29 مارس,2024

الولاية سبيل الجنة

اطبع المقالة اطبع المقالة

لشهر رجب الأصب، وهو أحد الأشهر الحرم خصوصية عند أهل الإيمان، فمضافاً لما تضمنته النصوص الشريفة من بيان ما له من عظمة وحرمة، والإشارة إلى فضله، وفضل أي عبادة تقع فيه، من صلاة أو صيام، أو عمرة، وصدقة، فقد وقعت فيه جملة من الأحداث التاريخية السعيدة، حيث تولد فيه غير واحد من أئمة الهدى(ع).

ومن أبرز الأحداث التي وقعت في هذا الشهر الشريف، حدث الولاية العظيمة، بولادة أمير المؤمنين، وسيد الموحدين، علي بن أبي طالب(ع)، ولا ريب أن هذا الحدث يكتسب أهمية خاصة عند أهل الإيمان، إذ من خلال هذا المولود العظيم، قد ميز بين أهل الإيمان وغيرهم، وقد ميز بين أهل الجنة وغيرهم.

هذا وعند الحديث عن مسألة ولاية أمير المؤمنين(ع)، وأهل بيته الطاهرين(ع)، يخطر في الأذهان سؤال، مفاده، ما هو حال الذين لم يلتـزموا بولاية أمير المؤمنين، وأهل بيته الطاهرين(ع)، وهل أنهم سينالون الجنة، ويدخلونها، أم أنها محرمة عليهم، على أساس أنه لا يدخل الجنة إلا من كان موالياً لقسيم الجنة والنار، وهو أمير المؤمنين(ع).

ومن الطبيعي أن الجواب عن مثل هذا الأمر لا ينبغي أن يكون مقتصراً على خصوص النصوص الصادرة عن أهل البيت(ع)، فإن الخصم قد لا يقبل بمثل ذلك، بل قد لا يعول عليها ولا يحكم بحجيتها، ومن ثمّ، يلزم أن يكون الاستدلال بداية من القرآن الكريم، ومن ثمّ يصح الاستناد للنصوص الشريفة.

وعليه، سوف يكون حديثنا للإجابة عن التساؤل المذكور ضمن مراحل:

الأولى: هل يمكن استفادة حكم المخالفين في ولاية أمير المؤمنين، والأئمة(ع) من بعده من خلال القرآن الكريم، أم لا؟

الثانية: ما هو المستفاد من النصوص الشريفة في شأن من لم يلتـزم طريق الولاية المباركة، وهل يكون له سبيل إلى الجنة، أم لا؟

الثالثة: بعض الاعتراضات، أو الإشكالات التي قد تورد على النتيجة التي يتوصل إليها.

مشاقة الرسول:

أما بالنسبة للمرحلة الأولى، فقد تضمن القرآن الكريم قاعدة كلية، تستفاد من خلال قوله تعالى:- (إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئاً وسيحبط أعمالهم)[1]، فإن الآية الشريفة قد تضمنت أن هناك إحباطاً لأعمال جملة من الخلق، كونهم متصفين بصفات أوجبت ذلك، والصفات التي تضمنتها الآية ثلاث:

الأولى: الكفر بالله سبحانه وتعالى.

الثانية: الصد عن سبيل الله سبحانه.

الثالثة: مشاقة الرسول الأكرم(ص).

وقد ذكر المفسرون محتملات في تحديد المقصودين في الآية المباركة، فقيل أنها ناظرة إلى كفار مكة، وقيل أن نظرها إلى اليهود من كفار مكة، وقيل أنها تعني كليهما، يعني الكفار والمشركين في مكة، سواء كانوا من اليهود أم لم يكونوا[2].

ولا يهمنا تحديد المقصود منها، خصوصاً لما تقرر في الأًصول من أن المورد لا يوجب تخصيص الوارد، وعليه فسوف يكون المستفاد من الآية الشريفة كما قلنا قاعدة عامة، بحيث أن كل من كان متصفاً بواحدة من الصفات الثلاث، أصبح مورداً لإحباط عمله. ومعنى حبط عمله أنه لا يثاب يوم القيامة على شيء من الأعمال التي قد عملها، ولعله هو المعنى المقصود في كثير من النصوص من التعبير عن بعضهم بالكفار، فتدبر.

ولا يخفى أن الصفتين الأوليتين في الآية لا تحتاجان بياناً، فإن الكفر من المعاني الواضحة، وكذا الصد عن سبيل الله تعالى، نعم قد يكون الحديث حول مصاديق الصد، وليس في تحديد المقصود منه.

نعم ما يحتاج بياناً وتحديداً، هو مفهوم المشاقة الذي أشير له في الآية المباركة، وهل أن المعنى المقصود في الآية هو نفس معناه اللغوي، أم أن هناك معنى آخر يغايره.

معنى المشاقة:

ذكر اللغويون في تحديد المقصود من المشاقة بأنها مأخوذة من الشق، وهو القطعة المبانة من الشيء، فالمشاقة والشقاق، كونك في شق غير شق صاحبك[3].

وهذا التعريف يكشف عن أن المقصود منها عبارة عن المخالفة، لأن تواجد الشخص في شق يغاير الشق الذي يكون فيه صاحبه يعني أنه لا يكون معه في شق واحد، ومن هنا قالوا بأن المشاقة كناية عن المخالفة.

وعلى هذا فسوف يكون المقصود من مشاقة الرسول(ص) في الآية المباركة، مخالفته، وترك إطاعته، خصوصاً وقد أمر الله تعالى بإطاعته طاعة مطلقة غير مقيدة، لأن المستفاد من الآيات القرآنية، أن هناك نحوين من الطاعة:

الأول: الطاعة المقيدة، بمعنى الطاعة التي تكون معلقة على عدم شيء، بحيث لو كان ذلك الشيء موجوداً، فلن يكون للمطاع طاعة حينئذٍ، أو قل هي طاعة بشرط شيء، مثل طاعة الوالدين، قال تعالى:- (ووصينا الإنسان بوالديه حسناً وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما)[4]

الثاني: الطاعة المطلقة، وهي التي لا تكون معلقة ولا مقيدة بشيء ما أبداً، كطاعة الرسول الأكرم محمد(ص)، قال تعالى:- (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول أولي الأمر منكم)[5]، فكما أن طاعة الله تعالى مطلقة غير مقيدة، فكذلك طاعة الرسول(ص) كذلك، لأن طاعة الرسول(ص) طاعة لله تعالى، قال تعالى:- (ومن يطع الرسول فقد أطاع الله)[6]، وعليه فكل ما يصدر من النبي(ص) من أوامر، فيجب على المسلمين الالتزام به وطاعته، وأنه ليس لأحد منهم مخالفته، ولو حصل وخالف أحد من المسلمين في ذلك كان ذلك سبباً لأن تحبط أعماله[7].

شروط إحباط المشاقة:

هذا وينبغي الالتفات إلى أن المشاقة إنما تكون سبباً موجباً لحصول الإحباط متى توفر أمران، وهما:

الأول: تحقق عنوان المشاقة خارجاً، وهذا يعني أنه لا يكتفى لحصول موضوع الإحباط مجرد حصول المخالفة والمعصية، فإنهما أوسع دائرة منها، إذ يمكن لشخص أن يعمد إلى معصية أوامر النبي(ص)، لكن لا من باب المشاقة والمخالفة له، وإنما مخالفة لأوامره ليس إلا، وعليه، فلابد وأن يقتصر فقط على ما إذا كان ذلك مشاقة للرسول الكريم(ص)، كما قررنا.

وبعبارة أخرى، إن المقصود من المشاقة هو الحيلولة دون تنفيذ ما أمر به النبي(ص)، بحيث يعتبر المشاق له(ص) حاجباً وصاداً للناس عن اتباع ما يأمرهم به، وليس مجرد مخالف له في ما صدر عنه من أمر، فتدبر.

الثاني: قيام الحجة على المشاق، من خلال إقامة البرهان عليه، وإثبات الدليل، ليتبين له الهدى، فيكون وقوفه في وجه النبي(ص) بعدما تبين له الهدى، قال تعالى:- (من بعد ما تبين لهم الهدى)[8].

ولاية أمير المؤمنين:

ثم إنه بعدما عرفنا دلالة الآية الشريفة على قاعدة كلية عامة، تفيد أن كل من خالف النبي(ص)، وشاقه بعدما تبين له الهدى، يكون محبط العمل، يمكننا تطبيق ذلك على ولاية أمير المؤمنين(ع)، وأولاده المعصومين(ع)، من خلال جعل مسألة الولاية والإمامة بمثابة الصغرى لهذه الكبرى، فيقال: لا ريب في أن النبي(ص) قد بلّغ المسلمين بأمر إقامة أمير المؤمنين(ع) خليفة من بعده وفقاً لما جاءه من وحي سماوي، وأن الأئمة من بعده أبنائه(ع)، وقد نص عليهم بأسمائهم، ويشهد لذلك الآيات القرآنية، والنصوص النبوية، والسيرة التاريخية، ولا مجال لإنكار ثبوت ذلك.

وهذا يعني أنه قد تبين الهدى وأقيم البرهان، وتمت الحجة على المسلمين في نصب أمير المؤمنين(ع) خليفة بعد النبي(ص)، فمن أنكر هذه الإمامة، ولم يلتـزم بهذه الخلافة، معانداً، وصاداً للمسلمين عن الإتباع لهذا الطريق، فهو مصداق من مصاديق المشاقين لرسول الله(ص)، فيكون من المحبطة أعمالهم، كما لا يخفى.

ومن الطبيعي جداً أن من أحبط عمله، فهو لا سبيل له إلى الجنة، لأن دخول الجنة رهين طاعة الله تعالى، وامتثال أوامره، والمحبط عمله لا ينطبق عليه ذلك، فهو مضافاً لعدم وجود عمل لديه، لا يصدق عليه طاعة الله تعالى، لأن مشاقته للرسول(ص) موجبة لعدم طاعته لله تعالى، لأن طاعة(ص) طاعة لله تعالى، كما عرفت.

وقد تحصل من العرض المتقدم، دلالة الآية الشريفة على أن كل من أنكر ولاية أمير المؤمنين(ع)، ولم يؤمن بخلافته بعد النبي(ص) فهو من المحبطة أعمالهم، المانع من دخولهم الجنة، فلاحظ.

النصوص الشريفة والولاية:

هذا وبعد الفراغ عن دلالة الآية المباركة على مدخلية الولاية في استحقاق المكلف الجنة، نشير لما هو المستفاد من النصوص المباركة، ويمكن تقسمها إلى طوائف بلحاظ ما تضمنته من مضامين ودلت عليه من مدلولات:

الأولى: النصوص التي تضمنت أن المخالف لا يستحق الثواب على ما يأتي به من أعمال صالحة:

منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر(ع)-في حديث-قال: ذروة الأمر، سنامه، ومفتاحه، وباب الأشياء ورضى الرحمن، الطاعة للإمام بعد معرفته، أما لو أن رجلاً قام ليله، وصام نهاره، وتصدق بجميع ماله، وحج جميع دهره، ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه، ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على الله حق في ثوابه، ولا كان من أهل الإيمان[9].

وقد يمنع من دلالة هذا الصحيح وأضرابه على المدعى، فيقال: بأن أقصى ما يستفاد منه أن المخالف لا يحصل على الثواب على الأعمال الصالحة التي تصدر منه نتيجة فقدانه الولاية، وهذا أعم من نفي صحتها، كما هو واضح.

وجوابه، بأن الموجب لعدم استحقاقه الثواب على الله تعالى، مع أنه سبحانه قد وعد أهل الأعمال الصالحة بالثواب، ووعده تعالى صادق، يعود لإحباط عمله، كما هو واضح.

الثانية: النصوص التي تضمنت أن المخالف لا ينتفع من الأعمال الصالحة التي يأتي بها:

منها: ما رواه أبو حمزة الثمالي، قال: قال لنا علي بن الحسين(ع): أي البقاع أفضل؟ فقلنا: الله ورسوله وابن رسوله أعلم، فقال لنا: أفضل البقاع ما بين الركن والمقام، ولو أن رجلاً عمّر ما عمّر نوح في قومه، ألف سنة إلا خمسين عاماً، يصوم النهار، ويقوم الليل في ذلك المكان، ثم لقى الله بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئاً[10].

وقد يعترض على الاستدلال بها كما في الصحيح السابق، فيقال، أن دلالته على أنه لا ينتفع بما يأتي به من أعمال صالحة، وليس لها دلالة على بطلان أعمال المخالفين المفتقدين لمبدأ الولاية.

والجواب هنا هو عين الجواب في ما تقدم، ذلك أننا نقرر أن الموجب لعدم استحقاق الثواب، إما أن يكون ظلماً من الله تعالى لعبيده، وحاشاه سبحانه أن يظلم أحداً، أو يكون ذلك عبثاً، وهو خلاف الحكة الإلهية، فلا موجب إذاً إلا الإحباط، الداعي لعدم استحقاقه الثواب، فتدبر.

الثالثة: النصوص التي دلت على أن أعمال المخالف ليست مقبولة:

منها: معتبرة ميسر عن أبي جعفر(ع)-في حديث-قال: إن أفضل البقاع ما بين الركن الأسود، والمقام، وباب الكعبة وذاك حطيم إسماعيل، ووالله، لو أن عبداً صف قدميه في ذلك المكان، وقام الليل مصلياً حتى يجيئه النهار، وصام النهار حتى يجيئه الليل، ولم يعرف حقنا وحرمتنا أهل البيت، لم يقبل الله منه شيئاً أبداً[11].

ويشكل على دلالة هذا النص وأضرابه، بأنه تضمن الحديث عن نفي القبول، وهو يختلف عن الصحة والإجزاء، فإن هناك مفهومين متغايران، الأول، هو مفهوم الصحة والإجزاء، وهو اتيان المكلف بالعمل مستجمعاً لكافة الأجزاء والشرائط الدخيلة في تحققه، والقبول، وهو توفر الموجب لكون العمل مقبولاً من الله تعالى، ويستحق العبد عليه الثواب، والمنفي في المعتبر كما ذكرنا هو القبول، وليس المنفي الصحة، وعليه فأقصى ما يستفاد من المعتبر أن أعمال المخالفين غير المحرزين لولاية أمير المؤمنين(ع) ليست مقبولة، لا أنها ليست صحيحة، فلاحظ.

ولا يخفى أن المناقشة المذكورة تعتمد على التفريق بين المفهومين، بينما القائلون بتمامية دلالة النصوص، يلتـزمون بأنه لا فرق بينهما، وأن الجزاء، يلازم القبول، فلا يتصور صحة وإجزاء من دونه، فتدبر.

الرابعة: النصوص التي تضمنت بغض الله تعالى للأعمال التي يعملها المخالفون لولاية أمير المؤمنين(ع):

منها: صحيحة محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر(ع) يقول: كل من دان الله عز وجل بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول، وهو ضال متحير، والله شانئ لأعماله-إلى أن قال-وإن مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق، واعلم يا محمد، أن أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله، قد ضلوا وأضلوا، فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، لا يقدرون مما كسبوا على شيء، ذلك هو الضلال البعيد[12].

فإن شنآن العمل يعني بغضه الشديد، ومتى كان العمل مبغوضاً بغضاً شديداً لله سبحانه وتعالى، لن يكون محققاً للمأمور به منه تعالى، إذ أن تحقيق ما أمر به سبحانه يستوجب كون العمل محبوباً إليه، والمبغوض له ليس محبوباً، فتدبر.

ثم لا يذهب عليك أنه لا يستثنى من تحت ما تضمنته النصوص إلا خصوص من لم يكن قادراً على التميـيز بين الحق والباطل، لفقدانه القدرة الفكرية على ذلك، وهم المعبر عنهم بالبله والمجانين، ومن لم تقم عليه الحجة في مسألة الإمامة، كما لو فرضنا إنساناً يعيش بعيداً في الأدغال، وليس له أدنى علاقة أو ارتباط بأي أحد، ولم يصل إليه شيء من قريب أو بعيد حول إخبارات النبي(ص)، وبلاغاته المتضمنة نصب أمير المؤمنين(ع)، والأئمة الهادين(ع) من بعده، خلفاء على الأمة. ويمكن جمع هذين العنوانين تحت مفهوم المستضعف، والذي أشير إليه في قوله تعالى:- (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً)[13]

وقفات وإشكالات:

هذا وقد يمنع من القبول بما سبق ذكره، وذلك بعرض بعض الإشكالات على النتيجة المذكورة:

الأول: إنه لا مجال للقول بأن المخالفين لا يستحقون دخول الجنة، بل إن الدائرة أوسع، فلا يقتصر الأمر على خصوص من ذكر من المستضعفين، بل هناك فئة ثالثة، وهم الذين سمعوا بالولاية والإمامة لأهل البيت(ع)، لكنهم قد رجعوا إلى علمائهم، ومن يثقون به، فقالوا لهم أن الحق بخلاف اتباع الإمامة، وأهل البيت(ع)[14].

ولا يخفى غرابة ما ذكر، ضرورة أن المذكورين لا ينطبق عليهم عنوان المستضعف، لأن من مقوماته عدم بلوغه الحجة، وعدم وعيها، وفهم المقصود منها، وهذا لا ينطبق على المذكورين، لأن المفروض أن الحجة قد بلغتهم، إلا أنهم لم يعملوا بما هي وظيفتهم من الفحص، واعتمدوا على علمائهم، فأضلوهم، فهم مثل من أتبع من لا ينبغي اتباعه، فلاحظ.

الثاني: إن المستفاد من آيات القرآن الكريم أن الموجب لدخول الجنة أحد سببين، وهما:

1-الوعد الإلهي، ونقصد منه ما كتبه الباري سبحانه وتعالى على نفسه من أنه سوف يدخل المؤمنين إلأى الجنة، فقد تضمنت العديد من الآيات الشريفة وعده تعالى لعباده الصالحين بأنهم سوف يدخلون الجنة. قال تعالى:- (إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم*خالدين فيها وعد الله حقاً وهو العزيز الحكيم)[15]، فإن هذه الآية تضمنت وعداً، وبضمها إلى مثل قوله تعالى:- (وعد الله حقاً ومن أصدق من الله قيلاً)[16]، يظهر أنه سبحانه يفي لمن وعده بما وعده.

2-الإرجاء، وهو ما أعطي لفئة محددة من المخلوقين، فأرجئ الله تعالى أمرهم إلى يوم القيامة، وعندها سوف يقرر دخولهم الجنة من عدمها، وهم من ينطبق عليهم عنوان: ورحمتي سبقت غضبي. قال تعالى:- (وءاخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم)[17]

ووفقاً للأمرين اللذين ذكرا، لا نجد أنه يعتبر أن يكون الشخص موالياً لأهل البيت(ع) حتى يكون من أهل الجنة.

كما أن هناك نصوصاً تساعد على هذا المعنى، فقد ورد في صحيحة يعقوب بن شعيب قال: قلت لأبي عبد الله(ع): هل لأحد على ما عمل ثواب على الله موجب إلا المؤمنين؟ قال: لا[18].

فإن المستفاد منه أن المؤمن يدخل الجنة بالوعد الإلهي، وأما غيره فإنه يدخل إليها بحسب قانون: ورحمتي سبقت غضبي.

وروى أبو حمرة، قال: سمعت أبا جعفر(ع) يقول: إن علياً باب فتحه الله تعالى، من دخله كان مؤمناً، ومن خرج منه كان كافراً، ومن لم يدخل فيه ولم يخرج منه كان في الطبقة الذين قال الله تبارك وتعالى: لي فيهم المشيئة[19].

فإن معنى أن له تعالى فيهم المشيئة دخولهم إلى الجنة وفقاً لقانون: ورحمتي سبقت غضبي[20].

وجوابه واضح، فإن الآيات الشريفة التي دلت على الأمرين المذكورين مطلقة، تقبل التقيـيد بالنصوص الشريفة، وقد تقرر في الأصول أنه يمكن تقيـيد الإطلاق القرآني بخبر الواحد، توضيح ذلك:

إن المخالفة المتصورة بين الآيات القرآنية والنصوص الشريفة تارة تكون بنحو التباين، كما في الآيات التي دلت على ثبوت التوارث بين الأرحام والأقارب، وبين الحديث المنسوب للنبي(ص) نحن الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة، إذ لا يختلف اثنان في منافاة الحديث المذكورة لآيات الكتاب العزيز، وأخرى تكون المخالفة بينهما بنحو العموم والخصوص المطلق، فيمكن أن تخضع الآيات القرآنية للتقيـيد بالنصوص الشريفة، مثل قوله تعالى:- (فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر)[21]، فإن الآية الشريفة تفيد أن الصائم إذا سافر في أي ساعة من ساعات النهار، وجب عليه الإفطار وقضاء ذلك اليوم، ولو كان سفره قبل الغروب مباشرة، وهي بهذا المقدار من الدلالة مطلقة، إلا أن عندنا نصوصاً تفيد أن الصائم إذا سافر قبل الزوال، وجب عليه قضاء ذلك اليوم، أما لو كان سفره بعد الزوال، فيمكنه إتمام صيامه، فتكون هذه النصوص بمثابة المخصص أو المقيد للآية الشريفة لتجعلها مختصة بما إذا كان السفر قبل الزوال، ولا يوجد عندها أدنى منافاة بين الآية والنصوص.

ومقامنا من هذا القبيل، إذ أن النصوص التي ذكرناها في شأن المخالف، وأن فقدانه الولاية سبيل إلى حرمانه من الجنة، تصلح لتقيـيد الآيات القرآنية التي تضمنت أن طريق الجنة يحصل بأحد أمرين، لما عرفت من أنها مطلقات، فلاحظ.

وأما الاستناد للروايتين فعجيب جداً، فإن دلالة الصحيحة الأولى منهما على المدعى غير واضحة، إذ لا يستفاد منها ما ذكر، بل هي صريحة في ما ندعيه، وأجنبية تماماً عما قيل، فتدبر.

وأوضح دلالة منها الثانية، فإنها وإن تضمنت أن هناك فئة له تعالى فيهم المشيئة، إلا أن الحديث في تحديد تلك الفئة، وقد عرفت ذكرها في النص، وأين هذه الفئة مما نحن بصدده، فلاحظ.

الثالث: إن النصوص التي قدمتم ذكرها، والتي تضمنت أنه لا يدخل الجنة إلا خصوص من كان موالياً لأهل البيت(ع)، وأن المخالفين محرومون من ذلك، لا يصلح الاستناد لها، لأن أقصى ما يستفاد منها هو دلالتها على أن الولاية شرط في قبول العمل، وليس المقصود منها أن الولاية شرط في صحته، وما ينفع في مثل المقام، هو دلالة النصوص على أن الولاية شرط في الصحة، وهو ما لا تفيده النصوص المذكورة.

وللإجابة عن هذا الإشكال طرق:

منها: ما بنى عليه الإمام السيد الخوئي(قده) في أبحاثه الفقهية تبعاً لجملة من أعيان الطائفة وفقهائها، من أن التفريق بين القبول والصحة مما لا وجه له، فمتى ما حكم على عمل من الأعمال بأنه صحيح، كان لازم ذلك هو البناء على كونه مقبولاً، لأن الإجزاء والقبول بمعنى واحد.

ومنها: إن دلالة جملة من النصوص المتقدمة واضحة في كون المقصود منها هو صحة العمل، وليس المقصود منها قبوله، كما يظهر ذلك بالتأمل فيها، فلاحظ.

[1] سورة محمد الآية رقم 32.

[2] لاحظ على سبيل المثال الميزان في تفسير القرآن عند تفسير الآية المباركة، وكذا لاحظ الأمثل في تفسير القرآن المنـزل كذلك.

[3] المفردات في غريب القرآن ص 264.

[4] سورة العنكبوت الآية رقم 8.

[5] سورة النساء الآية رقم 59.

[6] سورة النساء الآية رقم 80.

[7] المعاد ج 2 ص 65-66(بتصرف)

[8] سورة محمد الآية رقم 32.

[9] وسائل الشيعة ب 29 من أبواب مقدمة العبادات ح 2.

[10] المصدر السابق ح 12.

[11] المصدر السابق ح 14.

[12] وسائل الشيعة ب 29 من أبواب مقدمة العبادات ح 1.

[13] سورة النساء الآية رقم 98.

[14] المعاد ج 2 ص 72.

[15] سورة لقمان الآيتان رقم 8-9.

[16] سورة النساء الآية رقم 122.

[17] سورة التوبة الآية رقم 106.

[18] أصول الكافي ج 2 ص 463 ح 1.

[19] أصول الكافي ج 1 ص 437.

[20] المعاد ج 2 ص 76-78(بتصرف)

[21] سورة البقرة الآية رقم 184.