طرق معرفة الشريعة

لا تعليق
فقه المرأة و الأسرة
9
0

تنقسم الأحكام الشرعية من جهة العلم بها ومعرفتها إلى قسمين:

الأول:الأحكام الضرورية:وهي الأحكام التي تعرف من خلال اليقين لدى كافة المكلفين،بنحو لا يحتاج العلم بها ومعرفتها إلى بذل الجهد والنظر والإطلاع واستخدام القواعد والأصول،وذلك مثل وجوب الصلاة والزكاة والحج وغيرها،أو مثل حرمة الزنا،والقتل ،والغيبة ونحوها.

الثاني:سائر الأحكام الشرعية الأخرى:وهي التي لابد لمعرفتها والعلم بها إلى بذل الجهد،من خلال استخدام العلوم والقواعد التي تيسر للمكلف الوصول إلى تحديد نوع أحكامها،وذلك من قبيل الأحكام التفصيلية لعموم العبادات والمعاملات،وهذا الجهد المبذول،يسمى الاجتهاد.

صعوبة الاجتهاد:

يحتاج الاجتهاد إلى مرتبة عالية من العلم والتفرغ لطلبه واكتسابه،ولذا يكون القادرون عليه قليلين،وهذا يستوجب أن يلجأ عامة الناس غير القادرين على تحصيل الاجتهاد إلى أحد المجتهدين،ليقلدوه ويأخذوا برأيه،وهذا ما يصطلح عليه بـ(التقليد).

اختلاف الفتاوى:

من المعلوم أنه قد وقع الاختلاف بين المجتهدين في تحديد العديد من الأحكام الشرعية،وذلك بسبب ما طرأ على تفسير القرآن الكريم ورواية أحاديث المعصومين من عوامل أدت إلى ضياع بعض النصوص أو غموضها،أو وضع الأحاديث كذباً،أو غير ذلك،فقبل الإسلام هذا الاختلاف واعتبر رأي كل مجتهد حجة يمكن للمكلفين العمل به والسير على طبقه ضمن شروط وضوابط معينة،مذكورة في محلها.

نعم إذا أراد المكلف أن يحرز الواقع ويصيب الحكم واقعاً،فقد حث كلاً من المجتهد والمقلد على العمل بشيء يصطلح عليه بـ(الاحتياط)،عند اختلاف الرأي،وهو يعني الحرص على الأخذ بالرأي الجامع بين الآراء المختلفة،وذلك كمن يجمع في صلاته بين القصر والتمام عند اختلاف مجتهدين،بحيث أفتى أحدهما بالقصر،بينما أفتى الآخر بالتمام،أو يلتـزم بجانب التـرك،إذا أفتى أحد المجتهدين،بالحرمة،وأفتى الآخر بالإباحة.

هذا وقد اتضح أن المكلف بالشريعة السمحاء،يجب عليه سلوك أحد هذه الطرق الثلاثة،الاجتهاد،أو التقليد،أو الاحتياط،من أجل تحقيق طاعة الله سبحانه وتعالى،والخروج عن عهدة التكاليف الموجهة له.

ثم إننا سوف نتعرض لكل واحد من هذه الأمور الثلاثة،بشكل موجز.

الاجتهاد:

يتحقق الاجتهاد من خلال إفراغ الوسع وبذل الطاقة في استنباط الأحكام الشرعية من المصادر المقررة لذلك.

مصادر الاستنباط:

هذا ونعني بالمصادر المقررة،المصادر التي يعتمد عليها الفقيه في عملية استخراج الحكم الشرعي والوصول إليه،وتسمى (مصادر الاستنباط)،وهي أربعة:

1-القرآن الكريم:

وقد جاء لهداية الناس وتعليمهم الأحكام الشرعية والآداب والقيم الأخلاقية،وهو يحتوي على 500 آية تعرف بآيات الأحكام،وقد يكرر بعضها حكماً واحداً،وبعضها قد يكون منسوخاً بآية أخرى.

هذا ولما كان القرآن قد وصل إلينا عن طريق التواتر حيث استلمه جيل بعد جيل،فلا سبيل لنكرانه أو التشكيك في صدوره،فهو إذن قطعي الصدور،نعم دلالة الآيات ظنية،ويعود فهمها إلى الفقيه،فذلك شأنه.

2-السنة:

ونعني بها سنة المعصوم،فتشمل النبي والأئمة المعصومين ،وهي تعني عندنا كل قول أو فعل أو تقرير صدر عنهم.

هذا وقد ترك لنا أئمتنا تراثاً روائياً يقوم الفقيه من خلاله بالاستنباط.

وقد قام جمع من العلماء بجمع تلك الروايات،ففي زمن الأئمة قام بعض أصحابهم أمثال(زرارة،ومحمد بن مسلم،وأبان بن تغلب،وأبي بصير،وغيرهم)بتدوين بعض الرسائل التي تتضمن ما سمعوه من الأئمة ،التي عرفت فيما بعد بالأصول الأربعمائة،.

هذا وتتفاوت تلك الرسائل في الحجم،فربما كانت الرسالة في باب واحد فقط من الفقه كالصلاة مثلاً.

ثم جاء عصر الشيخ الكليني وكتب كتابه(الكافي)وجعله على ثلاثة أقسام:

1-الأصول،وهو يتضمن العقائد والأخلاق والآداب العامة التي ينبغي للمسلم أن يتحلى بها.

2-الفروع،وهو يحوي دورة فقهية كاملة تبدأ بكتاب الطهارة وتنتهي بكتاب الديات.

3-الروضة،وتشتمل على بعض المواعظ والحكم.

ومن بعده ، كتب الشيخ الصدوق كتابه (من لا يحضره الفقيه) واقتصر فيه على خصوص المسائل الفقهية فقط،فبدأ بكتاب الطهارة،وأختتمه بكتاب الديات.

وبعدهما ألف شيخ الطائفة وفخرها،الشيخ الطوسي كتابه التهذيب شرحاً لكتاب أستاذه الشيخ المفيد المقنعة،وذكر فيه ما لم يذكره الكليني والصدوق في كتابيهما،ثم اختصر هذا الكتاب في كتاب آخر اسماه بالاستبصار.

وتمثل هذه الكتب الأربعة أهم المصادر الحديثية عند الشيعة،وتحتل أهمية خاصة عندهم،لكننا لا نؤمن بصحة جميع ما جاء فيها،كما يقول غيرنا في الصحاح،بل إن فقهائنا يخضعون الروايات الواردة فيها إلى الدراسة،فما كان منها مستجمعاً للشرائط المعتبرة في قبول الخبر قبل،وإلا فلا مجال لقبوله.

3-الإجماع:

ولا يعتبره أتباع مذهب أهل البيت،دليلاً مستقلاً،وإنما يعول عليه إذا كان كاشفاً عن رأي الإمام المعصوم.

4-العقل:

ويراد به التوصل إلى بعض الأحكام الكبروية التي يقرها العقل،ويحل بها المشاكل التي تعترض الفقيه،أثناء الاستنباط،مثل مسألة (جواز اجتماع الأمر والنهي)،ويمكننا أن نوضحها بمثال:

من الشرائط المعتبرة في صحة الصلاة أن تكون في لباس مباح،غير مغصوب،وإذا رجعنا إلى محاولة التعرف على الدليل الدال على هذا الشرط،نجد أنه لا يوجد لدينا آية ولا رواية،ولا إجماع في المقام يدل على هذا الاشتراط،فحينها نجد أن العقل يحكم بعدم جواز اجتماع الأمر والنهي مثلاً،فالصلاة في الثوب المباح أمر،والنهي عن الغصب نهي،ولا يمكن أن يجتمعا،وعليه يقال حينئذً بعدم صحة الصلاة مثلاً.

هذا والشيء الذي ينبغي الالتفات له،أنه ليس معنى حكم العقل،إعماله في مقابل النص،أو إصدار حكم من دون سند شرعي،فإن دين الله لا يصاب بالعقول.

هذا ويعتمد غيرنا على طرق أخرى في مقام الاستنباط،لكن مذهب أهل البيت،لا يرى حجيتها،مما يعني عدم صحة الاستناد إليها،فهم يعولون على أمثال القياس والمصالح المرسلة وسد الذرائع والاستحسان،لكننا لا نقبل ذلك.

الاجتهاد واجب كفائي:

بعد ما عرفنا الاجتهاد،وأنه يحصل نتيجة إفراغ الوسع والجهد في مصادر الاستنباط للوصول إلى الحكم الشرعي،يتضح لنا أن الاجتهاد من الأمور المهمة في حياة الأمة،ويعتبر واجباً كفائياً على كل فرد،فإذا تصدى له وقام به من تتحقق به الغاية سقط الوجوب عن بقية المكلفين،وإذا لم يتصد إلا غير القادر مالياً جاز البذل له من أموال الحقوق الشرعية،وإلا وجب على الناس البذل من أموالهم.

المجتهد مطلق ومتجزئ:

هذا وينقسم المجتهد إلى قسمين،يتضحان من البيان التالي:

إذا حاز المجتهد على قدرة الاستنباط وملكته،بحيث صار يملك القدرة على ذلك،فإن كانت له القدرة على استخراج جميع الأحكام التي يحتاج إليها أو معظمها،فهذا يسمى بـ(المجتهد المطلق).

أما لو لم تؤاتيه الفرصة لاستنباط بعض الأحكام في بعض النواحي فهذا هو (المجتهد المتجزئ).

شرائط المرجع:

ويعتبر في الشخص الذي يتصدى لمرجعية الأمة وقيادتها والقيام بمسؤولياتها العامة مجموعة من الشرائط:

1-البلوغ.2-الذكورة.3-طهارة المولد.4-الإيمان.،أي الانتماء للمذهب الإثني عشري.5-العدالة،ونعني بها الاستقامة في خط الطاعة لله سبحانه وتعالى من خلال الالتزام بأوامره،وتجنب نواهيه،ومتى فعل الإنسان ذنباً زالت العدالة منه،لكنه إذا تاب إلى الله تعالى توبة نصوحة عادلت إليه العدالة من جديد.6-استذكاره واستحضاره للمعلومات التي يحتاجها في عملية الاستنباط،وذلك بنحو لا يخرحه النسيان الكثير عن الحد المتعارف.

7-الحرية.8-الاجتهاد.

هذا مع ملاحظة أن يكون هذا المجتهد ممارساً للفقه فتـرة زمنية طويلة،من خلال البحث والتدريس،بحيث يكون ممتلكاً لنضج في مسالة الاستنباط،سواء كان المجتهد المطلق،أم المجتهد المتجزئ.

شرطية الحياة:

هذا وقد وقع الخلاف بين فقهائنا في اشتراط شرط في مرجع التقليد من عدمه،وهو الحياة،حيث ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا يشترط في مرجع التقليد الذي يرغب في تقليده ابتداء،بمعنى أول التـزام للمكلف بفتوى المرجع،أن يكون حياً،بل يجوز تقليد الميت ابتداء.

بينما اختار المشهور من علمائنا عدم صحة تقليد الميت ابتداء،فيجب على المكلف في أول تقليده أن يقلد مرجعاً حياً،ولا يجوز له تقليد الميت.

كما وقع الخلاف بين علمائنا أيضاً،في مسألة البقاء على تقليد الميت،بعد وفاته بعد ما كان قد قلده أثناء حياته،حيث أفتى المشهور من علمائنا بعدم جواز البقاء على تقليده.

بينما قال آخرون بجواز البقاء،وهناك رأي ثالث،يقول بالتفصيل،فيجب البقاء على تقليده إذا كان المرجع المتوفى أعلم من الحي،ويجوز تقليده إذا كان مساوياً للحي،وإن كان الأفضل الرجوع للحي،أما لو كان المرجع المتوفى أقل مرتبة في العلم من الحي،فلا يجوز عندهم البقاء على تقليده.

هذا ولهم تفصيل أيضاً في مقدار دائرة البقاء بين السعة والضيق،حيث يلتـزم بعضهم بالبقاء عليه في جميع مسائله،بينما يقول آخرون بالبقاء عليه في خصوص المسائل التي تعلمها وحفظها ولم ينسها،ويقول ثالث،بالاكتفاء بكونه قد تعلمها حتى لو نسيها.

الأعلمية:

كما يشترط في مرجع التقليد شرط آخر،وهو أن يكون أعلم الموجودين،حتى يجوز تقليده،ومرادنا من الأعلم:

هو الأجود فهماً والأحسن تعييناً للوظائف الشرعية،وبعبارة أخرى:هو الأشد مهارة من غيره في تطبيق الكبريات على صغرياتها،وأقوى استنباطاً وأمتن استنتاجاً للأحكام من مبادئها وأدلتها.

فليس الأعلم هو الأكثر معلومات،كما أنه ليس الأكثر حفظاً للفروع،وليس الأكثر إحاطة بالكلمات الفقهية والأقوال.

التقليد

قلنا أن طرق معرفة المكلف للشريعة لغير الأحكام الضرورية واليقينية ، تتحقق من خلال ثلاثة طرق،الاجتهاد،والتقليد، والاحتياط .

وقد قدمنا الحديث عن أول هذه الطرق وهو الاجتهاد،وحان حديثنا الآن عن الطريق الثاني وهو التقليد.

فإذا لم يكن المكلف مجتهداً ولا محتاطاً،فيجب عليه أن يكون مقلداً للمجتهد الجامع لشرائط التقليد.

هذا ويكفي في تحقق التقليد،العزم على الرجوع إليه والعمل برأيه عند الحاجة،حتى لو لم يعمل المكلف فعلاً برأيه.

العمل بلا تقليد:

هذا وإذا صدر من المكلف عمل من دون أن يكون عمله مستنداً إلى تقليد منه لمن هو أهل للتقليد كان ذلك العمل الصادر منه باطلاً،إلا أن يتوفر في العمل شرطين:

1-أن يكون قد قصد فيه القربة إلى الله تعالى فيما يكون العمل مشروطاً بقصد القربة.

2-أن يكون عمله موافقاً لرأي من يجب عليه تقليده،بمعنى أن تكون صلاته التي صلاها مثلاً،أو صيامه الذي صامه،أو عقد نكاحه الذي أوقعه،موافقاً لفتوى من يجب عليه تقليده.

بطلان العمل بلا تقليد:

هذا إذا كان المكلف غافلاً عن وجوب التقليد عليه،أما لو كان المكلف ملتفتاً إلى وجوب التقليد إلا أنه تعمد تركه،وأتى بأعماله كيف اتفق متجرئاً بذلك،فإنه لا يتحقق منه قصد القربة في مثل هذه الحالة،ولذا يحكم ببطلان أعماله.

مسألة العدول:

إذا قلد الإنسان مرجعاً جامعاً لشرائط التقليد،لا يجوز العدول بعد ذلك منه إلى غيره،إلا إذا كان هناك سبب يسوغ له العدول منه إلى غيره،مثلاً كان هذا المرجع هو أعلم الموجودين،ثم تبين له بعد تقليده أن هناك من هو أعلم منه،ففي مثل هذه الحالة يسوغ له العدول منه إلى ذلك الأعلم.

تقليد الصبي:

لا يشترط في صحة التقليد أن يكون المقلد بالغاً،بل يجوز للصبي الصغير أو الصبية الصغيرة،أن يقلد،ومتى تحقق منهما التقليد كان تقليدهما صحيحاً،وجاز لهما الاستمرار عليه بعد بلوغهما.

دائرة التقليد:

يختص تقليد المكلف للمرجع،بالأمور المتعلقة بالأحكام،فلا يشمل التقليد متابعة المرجع في الموضوعات،ولذا يحق للمكلف أن يخالف مرجع التقليد في ما يراه من الموضوعات الخارجية،فالمكلف يقلد المرجع في حرمة أكل لحم الميتة،لكن هذا اللحم الموجود في السوق،هل هو لحم ميتة أو لا،لا يتبع المكلف مرجعه في تشخيصه لذلك،وهكذا.

نعم هناك موضوعات تسمى موضوعات مستنبطة،وهي الموضوعات التي وردت في الدليل،فإن المرجع فيها إلى المرجع،فيجب على المكلف أن يتبع مرجعه في ذلك.

تعلم المسائل الإبتلائية:

يجب على كل مكلف تعلم ما يحتاجه كثيراً في حياته من أحكام العبادات والمعاملات،وذلك كمعرفة أجزاء العبادات الواجبة وشرائطها،ويكفي في ذلك العلم إجمالاً بأن أعماله العبادية جامعة لما يعتبر فيها،من دون ضرورة للعلم التفصيلي بها.

نعم يجب بالخصوص تعلم مسائل الشك والسهو،التي يمكن أن تعرض له أثناء الصلاة،كذلك يجب على من يمتهن تغسيل الموتى معرفة المهم من أحكام غسل الميت،وكذا يجب على التاجر التفقه بالمقدار الذي لابد منه للتخلص من الربا،ونحوه من الأمور التي تغضب الله سبحانه وتعالى،وهكذا سائر أحوال المكلف مما يجب الخروج من عهدته وبراءة الذمة من تبعاته.

طرق معرفة الفتوى:

يمكن للإنسان أن يحصل على الفتوى من خلال أحد أمور:

1-أن يصل المكلف بنفسه إلى المرجع،ويسأل منه.

2-أن يرجع المكلف إلى رسالة المرجع الذي يقلده.

3-أن يرجع إلى الوكلاء أو أحد طلبة العلم الذين يثق بهم.

4-أن يستند إلى الاستفتاءات بعد الاطمئنان بصدورها من المرجع.

الاحتياط:
وهو عبارة عن الطريق الثالث،الذي يعمد إليه المكلف لمعرفة الشريعة المباركة،والخروج عن عهدة التكاليف الموجهة إليه.
تعريفه:

وهو مأخوذ في اللغة من الحذر والتحرز،ويراد منه في الشرع:العمل الذي يـبعث على الاطمئنان واليقين ببراءة الذمة وتحقيق رضا الله تعالى بامتثال التكليف الواقعي المجهول،وذلك عند اختلاف المجتهدين في الحكم،أو مطلقاً.

هذا ويسوغ للمكلف أن يعمل بالاحتياط،في كل حكم غير يقيني،سواء اتفق العلماء أم اختلفوا،شرط أن لا يتحول ذلك إلى نوع من الوسواس،والعمل غير العقلائي المستهجن.

كذلك فإنه لا بأس بالعمل بالاحتياط في خصوص موارد الاختلاف بين الفقهاء،بل إن مرجع التقليد قد يطلب من مقلديه العمل بالاحتياط استحباباً أو وجوباً عندما يشوب الدليل الفقهي شيء من عدم الوضوح،وعلى أيٍ، الاحتياط دائماً حسن على كل حال،وهو محبوب لله سبحانه وتعالى.

قسما الاحتياط:

هناك نوعان للاحتياط يميز بينهما الفقهاء:

1-الفتوى بالاحتياط:ويراد منه جعل الاحتياط حكماً شرعياً ملزماً وواجباً بصفته الوظيفة العملية المطلوبة من المكلف،وذلك في مقابل ما يسمى بالتخيير والبراءة والاستصحاب،وهي الأصول العملية التي يرجع لها في مقام الاستنباط.

2-الاحتياط في الفتوى:ويراد منه الحالة التي يفتي فيها الفقيه بشيء استناداً إلى النص مثلاً،ولكنه لا يكون مطمئناً إلى وضوح الدليل فيطلب من مقلديه العمل بالاحتياط كخيار أفضل.

هذا ويظهر الفرق بينهما من ناحية عملية،إذ أن الفتوى بالاحتياط لا يجوز فيها الرجوع إلى مرجع آخر لأنها هي التكليف الذي أفتى به مرجع التقليد،فيكون منجزاً في حق المكلف فيجب عليه امتثاله،بينما الاحتياط في الفتوى يعني عدم وجود فتوى للمرجع واقعاً،فيجوز فيه الرجوع إلى غير مرجع التقليد.

وينبغي علينا التنبيه إلى أن الغالب في الاحتياطات الواردة في الرسائل العملية هي من النوع الثاني أعني الاحتياط في الفتوى،نعم توجد موارد فتوى بالاحتياط لكنها قليلة.

صعوبة العمل بالاحتياط:

يحتاج العمل بالاحتياط إلى اطلاع واسع على الأحكام الشرعية،وإحاطة ببعض الأمور الدقيقة،الأمر الذي يجعل الاحتياط على غير الخبير صعباً،بل قد يقع المكلف العامل بالاحتياط نتيجة عدم درايته واطلاعه في ما هو خلاف الاحتياط ويكون منافياً له.

مثلاً في الصلاة لو تردد المكلف بين قولين بالنسبة للتسبيحات الأربع،بين كون الواجب واحدة منها،أو أن الواجب ثلاث،فعمد المكلف إلى العمل بالاحتياط،وأراد أن يأتي بالثلاث،فضاق الوقت مما يستلزم وقوع جزء من الصلاة خارج الوقت،فلا ريب أنه هنا يكون الاحتياط قد نجم عنه عمل يخالف الاحتياط،وهو وقوع جزء من الصلاة خارج الوقت.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة