25 أبريل,2024

س: لقد سمعت من أحد الخطباء أن أبا طالب(ع) كان وصياً للأنبياء السابقين، واستدل على ذلك برواية، فما هو تعليقكم على ذلك؟

اطبع المقالة اطبع المقالة

وصاية أبي طالب(ع)

س: لقد سمعت من أحد الخطباء أن أبا طالب(ع) كان وصياً للأنبياء السابقين، واستدل على ذلك برواية، فما هو تعليقكم على ذلك؟

ج: لقد قام الدليل المعتبر وفق متبنيات المسلمين على إيمان سيدنا ومولانا أبي طالب(ع)، ولا مجال للنقاش في ذلك، وأما أنه كان وصياً من الأوصياء، فقد يتمسك لذلك بالرواية الواردة في الكافي عن درست بن منصور، أنه سأل أبا الحسن الأول(ع): أكان رسول الله محجوجا بأبي طالب؟ فقال عليه السلام: لا ولكن كان مستودعا للوصايا فدفعها إليه (ص) قال: قلت: فدفع إليه الوصايا على أنه محجوج به؟ فقال: لو كان محجوجا به ما دفع إليه الوصية، قال: فقلت: فما كان حال أبي طالب؟ قال: أقرّ بالنبي وبما جاء به ودفع إليه الوصايا ومات من يومه. على أساس أن المستفاد منها ثبوت الوصية لأبي طالب(ع) وأنه حجة على المعاصرين له ما عدا النبي(ص) ومن جاء بعده من المعصومين(ع)، وذلك لقيامه بدفع الوصايا وتراث الأنبياء السابقين إليه(ص) لتنقطع وصايته وحجيته ببعثة النبي محمد(ص).

ومن الواضح جداً دلالة الخبر بالدلالة الالتزامية على توحيد أبي طالب وإيمانه وعدم كفره بالله تعالى، أو شركه، لأن ذلك لا ينسجم وكونه(ع)، وصياً. وعليه سوف يكون للخبر المذكور مدلولان:

الأول: مطابقي، وهو دلالته على ثبوت منصب الوصاية إليه(ع).

الثاني: التزامي، وهو التوحيد وعدم الشرك، فضلاً عن الكفر.

وكيف ما كان، فلا يمكن الاستدلال بالخبر المذكور، حيث يمنع من الاستناد إليه المشكلة السندية، للإرسال، وعلاجه بأن الجماعة أقلها ثلاثة، ويمتنع عادة تواطئهم جميعاً على الكذب، لا يكفي لعدم حصر موجب الضعف فيه، بل يبقى وجود بعض الضعفاء في السند.

مضافاً إلى ظهور دلالتها في تأخر اسلامه(ع) إلى ما قبل وفاته، كما يظهر ذلك من ذيلها، وهذا خلاف ما نعتقده من أنه من المؤمنين بدعوته، بل هو لم يكفر حتى يؤمن. على ان بين صدرها وذيلها تهافت، فإن مقتضى الصدر الدلالة على الإيمان بالمدلول الإلتزامي، بينما الذيل يدل بالمدلول المطابقي على خلافه، ومن المعروف تقدم المدلول المطابقي على المدلول الإلتزامي، وهذا يمنع من الاستناد للخبر عندها، لكونه مشتملاً على ما لا يمكن الإلتزام به. اللهم إلا أن يلتزم بأن المقصود بمات من يومه، يعني يوم الدفع وليس يوم الإقرار، وهذا يعني سبق الإقرار على الدفع، فلا يكون بينهما تهافت.

والتوجيه المذكور متصور، لكن يمنع منه لزوم تأخير دفع المواريث منه(ع) للنبي(ص) من دون وجود سبب واضح، ولعل أوضح ما يذكر، توقفه في صدق دعوى النبوة، وهذا موجب لإشكال لا يقل خطورة عن سابقه، ولا مجال للتسليم والقبول به.

هذا كله بناءً على أن الوارد في متن الرواية هو أبو طالب، والحق خلاف ذلك، فقد ورد عين النص المذكور في كتاب كمال الدين، هكذا: عن درست الواسطي، أنه سأل أبا الحسن موسى عليه السلام: أكان رسول الله محجوجا بآبي؟ قال عليه السلام: لا، ولكنه كان مستودعاً للوصايا فدفعها إليه، قال: قلت: فدفعها إليه على أنه محجوج به؟ فقال: لو كان محجوجا به لما دفع إليه الوصايا: قلت: فما كان حال آبى؟ قال: أقر بالنبي صلى الله عليه وآله وبما جاء به ودفع إليه الوصايا ومات آبى من يومه.
والمذكور في متن خبر كمال الدين، هو أحد أوصياء عيسى(ع)، ودفعه المواريث للنبي(ص) واضح، لعالمية الرسالة المحمدية.

وقد ورد في بعض النصوص التعبير عوضاً عن آبي، بآبى بالط، وهذا يساعد على حصول التصحيف في خبر الكافي، إذ توهم النساخ أو الرواة المتأخرون أن المقصود به هو أبو طالب، وأجروا للنص تصحيحاً قياسياً وجعلوا اللفظ أبا طالب، عوضاً عن آبى بالط.
ويساعد على كون المقصود به وصي عيسى(ع) وليس أبو طالب(ع) ما أشرنا له من تأخير دفع المواريث إلى المصطفى الحبيب(ص) الناجم من التوقف في تصديق دعوى النبوة، وهذا ما لا نتصوره في شيخ الأباطح(ع).

نعم أحتمل شيخنا غواص بحار الأنوار، في بحاره تعدد الخبر، فيكون الإمام(ع) سئل مرة عن حجية آبى بالط وصي عيسى وأخرى عن أبي طالب وصي إسماعيل، وأجاب(ع) عن كليهما بنفس الجواب، وهو بعيد غايته.
هذا وللأعلام بيانات في تحديد المقصود من نفي الحجية ومعنى الدفع من الحجة للنبي(ص) تطلب من محلها.

وكيف ما كان، فلم أقف على غير هذا النص الذي يدعى دلالته على كون سيدنا أبي طالب أحد الأوصياء، وقد عرفت حاله، نعم في كتاب عقائد الصدوق(ره) ذكر أنه روي أن أبا طالب وصي، فلو كان ذلك لخبر آخر غير خبر الكافي، وبني على حجية مراسيل الصدوق(ره) مطلقاً أمكن البناء على وصايته، وإلا فلا،  والله العالم بحقائق الأمور، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

يوم وداع المعصومة(ع).