غسل الميت، وغسل الجنب، وغسل من غسل الميت، وغسل الجمعة، والعيدين، ويوم عرفة، وغسل الاحرام، ودخول الكعبة، ودخول المدينة، ودخول الحرم، والزيارة، وليلة تسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين من شهر رمضان.

ومنها: خبر الأعمش، عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) – في حديث شرائع الدين – قال: والأغسال منها: غسل الجنابة، والحيض، وغسل الميت، ومن مس الميت بعد ما يبرد، وغسل من غسل الميت، وغسل يوم الجمعة، وغسل العيدين، وغسل دخول مكة، وغسل دخول المدينة، وغسل الزيارة، وغسل الاحرام، وغسل يوم عرفة، وغسل ليلة سبع عشرة من شهر رمضان، وغسل ليلة تسع عشرة من شهر رمضان، وغسل ليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين منه، وأما الفرض فغسل الجنابة، وغسل الجنابة والحيض واحد.

ومنها: ما رواه ابن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الغسل من الجنابة، ويوم الجمعة، ويوم الفطر، ويوم الأضحى، ويوم عرفة عند زوال الشمس، ومن غسل ميتا، وحين يحرم، وعند دخول مكة والمدينة، ودخول الكعبة، وغسل الزيارة، والثلاث الليالي من شهر رمضان.

ومنها: معتبرة محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: الغسل في سبعة عشر موطنا: ليلة سبع عشرة من شهر رمضان وهي ليلة التقى الجمعان، وليلة تسع عشرة وفيها يكتب الوفد وفد السنة، وليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي أصيب فيها أوصياء الأنبياء (عليهم السلام)، وفيها رفع عيسى بن مريم (عليه السلام)، وقبض موسى (عليه السلام)، وليلة ثلاث وعشرين يرجى فيها ليلة القدر، ويومي العيدين، وإذا دخلت الحرمين، ويوم تحرم، ويوم الزيارة، ويوم تدخل البيت، ويوم التروية، ويوم عرفة، وإذا غسلت ميتا أو كفنته أو مسسته بعد ما يبرد، ويوم الجمعة، وغسل الجنابة فريضة، وغسل الكسوف إذا احترق القرص كله فاغتسل.

ومنها: ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: الغسل من الجنابة، وغسل الجمعة، والعيدين، ويوم عرفة، وثلاث ليال في شهر رمضان، وحين تدخل الحرم، وإذا أردت (دخول البيت الحرام، وإذا أردت) (١) دخول مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله)، ومن غسل الميت.

ومنها: معتبرة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يغتسل بالمدينة للإحرام أيجزيه عن غسل ذي الحليفة؟ قال: نعم.

ومنها: ما رواه محمد الحلبي أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يغتسل بالمدينة لإحرامه؟ فقال: يجزيه ذلك من الغسل بذي الحليفة.

ومنها: ما رواه أبان بن تغلب قال: كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) مزامله فيما بين مكة والمدينة، فلما انتهى إلى الحرم نزل واغتسل وأخذ نعليه بيديه، ثم دخل الحرم حافيا، فصنعت مثل ما صنع.

فقال: يا أبان، من صنع مثل ما رأيتني صنعت تواضعا لله محى الله عنه مائة ألف سيئة، وكتب له مائة ألف حسنة، وبنى الله له مائة ألف درجة، وقضى له مائة ألف حاجة.

ومنها: خبر حسين بن المختار، عن أبي عبيدة قال: زاملت أبا جعفر (عليه السلام) فيما بين مكة والمدينة، فلما انتهى إلى الحرم اغتسل وأخذ نعليه بيديه، ثم مشى في الحرم ساعة.

وعن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن علي بن الحكم، عن الحسين بن المختار مثله (٢).

ومنها: ما رواه كلثوم بن عبد المؤمن الحراني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أمر الله إبراهيم أن يحج ويحج بإسماعيل معه (٢)، فحجا على جمل أحمر وجاء معهما جبرئيل (٣)، فلما بلغا الحرم قال له جبرئيل: يا إبراهيم، انزلا فاغتسلا قبل أن تدخلا الحرام، فنزلا فاغتسلا.

ووفقاً لدلالة النصوص المتقدمة في الوجوب ظهوراً أو صراحة بنى المحقق السيد الداماد(ره) على وجوبه، ومثل ذلك بعض الأساتذة(دامت بركاته)، وإن عدل عن ذلك إلى الاحتياط الوجوبي، وفقاً لما أختاره السيد البروجردي(ره) أيضاً في تعليقته على العروة الوثقى.

ولا يتوهم وجود شبهة إعراض من قدماء الأعلام تمنع من الإستناد للنصوص المذكورة، والعمل على وفقها، لما عرفت من وجود نسبة بالقول بالوجوب لهم من قبل السيد المرتضى(ره)، ولو تأمل في النسبة، فإن عدم العمل بها ناجم من الاعراض الصناعي، وقد عرفت في محله أنه لا يمنع من الحجية.

أدلة القائلين بالاستحباب:

وقد استند القائلون بعدم وجوبه إلى أمور:

أحدها: التمسك بما رواه الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا(ع) فقد جاء في كتاب كتبه إلى المأمون حين تعداده(ع) للأغسال: غسل يوم الجمعة سنة، وغسل الإحرام سنة-إلى أن قال-هذه الأغسال سنة، وغسل الجنابة فريضة، وغسل الحيض مثله[23]. فإن عدّ غسل الإحرام ضمن المسنونات، بوصفه أنه سنة، كاشف عن كونه مستحباً.

ولا يخفى أن تقريب دلالة النص المتقدم على المدعى تبتني على الالـتـزام بكون المقصود من السنة في النص خصوص المستحب، وليس المقصود منه ما صدر عن رسول الله(ص)، مع أن الظاهر أن المقصود منه هو المعنى الثاني وهو ما كان صادراً عنه(ص) بقرينة قوله(ع) بعد ذلك: وغسل الجنابة فريضة، وعسل الحيض مثله، لأنه ناظر لكون وجوبهما من الله تعالى في القرآن الكريم، وعليه لن يكون للنص المذكور دلالة على الاستحباب أصلاً.

على أنه قد تمنع حجية النص، لوجود ابن عبدوس وابن قتيبة، وهما لم يرد في حقهما توثيق، والتفصيل يطلب من محله.

نعم قد يوثق ابن عبدوس بأحد طريقين:

أحدها: ترضي الصدوق(ره) عليه.

ثانيها: إكثار الصدوق النقل عنه، وإكثار نقل الجليل عن الشخص أمارة وثاقته، خصوصاً إذا كان المكثر هو الصدوق(ره) في كتابه الفقيه، والذي قد شهد في مقدمته أنه لم يضمنه إلا ما هو حجة بينه وبين ربه، ويفتي على طبقه.

وقد يوثق ابن قتيبة لأحد وجوه:

الأول: توثيق العلامة(ره) إياه.

ويعتمد القبول بهذا الوجه على النكتة المستند إليها في حجية قول الرجالي، إذ لو كانت من باب الرجوع للخبير، أو من باب الاطمئنان، كما هو المختار، لم يمنع ذلك من التعويل عليه، أما لو بني على أنه من باب خبر الثقة في الموضوعات، وأنه لابد وأن يكون حسياً أو قريباً من الحس، كما عن بعض الأعاظم(قده)، فلا يصلح الوجه المذكور للبناء على الوثاقة، لدعواه أن بناء العقلاء الدالة على حجية خبر الثقة لا يشمل ما يكون صادراً عن حدس واجتهاد.

نعم قد ذكر بعض أساطين العصر من المحققين(دامت أيام بركاته)، البناء على القبول بتوثيقاته حتى لو بني على مختار بعض الأعاظم(ره)، لأن من المحتمل جداً أن يكون(قده) قد ظفر ببعض الكتب، وتوفرت عنده مستندات رجالية لم تصل إلينا، وهذا يوجب جريان أصالة الحس فيه[24].

هذا كله بناءً على ظهور العبارة الصادرة من العلامة(ره) في حق ابن قتيبة في التوثيق، إذ أنه عبر عنه بقوله: فاضل، والظاهر أنه لا ظهور لها في ذلك أصلاً. اللهم إلا أ نيبنى على وثاقته بلحاظ أنه قد أدرجه في القسم الأول من كتابه الخلاصة، وهو الذي جعله لخصوص الموثقين والممدوحين، الذين يعتمد عليهم.

ولا يصغى لمقالة بعض الأعاظم(ره) من التوقف في القبول بالصادر عن العلامة(ره) مضافاً لكونه من المتأخرين، لبنائه على أصالة العدالة القاضية بحجية خبر كل إمامي، لما ذكرناه في محله من وجود شواهد متعددة في كلماته على خلاف ذلك، والتفصيل يطلب من هناك.

الثاني: تصريح النجاشي في ترجمته أنه اعتمد عليه أبو عمر الكشي في رجاله.

وليس في كلام الكشي ما يدل على اعتماده عليه. نعم قد روى عنه الكشي كثيراً في كتابه، ولعل هذا هو منشأ تعبير النجاشي بأنه قد اعتمد عليه، مع أن كثرة روايته عنه لا توجب البناء على وثاقته لو سلم بأن رواية الجليل أمارة عن الوثاقة، لكثرة رواية الكشي في كتابه عن الضعفاء، بل إكثاره الرواية عنهم.

الثالث: ما جاء عن الصدوق(ره) في كتاب عيون أخبار الرضا، فقد نقل كتاب محض الإسلام والذي روى الفضل بن شاذان أنه كتاب الرضا(ع) الذي كتبه إلى المأمون، وقد نقله الصدوق(ره) عن الفضل بطرق ثلاثة، وقد ذكر أن الأصح منها عنده هو ما رواه عبد الواحد بن عبدوس، عن علي بن محمد بن قتيبة، وظاهره تصحيح الطريق.

ومن المحتمل جداً أن يكون منشأ تعبيره بالأصحية ليس راجعاً لسند الخبر، وإنما هو ناظر إلى متنه لخلو هذا المتن من بعض الفقرات الموجودة في المتنين الآخرين ما يجعلهما غير متلائمين مع أراء الصدوق(ره)، مثل: الفطرة مدان من حنطة وصاع من الشعير والتمر والزبيب، وأن الوضوء مرة مرة فريضة واثنتان اسباغ، وأن ذنوب الأنبياء صغائرهم موهوبة.

الرابع: رواية الجليل عنه، بل إكثاره الرواية عنه، فإنها تعد أمارة على وثاقته، وقد روى كتابه أحمد بن إدريس القمي، والذي كان من الاجلاء، ولا يبعد أن يكون إكثاره الرواية عن علي بن محمد بن قتيبة كاشفاً عن وثاقته عنده.

وقد عرفت في محله عدم وجود نكتة فنية للبناء على تمامية الكبرى، فلا تتم الصغرى.

وربما قيل، أن الوجوه الأربعة وإن لم تكن في نفسها صالحة للدلالة على وثاقة ابن قتيبة، إلا أن كل واحد منها يمثل نسبة احتمالية لصحة مروياته، ومع ضم بعضها إلى بعض بحساب الاحتمال الرياضي، فإنه يمكن تولد الوثوق والاطمئنان بإعتبار مروياته للبناء على وثاقته، فتأمل.

ثم إنه لو بني على وثاقة ابن قتيبة، إلا أنه يبقى الإشكال السندي بوجود ابن عبدوس.

ثانيها: التمسك بصحيح محمد بن مسلم، عن أحدهما(ع) قال: سئل عن نتف الإبط وحلق العانة والأخذ من الشارب، ثم يحرم؟ قال: نعم، لا بأس به[25]. إن مقتضى كون الإمام(ع) في مقام البيان يستدعي الإشارة لوجوب الغسل لو كان مطلوباً وعدم الاقتصار على الثلاثة التي وردت في لسان السائل فقط، وعدم تنبيه الإمام(ع) عليه، فضلاً عن عدم الإشارة لذلك يكشف عن عدم كونه واجباً.

والانصاف، عدم ظهور الصحيح في نفي الوجوب، بل إن الظاهر منه أنه(ع) بصدد بيان إجزاء هذه الأمور المذكورة من الآداب عن بقية الآداب الأخرى، وأنه لا يلزم الاتيان بكافة الآداب، وليس هو في مقام البيان للاجتزاء بما ذكر عن جميع ما يكون مندوباً أو واجباً للإحرام.

والتمسك بها لنفي وجوب غسل الإحرام أشبه بالمصادرة، لو لم تكن مصادرة، لأن المفروض أن حكم الغسل موضع خلاف، والاستناد للصحيح يعني أنه مستحب، وأنه لم يلزم الإمام(ع) الاتيان به.

ثالثها: ما تمسك به بعض الأعاظم(ره)، وهو عبارة عن أمرين:

أولهما: الاعتماد على قرينية لو كان لبان لنفي الوجوب، ببيان:

إن غسل الإحرام لو كان واجباً لذاع واشتهر بينهم وجوبه لكثرة الابتلاء به في المكلفين لكثرة الحاج، مع أن الموجود هو نقل الإجماع على خلافه وهو استحباب الغسل وليس وجوبه.

الثاني: إنه لو بني على كون غسل الإحرام واجباً، فلابد وأن يكون وجوبه شرطياً، وليس نفسياً، فإن الوجوب النفسي لم يثبت في الأغسال الواجبة كغسل الجنابة والحيض، ونحوهما، فكيف يكون ثابتاً في غسل الإحرام.

ويساعد على نفي الوجوب عنه، دلالة صحيحة العيص بن القاسم، قال: سألت أبا عبد الله(ع) عن الرجل يغتسل للإحرام بالمدينة، ويلبس ثوبين ثم ينام قبل أن يحرم، قال: ليس عليه غسل[26]. فقد دلت على أن من اغتسل للإحرام ثم نام، ثم أراد الاحرام، لم يجب عليه إعادة الغسل.

نعم هي معارضة بما دل على لزوم إعادة الغسل حينئذٍ، ففي صحيح النضر بن سويد، عن أبي الحسن(ع) قال: سألته عن الرجل يغتسل للإحرام ثم ينام قبل أن يحرم؟ قال: عليه إعادة الغسل[27]. ومقتضى الجمع بينهما يكون بحمل الأمر بالإعادة على الاستحباب، فتكون الصحيحة دالة على نفي الوجوب النفسي والشرطي عن غسل الإحرام[28].

ويمكن الجواب عن الأمرين، أما الأول منهما، فإنه يتم حال إحراز أن المشهور بين قدماء علماء الطائفة هو البناء على استحباب الغسل، مع أنك قد عرفت في ما حكي عن عبارة الناصريات، تصريح السيد المرتضى(قده)، بأن المشهور بينهم هو القول بوجوبه، وليس استحبابه، وهذا يعني أن المسألة كانت من الواضحات خلال تلك الفترة، نعم قد ذكرنا أنه قد خفي القول بالوجوب منذ عصر الشيخ(ره)، إلا أن ذلك لا يعني أن المسألة غير واضحة كما ذكر(ره).

وأما الثاني، فإن في دلالة صحيح العيص بن القاسم، احتمالين، يوجبان ظهورها في الشرطية، فلا تكون منافية لدلالة صحيحة النضر بن سويد على ذلك، وهما:

1-أن يكون المنفي بقوله(ع): ليس عليه غسل، ليس هو وجوب الإعادة، ليكون مانعاً من ثبوت الشرطية، وإنما المنفي هو خصوص أثر الغسل المترتب عليه، فيكون معنى كلامه(ع) أن الحدث الأصغر ليس ناقضاً لأثر الغسل، مع كون الغسل شرطاً لصحة الإحرام.

2-أن يكون المورد من صغريات الحكم الخاص الذي يعطى من المعصوم(ع) توسعة وتخفيفاً على الأمة، فيكون نفي وجوب الإعادة ليس دالاً على نفي الشرطية، وإنما غرضه عدم الحاجة إلى إعادة الغسل بعد صدور الحدث الأصغر ما دام قد اغتسل من مسافة بعيدة يعتد بها، مما يعسر معه عادة الاجتناب عن النوم ونحوه من موارد الحدث الأصغر، وهذا يوجب رفع اليد عن إطلاق صحيح النضر بخصوص هذا المقدار لا مطلقاً.

على أن صدور مثل هذا الجمع منه(ره) خلاف مبناه، من أن الجمع بين المتعارضين بالحمل على الاستحباب يختص بالأحكام التكليفية، ولا يشمل الأحكام الوضعية، والتي منها المقام.

ثالثها: ما حكي عن بعض الأساتذة(دامت أيام بركاته)، من عدم وجود ما يصلح للدلالة على الوجوب، فإن عمدتها هي النصوص التي تضمنت الأمر بغسل الإحرام، وقد ورد الأمر بذلك في سياق الأمر بالمستحبات، وهذا مانع من انعقاد ظهور لها في الوجوب.

وأما رواية يونس، وإن لم تكن كذلك، إلا أنها ضعيفة السند بالإرسال، وهذا يمنع من الاستناد إليها في مقام الاستدلال، لعدم دخولها دائرة الحجية.

وينحصر عندها الدليل في خصوص صحيح الحسين بن سعيد، لأنها قد تضمنت الأمر بإعادة الإحرام حال ترك الغسل ولو عن جهل.

إلا أن مقابلها صحيح عبد الصمد بن بشير والذي تضمن حكم الإمام(ع) بصحة احرام الرجل الأعجمي الذي اجتمع عنده نفقة الحج، فجاء إلى الحج ولم يسأل أحداً، وأحرم في ثيابه، فإن من الواضح أن مثله يترك الغسل، وهذا يوجب التصرف في ظهور صحيح حسين بن سعيد، ليحمل على الأمر بلزوم الإعادة في حالة الجهل على الاستحباب. ويبقى عندها لزوم الإعادة لو ترك الغسل متعمداً، فترفع اليد عنه أيضاً بنكتة أن التفكيك بين فرض العلم والجهل خلاف قرينية السياق، فتكون النتيجة حمل مدلول صحيحة حسين سعيد بلزوم الإعادة على الاستحباب مطلقاً.

ويلاحظ عليه، أولاً: إن ما أفاده(أطال في بقائه) يجري في معتبرة سماعة، ورواية معاوية بن عمار الأولى، فإن الأمر بغسل الإحرام فيها اقع وفي سياق المستحبات.

إلا أن استفادة الوجوب قد وردت في نصوص أخرى لم يرد فيها ذكر للمستحبات أصلاًـ فراجع طوائف النصوص المتقدمة.

ولو بني أيضاً على عدم وضوح دلالة موثقة سماعة والتي تضمنت التعبير بالوجوب، على أساس أن مثل هكذا تعبير قد تكرر في موارد أخرى ومع ذلك حكم الأعلام فيها بالاستحباب كغسل الجمعة مثلاً، وغسل يوم عرفة، وغسل المولود، وغسل الزيارة، وغيرها، فيوجب ذلك حمل الوجوب على الثبوت، ليكون شاملاً لتأكد الاستحباب.

فإنه تبقى نصوص أخرى لا يتصور فيها هذا الاحتمال، مثل موثقة اسحاق بن عمار، وصحيحة معاوية بن عمار الثانية، وصحيحة عبد الصمد بن بشير.

إن قلت: إن من المحتمل جداً أن يكون هناك ارتكاز متشرعي منعقد على عدم وجوب غسل الإحرام كان موجوداً عند صدور هذه النصوص، ما يوجب حملها على خلاف ظاهرها، لأن الارتكاز المذكور سوف يشكل قرينة مانعة من حملها على ظاهرها.

قلت: إن التأمل في صحيح الحسين بن سعيد المتقدم، مانع من التسليم بوجود مثل هكذا ارتكاز، فإن ظهوره في الوجوب من القوة بمكان، وهذا يمنع من تصور وجود الارتكاز المذكور.

لا يقال: لم لا يبنى على أن الإعادة في المقام من قبيل استحباب إعادة الواجب لأجل ترك المستحب كما يذكر ذلك في استحباب إعادة الصلاة لمن ترك الأذان والإقامة.

فإنه يقال: فرق بين الصلاة والإحرام، فيجوز فيها أن تكون الإعادة للواجب من أجل إدراك ما تركه من المستحب، وذلك لأنها قابلة للإبطال، وأما الإحرام، فإنه لا يتصور فيه ذلك، لأنه ليس قابلاً للإبطال.

ثانياً: إن ما أفاده(دام ظله) من المانعية، لحمل الأمر في النصوص المذكورة على الوجوب يتم على المختار من أن دلالة الأمر على الوجوب بالوضع، ولا يتم وفق مختار مدرسة المحقق النائيني(ره)، كما عرفت، والتي تقرر أن دلالة الأمر على الوجوب من خلال حكم العقل، فيمكن التفكيك حينئذٍ بين الأوامر الواردة في سياق واحد، فيحمل بعضها على الوجوب، والبقية على الاستحباب.

ثالثاً: إن الجمع الذي أفاده(دام عزه) بين صحيح الحسين بن سعيد، وصحيح عبد الصمد بن بشير، مبني على وجود مقدمة جعلها(حفظه الله) من المسلمات، وهي عدم كون الأعجمي قد اغتسل، لأنه لم يسأل أحداً، وهو غريب، إذ كما يحتمل أن يكون قد ترك الغسل، يحتمل أيضاً أن يكون قد اغتسل ولو جهلاً منه بعدم الوجوب، فاغتسل معتقداً وجوبه، بل يكفي أن يكون قد صدر منه الغسل اتفاقاً، كما لو كان محدثاً بالجنابة مثلاً، فاغتسل، فإنه يكفيه عن غسل الإحرام أيضاً.

على أنه لو سلم بأن من هذا حاله يكون تاركاً للغسل عادة، إلا أن الصحيح ليس في مقام البيان من هذه الجهة ليبنى على دلالته على عدم وجوب الغسل، فإن السؤال لم يكن موضوعه ترك الغسل.

مع أن رفع اليد عن ظهور النص في الوجوب بالنسبة للعالم غير واضح، لأن حمل الأمر بالإعادة بالنسبة للجاهل على الاستحباب بتعدد الدال والمدلول، لا يوجب رفع اليد عن الظهور في الوجوب في حق العالم.

ويمكن أن يوجه التصحيح الصادر من الإمام(ع) لعمله وعدم رفعه للجهالة الموجودة عنده، بوجود مصلحة قد اقتضت ذلك، كعدم وقوعه في المشقة، ليبقى جاهلاً إلى آخر الحج، ويصح حجه.

ولهذا نظير في الفقه، فقد أفتى المشهور بصحة من أتى بعمرة التمتع من دون احرام جهلاً، ولم يعلم بذلك إلا بعد فوات وقت التدارك، فليكن ترك الأعجمي الغسل لعمرة التمتع، نظير ترك الاحرام فيها، ولما لم يعلم إلا بعد فوات وقت التدارك، حكم(ع) بصحة حجه.

ووفقاً لما تقدم، لن يكون في البين ما يمنع من البناء على الالتـزام بوجوب غسل الإحرام، إلا أن الجزم بذلك مقابل فتوى المشهور صعب جداً، فلا أقل من التنـزل إلى الاحتياط الوجوبي.

ويمنع من الجزم بالوجوب، ملاحظة الجو الفقهي الذي كان عليه علماء المسلمين، من البناء على عدم وجوب غسل الإحرام، فقد نقل في الفقه على المذاهب الأربعة، أن الحنفية والمالكية، والحنابلة والشافعية متفقون على استحبابه، وعدم وجوبه، وصدور هذه النصوص في تلك الحقبة، مانع من الجزم بظهورها في الوجوب، ويؤيد ما ذكرنا، بل يساعد عليه، فهم علماء الطائفة لمدلولها، بالإفتاء باستحبابه، دون وجوبه، كما يتضح ذلك من خلال تخطئة السيد المرتضى(ره) كما عرفت في ما نسبه لقدماء الأعلام، من القول بوجوبه، مع أنه لا قائل بذلك منهم سوى ابن أبي عقيل، ولذا تجد المفيد(ره) قد عدّه في المقنعة ضمن المسنونات، وهو ظاهر في البناء على استحبابه، وعدم العناية بخلاف ابن أبي عقيل(ره). واحتمال أن يكون نظره(قده) لملاحظة المشروعية مقابل عدمها، فقصد من كونه مسنوناً، يعني أنه مشروع، غير واضح.

نعم يصعب البناء على ظهور بعض النصوص المتقدمة كصحيح الحسين بن سعيد والذي تضمن الأمر بإعادة الغسل في الاستحباب، وعدم الوجوب، فإن ظاهره هو السؤال عن حكم الاحرام من دون غسل من حيث الصحة والفساد، وأمر الإمام(ع) إياه بإعادة الإحرام ظاهر في الحكم ببطلانه. نعم يمكن البناء على وجود إعراض من الأعلام(ره) في العمل بمدلوله، ولذا لم نجد من أفتى من القدماء بالوجوب، فتأمل. على أنه قد اشتمل الصحيح التعبير بكلمة(ينبغي)، وهي غير ظاهرة في نفسها في الوجوب.

وبالجملة، إن ملاحظة ما ذكر، يصلح أن يشكل قرينة مانعة من الجزم والبناء على عدم وجوب غسل الاحرام، ولو لم يقبل، فلا مناص من الاحتياط الوجوبي على أقل التقادير.

 

 

 

 

 

 

[1] الناصريات ص 147، المختلف ج 1 ص 315.

[2] المختلف ج 4 ص 51.

[3] المختلف ج 1 ص 315.

[4] النهاية ص 213.

[5] المقنع ص 218، الهداية ص

[6] السرائر ج 1 ص 124.

[7] الخلاف ج 2 ص 286.

[8] المبسوط ج 1 ص 314.

[9] مصباح الفقيه ج ص ، موسوعة الإمام الخوئي ج ص

[10] وسائل الشيعة ج 2 ب 1 من أبواب غسل الجنابة ح 4 ص 174.

[11] وسائل الشيعة ج 3 ب 1 من أبواب الأغسال المسنونة ح 3 ص 303.

[12] وسائل الشيعة ج 3 ب 26 من أبواب الأغسال المسنونة ح 1 ص 336.

[13] وسائل الشيعة ج 12 ب 7 من أبواب الإحرام ح 1 ص 324.

[14] المصدر السابق ب 8 من أبواب الإحرام ح 1 ص 326.

[15] المصدر السابق ب 45 من أبواب تروك الإحرام ح 3 ص 488.

[16] وسائل الشيعة ج 11 ب 17 من أبواب أقسام الحج ح 2 ص 287.

[17] وسائل الشيعة ج 12 ب 48 من أبواب الاحرام ح 4 ص 400.

[18] وسائل الشيعة ج 12 ب 20 من أبواب الإحرام ح 1 ص 347.

[19] موسوعة الإمام الخوئي(ره) ج 27 ص 367.

[20] وسائل الشيعة ج 12 ب 10 من أبواب الإحرام ح 1 ص 329.

[21] المصدر السابق ح 1 ص 330.

[22] المصدر السابق ب 11 من أبواب الإحرام ح 2 ص 331.

[23] وسائل الشيعة ج 3 ب 1 من أبواب الأغسال المسنونة ح 6 ص 305.

[24] قاعدة لا ضرر ص 23.

[25] وسائل الشيعة ج 12 ب 6 من أبواب الإحرام ح 1 ص 322.

[26] وسائل الشيعة ج 12 ب 10 من أبواب الإحرام ح 3 ص 330.

[27] وسائل الشيعة ج 12 ب 10 من أبواب الإحرام ح 1 ص 329.

[28] موسوعة الإمام الخوئي(ره) ج 10 ص 58-59.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة