19 أبريل,2024

مسائل حول البكاء على مصيبة الإمام الحسين عليه السلام

اطبع المقالة اطبع المقالة

س:أود معرفة رأيكم في تشجيع وتحفيز بعض خطبائنا على البكاء لما حدث في واقعة الطف، فهل لهذا التحفيز فوائد، وإن كان الجواب بنعم، فما هي؟…

ج:هناك بعدان في واقعة الطف الخالدة، لا ينفكان عن بعضهما البعض، كما أنهما يسيران مع بعضهما جنباً إلى جنب:

الأول:هو البعد العاطفي، وهو بعد مطلوب، وله كثير من الأبعاد الإيجابية، فهو مضافاً لكونه يمثل ناحية عبادية ترتبط بالله سبحانه وتعالى، يعود بعديد من الفوائد، أشرنا لبعضها في محاضراتنا العاشورية لهذا العام، فيمكنك مراجعتها تحت عنوان الشعائر الحسينية، حيث ذكرنا هناك بعض الأبعاد والآثار المترتبة على البكاء، مضافاً للبعد العبادي.

الثاني:البعد التربوي، وهو ما يعبر عنه بجانب العبرة، وما عبرت عنه بالدروس المستفادة من النهضة الخالدة، فإن هذا أيضاَ لا ينبغي إغفاله وإهماله، لكونه الجزء المهم الذي خرج الحسين(ع)من أجله.

ولذا نحن ندعو إلى مراعاة هذين الجانبين وإعطاء كليهما حقه قدر المستطاع، ولا ينبغي أن يعطى أحد الحقين مجاله على حساب إغفال أو إلغاء الجانب الآخر، والله العالم.

س:لقد ذكرتم في موضوع الشعائر الحسينية الحلقة الأولى، أن واضع أسس البكاء، والمؤسس له هو الإمام زين العابدين(ع)، لكن الذي نلاحظه من خلال المراجعة للروايات، أن المؤسس له هو الرسول الأكرم محمد(ص)وهذا لا ينكره حتى أبناء العامة، إذ يقرون ببكاء رسول الله(ص)على الإمام الحسين(ع)، ولا ريب أنكم لو ذكرتم ذلك لأعطى ذلك لهذا العمل قدسية خاصة، خصوصاً إذا لا حنا انضمام أمير المؤمنين(ع)في ذلك؟…

ج:الأخ الفاضل، إن ما ذكرته صحيح لا غبار عليه ونحن من المسلمين به، كما أن النكتة التي أشرت إليها من أن ذكر بكاء الرسول الأكرم محمد(ص)والإمام أمير المؤمنين(ع)والصديقة الطاهرة فاطمة(ع)يعطي للموضوع روحية خاصة، كما يؤكد جنبة المشروعية ويظهرها بصورة أكثر وضوح، بعيدة عن كونها أمراً عاطفياً بحتاً، صحيحة.

لكن الذي ذكرتموه من الملاحظة على ما ذكرناه، غير واردة علينا، لأننا قد قيدنا تأسيسية الإمام زين العابدين(ع)للبكاء بما بعد الحسين(ع)، وهذا هو نص العبارة:

ويعتبر واضع هذه الأسس من الأئمة بعد الحسين(ع)إمامنا زين العابدين(ع)حيث وضع أسسه ورفعه في مداه الواسع.

س:ثم إذا كنتم تقصدون بالمؤسس هو الذي أعطى البكاء الأبعاد التي ذكرتموها فهذا إنما يكون صحيحاً، لو كنتم تتحدثون عن أهداف البكاء عند الإمام زين العابدين(ع)، أما ما دمتم تتحدثون عن المشروعية فهي غير كافية في ضني، ولذا كان عليكم أن تتحدثوا عن المشرع الأول، ثم ترد فوه بهذا الكلام ليتم المبنى؟…

ج:أشكر لك أخي القارئ هذه الملاحظة الجيدة، وهي جديرة بالمتابعة، لكنها غير واردة أيضاً على ما ذكرناه، ذلك لأن الأبعاد المذكورة للبكاء، إنما هي للبكاء الحاصل بعد واقعة الطف، وهذا حاصل بعد الفراغ عن المشروعية، ولذا نحن أساساً لسنا بصدد الحديث عن مشروعية البكاء من عدمه، بل ينصب حديثنا بعد الفراغ عن ذلك.

ثم إن نفس الأبعاد المتصورة في بكاء الإمام زين العابدين(ع)تجري في بقية المعصومين(ع)بلا فرق بين أحد منهم، والله العالم.

س:في معرض حديثكم عن بكاء الإمام زين العابدين(ع)، وبعد عرض الأدلة عن المعصومين ذكرتم التالي:لا يمكننا……..-إلى أن قلتم-بحيث لم يكن قادراً على ضبط أحاسيسه وعواطفه طيلة هذه الفترة من الزمن…الخ.

قلت:نعم نحن لا ننكر هذا الجانب، لكن ألا تـتفق معنا في أن هذا القول والقبول به فيه غمط لمقام الإمام(ع)من حيث عصمته في قولك لم يكن قادراً على ضبط أحاسيسه، كما ذكر ذلك الشيخ عبد الحسين الحلي في كتابه الشعائر الحسينية في الميزان الفقهي في معرض رده على كتاب التـنزيه في عمل التشبيه للسيد الأمين(ره).

فإن ما تعتقد به الشيعة أن الإمام(ع)لا ينساق وراء عواطفه كالإنسان العادي، ونحن نشاهد إنساناً عادياً يمسك عواطفه ويصبر فكيف بالإمام(ع)فما هو قولكم.أرجو التفصيل في الجواب؟…

ج:الأخ الفاضل، إن ما نسبتموه لنا في غير محله، حيث أنه لم يصدر منا أن الإمام لم يكن قادراً على ضبط أحاسيسه ومشاعره، بل نحن في مقام الإنكار لهذه المقولة والرد عليها، ورفضها، ولذا قلنا:

هذا ولا يمكننا أن نحمل هذه الممارسة الواسعة والممتدة للإمام زين العابدين(ع)على أنها مجرد انفعال عاطفي بالمشاهد التي عاشها أيام محرم الحرام، بحيث لم يكن قادراً على ضبط أحاسيسه وعواطفه طيلة هذه الفترة من الزمن، نعم نحن لا ننكر هذا الجانب، لكننا لا يمكننا أن نحصره في خصوصه دون غيره، ولذا ينبئ هذا العمل من الإمام(ع)مضافاً إلى البعد العاطفي عن تصميم وتخطيط محكم كان يمارسه الإمام زين العابدين(ع)يعتمد على الحقيقة المأساوية التي عاشها(ع)شخصياً، ويؤكد عمقها وهولها، لتبقى قضية الأمة الإسلامية، وتـتحرك على أساسها الأمة المؤمنة لتقف في وجه الظالمين والطغاة والمردة.

وقد أعطى أئمة أهل البيت(ع)بعد الإمام زين العابدين(ع)عمقاً آخر لهذا الشعار عندما طرحوه مصداقاً من مصاديق تعظيم شعائر الله، وأسلوباً للتعبير عن استنكار الظلم، والتفاعل الذاتي مع قضية كربلاء وأهدافها، ومنهجاً لتـزكية النفس وتهذيبها، بحيث تحول إلى عبادة يمارسها الإنسان بطريقة فردية أو جماعية.

فقد ورد التأكيد عن أهل البيت(ع)على أهمية البكاء أو التباكي على الحسين(ع)والثواب المترتب عليه، بحيث أصبح مصداقاً آخر من مصاديق البكاء المحبوب لله تعالى، يشبه البكاء من خشية الله سبحانه وتعالى.

فعن أبي عبد الله الصادق(ع)أنه قال لفضيل:تجلسون وتحدّثون؟قال:نعم جعلت فداك.قال:إن تلك المجالس أحبها، فأحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله من أحيا أمرنا، يا فضيل من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر.انتهى

هذا هو الكلام الصادر منا في تلك المحاضرة، فلو تأملتم لوجدتم أننا بصدد الإنكار على القائلين بأن البكاء الصادر من الإمام(ع)بكاء عاطفي بحت، نجم من عدم سيطرة الإمام(ع)على عواطفه وأحاسيسه، وهو يؤول للكلام الذي تودون طرحه.

نعم نحن لا نمنع أن يكون جانب من بكاء الإمام زين العابدين(ع)ينطوي على بعد عاطفي يعود للفصول المأساوية التي شاهدها الإمام زين العابدين(ع).

وهذا لا يتنافى ومقام العصمة وعظمته، ولا ينطوي على أي غمط لمقام الإمام(ع)لأن أئمتنا(ع)يمتازون بكونهم شخصيات إنسانية متميزة في الوجود البشري، وكون الإمام ذا بعد إنساني لا يستلزم الانتقاص من مقام الإمامة أو إهانته.

كما أن المعصومين(ع)في كثير من أمورهم الحياتية يتعاملون فيها مع الأمة على وفق الأمور الطبيعية، فلا يتعاملون معها في كل شيء على وفق الأمور الإعجازية والخارقة للعادة، والله العالم.