الوحدة الإسلامية حقيقة وأراء

لا تعليق
كلمات و بحوث الجمعة
2
0

لا ريب في وجود صراع بين الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية، وهي امتداد لما كان سابقاً منذ أن تم تقسيم الدولة الإسلامية والمتمثلة حينها في الدولة العثمانية.

ومن الطبيعي جداً أن تكون لهذا الصراع أبعاد متعددة، إلا أن السؤال الذي يطرح: كيف يمكن الوقوف في مواجهة هذا الصراع من قبل المسلمين؟

تحتاج الإجابة عنه إلى التوجه إلى أبعاد ثلاثة[1]، وهي:

الأول: مواجهة التحديات المعاصرة:

فإن لها أبعاداً حضارية، وسياسية، واجتماعية، أفرزتها ظروف العصر الحديث وتطوراته، فمن تلك التحديات، قضية التوفيق بين متطلبات الحرية الإنسانية على المستوى الفردي والاجتماعي، والاستقلال والإرادة في الاقتصاد، والثقافة والسياسة، وهكذا.

الثاني: تطوير المضمون المعنوي للحالة الإسلامية:

من الواضح أن الأطروحة الإسلامية تنطوي على مجموعة من الأبعاد ذات تأثير قوي جداً في كل من يتعرف عليها، فإن المضمون العقلي والعاطفي الذي تملكه الحالة الإسلامية، يمثل أعظم طاقة وقوة تمتاز بها في موقفها تجاه الصراع الحضاري، فإن القوة الحقيقة لها تتمثل في ما تضمنته من أبعاد مميزة، وهي: الإيمان بالله تعالى، وبالرسالة السماوية، وباليوم الآخر، مضافاً إلى المضمون الأخلاقي والتشريعي، ومشاعر الحب والولاء لله تعالى، والعداء للشيطان، وكل معالم الشر، والخوف من العقاب، والرغبة في نيل الجنة، والأهداف السامية، والنبيلة المتمثلة في الرضوان الأكبر.

وهذا يجعل هذا البعد المعنوي والمضمون الروحي، أهم بعدٍ في مستلزمات الموقف في هذا الصراع، والمواجهة بين الحضارتين.

ولا يخفى أن تطوير هذا المضمون، وتصعيده أهم قضية في هذا المجال، كما أن تعميق الحالة الإيمانية، بالباري سبحانه، والشد الروحي والعاطفي للمؤمن به سبحانه وبرسالته، واليوم الآخر، يأتي في مقدمة أبعاد هذا التطوير، ومن الطبيعي جداً أن هذا يحتاج منهجاً للعقيدة والتزكية والتربية الروحية، والنفسية.

الثالث: الوحدة الإسلامية:

فإنها تعتبر من أهم مستلزمات الوقوف في وجه الصراع الحضاري التي يجب على المسلمين جميعاً، والحركة الإسلامية بشكل خاص الاهتمام بها وتوفير ظروفها وتبيـين مناهجها وأساليبها، والعمل على تحقيقها.

ومن الطبيعي جداً أنه لا يمكن تطبيق الوحدة في الخارج من قبل المسلمين، إلا بعد أن يحيطوا بالمقصود منها، ويحرزوا مفهومها، وإن شئت فقل: أن الحديث عن الوحدة، فرع إحراز المقصود منها، حتى يكون الفرد محيطاً بما هو المطلوب منه، أما لو لم تكن حقيقتها واضحة بالنسبة إليه، كان ذلك مانعاً من إحراز ما هو المطلوب منه، فضلاً عن تطبيقه خارجاً.

حقيقة الوحدة الإسلامية:

تتعدد الرؤى في تحديد موضوع الوحدة الإسلامية، فمنهم من يخصها بالوحدة السياسية، فيجعلها منحصرة في الهوية السياسية البحتة في السعي للوقوف أمام الاستكبار العالمي بكافة أطيافه وأشكاله، وما يتطلب الأمر في ذلك.

بينما نجد أخر يخصها بالوحدة الاجتماعية التعايشية، فيطلب فيها أن يعمد إلى السعي للتعايش بين أفراد المسلمين، مع حفظ الحقوق الثابتة لكل فرد منه، ومن دون أن يتعدى أحد على حق آخر، أو يقوم بعملية إقصائه، وإبعاده عن حقه. ويختار ثالث توجهاً، آخر، وهكذا.

والتأمل في هذه التفسيرات لحقيقة الوحدة يمنع من القبول بشيء منها، فإن تفسيرها بالوحدة السياسية، لا يعطي امتيازاً لتكون بين المسلمين دون غيرهم من أصحاب الديانات السماوية الأخرى، بل حتى من لا يملكون ديانة سماوية، لأن المفروض أن الغاية الأساسية هي القيام بعملية الحماية من الخطر المحدق للاستكبار العالمي، وغزوه هذه الدول، وهذا يستدعي وجود قوى عسكرية تقوم بعملية الحماية، فلا يكون مختصاً بالمسلمين دون غيرهم.

كما أن تحديدها بالتعايش لا يختلف عن سابقه، فإن حفظ الحقوق التي تقوم على القانون الإنساني، يستوجب مراعاتها حتى مع الأٌقليات الأخرى التي تكون من أديان سماوية غير رسالة النبي الخاتم(ص)، بل حتى من لا يدينون بدين، كما لا يخفى.

وبالجملة، إن التحديد لحقيقتها بما ذكر، لا ينسجم والتصور المراد إيجاده في الخارج منها، بل لا يتوافق والأهداف المرجو الوصول إليها من خلالها، فلاحظ.

ويمكن تحديد المقصود منها من خلال الإحاطة بمجالاتها، لأن الظاهر أن هذا هو منشأ الأقوال السابقة، بمعنى أنها قد نشأت عن طريق تحديد مجال الوحدة، ومن ثمّ حدد المقصود منها، فتدبر.

وكيف ما كان، فإن مجالات الوحدة الإسلامية[2] لا تنحصر في خصوص الأبعاد التي تقدمت، أعني البعد السياسي، والبعد التعايشي الاجتماعي، وإنما مجالها هو معالجة مجمل القضايا الأساسية التي تهم المسلمين، بموقف واحد منسجم يحقق هذه الوحدة، بينهم، ويمكن عرض بعض تلك القضايا الأساسية:

منها: النظرة الكلية العامة لدور الدين في حياة الإنسان:

فإن الكثير قد يتصور تحديد دوره في الحياة الإنسانية، فيقصره في أمور ثلاثة:

1-أنه مجرد علاقة روحية والتـزامات قلبية بين الإنسان وربه.

2-مجموعة من الممارسات العبادية.

3-السلوك الأخلاقي الذي يمارسه الإنسان.

والصحيح أن دور الدين في الحياة الإنسانية أبعد من ذلك بكثير، وأنه لا ينحصر في خصوص ما ذكر، بل إنه يشمل جميع ما يرتبط بالشأن الإنساني، ذلك أن الدين يعالج كل ما يتعلق بالحياة الإنسانية، فهو يعالج قضاياه الاقتصادية، كما أنه يوفر له العلاج لقضاياه الاجتماعية، وهو الذي يعطيه الطرق لتقويم السلوك الأخلاقي، والتربوي عنده، كما أنه يعالج كافة شؤونه الإدارية، وهكذا.

وبالجملة، لا يوجد مورد من الموارد ذات الارتباط بالحياة الإنسانية، لا يتصور مدخلية للدين فيها، فضلاً عن أن يكون ذا دور أساس فيها.

وليس المقصود مما قدمنا ذكره أن تتحد جميع الرؤى السياسية مثلاً، أو تتحد جميع التصورات الاقتصادية، فإن هذا ليس المقصود في حقيقة الوحدة، وإنما نعني بذلك أن هناك خطوطاً عامة توجب الالتقاء بين المسلمين سواء في المجال السياسي، أم المجال الاقتصادي، أم غير ذلك، يمكن للمسلمين من خلالها الالتقاء، فلاحظ.

ومنها: النظرة الكلية تجاه أعداء الإسلام الأساسيـين:

سواء كان ذلك في المجال العقدي كحركة الإلحاد، والتحلل من الالتزامات الأخلاقية الفطرية، أم كان ذلك على المستوى السياسي، كحركة الفكر العالمي المتمثلة في قوى الهيمنة والتسلط والاستغلال القائم على أساس المصالح المادية والمنافع، بعيداً عن جميع القيم والمثل الإنسانية، والمنافع المتبادلة، فإن جميع هذه القوى الشيطانية، بما تملك من وسائل مادية للتضليل والإغراء، والإمكانات السياسية والعسكرية، والعلمية تمثل العدو الألد للمسلمين لذى يجب الحذر منه، وهذا يستدعي الحاجة إلى تشخيصه، وإيجاد السبل لمواجهة أساليبه وأضاليله.

ومنها: توحيد النظرة الكلية إلى صيغة الحكم الاسلامي:

وإبراز دوره في الحياة الانسانية والسياسية، بحيث لا يكون هناك تناقض في الصيغ المطروحة للحكم، ويكون هذا نظير ما يوجد اليوم في الدول الديمقراطية، فإن الصيغ فيها وإن كانت مختلفة، إلا أنها متفقة في أساسيات ومقومات النظرة الكلية للحكم، وتشترك فيها كل هذه الصيغ، ويتفق الديمقراطيون عليها.

ولا إشكال في قدرة النظرة الإسلامية، مع ما لديها من تراث شرعي ضخم، وتجارب طويلة على استيعاب الصيغ وتقديم المتعدد منها.

ومنها: الموقف العام تجاه الحقوق الانسانية العامة:

سواء في الفكر، أم في العمل السياسي، أو في الممارسة العبادية للمسلمين، والحقوق المدنية لاتباع المذاهب الإسلامية في العالم الاسلامي، بحيث لا يجوز حرمان اتباع هذا المذهب أو ذاك من هذه الحقوق العامة، والتي يشتركون فيها مع بقية المواطنين المسلمين، لا لشيء إلا لمجرد انتمائهم إلى هذا لمذهب، أو ذاك.

وبكلمة، يلزم أن لا يتحول الانتماء المذهبي إلى عامل امتياز، أو نقطة عيب أو ضعف لصالح الأشخاص أو ضدهم، فلاحظ.

ومن خلال عرض بعض المجالات التي للوحدة الاسلامية، يتضح أن حقيقتها أوسع دائرة مما ذكر في البداية، بتحديد مجالها بالبعد السياسي، أو البعد التعايشي الاجتماعي، وأن المقصود منها في الحقيقة وحدة دينية، وفق معطيات تقوم على أسس، يبقى معها كل فرد من المسلمين على نظرته العقائدية الخاصة، وعلى اجتهاداته الفقهية، وقصر الأمر على معالجة الأمور والقضايا الأساسية التي تهم المسلمين.

مبررات الوحدة:

هذا وقد يتبادر إلى الأذهان دواعي الحاجة إلى وجود الوحدة الإسلامية، فقد لا يجد بعضهم أن الصراع القائم بين الحضارتين، الغربية والإسلامية، وخطر الاستكبار العالمي بكل حيثياته وأبعاده، يشكل خطراً على المسلمين، بل لا زال المسلمون قادرين على حفظ أنفسهم، فما هي المبررات لوجودها؟

ومع أنه قد اتضح من خلال عرض مجالات الوحدة الإسلامية، المبرر لوجودها، وكيف أنها سوف تكون سبيلاً لإبراز صفة عامة عن الإسلام وأطروحته، إلا أنه يمكن ذكر بعض المبررات إليها:

منها: القوة العسكرية: فإنه مهما كانت الدول الإسلامية متفرقة تملك من الطاقات البشرية، والقدرات، إلا أن ذلك لا يجعلها قديرة على مواجهة الاستكبار، والحضارة الغربية، بينما لو اجتمع المسلمون مثل ذلك قوة عسكرية جبارة تملك القدرة على الوقوف في وجه أي تحدي عسكري يراد منه النيل من المسلمين، فلاحظ.

ومنها: القوة المعرفية: فإن اجتماع الإمكانات العلمية والمعرفية لدى المسلمين وتوحيد جهودها لتصب كلها في مصب واحد، يشكل قدرة هائلة يمكنها أن تقف أمام أي طرف مهما بلغت قوته، وقدرته.

ومنها: القوة الاقتصادية: فإن الوحدة الاسلامية تكفل توفير سبل التطوير والنمو الاقتصادي في العالم الاسلامي، مضافاً إلى حل العديد من المشكلات الاجتماعية، وهذا يكشف عن أن للوحدة الاسلامية دوراً في خدمة الانسانية، وتطور الحضارة البشرية.

الآراء في الوحدة الإسلامية:

وكما أنه وقع الاختلاف بين الأفراد خارجاً في تحديد المقصود من الوحدة الإسلامية، بحيث تعددت التفسيرات المذكورة في كلماتهم لها كما عرفت، نجد أيضاً تبايناً عند الأفراد في نظرتهم إليها، فتتباين الآراء حولها وتختلف، رفضاً وقبولاً، فيجد الباحث آراء متعددة عند الأفراد خارجاً[3]:

منها: القول بمنع الوحدة بين المسلمين:

وهذا الرأي يعيش حالة من التعصب تجاه الوحدة، ويرفض بشكل قاطع أن يوجد بين المسلمين أدنى تقارب واتحاد، ولا يخفى أن هذا الرأي ينشأ من رؤية هذا المانع للطرف الآخر، فمن يعتقد من السنة مثلاً بكفر الشيعة، وخروجهم عن ملة الإسلام، وأنه لا يجري عليهم شيء من أحكام المسلمين، ولا يعاملون معاملتهم، فإنهم سوف يمنعون من أن يوجد بينهم وبين الشيعة أي تقارب أو اتحاد، بل ربما وصل الأمر بهم إلى عدم القبول بوجود التعايش معهم، لأن المدار في وجودها امتلاك الطرف الذي يتحد معه صفة الإسلام، وبنظر هؤلاء هم فاقدون له، فلاحظ.

ولا يحتاج منع هذا الرأي ورفضه مزيد بحث وعناء، إذ أنه ناشئ من التطرف للفكر والمعتقد، ومن المعلوم أن أي تطرف لأي أمر من الأمور سواء كان أمراً دينياً، أم كان أمراً معرفياً مرتبطاً بالفكر، أم بالثقافة، أم كان أمراً اجتماعياً، ما لم يكن مستنداً إلى برهان شرعي، أو عقلي، أو عقلائي، يفقد قيمته، وأهميته، ولا ريب أن التطرف المرتبط بالمقام، لا يستند إلى شيء من الحجج والبراهين، لا العقلية، ولا العقلائية، والشرعية، بل إنها على خلافه تماماً، إذ لا ريب في حكم العقل، ومحبوبية العقلاء لمثل هذا الأمر، فضلاً عن أن الأدلة الشرعية، كما سيتضح إن شاء الله تعالى داعية إلى ذلك.

وربما أرجع بعض الباحثين وجود مثل هذه التطرفات المتشددة في الأوساط الاجتماعية إلى التأثر بمجموعة من العوامل الخارجية التي تغذي المجتمعات الإسلامية رغبة منها في الإطاحة بها، فالثقافة الغربية، والاستكبار العالمي يستخدم هذا المنهج رغبة منه في إضعاف المسلمين وخللة وحدتهم، ليتسنى له السيطرة عليهم، خصوصاً وأنك قد عرفت في مطلع البحث أن هناك صراعاً مستمراً بين حضارتين، الحضارة الغربية، والحضارة الإسلامية، ومن الطبيعي أن يسعى الغرب إلى مثل هذا الأسلوب رغبة منه في الوصول إلى هدفه من هذا الصراع، فلاحظ.

ومنها: القول بالتحفظ على وجود الوحدة خارجاً:

ويختلف هذا القول عن سابقه في أن داعيه للتوقف في القبول بوجودها في الخارج بين المسلمين ليست نظرته السلبية للطرف الآخر، وحالة الإقصاء التي يمارسها معه، وإنما خوفه من بعض الآثار المترتبة على وجودها وتحققها، ذلك أن هذا القائل يفهم الوحدة فهماً خاطئاً، وتوضيح ذلك:

لا يخفى أن هناك اختلافاً حاصلاً بين المسلمين، سواء على نحو المعتقدات، أم على نحو الأحكام الشرعية، فيختلف المسلمون في مجموعة من العقائد، وإن كانوا يتفقون في شيء منها، كما أنهم يختلفون في مجموعة من الأحكام، ويتفقون في مجموعة منها، ويخشى المتحفظون على وجود الوحدة بين المسلمين، أن يتم التنازل عن المعتقدات الخاصة بكل مذهب وفرقة، فالشيعة مثلاً يخشون أنه متى وقعت الوحدة بين المسلمين، فسوف يلزم من ذلك أن يتنازلوا عن ما يعتقدونه من أولوية أمير المؤمنين(ع) بالخلافة بعد النبي(ص)، وأنه أول الخلفاء المنصوص عليه من قبل الله تعالى على لسان رسوله(ص)، ويلزمهم الاعتراف بخلافة غيره، كما أنه يلزم أن يتنازلوا عن زيارة قبور المعصومين(ع)، أو عدم التوسل بهم، مضافاً إلى التنازل عن جملة من الأحكام الفقهية كعدم السجود على غير المأكول والملبوس، فضلاً عن تربة سيد الشهداء(ع)، أو التكتف في الصلاة، وغير ذلك. وهكذا يجري الكلام بالنسبة للطرف الآخر ،فإنه يعتقد أن الالتـزام بالوحدة يستوجب القول بعدم عدالة جميع الصحابة، وأن خليفة النبي(ص) هو أمير المؤمنين(ع) وبطلان خلافة من سبقه، وكذلك الأمر في الأحكام الشرعية.

وبالجملة، إن داعي أصحاب القول الثاني للتحفظ والتوقف في القبول بالوحدة، هو الخوف من إلغاء الانتماء المذهبي الخاص بكل فرد.

ولا يخفى أن القائلين بهذا القول لا يمانعون في أصل مبدأ الوحدة الإسلامية، بل كما عرفت أن الخلل ينشأ من وجود فهم خاطئ منهم لحقيقتها، وهذا يعني أنه متى اتضحت الرؤية عندهم حول المقصود منها، كان ذلك موجباً لتغيـير الصورة عندهم، فلو عرفوا أنه لا يقصد منها التنازل عن المعتقدات، أو تغيـير الانتماء المذهبي، أو إلغاء الاجتهاد الفقهي، وأنه لا يسعى من خلال الوحدة إلى تحويل المذاهب الإسلامية كلها إلى مذهب واحد، كما أن لا يهدف منها إلى غلق باب الاجتهاد، وإلغاء الاختلاف في الآراء الفقهية. ويساعد على ما ذكرنا، ما أشار إليه القرآن الكريم في غير واحدة من آياته إلى التركيز على نقاط الاتقاء والمشتركات بين المسلين، والتي تمثل أساس الوحدة وكيانها الذي تقوم عليه، قال تعالى:- (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)[4]، وقال سبحانه:- (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)[5].

ومنها: القول بالنظرة السلبية لها:

وقد جعل أصحاب هذا القول متبناهم تجاه الوحدة، بالبناء على حالة التشائم، والنظرة السلبية لها بحيث أصبحوا يملكون رؤية سوداوية تجاهها، من خلال قراءتهم للتجارب السابقة للوحدة الإسلامية، فإن التاريخ ينقل لنا مجموعة من المحاولات التي جرت رغبة في تطبيقها خارجاً، وأن بعض تلك المحاولات أخذت وجوداً زمنياً، ووقعت فترة إلا أنها تؤول في نهاية المطاف إلى الفشل، ولا يكتب لها الاستمرار، فضلاً عن النجاح. فأصبح أصحاب هذا القول يعيشون حالة من اليأس والإحباط تجاه أية محاولة تهدف إلى وجود وحدة بين المسلمين، أو أي حركة يسعى من خلالها لتحقيق ذلك خارجاً.

ويشترك هذا القول مع القول الثاني في أنه ليس رافضاً لأصل المبدأ أو معارضاً إليه، بخلاف الرأي الأول الذي قد عرفت أنه يمانع من تحقيقها، وكما عرفت أن العملية التصحيحية في بيان حقيقة المفهوم وإيضاحه بصورة جلية، موجبة لرفع المانع من القبول بالوحدة عند أصحاب القول الثاني، فكذلك في المقام، فإن المتصور أنه متى وجدت بارقة الأمل، وجددت الدعوة بأساليب منهجية تكفل لها النجاح والاستمرار، فإن ذلك موجباً لتغيـير توجه أصحاب هذا القول أيضاً.

على أنه يلزم التفكيك بين أمرين، بين العملية التطبيقية التي اتخذت في تفعيل مفهوم الوحدة، وذلك من خلال المؤتمرات أو الندوات، أو المؤلفات التي دعت إلى ذلك، وبين أصل الفكرة التي تدعو لها، فإن الخطأ الحاصل في عملية التطبيق لا يستوجب خللاً في الفكرة، لأن من الممكن أن تكون الفكرة صائبة، لكنه قد أخطأ في تطبيقها، وأمثلة هذا من الخارج كثيرة، فلاحظ.

ومنها: أصحاب الرؤية التقاعسية:

ونقصد منهم الذين يعيشون الكسل وحب الراحة والاسترخاء، ولا يؤمنون بالعمل، فضلاً عن بذل جهد من أجله. فهؤلاء قد يملكون حساً يتضمن الحاجة إلى الوحدة، بل ضرورتها، لكنهم لما كانوا من المحبين للاسترخاء والراحة، ولا يعيشون هم العمل، يلتـزمون بعدمها، فالجميع على سبيل المثال، يرفض الطائفية البغيضة، ويؤمن بأنها أحد الأسباب التي تؤدي إلى تمزيق وحدة الوطن الواحد، وزرع الحقد بين أبنائه، إلا أنهم لا يسعون إلى محاولة علاج ذلك، ولو من خلال التفكير في السبل التي يمكن من خلالها القضاء على ذلك، فضلاً عن أن يمتلكوا مبادرة للوقوف أمامها، ومحاولة الحد منها، وما هذا إلا أن القيام بذلك يستوجب خروجاً لهم عما يريدونه لأنفسهم من الاسترخاء والسكون للراحة.

ويشترك أصحاب هذا القول مع أصحاب الرأي الأول في جانب، كما أنهم يشتركون مع أصحاب الرأيـين الثاني والثالث في جانب آخر، فيشتركون وأصحاب الرأي في إحجامهم عن الإقدام على تفعيل الوحدة خارجاً، ويشتركون مع أصحاب الرأيـين الآخرين في قناعتهم بالحاجة إلى الوحدة، ولو في الجملة، لأنك قد عرفت أن مانعهم من الدعوة إليها، أو القبول بها، ليست حالة الإقصاء للآخر، والرؤية المتطرفة، كما أن منشأه ليس حالة التشاؤم واليأس، بل الكسل وحب الراحة.

ومن الطبيعي أن أصحاب هذا القول لا يحتاجون إقناعاً بضرورة الوحدة وبلزوم الحاجة إليها، بمقدار ما يحتاجون إلى إشعال روح الحماسة والباعثية عندهم، بإخراجهم من حالة الكسل، والاسترخاء الزائد، وأنه متى عولج ذلك كان طريق تفعيلهم في طريق الوحدة أمراً ممكناً.

ومنها: القول المتفائل:

وأصحابه هم الذين يعيشون همّ الأمة الإسلامية، ويتلمسون ما تواجهه من مصاعب ومآسي تجعل التفكير في إيجاد حل للخروج من هذه الأزمات أمراً لازماً، وأن أحد أبرز الطرق للوقوف أمام الصراع القائم مع الحضارة الغربية يتمثل في وجود الوحدة الإسلامية بين المسلمين، كما عرفت في البداية.

ويتحرك أصحاب هذا القول من مقومات يتوفرون عليها:

1- الاعتدال في الفكر والمنهج، فإنهم لا يعيشون حالة الإقصاء للآخر، فضلاً عن أن يملكوا شيئاً من التطرف.

2-الوعي، بأهمية الوحدة، ومقدار الحاجة إليها، وضرورة تفعيلها خارجاً.

3-التفاؤل، وأن مجرد فشل التجارب السابقة، لا يعني خطأ الفكرة، أو عدم إمكانية نجاحها يوماً من الأيام.

4-الحركية، من خلال القيام بالتصدي لكل موجبات الفتنة، وما يكون مساعداً على وجودها، بشتى أنواع الوسائل والسبل، وهكذا.

والإنصاف، أن هذا القول هو الرأي الصائب، لأنه يعيش حالة الهم، والإحساس بالمسؤولية التي يلزم أن يتحلى بها كل مسلم، لما فيها من مصلحة عظمى للإسلام، وأهله.

السؤال الصعب:

ثم إنه بعد بيان أن القول المناسب للواقع الإسلامي، وما يلاقيه من هجمات متعددة الأطراف، وسعي الاستكبار العالمي أن ينال منه، هو القول الخامس، تبقى الأقوال الأخرى موانع تعيق التأكيد على إيجاده، وتطبيقه خارجاً فضلاً عن الدعوة إليه، وبكلمة، إن ما قدم ذكره لا يخرج عن كونه تصوراً ثبوتياً، فهل يمكن أن يتحول هذا التصور إلى إثباتي أو لا؟

وبكلمة، هل يمكن أن يرى هذا الطموح، وهذا الأمل النور، وأن يحقق على أرض الواقع خارجاً بحيث نجد أن المسلمين يجتمعون ويعمدون إلى إيجاد مجالات الوحدة حتى يوفقوا إلى بلوغ مبرراتها، أم أنه سيبقى مجرد طموح وتصور يتمنى الجميع تحقيقه؟

من الطبيعي أن الأمور لا توجد بنفسها، وإنما لابد من أن يعمد إلى دراسة الأسباب، والتعرف على الظروف الموضوعية التي تساعد على تحقيقها خارجاً حتى يتمكن المجتمع الإسلامي من تطبيقها، مضافاً إلى سعيه إلى إزالة كافة العوائق والمحبطات التي تقف حجر عثرة في وجودها، كبعض الأٌقوال السابقة التي قدم ذكرها.

وبالجملة، إن تحقيق ذلك ليس صعب المنال، فضلاً عن أن يكون محالاً، بل إن هناك مجموعة من التجارب التي ذكرها لنا التأريخ شاهدة على إمكانية التحقق والوقوع، فأقرأ عن جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية والتي شكلت في سنة 1368 من الهجرة النبوية، سنة 1949 ميلادية، وقد ضمت علماء من السنة كالشيخ شلتوت، والشيخ عبد المجيد سليم، والشيخ محمد أبو زهرة، ومن علماء الشيعة كان معهم السيد عبد الحسين شرف الدين، والشيخ مغنية، والإمام الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، وقد كان الإمام السيد البروجردي(قده) من أقوى الداعمين لها.

ولا يخفى أن هناك مجموعة من العوامل الرئيسة تدخلت في عدم استمرارها، كان على رأسها العامل السياسي، إلا أن ذلك لا ينفي ما حققته هذه الجماعة من المكاسب الكبيرة جداً، وما خلفته من أثر طيب يعطي مجالاً إلى تجربة جديدة ناجحة جديدة.

[1] الوحدة الإسلامية من منظور الثقلين ص 28-37(بتصرف)

[2] الوحدة الإسلامية من منظور الثقلين ص 39-41(بتصرف).

[3] الوحدة الإسلامية ص 53-60.

[4] سورة آل عمران الآية رقم 103.

[5] سورة الأنفال الآية رقم 46.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة