من يحرم بالمصاهرة:
ويراد به بيان أحكام القرابة الناشئة من تزوج شخص بآخر،الموجبة لحرمة النكاح من بعضهم عيناً حرمة مؤبدة،ومن بعضهم الآخر حرمة مؤقتة مرهونة بقاء زوجية الأول،وهي التي يصطلح عليها بـ(الحرمة جمعاً)،وذلك في قبال(الحرمة عيناً)،وهذا ما نستعرضه في ما يلي:
من يحرم التزوج منها عيناً:
تحرم على الابن زوجة أبيه،وكذا زوجات أجداده لأبيه وأجداده لأمه مهما علوا،سواء كان ولداً لهم بالنسب أم كان ولداً لهم بالرضاع،وسواء كان زواج الأب أو الجد منهما دائماً أم كان زواجه منقطعاً،وسواء كانت الزوجة مدخولاً بها من قِبَلهما أم غير مدخول بها.
نعم إذا كان قد تزوجها في مرض موته،ومات قبل أن يدخل بها لم تحرم على أبنائه.
وكما تحرم على الولد زوجة أبيه،تحرم على الأب زوجة ولده،وكذا تحرم على الجد من جهة الأب أو الأم زوجة حفيده أو سبطه مهما نزل،سواء كانت أبوته له من نسب أم كانت الأبوة من الرضاع،وسواء كان الزواج دائماً أم كان الزواج منقطعاً،وسواء كان الولد دخل بزوجته أم لم يكن قد دخل بها.
وتحرم على الزوج أم زوجته،وكذا جداتها مهما علون لأبيها كن أم لأمها،ونسباً كانت أمومتهن لها أم كانت رضاعاً،وسواء كان زواجه ببنـتها دائماً أم كان الزواج منقطعاً،وسواء كانت الزوجة صغيرة أم كانت الزوجة كبيرة،وسواء كانت مدخولاً بها أم لم يحصل الدخول بها بعدُ.
وإذا دخل الزوج بزوجته فقد حرمت عليه بنـتها حرمة عينية دائمة،وكذا تحرم عليها بنات بنـتها وبنات أبنها مهما نزلن.
وكذا تحرم عليه ابنـتها وإن لم يدخل بأمها لكن الأم لا زالت في عصمته،فلو ماتت الأم قبل أن يدخل بها،أو طلقها قبل الدخول بها،جاز له أن يتزوج ابنـتها،هذا كله بالنسبة إلى الزوج،أما ولد الزوج أو أبوه،فإنه لا تحرم عليهما البنت مطلقاً من هذه الجهة،سواء كان الزوج قد دخل بالأم أم لم يكن قد دخل بها.
هذا ولا يفرق في حرمة بنت الزوجة المدخول بها بين الموجودة في زمان زوجية الأم وبين التي ولدت بعد خروج الأم من عصمة زوجها الأول،فلو تزوجت من غيره،وولدت من ذلك الغير بنـتاً،كانت هذه البنت حراماً على زوجها الأول،كما أنه لا فرق في الموجودة في زمان زوجية الأم بين التي تعيش في كنف زوج أمها وحجره وبين التي تعيش بعيدة عنه.
وكذا لا فرق في الدخول بين ما يكون باختياره وقصده وبين ما يكون مكرهاً عليه أو غافلاً عنه،ولا بين الدخول في القبل أو في الدبر،نعم لابد من تحقق الدخول ولو جزئياً،فلا يكفي الإنـزال على ظاهر الفرج ولو حبلت منه.
من يحرم التـزوج منه جمعاً:
ونعني بمن يحرم التـزوج منه جمعاً،وهو الذي تكون حرمته مؤقتة ومرهونة ببقاء زوجية الأول،فإذا فارقه جازله التـزوج من الآخر،أو يكون جواز الجمع مرهوناً بإذن أحدهما،ويتضح ذلك من ملاحظة التالي:
لا يجوز للرجل أن يتـزوج أخت زوجته ما دامت أختها في عصمته،سواء كانت أختها بالنسب أم كانت أختها بالرضاع،وسواء كان زواجه منهما أو إحداهما دائماً أم كان منقطعاً،وسواء كان قد دخل بالأولى أم لم يدخل بها.
ولو عقد على الأخت وأختها لا زالت في عصمته كان مأثوماً،وبطل عقد الثانية،ولو عقد عليهما معاً في وقت واحد بنفسه أو من خلال وكيله بطل العقدين معاً.
نعم عقده على أحد الأختين لا يوجب حرمة الأخت الثانية عليه مؤبداً،بل يوجب الحرمة عليه جمعاً،ولذا لو فارق الأولى جاز له أن يتـزوج الثانية،شرط أن يكون العقد بعد انتهاء عدة الأولى،فلو عقد عليها وزوجته الأولى التي هي أختها بعدُ لم تنـته عدتها،بطل العقد،لأن المطلقة تعتبر في فترة العدة الرجعية بحكم الزوجة.
أما لو كان طلاقها منه طلاقاً بائناً،فلا يحتاج في العقد على الأخت إلى انتهاء فترة العدة.
وممن لا يصح للرجل أن يعقد زواجها عليها بنت أخ زوجته حال زواجه من عمتها،وبنت أخت زوجته حال زواجه من خالتها،إلا أن تأذن العمة أو الخالة بالزواج وترضيا به،وذلك بدون فرق بين كون الزواجين دائمين أو منقطعين أو مختلفين،بأن يكون أحدهما دائماً والآخر منقطعاً.
كما لا يفرق أيضاً بين كون العمة أو الخالة عالمة بالحال حين إيقاع العقد أو جاهلة به،ولا بين كونهما مطلعتين على ذلك،أو غير مطلعتين.
ولو تزوجهما عليهما بدون إذنهما توقفت صحة الزواج على حصول إجازة منهما إلى هذا الزواج،فإن أجازتا ذلك حكم بصحته،وإلا بطل.
هذا ولا فرق في العمة والخالة النسبيتين والرضاعيتين،ولا بين المباشرتين وغير المباشرتين من عمات وخالات آباء وأمهات بنات الأخ والأخت.
ثم إن جميع هذا الذي ذكرناه يعتمد على أن يكون عقد العمة أو الخالة سابقاً على عقد بنت الأخ أو بنت الأخت،أما لو انعكس الأمر بأن عقد على العمة أو الخالة بعد زواجه من بنت أخيها أو من بنت أختها،فإنه لا يتوقف الحكم ببقاء زوجية بنت الأخ أو بنت الأخت على رضا العمة أو الخالة،كما وأنه لا تتوقف صحة زواج العمة والخالة على رضا بنت الأخ أو بنت الأخت،بل يحكم بصحة عقدهما ويصح الزواج.
ثم إنه لو أذنت العمة أو الخالة أن يتـزوج من أبنت أخيها أو أختها،ثم بعد صدور الأذن منها عادت وتراجعت،فهنا حالتان:
الأولى:أن يكون التراجع الذي حصل منها،حصل بعدما تم العقد عليها،لم يكن تراجعها مؤثراً في صحة العقد ومضى الزواج.
الثانية:أن يكون تراجعها عن ذلك،قبل أن يتم العقد عليها،فقد بطل الأذن السابق،وعليه لا يصح لها التزوج منها.
وكذا لو تراجعت العمة قبل العقد،لكنه لم يعلم بتراجعها إلا بعد أن أتم العقد،حكم بطلان العقد أيضاً،وتوقفت صحته على إجازتها.
هذا والحكم بلزوم الاستئذان من العمة والخالة في مسألتنا هذه،لا يقتصر على ما إذا كانت زوجتين فعليتين،بل يشمل حتى إذا كانت في عدة الطلاق الرجعي لما ذكرناه قبل قليل من أن المرأة في عدة الطلاق الرجعي بحكم الزوجة.
هذا وبقية موارد أخرى من المحرمات التي تذكر عادة في هذا المقام،لكن لخروجها عن محل كلامنا نطوي عنها صفحاً،ويمكن لمن أراد الإطلاع عليها الرجوع للرسائل العملية للفقهاء.
خاتمة في ما يستحب من الصفات في الزوجين:
ذكر الفقهاء أنه يستحب اختيار المرأة الودودة العفيفة الكريمة الأصل،ونعني بكريمة الأصل:التي لا تكون من زنى ولا من أبوين قد مسهما أو مس أحدهما كفر أو فسق،ولا هما ممن تنالهما الألسن بالغمز والمعايب،وأن تكون ممن يرجى أن تعين زوجها على الصلاح،وأن تكون مطيعة وموافقة له في أموره غير عصية ولا متمردة،وأن تكون قد تربت تربية كريمة وعزيزة وخالية من القهر والإذلال،وأن تكون بكراً،وأن تكون ولوداً،وذلك حيث يمكن الإطلاع على حالها من هذه الجهة لكونها قد ولدت من زوج سابق.
ويكره الاقتصار في اختيار المرأة على الجمال والثروة،ويكره تزوج الحمقاء،والمجنونة،والعجوز،والزانية،وأخت أخيه،ومن كانت ضرة لأمه مع غير أبيه،ومن كانت قابلته،وكذا بنتها.
وقد ورد في اختيار الرجل،أنه يكره تزوج الفاسق،والأعرابي،وهو:من لم يتفقه في الدين،وكذا يكره تزوج المخنث،وشارب الخمر،وسيء الخلق.
إضافة إلى أنه يحسن بالمرأة اختيار الرجل الذي يستجمع معظم صفات الفضل كالتي سبق وذكرناه في صفات الزوجة،وهي الصفات التي لابد منها لقيام حياة زوجية صالحة تسعد فيها المرأة.