مجالس العشرات الحسينية

لا تعليق
من القلب إلى القلب
50
0

مجالس العشرات الحسينية

 

أكدت النصوص الشريفة الصادرة عن المعصومين(ع) على ضرورة إحياء أمر أهل البيت(ع)، ويمكن تصنيف النصوص المتضمنة لذلك إلى طائفتين:

الأولى: وهي التي لم تتضمن تحديداً لبيان المقصود من الإحياء وتحديده في شيء خاص، ومن ذلك ما روي عن الإمام الصادق(ع) مع الفضيل، فقد قال(ع) لفضيل: تجلسون وتحدّثون؟ قال: نعم جعلت فداك، قال: إن تلك المجالس أحبها فأحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله من أحيى أمرنا، يا فضيل من ذَكرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر.

وجاء عن شعيب العقرقوفي، قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول لأصحابه: اتقوا الله وكونوا أخوة متحابين بررة في الله متواصلين، متراحمين، تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا أمرنا وأحيوه.

وجاء عن الإمام الرضا(ع) أنه قال: ومن جلس في مجلساً يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.

الثانية: وهي النصوص التي تضمنت تحديداً لعملية الإحياء ببيان كيفية حصوله وتحققه، فمن ذلك ما روي عن الإمام الرضا(ع) أنه قال: رحم الله عبداً أحيى أمرنا، فقلت له: وكيف يحيى أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لأتبعونا.

وجاء عن الإمام الجواد(ع) أنه قال: رحم الله عبداً أحيا أمرنا، قلت: ما إحياء ذكركم؟ قال: التلاقي والتذاكر عند أهل الثبات.

ومن الواضح جداً أنه لا يوجد أدنى منافاة ولا معارضة بين الطائفتين، لما قرر في محله من أن المعارضة فرع المنافاة بأن يكون أحد الخبرين يكذب الآخر، وهذا غير حاصل في المقام، لأن المفروض أن الطائفتين مثبتتان، لأن كليهما يدعو إلى إحياء أمر أهل البيت(ع)، وإن افترقا في اشتمال بعضها على ذكر مصاديق لهذا الإحياء، وبقاء الآخر على إطلاقه أو عمومه.

 

حقيقة الإحياء:

ثم إنه بعد البناء على عدم وجود منافاة ومعارضة بين الطائفتين، يلزم والحال هذه أن يحدد المقصود من الإحياء الوارد في النصوص المطلقة وهي نصوص الطائفة الأولى كما عرفت، وقد تضمنت الكلمات ذكر مجموعة من الاحتمالات نقتصر على ذكر واحد منها، وهو أن المقصود من الإحياء حين إطلاق المفهوم في النصوص الدينية هو إحياء معالم الدين الإسلامي، والذي يعرف من طريق أهل بيت العصمة والطهارة، مقابل ما يتداوله الناس من غير طريقهم، فيشمل كل ما ثبت عنهم(ع) من تفسير للقرآن الكريم، وبيان لأصول العقيدة، وتفاصيل الأحكام الشرعية، وما ورد عنهم(ع) بياناً لمآثر الدين، وقيمه وتوصياته ومواعظه، فإن ذلك كله يندرج تحت عنوان إحياء أمرهم(ع).

 

المنبر الحسيني:

ومن أجلى الوسائل والطرق التي يمكن من خلالها تحقيق ذلك هو المجالس التي تعقد لذكر أهل البيت(ع)، وذكر مآثرهم وتعاليمهم، سواء ما كان منها في ذكر الولادة الميمونة لأحد المعصومين(ع)، أم كان منها في ذكر الشهادة.

ومن ذلك، بل من أهمها المجالس الحسينية والتي اعتاد المؤمنون على عقدها طيلة أيام السنة، وبالخصوص خلال شهري محرم وصفر، فيحيون فيهما مصائب المولى أبي عبد الله الحسين(ع).

ولا فرق عندنا في صدق عنوان الإحياء على المجالس الحسينية بين ما يكون في العشرة الأولى من شهر محرم الحرام، وبقية أيام شهري محرم وصفر، والتي تسمى عرفاً عندنا بالعشرات. نعم تختلف من حيث طريقة الإحياء في عشرات شهري محرم وصفر، عن العشرة الأولى من محرم الحرام في ذكر المصيبة والرثاء، فقد جرت العادة في بلادنا وأغلب المناطق الشيعية أن تعرض تفاصيل المصائب خلال العشرة الأولى من شهر محرم الحرام، فتذكر المصارع الأليمة لأبطال كربلاء بما في ذلك المصرع العظيم للإمام الحسين(ع).

وقد كان المعروف عندنا في المنطقة عدم التعرض لمثل هذه المصائب في بقية شهري محرم وصفر حال قراءة العشرات، وإنما كان المألوف أحد أمرين:

الأول: التعرض لبقية المصائب التي لاقاها أهل البيت(ع) خلال فترة الأسر منذ الخروج من كربلاء حتى العودة إلى المدينة المنورة، فيتناول في كل عشرة ما يناسبها، فيتعرض في العشرة الثانية مثلاً إلى أحداث الكوفة وما جرى على أهل البيت(ع) خلال تلك المدة، وبعد ذلك أحداث الطريق إلى الشام، والمعاناة التي وقعت على العترة الطاهرة(ع) خلال الطريق، وبعد ذلك أحداث الشام.

الثاني: أن يعرض لشيء من مصائب كربلاء، ومصائب أبطالها، دونما تعرض لتفاصيل المقاتل ومتعلقاتها، بل كان يحاذر باجتناب حتى الأبيات التي تشير لذلك قدر المستطاع، وقد كان العلامة المقدس الشيخ منصور البيات(ره)، يمنع من ذلك بصورة صريحة.

ومع أنه لا يوجد حكم شرعي يحرم ذلك، بل ولا كراهة أيضاً، ولكن الخشية هو فقدان عامل التعاطف والتأثير والتأثر ما يضعف عامل الانفعال والبكاء مع الحدث، وهذا ما أكد عليه كبار علماء الطائفة(ره)، فقد وجه سؤال للمحقق النائيني(ره):

س: ما يقول مولانا حجة الإسلام في ذكر مقتل الحسين(ع)، في سائر أوقات السنة، هل فيه كراهة يقبحها الشرع الشريف؟ فإن بعض العلماء أدعى الكراهة ما عدا يوم العاشر من المحرم، وعلى الكراهة فما دليلها؟ أفيدونا مأجورين.

ج: كان أعاظم السلف الصالحين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، يتحرزون عن ذكر نفس الفجيعة التي ارتجت لها السماوات والأرضون حتى يوم عاشوراء، ولكن لا لورود دليل على الكراهة المصطلحة الفقهية، بل لأن عظمة المصيبة تقتضي أن تزهق الأرواح من سماعها، ولا يؤدى حقها بغير ذلك، والله العالم.

ولهذا المرجو من الأحبة خطباء المنبر وفقهم الله تعالى تحاشي استعراض المصارع في غير عشرة محرم الأولى، واستعراض بقية المصائب التي وقعت على أهل البيت(ع) خلال هذين الشهرين، كما أن ذلك هو المرجو من أصحاب العشرات أيضاً، فيؤكدون على الخطباء خلال هذه الأيام أن تكون مجالس التعزية في هكذا أمور، خصوصاً وأنه لا يوجد ما يلزم بتكرار قراءة أحداث العشرة الأولى، لا من وقف ولا نذر أو ما شابه ذلك.

ومما يشير إلى صعوبة الأحداث التي حصلت لآل البيت(ع) خلال فترة السبي، ما ينقل عن الميرزا الشيرازي(قده)، أنه كان حاضراً في مجلس عند خطيب، فقال الخطيب: وأدخلت زينب بنت علي(ع) مجلس يزيد بن معاوية، فأراد الخطيب المواصلة فأوقفه الميرزا(ره) وقال له: انتظر حتى نعطي هذه المصيبة حقها من الألم والتفجع.

 

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة