29 مارس,2024

أهمية الفضائل العلوية

اطبع المقالة اطبع المقالة

أهمية الفضائل العلوية

 

اتفق المحدثون وأرباب السير والتأريخ وكافة العلماء على أن ما ورد في فضائل أمير المؤمنين(ع) من أحاديث سواء كانت حسنة أم غيرها، لم يرد مثله في أحد من صحابة رسول الله(ص)، وقد صرح بذلك أحمد بن حنبل حيث قال: ما ورد في أحد من أصحاب رسول الله(ص) من الفضائل ما ورد لعلي(رض).

وقد أكد هذا المعنى ابن حجر في الصواعق المحرقة، فقد ذكر عند حديثه عن فضائل أمير المؤمنين(ع): وهي كثيرة عظيمة شهيرة، حتى قال أحمد: ما جاء لأحد من الفضائل ما جاء لعلي، وقال إسماعيل القاضي والنسائي وأبو علي النسيابوري: لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان أمثر مما جاء في علي(ع).

ومع هكذا إشارة لفضائل أمير المؤمنين(ع)، والعناية بها، يتبادر إلى الأذهان سؤال:

ما هو منشأ الاهتمام بفضائل ومناقب أمير المؤمنين(ع)، والعناية بها.

 

دواعي الاهتمام بالفضائل العلوية:

يمكن للباحث أن يقف على أسباب عديدة تدعو للعناية بالفضائل العلوية، والاهتمام بها، نشير لاثنين منها:

الأول: الاقتداء بالنبي الأكرم محمد(ص):

واتباع سنته المباركة، لأن التأمل في نصوص الفضائل يدل دلالة جلية واضحة على أن أول من تحدث عنها وبثها بين الناس هو رسول الله(ص)، وهو المعصوم المطلق الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فقد ركز(ص) على بيان فضائل أمير المؤمنين(ع)، ومناقبه بما لم يركز على أحد من صحابته، وهذا يعني أن مبدأ الحديث عن الفضائل العلوية هو رسول الله(ص)، وليس شيعة علي بن أبي طالب كما يدعى.

ولأن الله سبحانه وتعالى قد أمر المسلمين أن يتخذوا رسول الله(ص) قدوة، إذ يقول تعالى:- (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)[1]، فيكون الحديث عن مناقب أمير المؤمنين(ع) وفضائله من الاقتداء برسول الله(ص)، لما عرفت أنه أول من نشر فضائل علي(ع) وبثها، بل أنه لم يكن يترك مجالاً وفرصة يمكن أن يذكر فيها شيء من فضائل أمير المؤمنين(ع)، إلا وحدث فيها بذلك.

 

الثاني: الإلزام بحقانية أمير المؤمنين بالخلافة:

وهو وجه كلامي يتضمن إلزاماً للفرق الإسلامية القائلة بعدم حقانية أمير المؤمنين(ع) بالخلافة بعد رسول الله(ص)، وأنه رابع أربعة، لأن المستفاد من كلمات مشهور علماء المسلمين، بل هو أحد الأصول المتفق عليها عندهم، أن الأشبه برسول الله(ص) من كل الجهات والأقرب إليه في أخلاقه وسلوكياته، وسيرته، ومسيرته وعلمه، هو الأحق بالخلافة من غيره، لأنه الأقدر على إدارة الدولة، والأعدل مع الرعية.

ومن هنا قالوا بأن موجب تقديم الخلفاء الثلاثة الأُول على أمير المؤمنين(ع) يرجع لما لهم من فضائل ومناقب عليه، ولذلك استحقوا الخلافة.

ومقتضى ما ذكروه أن خلافة رسول الله(ص) تدور مدار المناقب والفضائل، ويكون الأكثر فضائل ومناقب هو الأجدر بمنصب الخلافة، ولازم ما ذكروه وجود ملازمة بين الخلافة والأفضلية، بل قد جعلوا هذه الملازمة أصلاً موضوعياً فقد جاء في منهاج السنة لابن تيمية: فلأن النبي أفضل الخلق، وكل من كان به أشبه فهو أفضل ممن لم يكن كذلك، والخلافة كانت خلافة نبوة لم تكن ملكاً، فمن خلف النبي وقام مقامه، كان أشبه به، ومن كان أشبه به كان أفضل.

ومثله قال أبو الحسن الأشعري: وإذا وجبت إمامة أبي بكر بعد رسول الله وجب أنه أفضل المسلمين.

ومن المعلوم أن هذا الأصل الموضوعي بناءاً على ما يعتقدونه من أن رسول الله(ص) قد مات ولم يستخلف أحداً بعده على الأمة.

ووفقاً لما تقدم، لو أمكن إقامة الدليل والبرهان على أفضلية أمير المؤمنين(ع) على غيره من الصحابة كان ذلك موجباً لاستحقاقه منصب الخلافة بعد رسول الله(ص) دون من سواه، ويكون تقديم غيره عليه تقديماً للمفضول على الفاضل وهو قبيح عقلاً.

ومن الواضح أن طريق تحصيل الأفضلية المذكورة هو ملاحظة ما لأمير المؤمنين(ع) من فضائل والنظر في ما لغيره حتى يقف الباحث عندها عمن هو الأفضل.

ويعبر عن هذا النحو من الاستدلال بالإلزام، لأنه ينطوي على إلزام الآخر بما يلتـزم، وقد استخدم هذا النحو من الاستدلال أمير المؤمنين(ع) في خطب نهج البلاغة، كما يظهر ذلك من تعبيراته(ع) عن نفسه تارة بأنه أحق بالخلافة، وأخرى بأنه أولى بها، لأنه(ع) هو الأفضل بين الصحابة دون منازع.

شروط الاحتجاج بنصوص الفضائل:

ولابد أن يتوفر في نصوص الفضائل المراد الاستناد إليها في إثبات حقانية أمير المؤمنين(ع) بالخلافة من خلال هذا الطريق شروط ثلاثة:

الأول: أن تكون منقولة في المصادر الحديثية المعروفة والمعتمدة عند علماء المسلمين.

الثاني: التـزام علماء المسلمين بصحة أسنادها واعتبار حجيتها.

الثالث: انتفاء المانع من العمل على وفقها.

 

وبسبب هذا الأصل الموضوعي المتقدم عند المسلمين في موضوع الخلافة، عمد بعض علماء المسلمين إلى تكذيب النصوص الحاكية لفضائل أمير المؤمنين(ع)، أو قام بتفريغها من محتواها حتى لا يكون(ع) أشبه الصحابة برسول الله(ص) وأفضلهم عنده، بل قام بوضع أحاديث مكذوبة على رسول الله(ص) في شأن آخرين تحقيقاً للشبه برسول الله(ص) والقرب منه، حتى يكون أحق بمقام الخلافة.

 

حذف الفضائل العلوية من المصادر:

وللأسف قيام بعض الكتّاب بحذف العديد من الفضائل العلوية وعدم نقلها، ولنشر لنموذج من تلك النماذج:

سبب نزول آية الانذار:

نقل الطبري وابن كثير في تاريخهما، والنقل للطبري فقد روى عن علي بن أبي طالب، أنه قال: لما نزل قوله تعالى:- (وأنذر عشيرتك الأقربين)[2]، دعاني رسول الله(ص) فقال لي: يا علي، إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين-إلى أن قال-يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخر، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيكم يوازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي، فيكم؟ قال: فأحجم الثوم عنها جميعاً، وقلت وإني لأحدثهم سناً وأرمصهم عيناً، وأعظمهم بطناً وأحمشهم ساقاً: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي، ثم قال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا. قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لأبنك وتطع[3].

 

إلا أن الطبري وابن كثير نقلا ذات الخبر في تفسيريهما، وقد نقله الطبري بذات السند الذي جاء في التأريخ، لكن بعد رفع ألفاظ الحديث ذات المدلول العقدي، والذي ترتبط بمفهوم الخلافة، وهي: لفظتي: وصيي، وخليفتي. فقد جاء في تاريخ الطبري: ثم تكلم رسول الله(ص)، فقال: يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي، وكذا، وكذا؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعاً…وقلت: أنا يا نبي الله أكون وزيرك، فأخذ برقبتي، ثم قال: إن هذا أخي، وكذا وكذا[4].

ولا ينحصر الأمر في هذا النموذج، بل يمكن للقارئ العزيز أن يقف على نماذج أخرى، نعرض عن ذكرها حذراً من الإطالة.

 

تصريح علماء المسلمين:

وعلى أي حال، فقد صرح كثير من علماء المسلمين باختصاص أمير المؤمنين(ع) بمجموعة من الفضائل الأعلائية التي تدل على شبهه برسول الله(ص) ومن ثمّ أحقيته بمنصب الخلافة، نشير لبعضهم:

1-النسائي، فقد تتبع في كتابه خصائص علي بن أبي طالب ما خُص به الإمام(ع) من الفضائل والمناقب، فوجدها كثيرة وأسانيدها جياد، كما ذكر ذلك ابن حجر العسقلاني، ويظهر من عنوان الكتاب أمران:

أحدهما: أن موضوعه هو خصوص الفضائل التي يختص بها أمير المؤمنين(ع) دون غيره من الصحابة.

 

ثانيهما: اعتقاد النسائي وإيمانه وقناعته، بكون هذه الفضائل مما اختص به أمير المؤمنين(ع) دون غيره.

2-ابن عبد البر في كتابه الاستيعاب في معرفة الأصحاب، وقد ذكر: وفضائله لا يحيط بها كتاب، وقد أكثر الناس من جمعها، فرأيت الاختصار منها على النكت التي تحسن المذاكرة بها، وتدل على ما سواها من أخلاقه وأحواله وسيرته.

3-القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودة، قال: فأما علي بن أبي طالب فلو أفردنا لفضائله الشريفة ومقاماته الكريمة، ودرجاته الرفيعة ومناقبه السنية لأفنينا في ذلك الطوامير الطوال والدفاتر العراض.

ويمكن للقارئ العزيز أن يقف على كلمات لغيرهم أيضاً مثل: الخطيب البغدادي، والمسعودي، وابن أبي الحديد المعتزلي، وغيرهم.

 

موقف ابن تيمية من الفضائل العلوية:

ومن الغريب جداً ما صدر من ابن تيمية حيال الفضائل العلوية، فقد خالف ما عليه علماء المسلمين في التعاطي معها، حيث أنه عمد إلى تكذيب كثير منها، بل حتى القليل الذي سلم بصحته، فإنه قلل من قيمته وأنكر أنه من خصائصه(ع)، والشواهد على ذلك كثيرة، فمن ذلك كلامه في حديث المنـزلة: أنت مني بمنـزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، فإنه بعدما سلم بدلالته على منقبة لأمير المؤمنين(ع)، صرح بكونها منقبة عادية، لا تدل على أفضليته، فضلاً عن دلالة الحديث على مساواته في الفضل للخلفاء السابقين عليه، بل أنكر أن يكون الحديث من خصائصه(ع)، لأنه يشاركه غيره فيه.

ومثل ذلك ما ذكره في دلالة آية المباهلة على تفضيله(ع) على من سواه من الصحابة، وأن أقصى ما تدل عليه هو عادة عربية، وسوف نشير لذلك بعد قليل إن شاء الله.

 

مراتبية الفضائل العلوية:

قد اتضح من خلال ما تقدم مجموعة من النتائج المرتبطة بالفضائل العلوية نشير إليها إجمالاً:

أحدها: دلالة الفضائل العلوية على مقامات عالية لأمير المؤمنين(ع).

ثانيها: اختصاصه(ع) بها، فلا يشاركه في شيء منها أحد من الصحابة.

ثالثها: كثرتها من حيث العدد ما يصعب عدّها وحصرها.

 

وما ينبغي الإشارة إليه أن هذه الفضائل ليست على مستوى واحد، بل هناك تفاوت بينها، ولذا يمكن تصنيفها إلى درجات بحيث تكون هناك فضائل من الدرجة الأولى، وفضائل من الدرجة الثانية وهكذا، والمناط في جعل فضيلة ما من الدرجة الأولى هو اشتمالها على أمرين:

الأول: أعلائيتها ودلالتها على مقامات مهمة وعالية.

الثاني: اختصاصها بأمير المؤمنين(ع) دون غيره من الصحابة.

ويمكن تقريب فكرة تفاوت الفضائل العلوية في المراتب من خلال بعض الشواهد:

آية المباهلة:

قال تعالى:- (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين)[5]، ولا نحتاج الإشارة إلى سبب نزول الآية المباركة فإنه معروف، بل قد اتفقت كتب الحديث والتفسير والتأريخ على روايتها مسندة تارة ومرسلة أخرى، وقد أرسل ذلك بينهم إرسال المسلمات. والاستدلال بها على المدعى لتعبيره تعالى عن أمير المؤمنين بنفس رسول الله(ص)، فقال سبحانه:- (وأنفسنا)، وهذا يعني أنه(ع) يمثل التجسيد الكامل لشخصية رسول الله(ص)، وأنه أشبه الناس به وأقربهم منه.

وقد تضمنت هذه الفضيلة الأمرين الذين أعتبرا في كون الفضيلة من الدرجة الأولى، وهما الاختصاص، والأعلائية، لوضوح أعلائية التشبيه بالنفس على التشبيه بغيرها.

ومن الواضح جداً أن التوصيف بالنفس أعلى وأشرف من أي وصف آخر، كوصف شخص بأنه صاحب لرسول الله(ص)، وهو ما تمسك به المسلمون لتفضيل أبي بكر، على أساس أن الله تعالى قد وصفه بالصحبة، في قوله تعالى:- (ثاني اثنين إذا هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا)[6].

 

ومع اتفاق المسلمين قاطبة على أن رسول الله(ص) لم يخرج معه أحد سوى أمير المؤمنين والسيدة الزهراء والحسن والحسين(ع)، ما يعني ثبوت فضيلة خاصة لهم(ع)، دون بقية الصحابة، إلا أن ابن تيمية أنكر ذلك، وأدعى أن ما صنعه رسول الله(ص) هو مجرد عادة جرت العرب عليها، لأنهم يخرجون أقرب الناس إليهم نسباً في المباهلة وإن لم يكن ذا فضيلة.

ولأنه سوف ينقض عليه بعدم إخراج النبي(ص) عمه العباس لأنه أقرب إليه من أمير المؤمنين(ع)، أجاب بعدم لياقته وقابليته لحضور مشهد المباهلة. ولأن هذا يستدعي أن يمتلك علي(ع) شيئاً لا يمتلكه غيره، أقرّ بأن هذا يعطي نوع فضيلة لأمير المؤمنين(ع)، لا أنه يعطيه امتيازاً بقول مطلق.

 

حديث المنـزلة:

وهو قوله(ص) لعلي(ع): أنت مني بمنـزلة هارون من مسى إلا أنه لا نبي بعدي. ويشهد لكون هذا المنقبة من مناقب الرتبة الأولى، ما رواه مسلم في صحيحه من أن معاوية قال لسعد بن أبي وقاص: ما منعك أن تسب أبا التراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله(ص) فلن أسبه، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم، سمعت رسول الله(ص) يقول له وقد خلفه في بعض مغازيه: فقال له علي: يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان، فقال له رسول الله: أما ترضى أن تكون مني بمنـزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبوة بعدي[7].  ويشير لتوفر الأمرين اللذين اعتبرا في كون الفضيلة من المرتبة الأولى من الفضائل، تدوين النسائي إياها في كتابه خصائص علي بن أبي طالب.

ومما يؤسف له أن ابن تيمية لمّا لم يجد له منفذاً للتشكيك في صدور الحديث، أو دلالته، عمد إلى دعوى عدم اختصاصه به(ع)، بل يشاركه في ذلك غيره من الصحابة، بل عمد إلى التشكيك في قدرات الإمام(ع) حيث ذكر أن عدم إخراجه مع النبي(ص) يعود لكونه لا ينتفع به، لأن الملوك عندما يخرجون فإنهم يأخذون معهم من ينتفع به.

 

تأمير علي بن أبي طالب:

وسوف نشير لحديث ورد في مسند أحمد بن حنبل، فقد روى عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال: قيل: يا رسول الله من يؤمر بعدك؟ قال: إن تؤمروا أبا بكر تجدوه أميناً زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة، وإن تؤمروا عمراً تجدوه قوياً أميناً لا يخاف في الله لومة لائم، وإن تؤمروا علياً-ولا أراكم فاعلين-تجدوه هادياً مهدياً، يأخذ بكم الطريق المستقيم[8]. ومن الواضح أن الصفات التي وصف بها أمير المؤمنين(ع) في هذا الحديث والذي صححه القوم، يشمل الصفات التي ذكرت للرجلين، بينما لا تشتمل الصفات التي وصفا بها صفاته(ع)، ومع ملاحظة قوله تعالى:- (اهدنا الصراط المستقيم)[9]، يتضح أن الهداية التي يطلبها كل مصلٍ أثناء صلاته تمر من خلال أمير المؤمنين(ع)، لأنه الهادي المهدي الذي يأخذ بكل أحد إلى الصراط المستقيم.

ولا تنحصر هذه الهداية بزمان دون آخر، بل شاملة حتى لما بعد عصر خلافته(ع)، لأن الفوز بالهداية والنجاة من الضلالة حاجة مستمرة، فيكون الإنسان محتاجاً دائماً إلى مرجعية أمير المؤمنين(ع) الدينية.

 

الولادة في الكعبة:

فإن هذا الحدث من الأمور التي أختص بها أمير المؤمنين(ع)، ولم يشاركه في ذلك أحد من قبله ولا من بعده، كما أن نفس الولادة ذات مداليل عميقة وتعطي مقامات عالية جداً له(ع)، فإنه تشير إلى عمق الارتباط بالتوحيد، وبالنبوة، وغير ذلك.

ولذا نجد كيف حاول بعض المسلمين بشتى الوسائل من أجل طمس هذه الفضيلة وإخفائها تارة بإنكار ولادته(ع) فيها، وإثبات ذلك لغيره وهو حكيم بن حزام، وثانية بدعوى عدم اختصاصه بذلك، بل هناك من يشاركه في ذلك، وهو حكيم بن حزام.

 

منهج ابن تيمية في التعاطي مع الفضائل العلوية:

قد عرفت في ما تقدم أن ابن تيمية قد اتخذ منهجاً مغايراً لعلماء المسلمين في التعاطي مع روايات الفضائل العلوية، ويتمثل منهجه في خطوات ثلاث على نحو الطولية، فيصار للخطوة الثانية بعد عدم جدوائية الخطوة الأولى، ويصار للخطوة الثالثة بعد عدم جدوائية الخطوتين الأولى والثانية، وهكذا:

الأولى: القيام بالنقد السندي للحديث، وذلك إما بتكذيبه، أو باعتباره حديثاً موضوعاً، ولا أقل من العمد إلى التشكيك فيه.

الثانية: ومع سلامة الحديث سنداً، وعدم وجود مغمز فيه، لتواتره مثلاً، أو لكونه متفقاً عليه بين علماء المسلمين، أو مشهوراً بينهم، يعمد إلى نقد الحديث متناً، ومضموناً، وذلك بالتلاعب بدلالته الواضحة من خلال صرفها عن معناها الحقيقي، حملها على معنى آخر بعيد جداً.

الثالثة: وهي التي يلجأ إليها بعد وضوح دلالة الحديث على المنقبة وصراحته في ذلك، فيقوم بالتقليل من أهمية دلالته الظاهرة، من خلال إلغاء خصوصيته بأمير المؤمنين(ع)، وعدّ مضمونه عاماً يشترك فيه معه غيره من الصحابة، أو عموم الصالحين من المسلمين، ويستند في ذلك إلى نص ديني، سواء كان قرآنياً، أم روائياً بعد أن يقوم بإفراغ الحديث عن دلالته الجدية، ولا أقل من إتيانه بنص ديني يحمل نفس المضمون أو يشابهه جاء في حق أشخاص آخرين ليكون معارضاً للنص المشتمل على فضيلة أمير المؤمنين(ع). بل إن المتابع لما كتبه في سيرة أمير المؤمنين(ع) يقف على أنه كان يتعمد الانتقاص منه(ع)، وهناك شواهد عديدة على ذلك، يقف عليها كل من يقرأ كتابه منهاج السنة، وأشير لبعضها:

 

منها: إتهام أمير المؤمنين(ع) أنه كان يعبد الأصنام.

ومنها: دعواه، أن أمير المؤمنين(ع) لم يسئ لأحد من الكفار، لا في الجاهلية، ولا في الإسلام، وأنه لم يقتل أحداً من أقاربهم، بل إن من قتلهم، لم يكونوا من القبائل المعروفة.

ومنها: اتهام الإمام(ع) بأنه قد آذى السيدة فاطمة(ع) لغرض دنيوي.

 

ومن الواضح أن دافع ابن تيمية لكل هذا يعود للأصل الموضوعي الذي سبقت الإشارة إليه وقد أصله من أن الأشبه رسول الله(ص) يكون هو الأفضل، ومن يكون الأفضل يكون هو الأجدر بالخلافة بعد رسول الله(ص)، ولذلك عمد إلى سلب كل فضيلة أو نفيها أو تفريغها من محتواها حتى لا يكون أمير المؤمنين(ع) هو الأشبه فيكون هو الأفضل ليستحق منصب الخلافة[10].

 

 

 

 

سورة الأحزاب الآية 21.

[2] سورة الشعراء الآية رقم 214.

[3] تاريخ الأمم والملوك ج 2 ص 62-63.

[4] جامع البيان عن تأويل آي القرآن ج 10 ص 140.

[5] سورة آل عمران الآية رقم 61.

[6] سورة التوبة الآية رقم 40.

[7] صحيح مسلم ج 4 كتاب فضائل الصحابة باب فضائل علي بن أبي طالب ص 213.

[8] مسند أحمد بن حنبل ج 1 ص 109.

[9] سورة الفاتحة الآية رقم 6.

[10] بتصرف.