29 مارس,2024

تأملات في الخطبة الشعبانية(10)-نومكم فيه عبادة

اطبع المقالة اطبع المقالة

ونومكم فيه عبادة(1)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1)لا يخفى أن المؤمن المطيع لله سبحانه وتعالى نومه عبادة، لإيمانه ونية الطاعة والعبادة بعد الانتباه والاستيقاظ من النوم.

وقد أشار(ص) في هذا المقطع إلى أن من خصوصيات هذا الشهر الشريف أن النوم فيه عبادة،

هذا ولسنا بصدد الحديث عن النوم وحقيقته، فإن لذلك مجالاً آخر غير هذا المقام، بل الذي يهمنا هو معنى كون النوم عبادة في هذا الشهر، وفقاً لما ذكره(ص) من خصوصيات لهذا الشهر الشريف

وعلى أي حال، ففي قوله(ص) هذا احتمالان:

الأول: أن يكون المقصود أن النائم ما دام صائماً فإنه يكون في عبادة.

وهذا يعني أن النائم ليلاً لا يكون في عبادة، لأن جعل النوم عبادة إنما هو بلحاظ ما كان فيه حال النائم من صيام لا مطلقاً.

الثاني: أن يكون المقصود مطلق النوم في هذا الشهر عبادة، سواء كان النوم ليلاً أم كان النوم نهاراً، فإن النائم ما دام نائماً فهو في عبادة، فلا يفرق النوم عن الصلاة في كون كليهما عبادة لله سبحانه وتعالى.

هذا ولكي يتضح أي المحتملين المذكورين هو المراد، فلابد من التعرف بداية على حقيقة العبادة لغة واصطلاحا، لأن لذلك مدخلية تامة في اختيار أي منهما، توضيح ذلك:

سيتضح من خلال ما يأتي أن العبادة بحسب الاصطلاح يعتبر فيها شرط، فما لم يكن الشرط المذكور متوفراً لا ينطبق عنوان العبادة عليها، وعليه لو بنينا على أن المقصود بالعبادة في هذه العبارة هي العبادة الاصطلاحية، فلا ريب أن الشرط المذكور لن يكون متوفراً، لأمرين:

أولاً: ما بنينا عليه سابقاً في البحوث الماضية من أن الخطاب في هذه الخطبة المباركة عام للعنصر البشري مطلقاً، وليس مختصاً بالمؤمنين.

ثانياً: إن اعتبار الشرط المذكور أخص من المدعى، لأن ظاهر العبارة أن مطلق النوم عبادة، لكنه وفقاً لاعتبار الشرط تنحصر العبادة في خصوص ما كان مقصوداً به التقرب لله سبحانه وتعالى.

عليه، يلجأ عندها للحمل على المجازية، كما هو واضح.

أما لو قلنا أن المقصود منها هو العبادة الحقيقة، فعندها إما أن يلتـزم باعتبار الشرط المذكور في تحققها وفقاً لمعناها الاصطلاحي، وقد عرفت اللازم منه، وهو كون المدعى أخص من اللفظ. أو أن يلتـزم بأن المقصود من العبادة ليس معناها الاصطلاحي، بل معناها اللغوي، حتى يتم حمل الفظ على معناه الحقيقي دون تأويل.

العبادة لغة واصطلاحاً:

وعلى أي حال، فقد ذكر اللغويون في بيان حقيقة العبادة أنها تأتي على ثلاثة معان:

الأول: الطاعة، ولعل ما ورد في الآيات الشريفة من النهي عن عبادة الشيطان يشير لهذا المعنى، أعني طاعته، مثل قوله تعالى:- (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين).

الثاني: الخضوع والتذلل، ومنه قول سبحانه:- (فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون)، يعني خاضعين متذللين.

الثالث: التأله، ومنه قوله تعالى:- (قل إنما أمرت أن اعبد الله ولا أشرك به).

وأما في الاصطلاح: فهي عبارة عن إتيان العمل بقصد التقرب إلى الله تعالى، سواء كانت صحة العمل في نفسه متوقفة على قصد القربة، كالصلاة والصوم والحج، وغير ذلك من العبادات، بحيث لو أتى بها بدون قصد القربة بطل العمل، أو لم تكن كذلك، كقضاء حوائج المؤمنين، وأداء حقوق الناس، أو النظافة.

ووفقاً لما ذكرنا يمكن القول أن بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي للعبادة عموماً مطلقاً، بمعنى أن كل عبادة وفقاً للمعنى الاصطلاحي، طاعة، لكن ليس كل طاعة عبادة، توضيح ذلك:

إن قضاء حوائج الإخوان مثلاً، أو نظافة بدن الإنسان، أو نظافة الزوجة لزوجها، تارة يكون القصد من هذا العمل التقرب به لله سبحانه وتعالى، وأخرى يحققه الفاعل من دون أن يقصد التقرب به للباري عز وجل، فإذا كان الأول، فإنه ينطبق عليه عنوانان، وهما الطاعة من جهة، والعبادة من جهة أخرى، بخلاف لو كان من الثاني، فإنه لا ينطبق عليه عنوان العبادة، لعدم تحقق قصد التقرب لله سبحانه وتعالى، لكن ينطبق عليه عنوان الطاعة إذاً لله سبحانه وتعالى، ويثاب عليه حينئذٍ.

معنى نومكم عبادة:

ثم إنه بعدما اتضح لنا حقيقة العبادة، وأنها قسمان عبادة بالمعنى الأعم، وهي الطاعة، أو عبر عنها العبادة بالمعنى اللغوي، وعبادة بالمعنى الأخص، وهي التي يشترط فيها قصد القربة، يقع الكلام في عبادية النوم، وقد عرفنا في مطلع البحث أن هاهنا احتمالين:

الأول: الحمل على المجازية، بمعنى أن يكون المقصود من نومكم عبادة، أن نومكم له ثواب العبادة، فليس النوم عبادة حقيقة.

لكن الحمل على مثل هكذا أمر إنما يصار إليه بعد العجز عن حمل اللفظ على معناه الحقيقي، والظاهر أنه لا موجب لحمل اللفظ على هذا المعنى المجازي.

الثاني: أن يكون المقصود من العبادة معناها الحقيقي، وهذا المعنى هو المتعين، عمدة ما كان، أنه وفقاً لما ذكرناه في بيان معنى العبادة، لابد أن يكون المقصود من العبادة هنا المعنى الأعم، أو قل المعنى اللغوي، وهو الطاعة.

ومثل هذا أيضاً يجري في النصوص التي تضمنت أن التفكر في ملكوت السماوات والأرض عبادة المخلصين، والتفكر في آلاء الله عبادة، وطلب الحلال عبادة، ولين الكلام عبادة، وإفشاء السلام عبادة، ونظر الولد لوالديه حباً لهما عبادة، وحب أهل البيت(ع) عبادة، والنظر لوجه العالم عبادة، وحسن الظن عبادة.

ثم إنه ووفقاً لما سبق منا البناء عليه من العمومية للخصوصيات الثابتة في هذا الشهر لكافة الجنس البشري، عليه يلتـزم بأن نوم كل أحد في هذا الشهر بأنه عبادة. نعم يجري ما سبقت الإشارة له من أنه لابد وأن لا يكون على معصية.