28 مارس,2024

س: نسمع كثيراً أن النبي محمد(ص) كان أمياً، فما هو المقصود من أميته، هل الذي لا يقرأ ولا يكتب؟

اطبع المقالة اطبع المقالة

أمية النبي(ص)

س: نسمع كثيراً أن النبي محمد(ص) كان أمياً، فما هو المقصود من أميته، هل الذي لا يقرأ ولا يكتب؟

 

ج: ورد وصف النبي الأكرم محمد(ص) في عدة آيات بالأمية فقال تعال تعالى:- (الذين يتبعون النبي الأمي)، كما ورد وصف أهل مكة بهذه الصفة أيضاً فقال سبحانه:- (هو الذي بعث في الأميين رسولاً).

وقد ذكرت أقوال ثلاثة في معنى أمية النبي(ص):

 

الأول: الالتـزام بعدم كونه(ص) أمياً حين البعثة الشريفة، بمعنى أنه كان يقرأ ويكتب، وإنما يقصد من الأمية شيء آخر.

الثاني: الالتـزام بأنه(ص) كان قبل البعثة الشريفة يقرأ، إلا أنه لم يكن كاتباً.

الثالث: البناء على أنه(ص) لم يكن قبل البعثة الشريفة قارئاً ولا كاتباً.

والفرق بين الأقوال واضح، فإن القول الثالث ينفي عنه القراءة والكتابة، وهذا بخلافه على القولين الأول والثاني، فإنهما يشتركان في أنه(ص) كان قارئاً، وإن اختلفا في كونه كاتباً كما يثبته القول الأول، أو نفي ذلك عنه كما يقرره القول الثاني.
وعلى أي حال، فقد افترق القائلون بالقول الأول على ثلاثة مشارب وفقاً لما بني عليه من كونه(ص) قارئاً وكاتباً قبل البعثة:

أحدها: الالتـزام بكونه قارئاً وكاتباً فعلاً، وما تسميته بالأمي إلا بلحاظ نسبته إلى أم القرى وهي علم من أعلام مكة، وعليه يكون الأمي هو المكي ليس إلا كما يشير لذلك قوله تعالى:- (ولتنذر أم القرى ومن حولها).

ثانيها: إن المقصود من أميته ليست نسبته إلى أم القرى، وإنما يقصد منه عدم قراءته وكتابته، لكن ليس المنفي عنه(ص) مطلق القراءة والكتابة، وإنما المنفي عنه هو خصوص القراءة والكتابة للكتب السماوية، بحيث لم يكن قارئاً للتوراة، ولا الأنجيل، ولا للزبور، ومن ثمّ لم يكن كاتباً لشيء من تلك الكتب، ولا بلغتها.

 

ثالثها، وهو ما يظهر من غواص بحار الأنوار، العلامة المجلسي(قده)، وحاصله: إن المنفي عنه(ص) الفعلية، بمعنى عدم المباشرة للقراءة والكتابة، وليس المنفي عنه الاستعداد والقابلية، توضيح ذلك: تارة يكون المنفي عدم قابلية الشيء لأن يكون متصفاً بصفة ما، كالجدار مثلاً، فإنه لا يتصور فيه الاتصاف بكونه زوجاً، أو كونه أباً لا الآن ولا في المستقبل، ولذا يعبر عنه في المنطق بفقد الملكة والاستعداد والقابلية. وأخرى يكون النفي لشيء عن فرد بمعنى عدم وجوده عنده الآن، لكن قد يتحصل عليه في المستقبل، كالشخص الأعزب، فإنه يمكن أن يتصف بكونه زوجاً، وبكونه أباً في المستقبل، وهذا الشخص الذي لا يقرأ ولا يكتب يمكن أن يتعلم فيكون قارئاً وكاتباً في المستقبل، ومعنى أمية النبي(ص)، أنه لم يكن مباشراً فعلاً للقراءة والكتابة، لكنه يملك القابلية والاستعداد لأن يكون قارئاً وكاتباً ولو في المستقبل.

 

ولا يخفى مدى الفرق بين المشارب الثلاثة، إذ أنه على وفق ثالثها لا يقرر كونه قارئاً ولا كاتباً بالفعل، وإنما هو مالك للقدرة والاستعداد، وهذا بخلافه على المشربين الثاني والأول، كما أن الفرق بين المشرب الثاني والأول، أنه على وفق المشرب الثاني تنحصر قراءته(ص) في خصوص اللغة العربية، بينما وفقاً للمشرب الأول، فهو يملك القدرة على القراءة والكتابة بكافة اللغات، فلاحظ.

 

والمعروف البناء القول الثالث، وإن اختلف اصحابه في ما بعد البعثة وأنه(ص) هل أصبح قارئاً وكاتباً، أم كان قارئاً فقط، كما تشير إليه بعض النصوص.

 

والإنصاف، عدم المساعدة على القولين الثاني والثالث، والميل قوياً للقول الأول، لكن ليس بشيء من التقريبات المذكورة وإنما بتقريب آخر مفاده أن الأمية ليست صفة مختصة بالنبي(ص) حتى تكون مرتبطة بمسألة الدعوة والنبوة، بل هي صفة موجودة في المجتمع المكي بأكمله، ولهذا ليس المقصود منها عدم القراءة والكتابة، بل هي مشيرة إلى عدم نزول الكتاب وبعث الإنبياء وارسال الرسل في المجتمع المكي، فالأمييون هم الذين لم يبعث فيهم أنبياء ولم يرسل إليهم رسل، ولم ينزل فيهم كتاب. ويساعد على ذلك أمور:

١-المقابلة في الآيات المباركة بين أهل الكتاب والأميين، فإنها توحي أن جهة الاختلاف بينهما تعود لما يميز أحدهما على الآخر، ومن الواضح أن الامتياز كان بنزول الكتاب وبعث الرسل في أهل الكتاب دون الأميين.

ولا مجال لحمل أهل الكتاب على القارئين والكاتبين، لأنه ليس بأيدينا ما يدل على أنهم كانوا جميعاً يقرأون ويكتبون.

 

٢-النصوص التي تضمنت أنه(ص) من أم القرى، فالظاهر أن غايتها ليس مجرد النسبة إلى مكة المعظمة، بل بلحاظ أنه لم يبعث فيها نبي، ولم ينزل فيها كتاب.

 

٣-لقد تضمنت بعض النصوص كمروي أبي بصير أنه كان(ص) قارئاً.

 

٤-حديث بداية نزول الوحي والمروي بطرقنا، قد يساعد على كونه(ص) قارئاً، حيث جاء فيه: وما أقرأ، فإنه يكشف عن كونه قارئاً.

 

ولا يوجد اشكال في صحة النسبة إلى الأميين، فيقال: الأمي، لأنه نظير النسبة لأهل الكتاب فيقال الكتابي.

وأما مسألة كونه(ص) كان قارئاً وكتاباً، أو أحدهما، بأن يقرأ ولا يكتب، أو لا يقرأ ولا يكتب، فذلك بحث آخر لا ربط له بالأمية الواردة في الآيات المباركة، والله العالم.

 

من جوار الكريمة(ع)