28 مارس,2024

شمولية الشريعة(2)

اطبع المقالة اطبع المقالة

شمولية الشريعة(2)

 

الثابت والمتغير:

الثانية: ما ألتزم به العلمان الجليلان السيد الطباطبائي[1]، والسيد الخميني(ره)، ومع أن الناظر لصيغتيهما يقف على أنهما تشتركان كثيراً مع بعضهما البعض، حتى يكاد أن يطمأن بتساويهما، إلا أن هناك فرقاً على ما يبدو بينهما من حيث السعة فإن الظاهر أن نظرية الإمام الخميني(ره) أضيق دائرة من نظرية السيد العلامة(ره).

ووفقاً لذلك يحسن الإشارة لما ذكره كل واحد منهما(رض) على نحو الاستقلال.

 

صياغة العلامة الطباطبائي:

تقوم صياغة العلامة الطباطبائي(ره) على تقسيم الأحكام الإسلامية إلى قسمين يتمايز كل واحد منهما عن الآخر ومنفصل عنه تماماً، وهذان القسمان هما: الأحكام الثابتة، والأحكام المتغيرة.

 

الأحكام الثابتة:

وقد حدد(ره) المقصود من الأحكام الثابتة: بأنها الأحكام والقوانين التي وضعت على وفق مقتضى حاجات الطبيعة الواحدة والثابتة للإنسان، وقد عبر الإسلام عن هذه الأحكام التي أقامها على أساس طبيعة الإنسان وخصوصياته بالدين والشريعة، قال تعالى:- (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الين القيم)[2]، ويمكن بيان ذلك من خلال بعض الأمثلة:

1-حاجة الجنسين الذكر والأنثى إلى بعضهما، فإنها قائمة على أساس طبيعة الإنسان الذي ينطوي على الغريزة، فيحتاج الذكر للأنثى، والأنثى للذكر من أجل اشباع هذه الرغبة.

2-عاطفة الأبوة والأمومة، فإنها قائمة على أساس طبيعة الإنسان والذي ينطوي على هذه العاطفة.

3-علاقة الوالدين بالولد، والولد بالوالدين، وكذا علاقة الأخوة بعضهم ببعض، فإن جميع هذه الأمور ناشئة من طبيعة الإنسان، وهذا يجعل الأحكام المرتبطة بها أحكاماً ثابتة لا تتغير مهما تغيرت الظروف والأزمنة والأماكن.

ومثل ذلك جميع موارد الحسن والقبح العقليـين، فإنها ثابتة لا تتغير لأنها وفق الطبيعة الانسانية القائمة على الحكم بحسن هذا الفعل وقبح ذلك، وهي عناوين ثابتة.

 

الأحكام المتغيرة:

أما الأحكام المتغيرة، فحدد المقصود منها بأنها الأحكام المؤقتة أو التي قد لوحظ فيها شيء ما، وهي تختلف وفق أنماط الحياة المختلفة.

ووفقاً للضابطة المذكورة سوف يتماشى هذا القسم مع التقدم التدريجي للمدنية والحضارة، وتغيّر المظاهر الاجتماعية وحصول الأساليب الحديثة واختفاء القديمة منها، وهي تختلف حسب مصالح الزمان والمكان المختلفة.

ولما كانت هذه الأحكام من آثار الولاية العامة، فهي منوطة بنبي الإسلام محمد(ص)، والقائمين مقامه والمنصوبين من قبله، ويكون تشخيصها وتنفيذها في دائرة الثوابت الدينية وطبقاً لمصالح الزمان والمكان، انطلاقاً من قوله تعالى:- (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)[3].

 

وهناك قسم من هذه الأحكام يعبر عنه باختيارات الولي بناءً على ثبوت الولاية العامة لولي أمر المسلمين في دائرة حكومته، وأنه موجه لأفكار المجتمع الاسلامي، ومورد قبول الجميع، ويمكنه التصرف في محيطه العام، كما يتصرف أي شخص في محيطه الخاص.

وقد وضع هذا الأصل في الإسلام حتى يلبي حاجات الناس المتغيرة في كل عصر وزمان، وفي كل منطقة ومكان من دون أن تتعرض أحكام الإسلام الثابتة إلى النسخ والبطلان، وهي تغطي حاجات المجتمع الإنساني.

 

معيار الأحكام المتغيرة:

وقد جعل(ره) المعيار في الأحكام المتغيرة أحد أمور:

الأول: أن يكون ملحوظاً في جعلها منذ البداية شيء بحيث تكون محدودة به، كما لو كان الحكم المرتبط بها معلقاً على موضوع ما بحيث يثبت متى ثبت ذلك الموضوع، وينتفي متى انتفى، مثل مسألة بيع الدم.

الثاني: الأحكام المجعولة وفق أنماط الحياة المختلفة والتي تختلف مع تغير تلك الأنماط وتبدلها سواء بحسب الزمان أم المكان أم كليهما، وذلك مثل وسيلة النقل المستعملة في الانتقال من مكان إلى آخر.

وعلى أي حال، فمن أمثلة هذا القسم وسائل النقل فقد طرأ عليها التحول والتغيّر وفق متغيرات الحياة وظروف الزمان والمكان والتقدم العلمي، فبعدما كانت وسيلة النقل عبارة عن الدواب أصبحت اليوم الطائرات وغير ذلك.

وكذا وسيلة الدفاع عن الإسلام، وبيضته، فإنها تختلف من زمان إلى آخر، ومن مكان إلى آخر، فبعدما كانت وسيلة ذلك في تلك الأزمنة والأماكن متمثلة في الخيل والرمح والسيف والسهم، قد تكون الوسيلة المثلى اليوم هي القلم واللسان البارع في عرض الإسلام وبيان مناهجه ومعالمه.

 

صياغة الإمام الخميني:

الظاهر أن نظرية الإمام الخميني(قده) تعتمد بصورة أساس على مراعاة ظروف الزمان والمكان، وتؤكد على دورهما في عملية الاستنباط، لأن الشريعة الشاملة لابد وأن تراعي الظروف وأشكال التحرك البشري في سلم التطور الحضاري والثقافي، وهذا يعني أن الشارع المقدس قد لاحظ في مجمل تشريعاته تأثيرات الزمان والمكان في الأحكام. وهذا يستدعي الوقوف عند هذا الجانب حتى تتضح النظرية المذكورة.

وينبغي الالتفات إلى عدم اختصاص الإمام الخميني(ره) بهذه النظرية، بل الظاهر وجودها في كلمات القدماء والمتأخرين من علماء الطائفة وإن لم يصرحوا بهذا التعبير، إلا أن متابعة فتاويهم تكشف عن ذلك لاشتمالها على التعليل بذلك.

 

قال في مجمع الفائدة والبرهان: ولا يمكن القول بكلية شيء، بل تختلف الأحكام باختلاف الخصوصيات والأحوال والأزمان والأمكنة والأشخاص[4]. فإن ملاحظة أخذه الخصوصيات في الأحكام، وأن ذلك يوجب اختلافها سيما مع ذكره الزمان والمكان، يوحي بالتزامه بجعلهما دخيلين في الحكم الشرعي، فيكون موافقاً لما عليه الإمام الخميني(ره). بل قد يستظهر هذا المعنى من كلام الصدوق(ره) في كتابه الفقيه عند حديثه عن العمائم، فقد نقل ما جاء عن النبي الأكرم محمد(ص) من أنه قال: الفرق بين المسلمين والمشركين التحلي بالعمائم. قال الصدوق(ره): وذلك في أول الإسلام وابتدائه، وقد نقل عنه(ص) أهل الخلاف أيضاً أنه أمر بالتحلي ونهى عن الاقتعاط[5]. فإن قوله(ره) وذلك في أول الإسلام، يوحي باختصاص الحكم بتلك الفترة الزمنية، وعدم جريانها مطلقاً، لأنه(ص) كان بصدد إعطاء هوية تميز المسلمين عن غيرهم.

نعم قد نص على ذلك الشهيد الأول(ره) في كتابه القواعد والفوائد، قال: يجوز تغير الأحكام بتغير العادات كما في النقود المتعاورة والأوزان المتداولة، ونفقات الزوجات والأقارب فإنها تتبع عادة ذلك الزمان الذي وقعت فيه[6].

 

نعم قد صرح بذلك جملة من العلماء القريبين من عصرنا كالفقيه الكبير السيد البروجردي، والسيد العلامة الطباطبائي في الميزان، والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء(ره).

قال الشيخ كاشف الغطاء (ره) في كتابه تحرير المجلة، قال: لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان[7]. وقال أيضاً: قد عرفت أن من أصول مذهب الإمامية عدم تغيير الأحكام إلا بتغيير الموضوعات، إما بالزمان والمكان، أو الأشخاص[8].

وهذا يوحي بوجود نحو اتفاق عند علماء الطائفة على تأثير الزمان والمكان في عملية الاستنباط.

وعلى أي حال، حتى يمكن الوقوف على معالم هذه الصيغة المستفادة من كلمات السيد الخميني(قده)، لابد من الإشارة لمقوماتها والتي كما عرفت أنها مدخلية الزمان والمكان في مجال الاستنباط.

 

تعريف الزمان والمكان:

يختلف المقصود من مفهومي الزمان والمكان باختلاف العلوم، وحتى يحدد المقصود منهما لابد من تحديد العلم الذي يبحث عنهما فيه، فالزمان في اللغة بمعنى الوقت، والمكان بمعنى الموضع والمحل.

وعلى المستوى العلمي يقصد من الزمان مقدار الحركة الوضعية للأرض حيث يتم قياسه بمنتصف النهار، أما المكان فهو الشكل الذي تملك جميع نقاطه خاصية معينة ويقال عنها المكان الهندسي.

وفي الفلسفة، فإن الزمان وفقاً لرأي أكثر الفلاسفة أمر واقعي وحقيقي، وهو عبارة عن مقدار الحركة، وحتى بالنسبة للمتأخرين من الفلاسفة الإسلاميـين، فإن الزمان في نظرهم هو البعد الرابع للمادة.

 

وليس المقصود من الزمان والمكان في المقام معناهما العلمي ولا الفلسفي، لأنهما فيهما من الأمور التكوينية الخارجة عن ذات الإنسان، فلا يمكن أن يؤثرا في الحكم الشرعي وعملية الاستنباط. وحتى معناهما العرفي فإنه غير مقصود في المقام، لأنه وإن أمكن تأثيرهما بهذا المعنى في الأحكام والموضوعات والملاكات، وذلك بأن يؤخذ الزمان أحياناً شرطاً للوجوب كحلول شهر رمضان، فإنه شرط لوجوب الصوم، وأحياناً يكون شرطاً للواجب كحلول شهر ذي الحجة، فإنه شرط لوجوب الحج.

وإنما المقصود من هذين المفهومين ملاحظة خصوصيات كل عنصر ومحيط اجتماعي يمكنه أن يؤثر على الموضوعات والأحكام بحيث يشكل قرينة حالية تؤثر في فهم النصوص، وهذا يمكن تصوره على ثلاثة أنحاء:

 

النحو الأول: زمان ومكان الصدور:

فحتى يستنبط حكم شرعي من النصوص الدينية لابد من ملاحظة جميع القرائن اللفظية والعقلية المتصلة والمنفصلة، ومن الواضح أن المكان والزمان اللذان نزلت فيه الآية أو صدرت فيه الرواية يعدّ أحد القرائن العقلية المتصلة والتي توجب سعة مدلول الدليل أو ضيقه، مثل: أفضلية زيارة الإمام الرضا(ع).

 

النحو الثاني: زمان ومكان استنباط الفقيه:

لا ريب أن الزمان والمكان الذي يستنبط فيه الفقيه الحكم له تأثير في تعيـين وتشخيص الموضوع لذلك الحكم، ويتسبب أن يصل الفقيه للنتيجة، فمثلاً حلية اللعب بالشطرنج نتجت عن الظرف الزماني والمكاني الذي استنبط فيه الفقيه الحكم، حيث أنه لا يعدّ من مصاديق القمار وهو موضوع الحرمة.

أو نظام الشورى الذي ورد في قوله تعالى:- (وأمرهم شورى بينهم)[9]، فإن سبيل المشورة والاعتماد على الآراء في إدارة المجتمعات الذي دلت عليه الآية الشريفة، إلا أن موضوع المشورة يتغير وفق أعراف المجتمعات البشرية، وقد تبدل من الحالة البسيطة إلى نظام مدون يشمل مقررات منظمة وهكذا.

 

النحو الثالث: تأثير الزمان والمكان في تأملات الفقيه في الأدلة:

فإنه قد يستظهر منها شيئاً جديداً لم يكن معروفاً من قبل ويأتي بنتيجة مغايرة لما كان عليه الأعلام السابقين عليه، كالنظر إلى مجموعة من النصوص المرتبطة بأحكام الحج وما عليه واقعاً الأعلام السابقين عليه، كالنظر إلى مجموعة من النصوص المرتبطة بأحكام الحج وما عليه واقع الحال اليوم عما كان عليه واقع الحال بالأمس، فإن ذلك يجعل الفقيه يعيد النظر في الأدلة ويتأمل فيها، ومن أمثلة ذلك:

1-الذبح في منى وحال الهدي بعد ذبحه.

2-رمي الجمرات وما يخلفه من مشاكل وغير ذلك.

 

والظاهر أن المقصود من بحث دور الزمان والمكان في عملية الاستنباط هما النحوان الثاني والثالث دون الأول، لأنه مربوط في الحقيقة بمسألة تأريخانية الحكم ومدى قبولها.

وينبغي الالتفات إلى أن تناسب الاجتهاد مع عنصر الزمان والمكان لا يخلّ بالأصول والمباني الأصيلة للكتاب والسنة، وقواعد الاجتهاد، لأنه يمكن استنباط الفروع والأحكام الجزئية بملاحظة الزمان والمكان في دائرة الأصول العامة لخطابات الشارع الثابتة دائماً.

 

دائرة التأثير:

حتى يحدد دائرة تأثير الزمان والمكان، لابد من الالتفات إلى أن هناك أصولاً لا تقبل التغيـير:

1-التوحيد في التشريع.

2-أبدية الأحكام.

3-وجود حكم لجميع الوقائع.

 

أما الأول، وهو التوحيد في التشريع:

ويستفاد هذا الأصل من قوله تعالى:- (إن الحكم إلا لله)[10]، لأن المقصود من الحكم فيها هو عملية التشريع والتقنين. نعم بعض الأعلام على توسعة دائرة الولاية التشريعية فألتـزم بثبوت ذلك للنبي الأكرم محمد(ص)، اعتماداً على النص الخاص. وأما ثبوت ذلك للأئمة الأطهار(ع) فهو موضع خلاف بين الأعلام.

 

الثاني: أبدية الأحكام:

وهو يبتني على ما ورد عنه(ع): حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة[11]. وهذا يستدعي ثبات الأحكام وعدم تغيرها ما دامت موضوعاتها موجودة، لأن الأحكام تابعة للموضوعات.

الثالث: عدم خلو الواقعة من حكم:

وهذا الأصل مستفاد من جملة من النصوص وهو يشير إلى عدم وجود فراغ قانوني في الشريعة وأنها شاملة لكل شيء، وهو يقتضي أن جميع الحوادث والوقائع لها أحكام شرعية بما في ذلك المستجدات من المسائل والمستحدثة منها.

ومن المعلوم دوران الأحكام مدار المصالح والمفاسد، لأن لكل حكم ملاكاً يعبرون عنه بالمصلحة أو المفسدة، ولهذا قالوا بأن ثبوت الأحكام ينشأ من ثبوت ملاكاتها.

 

وعليه، سوف يكون تأثير الزمان والمكان في الموضوعات غالباً بحيث يكون الموضوع مصداقاً لملاك معين أحياناً، ومصداقاً لملاك آخر في وقت آخر. فالزمان والمكان لا يعملان على تغيـير الأحكام ولا تغيـير الملاكات، وإنما يعملان على تغيـير الموضوعات وهذا التغيـير في الواقع تبديل الشيء من كونه مصداقاً لملاك معين إلى ملاك آخر.

والحاصل، إن المساحة الحقيقية لتأثير الزمان والمكان هو الموضوعات، إلا أن المساحة الظاهرية للتأثير قد تشمل الأحكام والملاكات أيضاً، وحتى يتضح ما ذكرناه نشير لذلك بشيء من التفصيل:

 

1-تأثير الزمان والمكان في الموضوعات:

والمقصود من الموضوع عبارة عن شخص أو شيء تتوقف عليه فعلية الحكم الشرعي، مثل: كون الخمر مسكراً، في حرمة شرب الخمر، وكون المكلف مستطيعاً في وجوب الحج. ومتعلق هذه الأحكام عبارة عن أفعال المكلفين، وما يراد من العبد تحقيقه وإنجازه.

ويكون تأثير الزمان والمكان في الموضوعات على صور:

الصورة الأولى: تغيـير المصداق:

ولذلك مجموعة من الأمثلة:

 

1-موضوع وجوب الحج:

هو المستطيع، وقد ينتفي وجوده في بعض الأزمنة أو الأماكن بسبب غلاء الأسعار في الذهاب إلى الحج.

2-الفقير:

وهو أحد مصارف الخمس والزكاة، والمعروف من كلمات الفقهاء، أنه الذي يكون فاقداً لمستلزمات الحياة الطبيعية المتعارفة في المجتمع الذي يعيش فيه، فيفتقد مقومات الحياة الكريمة من طعام ولباس وأثاث. فمن لم يكن يملك الثلاجة أو الغسالة أو التلفاز بالأمس لا يطلق عليه فقيراً، لأنها لاتعدُّ أموراً أساسية دخيلة في حاجاته التي بها قوام حياته، بخلاف ذلك اليوم، فإنه لا يتصور أن تكون الحياة دون هذه الأمور، وهذا يعني أن كل من يفتقد شيئاً منها، أو جميعها لعدم قدرتها على شرائها يعبر عنه بالفقير، بل اليوم أصبحت الحاجة إلى بعض الأجهزة الذكية حاجة لا تنفك، ولا يتصور استمرار الحياة من دونها، وهذا قد يوجب صدق عنوان الفقير على من لا يملك شيئاً منها، فتأمل.

بل قد يتحقق عنوان الفقير نتيجة فقده للأمور المالية مع توفر جميع المستلزمات الحياتية، لأن الزمان والمكان دخيلان في مطلوبية ذلك.

 

3-نفقة الزوجة:

فقد كانت تتحقق سابقاً بإعطائها شيئاً من اللباس ولو ثوباً واحداً في الصيف ومثله في الشتاء مضافاً لطعامها، ويكفي أن يكون سكنها في بيت عائلي مشترك، إلا أن هذه الأمور اليوم لا تحقق عنوان النفقة، فإنه لا يقبل أن يقتصر في كسوة الزوجة على ثوبين أحدهما للصيف والآخر للشتاء، كما لا يقبل بإسكانها في بيت عائلي مشترك، بل يطلب لها سكن مستقل، وقد يعتبر في نفقتها أشياء أخرى في قادم الأيام.

والحاصل، إن الزمان والمكان قد أثرا تأثيراً كبيراً في مصداق نفقة الزوجة، وأوجبا تغيـيرها عما كانت عليه في زمان ومكان سابقين.

 

الصورة الثانية: تبدل الموضوع بحدوث تغيـير باطني:

ومثال ذلك الاستحالة، فإن الشيء إذا تغير عما كان عليه، وتبدل من صورة نوعية إلى صورة نوعية أخرى أخذ أحكاماً جديدة مختلفة، فالجيلاتين المأخوذ من الحيوان غير المذكى نجس، ولا يحل تناوله، إلا أنه متى استحال من حقيقته النوعية إلى حقيقة نوعية أخرى وصار شيئاً آخر مختلفاً، فإنه يحكم بطهارته، ويبنى على حلية تناوله.

 

الصورة الثالثة: سعة وتعميم المصداق:

ومثال ذلك الاحتكار، فإنه ينحصر بعدد من المواد الغذائية، إلا أن هناك من الأعلام من يوسع الدائرة لأن الملاك في تشريع حرمة الاحتكار هو إنقاذ الناس من الأزمات الاقتصادية في حالات العسر والحرج.

 

الصورة الرابعة: ظهور مصاديق جديدة:

وهي عبارة عن المسائل المستجدة والمستحدثة التي لم تكن في عصر الشارع المقدس، وإن أصبح بعضها اليوم من المسائل المتعارفة، وخرجت عن كونها مستجدة، مثل مسألة التأمين بكافة فروعها، بما في ذلك التأمين على الحياة، والمعاملات البنكية، والتعامل بالأوراق النقدية عوضاً عن النقدين الذهب والفضة، وكذا مسألة التلقيح الاصطناعي، وبعض موانع الحمل، والحقوق الفكرية، كحق التأليف، وحق الابداع والاختراع، وحقوق الطبع، وغير ذلك، فإن من الواضح أن موجب حصول هذه الموضوعات هما عنصرا الزمان والمكان، فلولاهما لم يوجداً كما هو واضح.

 

 

 

 

[1] ويمكن مراجعتها في كتابيه: نص الحوار مع المستشرق موربان، ومقالات تأسيسية، بل قد أشار إليها أيضاً في تفسيره القيم الميزان.

[2] سورة الروم الآية رقم 30.

[3] سورة النساء الآية رقم 59.

[4] مجمع الفائدة والبرهان ج 3 ص 436.

[5] من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 17.

[6]القواعد والفوائد ج 1 ص 151.

[7] تحرير المجلة ج 1 ص 34.

[8] المصدر السابق.

[9] سورة الشورى الآية رقم 38.

[10] سورة الآية رقم

[11]  الكافي ج 1 ص 58.