16 أبريل,2024

ثبوت الهلال

اطبع المقالة اطبع المقالة

يـبدأ الشهر القمري بوجود الهلال الأول مرة بعد المحاق عند غروب الشمس،ومعنى ذلك أن له شرطين أساسيـين:

الأول:أن يولد الهلال بعد المحاق،وهذه الولادة حادث كوني،يحصل في نسبة القمر إلى الأرض،بغض النظر عن أوقات الليل والنهار على وجه الأرض،فقد يكون بعض المناطق في الليل وبعضها في نهار،بل الأمر كذلك بكل تأكيد،وبعضها في فجر وبعضها في غروب.

ولا يوجد تحديد للمنطقة التي يولد فيها الهلال من الأرض،بل يخـتلف ذلك بين الأشهر بكل تأكيد.

س:هل يعتبر هذا الولادة للهلال بدأ الشهر القمري؟…

ج:لا يعتبر هذا الميلاد بدئاً للشهر القمري لمانعين مهمين:

الأول:أن وجه الأرض يخـتلف،بين الليل والنهار،فإن بدأ الشهر بالولادة كان الشهر الجديد بادئاً خلال النهار أو خلال الليل،ومن الواضح أن هذا لا معنى له عرفاً ومتشرعياً.

نعم هو من الناحية العلمية ممكن،كما أنه من الناحية العقلية كذلك،يعني بعلم الفلك الطبيعي،بل هو متعين عند الفلكيـين بغض النظر عن وقت الليل والنهار،مع إمكان جعل أول الشهر اليوم التالي من الناحية الظاهرية،أو الرسمية،نعم سيرة العرف والمتشرعة على خلاف ذلك.

الثاني:أن القمر في أول ميلاده يكون دقيقاً جداً بحيث لا يمكن رؤيته بالعين المجردة بالمرة،والشرط الأساسي لبدء الشهر القمري هو تطوره وازدياد نوره إلى درجة تكون فيها الرؤية متحققة وممكنة عند غروب الشمس،فنجعل أول الشهر في اليوم التالي.

ثم إنه بناء على ما ذكرنا يتضح أمرين:

1-أن الرؤية بالمناظير الفلكية،عندما لا يكون حجم الهلال مناسباً للرؤية البصرية،غير كافية في بدء الشهر القمري.نعم هذا لا يعني عدم وجود فائدة للمناظير في رؤية الهلال،بل يمكن أن تعدد لها فوائد عديدة،إلا أنها تعتبر ثانوية بالنسبة إلى الرؤية البصرية الأساسية.

2-إمكان الرؤية،وهذا هو المهم شرعاً،يعني وصول نور الهلال بعد ولادته إلى درجة بحيث يمكن رؤيته بالعين المجردة.

فإذا ثبت بأي دليل أو حجة معتبرة شرعاً وجود الهلال بهذه الكيفية كفى ذلك في ثبوت الشهر القمري.

الشرط الثاني:أن يكون الجزء الذي ظهر من الهلال يمكن رؤيته بالعين الإعتيادية المجردة.

س:هل يمكن أن يتأخر الشهر القمري عن الشهر الشرعي؟…

ج:بناء على ما ذكرنا،قد يتأخر الشهر الشرعي عن الشهر القمري الطبيعي،فيـبدأ هذا ليلة السبت مثلاً،ولا يـبدأ ذاك إلا ليلة الأحد،وذلك في حالة خرج فيها القمر من المحاق،ولكن لم يكن بعد قد مر الوقت الكافي الذي يكون فيه الهلال قد اختـزن الكمية من الضوء التي تساعد على الرؤية.

س:لو كان في الجو حاجب يمنع من الرؤية كالغيم والسحاب،هل يضر بتحقق ثبوت الهلال؟…

ج:لما كان المقياس هو إمكان الرؤية في حالة عدم وجود حاجب،فإنه لا يضر وجود حاجب يحول دون الرؤية كالغيم والضباب.

طرق ثبوت أول الشهر:

اتضح مما تقدم أن بداية الشهر القمري الشرعي تـتوقف على أمرين:

1-خروج القمر من المحاق.

2-أن يكون الهلال ممكن الرؤية بالعين الإعتيادية المجردة في حالة عدم وجود حاجب.

س:كيف يمكن إثبات تحقق الشرطين السابقين لثبوت الهلال القمري الشرعي؟…

ج:إن إثبات ذلك يتم بعدة طرق:

1-أن يرى الشخص نفسه الهلال مباشرة بعينه الإعتيادية،لأن رؤية الهلال تـثبت للرائي أن القمر قد خرج من المحاق،وأنه بالإمكان رؤيته،وإلا لما رآه فعلاً.

2-شهادة الآخرين برؤيتهم للهلال،فإذا لم يكن المكلف قد رآه بنفسه لكن شهد جماعة برؤيتهم للهلال مباشرة،كفى ذلك في ثبوته.

س:هل يكفي في قبول شهادة الشهود مجرد دعواهم رؤية الهلال،أو أنه يعتبر مضافاً إلى ذلك شرائط أخرى؟…

ج:لابد لقبول لشهادة الشهود برؤيتهم الهلال من توفر أحد أمرين:

الأول:كثرة العدد،وتنوع الشهود على نحو يحصل التواتر أو الشياع المفيد للعلم أو الإطمئنان،فإذا كثر العدد ولم يحصل أحدهما،من أجل منشأ معقول لم يثبت الهلال.

وبعبارة أوضح إن الكثرة العددية تعتبر عاملاً مساعداً على حصول اليقين،لكنها ليست كل شيء في المقام،بل ينبغي للمتصدي لإثبات الهلال أن يدخل في باله كل ما يلقي ضوءاً على مدى صدق الشهود،أو كذبهم أو خطأهم.

ويمكننا أن نوضح ما ذكرنا من أن العدد ليس هو المعيار التام في البين،من خلال المثال التالي:

إذا احصي أربعون شاهداً بالهلال من بلدة واحدة فقد يكون تواجدهم جميعاً في بلدة واحدة يقوي شهادتهم،ويجعلها صادقة،بينما إذا أحصي أربعون شاهداً من أربعين بلدة استهل أبناؤها،فشهد واحد من كل بلدة،فإن درجة مقبولية الأربعين الثانية،ليست في مستوى مقبولية شهادة الأربعين الأولى،وذلك لأن تواجد أربعين شخصاً من بلدة واحدة على خطأ في مجموعة المستهلين بعيد نسبياً،بينما تواجد شخص واحد على خطأ في مجموعة المستهلين من كل بلد أقرب احتمالاً.

وكما ينبغي للمتصدي لإثبات الهلال أن يلحظ عدد الشهود بالإثبات،كذلك عليه أن يلحظ نوع وعدد المستهلين الذين استهلوا وعجزوا عن رؤية الهلال،فكلما كان عدد هؤلاء الذين خرجوا ولم يروا الهلال كبيراً جداً،ومتواجداً في جو نقي وصالح للرؤية،وقريب من الأماكن التي رأى الشهود فيها الهلال،شكل ذلك عاملاً سلبياً في ثبوت الهلال.

س:هل يكتفى في ثبوت الهلال بما ذكر،أو أنه يعتبر ملاحظة حال الشهود أيضاً؟…

ج:إن ملاحظة نوعية الشهود لها أثر كبير إيجاباً وسلباً على تقريب النـتيجة لثبوت الهلال وعدمه،ففرق بين أربعين شاهداً يعرف مسبقاً أنهم لا يتورعون عن الكذب،وبين أربعين شاهداً مجهولي الحال،وأربعين شاهداً يعلم بوثاقتهم بدرجة وأخرى.

س:يحصل أن يخرج مجموعة لرؤية الهلال،فيراه واحد منهم،ثم يرشد الآخرين إليه،فهل يعول على هذه الشهادة بكونها محققة للعدد المطلوب؟…

ج:لا مانع من التعويل على مثل هذه الشهادة،لأن احتمال وقوعهم جميعاً في الخطأ والإشتباه وعدم حصول الرؤية منهم بعيد جداً،مضافاً إلى أن قدرة الشاهد على إراءة ما رآه تعزز الثقة بشهادته.

س:لو حصل وشهد عدد من الشهود متفرقين لكن من بلد واحد فتوافقت شهادتهم في بيان الأمور التفصيلية فهل يعزز هذا من قوة الشهادة؟…

ج:إن التطابق العفوي في النقاط التفصيلية بين الشهود،بأن يشهد عدد من الأشخاص المتفرقين من بلدة واحدة ويعطي كل منهم نقاطاً تطابق النقاط التي يعطيها الآخر من قبيل أن يتفقوا مثلاً على زمان رؤية الهلال وزمان غروبه عن أعينهم،فإن ذلك عامل مساعد على حصول اليقين بتحقق الرؤية.

ثبوت الهلال بقول الفلكي:

س:هل يمكن الإستفادة من الأدوات الحديثة من مراصد وما شابه في إثبات رؤية الهلال؟…

ج:لا يكفي لإثبات الشهر الإعتماد على هذه الوسائل،نعم يمكن الإستفادة منها في إثبات إمكانية الرؤية وعدمها،مثلاً إذا كان التطلع إلى الأفق رصدياً لم يتح رؤية الهلال،فإن هذا يعتبر عاملاً سلبياً يزيل من نفس الإنسان الوثوق بالشهادات التي عنده،ولو كثر عددها،إذ كيف يرى الناس بعيونهم المجردة ما عجز الرصد العلمي عن رؤيته.

مثلاً،لو أخبر المرصد الفلكي أن الهلال لا وجود له أصلاً،فإن هذا يجعلنا نتأمل في شهادة الشهود حينئذٍ.

كما أنه قد يخبر الفلكيون بأن الهلال صغير جداً بحيث لا يكون قابلاً للرؤية،مما يعني أنه لا يمكن إثبات أول الشهر به،فلو ادعى الشهود الرؤية كان قول الفلكيـين شاهداً سلبياً على قبولها.

هذا ويمكننا الإستفادة منهم أيضاً في الناحية الإيجابية كما لو أخبر الفلكيون بأن الهلال كبير بحيث يكون قابلاً للرؤية،الأمر الذي يمكن به إثبات أول الشهر وإن لم يره أحد بالعين المجردة،لإحتمال وجود مانع كالسحاب والغيوم وما شابه.

نعم لو أخبر الفلكي بكون الهلال كبيراً ولم يكن في الجو مانع يمنع عن الرؤية،ولم يره أحد،لم يمكن الإعتماد على قوله في إثبات الشهر.

س:يحصل أن يذكر الفلكيون وقت خروج القمر من المحاق،فلو حصل وادعى الرؤية شهود قبل ذلك الوقت الذي حدده الفلكيون،هل يعول على تلك الشهادة؟…

ج:بعض علمائنا يلتزم بأن الإختلاف بين التحديد العلمي الفلكي،وبين وقت الشهادة سبب للتوقف في قبولها،وبتعبير آخر:

إن اختلاف التحديد العلمي في الوقت مع الشهادة يكون عاملاً سلبياً يضعف من تلك الشهادة،لأن احتمال الخطأ في حسابات التنبوءات العلمية وإن كان موجوداً،لكنه قد يكون أبعد أحياناً عن احتمال الخطأ في مجموع تلك الشهادات،أو على الأقل لا يسمح بسرعة حصول اليقين بصواب الشهود في شهادتهم.

س:هل يمكن الإستفادة من المراصد الفلكية في جهة تحديد مكان الهلال،ثم بعد ذلك يرى بالعين المجردة؟…

ج:نعم يمكن الإستعانة بالمراصد لإثبات جهة وجود الهلال،وإحداثياته،حتى ينظر نحوها الناظرون ويركزون بها دون أن يـبذلوا جهداً ضائعاً في الأطراف الأخرى.