29 مارس,2024

الاستشفاء بالتربة الحسينية(5)

اطبع المقالة اطبع المقالة

عدم اعتبار الدعاء في أكلها:

قد تضمنت النصوص الشريفة أنه توجد أدعية وآداب عند أخذ التربة المقدسة وتناولها للاستشفاء، وهذا يثير التساؤل في أن هذه الأمور هل أخذت على نحو الشرط لجواز تناولها، فيلزم لمن أراد الاستشفاء بها قراءة تلك الأدعية الخاصة، أم أنه لا يعتبر ذلك، وإنما هي من باب الكمال رغبة في سرعة التأثير؟.

الظاهر أنه لا يوجد بين أعلامنا من ألتـزم بكون الأدعية والأوراد المذكورة في النصوص الشريفة والتي ينبغي مراعاتها عند تناول التربة المقدسة بقصد الاستشفاء، مأخوذة على نحو الشرط، بحيث لو لم يأت بها المستشفي، فإنه لن يتحصل على غرضه المطلوب، ولا يجوز له تناولها حينئذٍ، بل كلهم متفقون على أن ذلك من موارد الكمال لتحصيل سرعة التأثير، فلاحظ.

ولو قيل: من أين استفدتم أن ما ورد في النصوص من الدعاء وأضرابه من القيود شروط كمال وليست شروط صحة، فلا يلزم مراعاتها، بل هو أمر مستحسن؟

قلنا: لقد ذكر علمائنا في الأصول أن القيود إما أن تكون في الواجبات أو تكون في المندوبات، فإذا كانت القيود في الواجبات كانت شرط صحة، أما لو كانت القيود في المندوبات، فإنه تكون شرط كمال، لأنها تكون مأخوذة بنحو تعدد المطلوب. نعم ربما يقوم الدليل على أنها شرط صحة، فترفع اليد عن مثل هذه القاعدة[1].

اعتبار احراز أنها تربة القبر:

هذا ويعتبر في التراب الذي يجوز تناوله للاستشفاء أن يحرز أنه فعلاً من تراب قبر أبي عبد الله الحسين(ع)، فلو لم يحرز لم يجز له أن يتناوله لما هو المعروف من عدم جواز تناول التراب، والطريق إلى احراز ذلك يكون من خلال إحدى القنوات:

منها: أن يحصل له العلم بكون التراب الذي يتناوله من طين قبر الإمام الحسين(ع)، وذلك لأنه قد حصله بنفسه.

ومنها: أن يكون قد حصل له العلم بذلك نتيجة قيام البينة لديه على أن الطين الموجود في يده هو طين قبر الإمام(ع).

ومنها: أن يخبره ثقة ممن يعول على إخباراته، ويفيد خبره الوثوق والاطمئنان بكون الطين الذي تحت يده من طين قبر المولى أبي عبد الله الحسين(ع).

ومنها: أن يستند في حصول العلم عنده بكون الطين الموجود تحت يده من طين القبر الشريف إلى إخبار ذي اليد.

فما لم يثبت عنده طينية التراب الذي تحت يده بأنه من طين قبر المولى أبي عبد الله(ع) لم يجز له تناوله. نعم يمكنه أن يعمد إلى إذابته في ماء بحيث يستهلك فيه، ومن ثمّ يقوم بشربه.

شفائية التربة بنحو الاقتضاء لا العلة التامة:

لقائل إن يقول: إن الكثير من الناس يعمد إلى الاستشفاء بالتربة المباركة لقبر المولى أبي عبد الله الحسين(ع)، ولكنه لا يوفق إلى تحصيل ذلك، فما هو السبب، مع أن النصوص الشريفة واضحة في أنها شفاء من كل داء، وأمان من كل سوء وبلاء.

وجواب ذلك، أنه يلزم الالتفات إلى أن النصوص التي تضمنت الدلالة على الاستشفاء بالتربة الطاهرة، لم تفد أنها علة تامة لتحقق الشفاء، بل إن المستفاد منها هو الاقتضاء، وهذا يعني أنه لابد لكي يكون المقتضي مؤثراً أثره من إزالة جميع الموانع التي تمنع من تحقق التأثير، وقد أشير إلى ذلك في النصوص، فعن أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال-في حديث-: فإنها شفاء من كل داء وسقم، وجنة مما تخاف، ولا يعدلها شيء من الأشياء للذي يستشفى بها إلا الدعاء، وإنما يفسدها ما يخالطها من أوعيتها، وقلة اليقين لمن يعالج بها-إلى أن قال-ولقد بلغني أن بعض من يأخذ من التربة شيئاً يستخف به، حتى أن بعضهم يضعها في مخلاة البغل والحمار، وفي وعاء الطعام والخرج، فكيف يستشفى به من هذا حاله عنده[2].

استمرارية التناول لتحقق الشفاء:

ثم إنه هل يقتصر في الاستشفاء بها على تناولها لمرة واحدة وإن لم يتحقق الشفاء، فلا يجوز للمستشفي أن يتناولها أكثر من ذلك، أم أن جواز تناولها يدور مدار حصول الشفاء، بمعنى أنه يجوز له تناولها حتى يحصل له الشفاء.

يستفاد من خبر محمد بن مسلم أن تناولها لا يتوقف حتى يتحقق الشفاء، فقد روى-في حديث- خرجت إلى المدينة وأنا وجع، فقيل له: إن محمد بن مسلم وجع، فأرسل إلي أبو جعفر(ع) شراباً مع غلام مغطى بمنديل فناولينه الغلام، وقال لي: اشربه، فإنه أمرني أن لا أبرح حتى تشربه، فتناولته فإذا رائحة المسك منه، وإذا بشراب طيب الطعم بارد، فلما شربته، قال لي الغلام: يقول لك مولاي: إذا شربته فتعال-إلى أن قال-فقال لي: أعطيك منه شيئاً؟ فقلت: نعم، فقال: إذا أخذته فكيف تصنع به؟ فقلت: اذهب به معي، فقال: في أي شيء تجعله؟ فقلت: في ثيابي، قال: فقد رجعت إلى ما كنت تصنع، اشرب عندنا منه حاجتك، ولا تحمله فإنه لا يسلم لك، فسقاني منه مرتين، فما أعلم أني وجدت شيئاً مما كنت أجد حتى انصرفت[3]. فإن تعبيره فسقاني مرتين، يشير إلى تكرر عملية التداوي والاستشفاء بالتربة، حتى تحقق له الشفاء التام من الداء الذي كان يعانيه، فيثبت عدم الاكتفاء بمجرد التناول، بل لابد من تحقق الشفاء، فلاحظ[4].

——————————————————————————–

[1] مهذب الأحكام ج 23 ص 160.

[2] وسائل الشيعة ب 59 من أبواب الأطعمة المحرمة ح 3.

[3] كامل الزيارات ح 699 ص 460.

[4] من المصادر التي تمت الاستفادة منها في إعداد هذا الكراس، كتاب دراسة في طب الرسول المصطفى للشيخ عباس تبريزيان ج 2.