روايات المهديـين

لا تعليق
كلمات و بحوث الجمعة
196
0

هناك نصوص يدعى ظهورها في وجود مهديـين غير صاحب الناحية المقدسة(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، ذكرت في مصادرنا الحديثية مما تعرض للحديث عن الإمام المنتظر(بأبي وأمي)، ومن الطبيعي جداً حاجة هذه النصوص للدراسة والتمحيص خصوصاً من حيث الدلالة، وما هو المستفاد منها، كي لا تكون عرضة لأن يستند إليها من لا معرفة ولا دراية له بالنصوص، ويعمد إلى استعمالها في غير الظاهر منها، ولنبدأ أولاً بعرضها:

فمنها: وتعتبر أهمها، وهي رواية الوصية فقد روى شيخ الطائفة(ره) بسند يتصل إلى الإمام أبي عبد الله الصادق(ع) عن آبائه(ع)، عن أمير المؤمنين(ع) قال: قال رسول الله(ص) في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي(ع) يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة فأملى رسول الله(ص) وصيته حتى انتهى(إلى)هذا الموضع، فقال: يا علي إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً ومن بعدهم، اثني عشر مهدياً فأنت يا علي أول الاثني عشر الإمام.

وساق الحديث-إلى أن قال-:وليسلمها الحسن(ع) إلى ابنه (م ح م د)المستحفظ من آل محمد(ص)، فذلك اثني عشر إماماً، ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المهديـين، له ثلاثة أسامي اسم كاسمي، واسم أبي، وهو عبد الله، وأحمد والاسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنين[1].

فإن المستفاد منها أن هناك مهديـين تكون لهم الدولة والقيادة بعد رحلة الإمام المنتظر(روحي فداه) بعد خروجه من عالم الدنيا.

ومنها: خبر أبي بصير-بالبطائني-قال: قلت للصادق جعفر بن محمد(ع): يا ابن رسول الله(ص) سمعت من أبيك(ع) أنه قال: يكون بعد القائم اثني عشر مهدياً، فقال: إنما قال: اثني عشر مهدياً ولم يقل اثني عشر إماماً، ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا[2].

ويتفق هذا الخبر مع سابقه في أنه بعد رحلة المولى(روحي لتراب حافر جواده الفداء) يكون أثنا عشر مهدياً، إلا أنه يختلف وإياه في أن الخبر السابق ينص على أنهم من ولده(عج)، بينما يتضمن هذا الخبر أنهم من شيعتهم، وهو ينفي كونهم من ولده(بأبي وأمي)، مما يوجب تنافياً بينهما، فلاحظ.

ومنها: ما رواه أبو حمزة عن أبي عبد الله(ع)-في حديث طويل-أنه قال: يا أبا حمزة إن منا بعد القائم أحد عشر مهدياً من ولد الحسين(ع)[3].

وهذا الحديث وإن اتفق مع سابقيه في الإشارة إلى وجود من يقوم بعد القائم(عج)، إلا أنه قد أختلف وهما في العدد فإن سابقيه نصا على أنهم أثنا عشر مهدياً، بينما نص الخبر المذكور على أن عددهم أحد عشر، وليس اثني عشر. كما أن السابقين تضمن أحدهما أنهم من أولاد المولى(عج)، أو من الشيعة، وهذا يشير إلى أنهم من ولد الإمام الحسين(ع)، والجمع بينه وبين الأول، وإن كان ممكناً من هذه الناحية، على أساس صدق عنوان أبناء الإمام الحسين(ع) على أولاد صاحب الناحية المقدسة(عج)،إلا أن الظاهر بعدُ إرادة هذا المعنى، فإن الإشارة لكونهم من أولاد الإمام الحسين(ع) يوحي بسعة الدائرة، فلا تغفل.

ومنها: خبر الحضرمي، عن أبي جعفر وأبي عبد الله(ع) قالا في ذكر الكوفة: فيها مسجد سهيل الذي لم يبعث الله نبياً إلا وقد صلى فيه، ومنها يظهر عدل الله، وفيها يكون قائمه والقوام من بعده، وهي منازل النبيـين والأوصياء والصالحين[4].

وضعف سنده، لوقوع محمد بن أحمد الجاموراني فيه، الذي ضعفه القميون، واستثنوه من نوادر الحكمة، ولوجود الحسين بن سيف بن عميرة، الذي لم ينص على توثيقه في كتب الرجال[5]، وإن كان قد يدعى القول بوثاقته لكونه ممن وقع في أسناد كامل الزيارات بناءً على تمامية الكبرى المدعى دلالتها على ذلك[6]، فتأمل.

ولم يتعرض الخبر المذكور إلى شيء حول القوام من بعده(بأبي وأمي)، فلم يذكر عددهم، كما لم يتعرض لكونهم من ولده، أو من ولد الإمام الحسين(ع)، أو أنهم من شيعتهم، بل اكتفى بالإشارة إلى أنهم يقومون بالأمر من بعده، وقد يدعى أن هذا الإجمال الموجود في الخبر المذكور تفصيله وبيانه مستفاد من خلال النصوص السابقة.

هذا ولا ينحصر الأمر في خصوص هذه النصوص، بل هناك نصوص أخرى، ذكرت في كلمات الأعلام، يمكن للقارئ العزيز الرجوع إليها، أعرضنا عن ذكرها رغبة في عدم الإطالة.

وقد عرفت من خلال ما قدم من نموذج للنصوص كونها على طائفتين:

الأولى: النصوص التي تضمنت التصريح بقيام المهديـين بالأمر من بعده.

الثانية: النصوص التي أشارت إليهم، لكنها لم تتضمن التصريح بشيء عنهم من قريب أو بعيد.

وكيف كان، فقد يشار إلى دلالة النصوص على وجود قائمين بالأمر من بعد صاحب الناحية المقدسة(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، وهذا المدعى رهين الالتـزام بداية بثبوت الأبناء له(عج)، وأنهم الذين يقومون بالأمر من بعده، حيث عرفت أن بعض تلك النصوص ذكرت أنهم من أبنائه(بأبي وأمي)، ومن الطبيعي أن الالتـزام بثبوت الأبناء له(صلوات الله عليه) يستدعي الالتـزام بكونه متزوجاً.

ولا يخفى أن ثبوت الزوجية، يـبحث تارة من حيث الإمكان العقلي، وأخرى من حيث الوقوع الخارجي، ولو بني على الإمكان العقلي، يبقى الوقوع الخارجي، مع أن البناء على كليهما لو لم يكن ممنوعاً، فلا أقل من كونه محل تأمل.

ثم إنه لو سلم بكليهما، فقيل بعدم المانع من إمكانه عقلاً، وإنه قد وقع خارجاً، فلا محذور عندها في الالتـزام بكونه متزوجاً خصوصاً على القول بأن الغيبة ليست غيبة شخص، وإنما هي غيبة للعنوان كما عرفت تفصيله في محله، وعليه فلا ضير من تحققها له، ومن ثمّ الالتـزام بثبوت الأولاد إليه.

نعم يبقى الكلام في أن مقتضى الالتـزام بثبوتها، ومن ثم القول بوجود أولاد ألا يستوجب انكشاف أمره، إذ أنهم سوف يلحظون عليه إما الهرم والكبر في السن، أو خلاف ذلك، ومن الطبيعي انتقال زوجته للرفيق الأعلى، دونما حصول شيء بالنسبة إليه، مضافاً إلى تقدم السن بأولاده دونما تأثر منه، وهذا يستدعي إثارة جملة من التساؤلات حوله، قد تؤدي إلى انكشاف أمره، وانتفاء أحد الأهداف الأساسية التي وقعت الغيبة من أجلها.

نعم ربما يدعى أنه(بأبي وأمي) عندما يطمئن على توفر الدواعي المقومة لاستمرار حياة الأبناء، فإنه يعمد إلى ترك المنـزل والغيبة منه بصورة مفاجئة، حتى يظن المتعلقون به أنه قد مات، وينتقل إلى بلد جديد ويكون أسرة جديدة، وهكذا، فتأمل.

وبالجملة، إن أساس الاستناد لروايات المهديـين يستوجب الفراغ عن وجود الذرية له(بأبي وأمي)، والصحيح أنه لا يوجد عندنا في النصوص ولا رواية -ولو ضعيفة السند- يمكن إثبات وجود الذرية له(روحي له الفداء) من خلالها. نعم هناك قصة قد نقلها غواص بحار الأنوار في بحاره، وهي تعرف بقصة الجزيرة الخضراء، تفيد وجود الذرية له(صلوات الله عليه)، ولا يذهب عليك أن هذه القصة ليست منقولة عن معصوم(ع)، حتى تصلح دليلاً في مقام الإثبات، فضلاً عن أن شيخ البحار(قده) قد نقلها دونما ذكر منه لسندها، مع دقته، ومراعاته(ره) لمثل هذه الأمور، بل جرت عادته أن يشير لكون المصدر المحكي عنه أصل معتمد، أو كتاب مشهور، أو معتبر. بينما يذكر في شأن هذه القصة ما مضمونه أنه قد وجدها في كتاب عتيق أو قديم.

ولا مجال للقول بعدم التصور في نفي وجود الذرية له(بأبي وأمي) ذلك أنه يلزم التوجه إلى أنه تارة يكون النفي بمعنى عدم الإمكان، وأخرى بمعنى الاستبعاد والاستغراب، فإن كان الثاني، فهو مثل مسألة طول العمر، فكما أنه لا مجال لاستبعاد طول العمر، كذلك لا مجال لاستبعاد وجود الذرية المباركة له(روحي لتراب حافر جواده الفداء). على أن هناك أشخاصاً ممن قد ثبتت لهم الحياة، والوجود إلى يومنا هذا لم يثبت من قريب أو بعيد ما يدل على وجود الذرية لهم، بل لا نجد موجباً لوجودها، فهذا المسيح(ع)، وكذا العبد الصالح الخضر(ع)، بل حتى إلياس على القول ببقائه حياً، لم يعرف القول من أحد بوجود ذرية إليهم، ولا موجب أو داعي لذلك، فلم لا يكون سيدي صاحب الناحية المقدسة(فداؤه نفسي وولدي) كذلك؟!.

ولعل البعض يغفل أن جميع قضية صاحب الناحية المقدسة(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، وما يرتبط بها منوط بالبعد الغيبي، وتتدخل فيها العناية الإلهية الخاصة، التي توجب التسيـير لها وفق مقتضيات ربانية، وحماية معينة.

وبالجملة، إن أساس الاستدلال كما عرفت قائم على تمامية هذه المقدمة، والتي يصعب إقامة الدليل على إثباتها، وبنفي هذه المقدمة، سوف تكون النتيجة بطلان الاستدلال وعدم صحته، وتفصيل الحديث عن ذلك يوكل إلى بحث آخر.

وكيف ما كان، فلنعمد إلى البناء تنـزلاً على ثبوت الزوجية ومن ثمّ وجود الأبناء له(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، ولننظر مقدار ما يستفاد من روايات المهديـين، وأنه هل يمكن الاستناد إلى شيء منها أم لا في مقام الاستدلال.

وقد عرفت أن عمدة النصوص في مقام الاستناد للقول بالمهديـين هي رواية الوصية التي قدمنا ذكرها، ولذا سوف نقتصر في البحث عليها دون غيرها طلباً للاختصار.

وقد يستند إليها بدعوى دلالتها على أن هناك قائمين بالأمر من بعد الناحية المقدسة(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، وأن هؤلاء القوام من أولاده وذريته، وهم الذين سوف يقومون بالأمر من بعده، بل هم موجودون الآن قبل ظهوره الشريف، يقومون بعملية التمهيد لذلك اليوم المبارك، الذي يأذن الله تعالى فيه بظهور النور، وتحقق الأمل المنشود.

وبالجملة، إن المدعى دلالة رواية الوصية على وجود واسطة فعلاً اليوم بين الناحية المقدسة، وشيعته، وأنه أحد الأبناء للمولى(روحي له الفداء)، وعلى الناس اتباعه، والاستماع له.

ومن المعلوم أن البحث العلمي يستوجب دراسة الرواية المذكورة صدوراً وظهوراً، وهذا يعني إخضاعها لإحراز صدورها، من خلال دراسة سندها، ومن ثمّ العمد إلى ملاحظة مقدار ظهورها في الدلالة على ما أفاده المدعي في مقام الاستدلال بها على دعواه.

ولا مجال للقول بأن المستندين للرواية، لا يؤمنون بالدراسة السندية، إذ أنهم من القائلين بصدور كل النصوص المنسوبة للمعصومين(ع).

ولعمري أنه لا يمكن القول بهذه الكبرى بصورة كلية، بل لابد من تقيـيدها، وأظن أن المقيد لها كون الكتاب المتضمن للخبر من الكتب المعتمدة، أو المشهورة والمعروفة، فضلاً عن صحة نسبته لمؤلفه، وأنه لم يتعرض لتحريف بزيادة أو نقيصة.

وعلى أي حال، لا مجال للتوقف عن الدراسة السندية اعتماداً على مثل هذه الدعوى، ضرورة أن المستند للخبر المذكور يود الاستدلال به وجعله حجة علينا، ومن المعروف أن علمائنا من القائلين بلزوم إحراز صدور الخبر حتى يصح الاستناد إليه، فما لم يحرز صدوره، كان ذلك مانعاً من الاستناد إليه، بل حتى مشايخنا الإخباريـين القائلين بعدم الحاجة للملاحظة السندية، يقررون لزوم إحراز صدور النص، وهو متحقق متى كان الخبر موجوداً في مصدر توفرت فيه الشروط التي أشرنا لها قبل قليل. وعليه، فلابد من حصول الإحراز، وطريقنا إليه هو الملاحظة السندية أولاً.

وعند دراسة سند رواية الوصية نجد أنه من أضعف الأسناد اعتباراً، فقد اشتمل على مجموعة من المجاهيل، وهم:

1-علي ابن سنان الموصلي، وقد أعرض عن ذكره جملة من الرجاليـين مما يكشف عن جهالته عندهم، فهذا المحقق السيد التفرشي في كتابه نقد الرجال على سبيل المثال، لم يشر له من قريب أو بعيد.

وحتى من ذكره منهم لم يتعدَ ذكره إياه عن كونه مجهول الحال لديه، فلم يتعرض له بأكثر من عدّ اسمه ضمن الرواة، فلاحظ على سبيل المثال لا الحصر منتهى المقال للحائري[7].

هذا وقد يبنى على وثاقته استناداً لأحد أمور ثلاثة:

الأول: إنه من الشيعة ولم يرد في حقه قدح، فيبنى على اعتبار مروياته. وتقريب هذا الأمر إما بلحاظ الاستناد إلى أصالة العدالة المدعى نسبة القول بها للعلامة الحلي(ره)، أو للبناء على شمول دليل الحجية للخبر الحسن، وكل من كان شيعياً لم يرد فيه قدح ولا ذم، بني على كونه حسن الخبر، فيكون مشمولاً لدليل الحجية.

الثاني: رواية البزوفري الثقة عنه.

الثالث: استكشاف وثاقته من خلال النصوص التي رواها. فقد حكى شيخنا المجلسي(ره) عن إكمال الدين رواية مجيئهم من الجبل إلى أرض سر من رأى لتسليم الأموال، للوصي بعد الإمام العسكري(ع)[8].

ولا يخفى عدم صلوح شيء مما ذكر للحكم بوثاقته، ذلك أن أول الأمور مبني على احراز كونه شيعياً، وهذا لم يثبت، فقد ورد توصيفه بكونه العدل، وقد أشير في كلمات الأعلام أن هذا مما يوصف به العامة من مشائخ شيخنا الصدوق (ره)، فقد ذكر الإمام السيد الخوئي(ره) بأن هذا الوصف يطلق على من كان من مشائخ الصدوق من العامة[9]. ومثل ذلك جاء عن المحقق التستري(قده) في القاموس، فلاحظ[10].

ولقد أجادا في ما أفادا، ويشهد لما ذكراه-من باب المثال لا الحصر-ما جاء في ترجمة الحسين بن محمد الأشناني الرازي، فقد ورد توصيف الصدوق(ره) إياه بالعدل، وقد عقب السيد البروجردي(ره) على ذلك بقوله: ولعل مراده من العدل في المقام كونه امامياً صحيح العقيدة، والظاهر أنه أراد المعنى المتعارف، فتأمل[11].

وقد يتوهم من ليس له دراية بعلم الدراية والرجال، أن التعبير المذكور كاشف عن كونه إمامياً، بل قد يستشهد بالعبارة التي حكينا، ولكن يفوت أمثال هؤلاء أن ذيل عبارة السيد المذكور شاهد حق على بطلان تلك الدعوى، فإن مقتضى تعبيره: والظاهر أنه أراد المعنى المتعارف، يكشف عن كون المقصود من كلمة(العدل) ليس المعنى الذي استظهره فإنه لو كان المقصود منها ما استظهره، لم يكن وجه لأن يشير إلى كون المقصود من قوله العدل المعنى المتعارف، ضرورة أن ما أفاده إن كان هو المعنى المتعارف فلماذا يشير إلى ذلك؟!

بل الظاهر أن الذي استظهره من المعنى يخالف المعنى المتعارف، ولما كان ما استظهره هو العدالة الخاصة، كان المعنى المتعارف هو ما أفاده العلمان الجليلان، الإمام الخوئي، والمحقق التستري(قده)، والأمثلة لهذا كثيرة.

على أننا لو سلمنا بكونه خاصياً، فإن أقصى ما يستفاد منه عدالة الرجل، وليس وثاقته، وأين هذا مما نحن فيه، إذ أن المطلوب في علم الحديث هو الوثاقة، وليس المطلوب العدالة كما لا يخفى. على أنه لم يثبت ذلك.

ولا مجال لأن يقال: بأن الرجل لما كان مذكوراً في كلمات أهل الرجال، من دون ذمه كشف ذلك عن حسن حاله، كما يقال ذلك في إبراهيم بن هاشم القمي مثلاً.

قلت: إن الحكم بكونه حسن الحال كما في إبراهيم بن هاشم رهين كونه مذكوراً في كلمات الرجاليـين، مع أنك قد عرفت عدم وجود ذكر له فيها، فتدبر.

وأما التوثيق اعتماداً على أصالة العدالة، فبعيداً عن عدم ثبوت النسبة، فإنه لم ينهض دليل يمكن الركون إليه في البناء على حجية خبر العدل، بل الدليل قائم إما على حجية خبر الثقة، أو على الخبر الموثوق بصدوره، فلاحظ.

وأما الثاني، فإنه يتوقف على احراز كون البزوفري ممن عرف بأنه لا يروي إلا عن خصوص الثقات، كما قيل ذلك في شأن ابن أبي عمير وأخويه، وفي شأن جعفر بن بشير، وهذا يستوجب وجود شهادة من أحد الرجاليـين كالنجاشي مثلاً، أو الشيخ، أو ابن الغضائري بذلك، وبالرجوع لكلمات أهل الرجال لا نجد لذلك عيناً ولا أثراً، مما يعني أنه لم يعهد أن البزوفري لا يروي إلا عن الثقة، ومجرد كونه ثقة لا يعني روايته عن الثقات دائماً، بل إن الخبير بعلم الرجال، والمتتبع لأحوالهم يجد جملة من أجلاء الأصحاب، وهم الأعلى شأناً من البزوفري، وأرفع مرتبة قد عرفوا بأنهم يروون عن الضعفاء، بل قد تعرض بعضهم لرفض مروياته لكونه ممن يروي عن الضعفاء كما يروي عن الثقات، فلاحظ.

وأما الثالث، فإن مجرد استكشاف حسن حال الراوي من النص، لا يعدو كونه أمراً حدسياً لا يمكن الركون إليه في مقام إثبات الوثاقة، لما تقرر في محله من أن الموجب للحجية في قول الرجالي كون الشهادة الصادرة عن حس، وليست عن حدس، فتدبر.

على أنه ليس كل مخالف لا يعني أنه يروي شيئاً من أسرار أهل بيت العصمة والطهارة، فلتقرأ ترجمة السكوني، وأضرابه ممن عرف بالخلاف، إلا أنهم كانوا من الملتـزمين بالأئمة(ع).

ومنه تعرف أن صدور الحكم بصحة سند وقع فيه من قبل الشيخ الكجوري، لا يوجب الحكم بوثاقته، فلاحظ.

2-أحمد بن محمد بن الخليل، وهو لم يذكر في شيء من المصادر الرجالية، لا القدمائية، ولا المتأخرة، ولا متأخري المتأخرة منها. نعم قد يحاول البناء على وثاقته استناداً لأحد طريقين:

الأول: ما صدر عن الشيخ الكجوري، كما حكي ذلك عنه في كتابه الخصائص الفاطمية من حكمٍ بصحة سند هو في طريقه.

الثاني: أن المستفاد من التأمل في النصوص التي يرويها حسن حاله، لو لم يكن وثاقته.

وقد عرفت عدم تمامية كلا الوجهين، في الحديث عن الموصلي، فلا موجب للإعادة.

3-جعفر بن أحمد البصري، ولا يختلف الحال عن سابقه، فإنهما سواء. وما يقال من الحكم بوثاقته استناداً للتأمل في النصوص التي يرويها، تارة، ولكونه قد صدر فيه ذموم من العامة، ورمي في كلماتهم بكونه رافضياً، لا يصلح للبناء على الوثاقة لما عرفت، فلاحظ.

4-الحسين بن علي، والظاهر أنه المصري أبو عبد الله بقرينة جعفر بن أحمد، وقد يحكم بوثاقته لما جاء عن النجاشي(ره) من قوله: متكلم، ثقة، سكن مصر…ألخ.

ولا ريب في صراحة العبارة المذكورة في الوثاقة، إلا أن المانع من الأخذ بها ما جاء في كلام العلامة(ره) من حكايته لقول النجاشي(قده): فقيه متكلم، سكن مصر[12].

ولا يخفى أن هناك تقارباً في النسخ بين كلمة فقيه، وكلمة ثقة، مما يعني وجود تصحيف في المقام، فإما أن يكون التصحيف في نسخة النجاشي الواصلة للعلامة الحلي(ره)، أو يكون التصحيف في النسخة الواصلة إلينا، ولا ريب في البناء على ترجيح نسخة العلامة(ره) على النسخة الواصلة إلينا، لما جاء في مقدمة الخلاصة، من أنه لا ينقل إلا عين ألفاظ الأعلام، فلاحظ.

5-والد الحسين، وهو علي بن بيان، وليس له ذكر في كتب الرجال، وقد يدعى وثاقته إما لكونه من أصحاب أبي عبد الله الصادق(ع)، وقد حكم بوثاقة جميع أصحابه إلا من ورد في حقه تضعيف، أو لحسن مروياته، أو لكونه أحد رواة الوصية محل البحث، وقد بني على تشيعهم جميعاً.

ولا يصلح شيء مما ذكر لإثبات الوثاقة، فقد قرر في محله أن مجرد كون الرجل من أصحاب أبي عبد الله(ع) لا يوجب البناء على وثاقته، كما أن كونه أحد رواة الوصية لا يثبت وثاقته، لأن المدعى كونه شيعياً، وعلى فرض الثبوت فإن أقصى ما عرفت دلالة ذلك على العدالة، مع أنه قد نص في كلمات الأعلام أن المعتبر في الرواة هو الوثاقة، وليس العدالة، فلاحظ.

هذا ولا يذهب عليك أن جملة مما قدم ذكره في محاولة تصحيح هذا السند العليل، تعتمد على أصالة العدالة، والتي أدعي نسبتها للعلامة الحلي(ره)، وأنه قال بوثاقة كل من ثبت كونه شيعياً، ولو رفعنا اليد عن تمامية النسبة، فإنه لا يمكن ترتيب الأثر عليها، لما هو الثابت أن المعيار على الوثاقة، وليس على مجرد العدالة، إذ من الممكن أن يكون الشخص عدلاً، ولا يكون ثقة في الحديث، لأن النسبة بينهما نسبة العموم من وجه، كما هو واضح.

على أن للحديث في أصل ثبوت النسبة للعلامة مجالاً واسعاً، ليس هذا محل ذكره، فليطلب من محله.

ثم إنه لو رفعت اليد عما تقدم ذكره من عدم وثاقة من ذكر، فإن الطريق للبزوفري يمر بأحمد بن عبدون، وليس له توثيق خاص، بل ينحصر توثيقه في تمامية كبرى وثاقة جميع مشائخ النجاشي، ولا ريب أن هذا على المبنى، فمن لم يبن على تماميتها، فلن يحكم بصحة الطريق، فتدبر.

بقي التنبيه إلى شبهة قد تعرض على فكر من لا يملك معرفة بالأًصول المتبعة في البحث الرجالي، فيتصور أن البناء على توثيق المتأخرين من أضراب العلامة الحلي، وابن داود، بل من كان قريباً من عصرنا كالشيخ النمازي مثلاً وأضرابهم(ره)، أولى بالقبول، وأجدر بالاعتماد، لأنهم قد أحاطوا بكتب القدماء، وعمدوا إلى المقارنة بينها، ومن ثمّ أعطوا رأياً وقراراً في شأن الرواة.

فإن الأمر ليس كما تصور، لأن المدار في حجية قول الرجالي على الشهادة، ونعني بها الشهادة الحسية، والتي تكون كابراً عن كابر، وهذا لا يتوفر في المتأخرين، فضلاً عن متأخري المتأخرين، ذلك أن الصادر منهم ليس إلا أموراً حدسية، لا يمكن التعويل عليها، فلا تنطلي عليك هذه الشبهة، فتدبر ولا تغفل.

هذا وقد يقال: بأن طريق إحراز الصدور لخبر ما لا ينحصر في اعتبار سنده، إذ يمكن أن يحرز صدوره من خلال تضمنه جملة من القرائن الداخلية، أو احتفافه بمجموعة من القرائن الخارجية التي توجب الوثوق والاطمئنان بصدوره، وخبر الوصية كذلك، فإن هناك جملة من القرائن الداخلية والخارجية الحافة به توجب الوثوق بصدوره، وتلك القرائن هي:

الأولى: موافقتها للقرآن الكريم، لقوله تعالى:- (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين)[13]، فإن المستفاد من الآية الشريفة وجوب الوصية عند الاحتضار، ولا ريب في أن النبي الأكرم(ص) لن يكون مخالفاً لهذا الأمر الإلهي، ولا يوجد عندنا وصية له(ص)سوى الرواية محل البحث، فيثبت المطلوب. كما يشهد لها منه أيضاً قوله تعالى:- (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم)[14]، وهذا ما فعله النبي الكريم(ص)، فقد أشهد على وصيته لأمير المؤمنين(ع)، والأئمة من بعده(ع)، سلمان الفارسي، وأبا ذر الغفاري، والمقداد(رض).

أقول: إن القرينة المذكورة تعتمد على تشكيل قياس منطقي من الشكل الأول، كبراه، إن كل خبر وافق الكتاب، كان ذلك أمارة صدوره عن المعصوم(ع)، وصغراه إن الخبر محل البحث قد وافق الكتاب، فيكون ذلك علامة الصدور، فلاحظ.

الثانية: مصدر الخبر، وهو كتاب الغيبة لشيخ الطائفة(ره)، فإنه من الكتب المعتمد عليها، وقد تضمنت كلمات الأعلام عدّه كذلك، فهذا الشيخ الحر(ره) يشير إلى ذلك في خاتمة وسائله، فلاحظ.

الثالثة: موافقتها للنصوص المتواترة، التي تضمنت ذكر الذرية والعقب لصاحب الناحية المقدسة.

الرابعة: فقدان الدليل المعارض لخبر الوصية.

الخامسة: عدم ورود احتمال التقية فيها، إذ أن اشتمالها على ذكر أسماء الأئمة المعصومين(ع)، وأنهم الخلفاء بعد رسول الله(ص) يكشف عن عدم تصور التقية فيها.

السادسة: مخالفة الوصية لعقائد أبناء العامة القائمة على تنحية أمير المؤمنين(ع) والأئمة(ع) عن المنصب الذي جعلهم الله سبحانه وتعالى فيه.

أقول: لا تختلف القرينة السادسة عن الخامسة، فإنها تؤولان حقيقة، ولا أقل لباً إلى شيء واحد، فعدهما قرينتين خلاف الصناعة، كما هو واضح جداً، إذ أن مقتضى مخالفتها لعقائد أبناء العامة، كاشف عن تمامية أصالة الجهة فيها، المانع من احتمال التقية فيها.

السابعة: استناد غير واحد من كبار علماء الطائفة إليها، كالشيخ الطوسي في كتابه الغيبة، والمحدث النوري في كتابه النجم الثاقب، والشهيد الصدر الثاني(ره)، وغيرهم.

أقول: إنما يصح الاستناد للقرينة المذكورة، حال تغاير المصادر المنقول عنها، أما لو كان المصدر للجميع واحداً، فإنه لا يفيد التعدد، وهذا نظير ما يذكرونه في الشياع في الفقه، فلاحظ.

وعليه، لن تصلح القرينة المذكورة لإثبات المدعى، ضرورة أن جميع النقولات تستند إلى ما جاء في كتاب الغيبة لشيخ الطائفة(ره)، فتدبر.

الثامنة: ما تحقق من الرؤى لغير واحد من الناس للنبي الأكرم(ص)، وغيره من أهل بيته(ع)، في الإشارة إلى وجود اليماني الموعود، وأنه ابن الإمام المنتظر(عج).

أقول: إن الحديث عن هذه القرينة، يستدعي البحث عن مسألة الرؤيا للمعصوم(ع)، ومدى دلالتها وإمكانية الاستناد إليها، وترتيب الأثر عليها، سوف نوكل ذلك لبحث مستقل إن شاء الله إذا ساعدت الحياة.

وكيف كان، فهذا هو الذي عبرنا عنه قبل قليل بالطريق الثاني الذي يمكن تصحيح خبر الوصية من خلاله.

وعلى أي حال، إن التأمل في القرائن المذكورة لتحصيل الوثوق بصدور نص الوصية محل البحث، مانع من ترتبه. بيان ذلك:

أما القرينة الأولى، وهي موافقة الخبر للكتاب العزيز، فإن الكبرى تامة لا غبار فيها، خصوصاً وأنها مستفادة من نصوص العرض التي يتميز بها أبناء الطائفة المحقة(أعلى الله كلمتهم وأنار برهانهم)، حيث جعل ذلك أحد الأسباب الموجبة لقبول الخبر، إلا أن الكلام في تحديد المقصود من الموافقة، فهل يقصد منها موافقة أي فقرة من فقرات الحديث للكتاب توجب جعله صغرى للقاعدة المذكورة، أم أن المقصود موافقة المقطع الذي يراد الاستناد إليه والاستدلال به للكتاب، ليكون المقطع المذكور صغرى للكبرى المذكورة؟

لا يخفى على أهل الفن أن المقصود هو المعنى الثاني، وهذا يعني أنه لو وجد عندنا خبر من الأخبار، وقد تضمن الموافقة للكتاب في مضمونه إلا أن محل الاستشهاد كان غير موافق للكتاب نصاً ولا ظهوراً، فلن يكون ذلك موجباً للوثوق بصدور الخبر في هذا المقطع بحجة أنه موافق للكتاب.

ولا يخفى أن المقام من هذا القبيل، فإنه لا ينكر أن مضمون الوصية في حد نفسه مما أشير له في القرآن الكريم، وليس البحث في هذا الجانب، فإن ذلك لا ينكره مسلم، وإنما الكلام في أن ما تضمنه خبر الوصية من وجود المهديـين، هل يوافق الكتاب العزيز، ليكون ذلك قرينة على إحراز صدوره، والوثوق به، إن إثبات ذلك دونه خرط القتاد.

على أنه لو كان المقصود من الحجية مجرد موافقة أي جزء من مقاطع الخبر للقرآن الكريم، لم يحتج علماؤنا(رض) في مقام إثبات وجوب الخمس في أرباح المكاسب-احتجاجاً على المخالفين-إلى إثبات سعة مفهوم الغنيمة الوارد في قوله تعالى:- (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القرى واليتامى والمساكين وابن السبيل)[15]، حيث كان يكفيهم القول بموافقة النصوص الدالة على الوجوب فيه للآية الشريفة في وجوب الخمس، كما هو واضح، مع أننا لا نجد ذلك منهم.

وكذلك في مقام إثبات الإمامة لأمير المؤمنين(ع)، حيث كان يكفيهم إلزام المخالف بأن النصوص التي دلت على إمامة أمير المؤمنين(ع)، موافقة لمثل قوله تعالى:- (إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين)[16]، فإن الآية تضمنت الحديث عن مسألة الإمامة، والنصوص المتحدثة عن إمامة أمير المؤمنين(ع) تتحدث عنها أيضاً، فتكون النصوص موافقة لها، فيكون ذلك سبباً للقطع بصدورها، وليس للمخالف الإنكار حينئذٍ، فضلاً عن الخدشة في سندها، ومثل ذلك الحديث في آية الولاية، فتدبر.

ثم إن هذا الذي ذكرناه كله، بعد الفراغ والتسليم بكون آيات الوصية التي أريد جعلها قرينة على الموافقة لإحراز الصدور في مقام البيان، أما لو بني خصوصاً في اولى الآيات بأنها ليست في مقام البيان أساساً، بل هي ناظرة إلى أصل التشريع، والجعل، فلا ريب أنه لن يصح الاستناد إليها لإثبات الصدور كما لا يخفى، وأمثلة ذلك في الفقه كثيرة، لا تخفى على أهل الفن والاختصاص. بل يمكن رفع اليد عن صلوح ما ذكر للقرينية حتى مع التسليم بكونها في مقام البيان، لكنها ليست في مقام البيان من هذه الجهة، حيث أن النظر فيها لبيان شيء آخر، إما الإشارة إلى اعتبار الاشهاد مثلاً، أو غير ذلك، وأين هذا مما نحن فيه، فلا تغفل.

وأما القرينة الثانية، فما ذكر من كون كتاب الغيبة لشيخ الطائفة(ره) من الكتب المعتمدة، والتي عول عليها الأصحاب، لا إشكال فيه، إلا أن ذلك لا يوجب الجزم بصدور جميع ما وقع فيه عن المعصوم(ع)، ويشهد لما ذكرنا أنه مع شهادة الشيخ الصدوق(ره) بأنه لا يذكر في كتابه الفقيه إلا ما يفتي به وهو حجة بينه وبين ربه، إلا أننا نجد أن شيخ الطائفة(ره) قد خالفه في كتابيه التهذيب والاستبصار، مع أنه لا يقول أحد بكون كتاب الفقيه غير معتمد، بل إنه لا تشكيك لأحد في عظمة كتاب الكافي لشيخنا الكليني عند الطائفة، وأنه من الكتب التي عول عليها كثيراً خصوصاً عندما يلتفت إلى كيفية تأليف الشيخ الكليني(ره) له، إلا أننا نجد أن الصدوق(رض) لم يعول عليه، وعمد إلى تأليف كتابه الفقيه، حتى أنه لم ينقل في كتابه إلا رواية واحدة منه، أفهل يدل ذلك على عدم الاعتماد، أو عدم الاعتبار؟!

وبالجملة، إن مجرد كون الكتاب أحد المصادر المعتمدة، لا يوجب الوثوق والجزم بكل ما وقع فيه من نصوص، خصوصاً وأن الأمر يرتبط بالجانب الاجتهادي، فربما خبر يحصل الوثوق به عند شخص، لا يتحقق ذلك الوثوق لشخص آخر، فتدبر.

وأما الاستناد لما صدر من الأعلام(ره) في شأن كتاب الغيبة، وما قيل فيه من كلمات، فقد عرفت جوابه من خلال التنظير بالكتب الأربعة المعروفة بين أصحابنا قبل قليل. على أن شيخ الوسائل الشيخ الحر(ره)، هو من رمى رواية الوصية بكونها منقولة من مصادر العامة، مما يعني أنه لا يبني على كون جميع ما وقع في كتاب الغيبة بكونه معتبراً، فلا يكون مقصوده من الاعتبار لما جاء فيه، إلا خصوص ما حفته القرائن الموجبة لتحصيل الوثوق بصدوره، فلاحظ.

وأما القرينة الثالثة، فضعفها واضح، فإن النصوص المشار إليها لا تبلغ حد التواتر، على أن جملة منها غير محرزة الصدور عن الإمام المعصوم(ع)، فلاحظ مثلاً خبر الضراب.

وأما القرينة الرابعة، فلا ريب في كون رواية الوصية معارضة للنصوص التي تضمنت أن آخر شوط من الحياة هو عهد ظهور صاحب الناحية المقدسة(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، وظهور المسيح عيسى بن مريم(ع).

وأما القرينة الخامسة، فضعفها واضح، فإنها موافقة للتقية في عدم ثبوت الرجعة، إذ أن البناء على وجود مهديـين بعد الناحية المقدسة يقومون بالحكم بعده، يخالف النصوص المتواترة عندنا، والتي تضمنت أن الحكم من بعده(بأبي وأمي) يكون للإمام الحسين(ع)، في وقت الرجعة، ومنه يتضح أيضاً الخلل في القرينة السادسة، لأنه وفقاً لما ذكرنا سوف تكون الوصية موافقة لمعتقدات العامة القائلين بعدم ثبوت الرجعة، فتدبر.

وأما القرينة السابعة، إنه لابد من تحديد موجب استناد العلماء لها، فإنه قد يكون استنادهم إليها إلزاماً للخصم، ولا يعني الجزم منهم بصدورها، كما أنه قد يكون استنادهم إليها تمسكاً بمقطع من مقاطعها، كما في شيخ الطائفة(ره) فإنه إنما نقلها من أجل الاستدلال بها على إمامة الأئمة الاثني عشر(ع)، وهذا لا يكشف عن البناء على صدورها بأكملها لما عرف بين الأصحاب من التقطيع، والبناء على التفكيك في الحجية، كما أنه لو سلم الاستدلال بالمقطع المذكور في كلماتهم، فلعل ذلك مبني على تأويلهم إياه بما يكون موافقاً للنصوص الأخرى، وهذا لا ينفع لعدّه قرينة لإثبات أمرٍ هم لا يلتـزمون به.

مع أنه كما أستند إليها جملة من الأصحاب، فهناك من وهنها ورماها بالضعف، فهذا الشيخ الحر(ره)يقول في شأنها: ولا يخفى أن الحديث المنقول أولاً في كتاب الغيبة من طرق العامة، فلا حجة فيه في هذا المعنى، وأما هو حجة في النص على الاثني عشر، لموافقته لروايات الخاصة، وقد ذكر الشيخ بعده وبعد عدة أحاديث أنه من روايات العامة[17].

وقد عبر عنها علي بن يونس العاملي في كتابه الصراط المستقيم بالشاذة والمخالفة للروايات الصحيحة[18].

ولم يبق عندنا إلا القرينة الثامنة، وهي مع سقمها وضعفها، إلا أنك قد سمعت منا في ما تقدم، إفراد موضوعها وهو الرؤية في بحث مستقل، فعليه لن يكون هناك معنى للحديث عنها. على أنه يكفي للتوقف في المنع منها المناقشة في الصغرى، وليس في الكبرى، إذ قد يلتـزم بثبوت الرؤى، إلا أن الكلام، في كيفية إحراز أن المرئي هو المعصوم(ع)، وليس شيطاناً، فتدبر.

مصدرها كتاب البزوفري:

هذا وقد يعمد إلى الحكم باعتبار الخبر المذكور من خلال طريق ثالث، حاصله: إن الشيخ(ره) قد أخذ الرواية من كتاب الحسين بن علي بن سفيان البزوفري، وهو من الثقات، وكتابه معتمد، وذلك لما ذكره الحر العاملي(ره) من أنه يبتدأ في سند الروايات بذكر المصنف الذي أخذ الخبر من كتابه. وللشيخ طريق إلى كتابه قد نقله عنه الشيخ الحر العاملي في خاتمة الوسائل.

وبكلمة أخرى، إن هذا التقريب مبني على تشكيل قياس منطقي من الشكل الأول، كبراه: إن كل من ابتدأ الشيخ الطوسي(ره) باسمه في الرواية، فهذا يعني أن مصدرها الذي نقل الرواية منه هو كتاب ذلك المبتدأ باسمه. وصغراه، لما كان الابتداء في رواية الوصية بالبزوفري، فهذا يعني أن مصدرها هو كتابه.

وبالجملة، إن هذا دليل صريح على صحة رواية الوصية حينئذٍ، وتماميتها سنداً، كما لا يخفى.

ولا يذهب عليك أن هذه الدعوى تشتمل أمرين:

الأولى: القول بأن جميع من ابتدأ الشيخ(ره) باسمه في النصوص، فقد نقل الرواية من كتابه.

الثاني: أن مصدر رواية الوصية التي نقل الشيخ(ره) منه هو كتاب البزوفري.

ولا ريب في عدم صلوح هذا الطريق أيضاً لتصحيح الخبر المذكور، إذ يلاحظ عليه:

أولاً: إن تمامية هذا الوجه تعتمد على أن يكون المبتدأ بذكره في السند هو البزوفري، لا أن يكون قد ابتدأ السند بذكر آخرين سواه، فلو كان المبتدأ به هو البزوفري كان للتقريب المذكور مجال، أما لو كان الابتداء بغيره فلا مجال له، وعند جعل سند الوصية صغرى لهذه الكبرى، نجد أن شيخ الطائفة(ره) قد ابتدأ السند بقوله: جماعة، وهذا يعني أنه لم يبتدأ السند بالبزوفري، فلن يكون الخبر منقولاً من كتابه، فتدبر.

ثانياً: إنه بعد رفع اليد عما قدمنا، يلزم احراز استمرارية شيخ الطائفة(ره) على ما ذكره في كافة الموارد، وعدم إعراضه عن ذلك، مع أن التتبع في كتاب التهذيب، يكشف عن خلاف ذلك، فقد ذكر بعض أساطين العصر من المحققين(أطال الله في بقائه) :

إنه ربما يتصور-ولعله التصور السائد-إن جميع من يكون للشيخ طرق إليهم في المشيخة إنما يروي الأحاديث المبدوءة بأسمائهم في التهذيبين من كتبهم مباشرة-ولعل الأصل في هذا التصور هو عبارة الشيخ نفسه في مقدمة المشيخة-ولكن هذا غير صحيح، بل التحقيق أن رجال المشيخة على ثلاثة أقسام:

الأول: من أخذ الشيخ جميع ما ابتدأ فيه باسمه من كتابه مباشرة، وهم أكثر رجال المشيخة كمحمد بن الحسن الصفار، ومحمد بن الحسن(بن) الوليد، وعلي بن الحسن بن فضال وغيرهم.

الثاني: من أخذ الشيخ جميع ما ابتدأ فيه باسمه من كتابه مع الواسطة، وهو بعض مشائخ الكليني ومشائخ مشائخه كالحسين بن محمد الأشعري، وسهل بن زياد، فهؤلاء إنما ينقل الشيخ رواياتهم بواسطة الكافي.

الثالث: من أخذ الشيخ بعض ما ابتدأ فيه باسمه من كتابه مباشرة وبعضه الآخر من كتبه مع الواسطة، وهم جماعة منهم خمسة ذكرهم الشيخ تارة مستقلاً بصيغة: وما ذكرته عن فلان….، وأخرى تبعاً في ذيل اسانيده إلى آخرين بصيغة: ومن جملة ما ذكرته عن فلان….، وهؤلاء هم الحسن بن محبوب، والحسين بن سعيد، وأحمد بن محمد بن عيسى، والفضل بن شاذان، وأحمد بن محمد بن خالد البرقي، فإن هؤلاء نقل الشيخ من كتبهم بلا واسطة، ولكن نقل عنهم أيضاً بتوسط غيرهم ممن ذكرهم بعد إيراد اسانيده إليهم، فالبرقي-مثلاً-ذكره الشيخ مرتين: تارة بعد ذكر اسانيده إلى الكليني بقوله: ومن جملة ما ذكرته عن أحمد بن محمد بن خالد، ما رويته بهذه الأسانيد، عن محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد. وذكره مرة أخرى مستقلاً بقوله: وأما ما ذكرته عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، فقد أخبرني…[19].

ومقتضى ما أفاده(دامت أيام بركاته)، أنه لا مجال للحكم بكون الخبر منقولاً من كتاب المبتدأ باسمه بمجرد كون شيخ الطائفة(ره) قد ابتدأ بذكر اسمه، فلاحظ.

ويشهد لما ذكر من أن ابتداء الشيخ(ره) في التهذيب باسم شخص لا يعني أخذه للخبر من كتابه، ابتدائه بأسماء عشرات الأشخاص في موارد قليلة، وكثير من هؤلاء لم يذكر لهم كتاباً في الفهرست، كإبراهيم بن مهزيار وأحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وزيد بن الجهم الهلالي، وعبد الله بن سيابة، وعلي بن السندي، ومحمد بن زيد الطبري، ويعقوب بن عثيم، وغيرهم ممن يمكن استقصاؤهم بسهولة بمراجعة كتاب ترتيب أسانيد التهذيب للسيد العلامة البروجردي(رض)[20].

ثالثاً: إنه بعد التسليم بكون المبتدأ به السند هو البزوفري، ليكون سند الوصية صغرى لهذه الكبرى، فإنه يلزم جريان الكبرى المذكورة، أعني أن كل من ابتدأ الشيخ(ره) بالنقل عنه، كان ذلك كاشفاً عن كون مصدر الخبر هو كتابه، في كافة كتب شيخ الطائفة(ره)، وعدم اختصاصها بالتهذيـبين، وأنى لمدعٍ أن يثبت ذلك، فإن التصريح الصادر من شيخ الطائفة(ره)، ينحصر في خصوص التهذيبين، ولا يجري في غيرهما، فكيف يمكن إسراء ذلك لبقية كتبه، قال(ره) في بداية مشيخة التهذيب: كنا شرطنا في أول هذا الكتاب أن نقتصر على إيراد شرح ما تضمنته الرسالة المقنعة وأن نذكر مسألة مسألة……ثم رأينا أنه يخرج بهذا البسط عن الغرض ويكون مع هذا الكتاب مبتوراً غير مستوفى….واقتصرنا من إيراد الخبر على الابتداء بذكر المصنف الذي أخذنا الخبر من كتابه أو صاحب الأصل الذي أخذنا الحديث من أصله[21].

وعبارته صريحة في أن المنهج المذكور مختص بكتاب التهذيب، وأنه ألتـزم بذلك لغاية أشار إليها، ويعرف ذلك من أجرى مقارنة بين منهج المشايخ الثلاثة(ره) في كتبهم الأربعة في كيفية التعاطي مع النصوص.

وقد نقل هذا عنه أيضاً الشيخ الحر العاملي(ره) في خاتمة الوسائل في الفائدة الثانية قال: في ذكر طرق الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي(رض) وأسانيده التي حذفها في كتاب التهذيب والاستبصار ثم أوردها في آخر الكتابين-إلى أن قال-فقد صرح بأنه ابتدأ كل حديث باسم المصنف الذي أخذ الحديث من كتابه أو صاحب الأصل الذي نقل الحديث من أصله[22].

فكيف بعد هذا يطبق ما ذكر في شأن التهذيبين، في غيرهما من الكتب، من دون وجود ما يدل على ذلك، أو يشير إليه، فتدبر.

تأمل مهم جداً:

ثم إنه لو رفعنا اليد عن جميع ما قدمنا ذكره من المناقشة السندية، فإنه لم يتضح لي الوجه في عدم ذكر الشيخ الكليني(ره)، ومن جاء بعده كالشيخ الصدوق(ره)، أو الشيخ المفيد، والسيد المرتضى(قده) لهذا النص، في شيء من كتبهم، مع أنهم قد نقلوا الكثير من الأمور ذات الارتباط بالنص على إمامة الأئمة المعصومين(ع)، وكثير مما يرتبط بالصاحب(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، ولا يخفى أن عدم نقل هؤلاء الأعيان، يوجب الريب في النص المذكور، وبالتالي التشكيك في إحراز صدوره عن المعصوم(ع)، وقد أمرنا في مقبولة عمر بن حنظلة، بترك ما يريب، فتدبر.

دراسة متن خبر الوصية:

ثم إنه بعد الفراغ عن الدراسة السندية للخبر المذكور، وأنه لا طريق لإحراز صدوره، سواء بني على مسلك الوثاقة، أم كان المنهج المتبع في الاعتبار هو الوثوق بالصدور، لابد من ملاحظة ظهوره في الدلالة المدعى استفادتها منه.

ولا يذهب عليك أن طريق ذلك يكون بداية بإحراز متنه، بمعنى أن لا يكون في البين اختلاف في المصادر الحديثية الناقلة للخبر، إذ لو كان بينها اختلاف من حيث الزيادة والنقيصة مثلاً، أو تغاير في الألفاظ كان ذلك مانعاً من البناء على تمامية الدلالة في المدعى.

وهذا ما لا يتوفر في النص المدعى، ضرورة أن الموجود في احتجاج أمير المؤمنين(ع) على طلحة بنص وصية رسول الله(ص) ليلة وفاته، فإنه لم يتضمن ذكراً للمهديـين أصلاً، وإنما اقتصر على ذكر خصوص الأئمة الهداة الراشدين(ع)، فقد جاء فيه: يا طلحة، ألست قد شهدت سول الله(ص) حين دعا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضل الأمة ولا تختلف، فقال صاحبك ما قال: إن نبي الله يهجر! فغضب رسول الله(ص) ثم تركها؟ قال: بلى، قد شهدت ذاك.

قال: فإنكم لما خرجتم أخبرني بذلك رسول الله(ص) وبالذي أراد أن يكتب فيها وأن يشهد عليها العامة، فأخبره جبرئيل: أن الله عز وجل قد علم من الأمة الاختلاف والفرقة، ثم دعا بصحيفة فأملى عليّ ما أراد أن يكتب في الكتف وأشهد على ذلك ثلاثة رهط: سلمان وأبا ذر والمقداد، وسمى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم إلى يوم القيامة. فسماني أولهم، ثم ابني هذا-وأدنى بيده إلى الحسن-ثم الحسين ثم تسعة من ولد ابني هذا-يعني الحسين-كذلك كان يا أبا ذر وأنت يا مقداد؟ فقاموا وقالوا: نشهد بذلك على رسول الله(ص)[23].

وهذا يعني أنه سوف يكون المقام من صغريات الدوران بين عدم الزيادة في رواية الغيبة، وعدم النقيصة في رواية سليم، وهذا يستدعي إما البناء على جريان أصالة عدم الزيادة، فتقدم رواية الغيبة، أو جريان أصالة عدم النقيصة، فيكون التقديم لرواية سليم، أو الحكم بالتساقط، لأن كلا الأًصلين، أصل عقلائي، ومع التعارض بينهما يعمد العقلاء إلى تساقطهما، فسوف تكون النتيجة هي البناء على رفع اليد عن رواية الوصية. نعم قد يدعى أنه ترفع اليد عن الزيادة ويقتصر فقط على خصوص القدر المتيقن منها، وهو ما كان متوافقاً بين المصدرين، فتأمل.

على أنه يمكن القول بأن منشأ عدم وجود المقطع الأخير من الخبر في كتاب سليم لكونه مخالفاً للعقائد الحقة من أن الأئمة أثنا عشر اماماً، فتأمل جيداً.

وقد حكاه الشيخ النعماني في غيبته أيضاً عن كتاب سليم بن قيس كما نقلناه عنه من دون وجود زيادة المهديـين، فتدبر.

ثم إنه لو بني على الالتـزام بوجود المقطع المذكور في الخبر محل البحث، فيلزم تحديد مرجع الضمير الذي تضمنه لوضوح دلالته، فقد جاء فيه: ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المهديـين، له ثلاثة أسامي اسم كاسمي، واسم أبي، وهو عبد الله، وأحمد والاسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنين[24]. حيث يوجد في ذلك احتمالان:

أحدهما: أن يكون الضمير عائداً على النبي الأكرم محمد(ص).

ثانيهما: أن يكون الضمير عائداً إلى صاحب الناحية المقدسة(روحي لتراب حافر جواده الفداء).

وقد يتمسك بالثاني على أساس أنه الأقرب للضمير، وقد تقرر في النحو عود الضمير للأقرب إليه. وهذا وإن كان على وفق القواعد إلا أنه لا ينفي الاحتمال الأول، ضرورة أن التأمل في الخبر المذكور يفيد أنه منقول بالمعنى، وليس منقولاً باللفظ، ومن الطبيعي جداً أن من لوازم النقل بالمعنى حصول جملة من الاغتشاش في الضمائر، ويساعد على ما ذكرنا ملاحظة ذيل الخبر، إذ نجد أنه قد تضمن وجود ثلاثة أسامي له، إلا أنها عند النظر فيها يلحظ كونها أربعة، وليست ثلاثة.

ثم إن هذا الذي جاء في الذيل من وجود أسماء ثلاثة له، هل يعود لصاحب الناحية المقدسة(روحي له الفداء)، أم أنه يعود إلى الأول من المهديـين؟ احتمالان: قد يمنع من عوده إلى صاحب الناحية المقدسة، ما تضمنه النص من أن أسم أبيه هو اسم أبي، يعني(عبد الله)، وهذا التعبير يؤكد ما ذكرناه من الاضطراب في متن النص، إذ أن هذا التعبير موافق لما جاء في كتب العامة، مما يتأكد الاغتشاش والاضطراب، على أن الحق كون مصدر الخبر هو كتب القوم، وليس الخبر منقولاً من مصادرنا الحديثية، كما هو واضح.

ولا مجال لتوهم أن قوله: اسم كاسمي، واسم أبي، عبد الله، تعني أن اسمي وأسم أبي هو عبد الله، واسم أول المهديـين هو عبد الله ايضاً، فتكون الأسماء في الخبر ثلاثة، وليست أربعة.

لأنه فضلاً عن كونه خلاف الظاهر جداً، حيث لم يعهد إطلاق اسم عبد الله على النبي الكريم محمد(ص) فلم تتضمن النصوص الشريفة، ولم يرد في الآيات المباركة تسميته بذلك، ولو قيل بأنه قد أشير لذلك من باب التوصيف، وليس من باب العلم، منع من ذلك أن إطلاق الاسم على عبد الله والد النبي(ص) من باب العلمية، وليس من باب التوصيف، فلا يجتمعان، فلاحظ.

وبالجملة، إن التوهم المذكور لا ينفي ثبوت الاغتشاش الموجب للاضطراب في متن الخبر، كما ذكرنا.

وقد تقرر في محله أن الاضطراب في المتن من الأمور المانعة من الاستناد إليه، ولذلك أمثلة ونماذج ذكرت في علم الحديث، وأشير إليها في البحوث الفقهية، فلاحظ.

على أننا نحتمل قوياً جداً أن الخبر المذكور من النصوص التي تعرضت للتعديل، بمعنى أنه قد كان مضطرب المتن، وألتفت الأعلام إلى ذلك، فعمدوا إلى تصحيحه تصحيحاً قياسياً على وفق مجموعة من النصوص، في محاولة منهم لجعله مقبولاً، وقد كان ذلك موجباً لزيادة الاضطراب فيه.

ولا يذهب عليك أنه مع وجود تعدد المحتمل في مرجع الضمير من جهة، وكون الخبر مضطرب المتن كما بينا، يستوجب أن يكون الخبر المذكور من المتشابه، كما أدعي مثل ذلك في توقيع السمري، ومن الطبيعي جداً أنه مع كونه كذلك سوف يكون ذلك مانعاً من الاستناد إليه، فلاحظ.

ومما يؤكد الاغتشاش والاضطراب في متنها، التناقض الواقع في متن الخبر، فقد جاء في أوله إطلاق لقب المهدي على أمير المؤمنين(ع)، وأنه من مختصاته، لكنه عاد وأطلقه في ذيله على أول المهديـين، قال(ص): فأنت يا علي أول الاثني عشر إماماً سماك الله تعالى في سمائه علياً المرتضى، وأمير المؤمنين، والصديق الأكبر، والفاروق الأعظم، والمأمون، والمهدي فلا تصح هذه الأسماء لأحد غيرك. وجاء في ذيلها: فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المهديـين، له ثلاثة أسامي اسم كاسمي، واسم أبي، وهو عبد الله، وأحمد والاسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنين[25].

فإن مقتضى المقطع الأول، عدم صحة إطلاق لقب المهدي على أحد غير أمير المؤمنين(ع)، بينما نجد أنه(ص) قد أطلقه على أول المهديـين.

ثم إنه إذا رفعت اليد عن جميع ما تقدم، فإن هناك مانعاً يمنع من جعل الخبر المذكور حجة لدعوى المدعيـن اليوم، ذلك أنه قد تضمن أن قيام المهديـين سوف يكون بعد رحلة الإمام المنتظر(روحي لتراب حافر جواده الفداء) عن عالم الدنيا، فقد جاء فيه: فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المهديـين، له ثلاثة أسامي اسم كاسمي، واسم أبي، وهو عبد الله، وأحمد والاسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنين[26]. بينما المدعى وجود أول المهديـين الآن وقبل ظهور صاحب الناحية المقدسة(عجل الله تعالى فرجه الشريف) وعليه يتضح أن الاستدلال بالخبر المذكور لإثبات سفارة قبل ظهور صاحب الناحية في غير محله.

وقد يحمل قوله: فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المهديــين. على استلام الحكم وليس على الوجود، فيكون المقصود أنه يكون الحاكم على الأمة والمسؤول عن قيادتها، وإليه ترجع في أمورها.

وهو وإن سلم به، إلا أنه رهين تمامية مقدمة قد عرفت في مطلع البحث فسادها، وهو ثبوت العقب والذرية لسيدي الصاحب(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، فلا نعيد.

ولا ينحصر الأمر في خصوص الرواية المذكورة، أعني رواية الوصية، بل إن ذلك بعينه جارٍ في شأن رواية أبي بصير المتقدمة، حيث تضمنت أنه بعد الإمام القائم، وكذلك الكلام في خبر أبي حمزة، لتصريحها بعد القائم(ع).

ثم إنه لو رفعت اليد عما تقدم، فإن هناك معارضاً للعمل بالنص المذكور، وهو صحيح الخزاز عن الإمام الرضا(ع) أنه دخل علي بن أبي حمزة البطائني على الإمام الرضا(ع) فقال له: أنت إمام؟ قال: نعم، فقال له: إني سمعت جدك جعفر بن محمد(ع) يقول: لا يكون الإمام إلا وله عقب. فقال(ع): أنسيت يا شيخ أو تناسيت؟ ليس هكذا قال جعفر، إنما قال: لا يكون الإمام إلا وله عقب إلا الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن علي(ع)، فإنه لا عقب له، فقال له: صدقت جعلت فداك، هكذا سمعت جدك يقول[27]. فإن الظاهر من قوله: لا عقب، يعني لا يكون من بعده إمام، ولهذا جاء رجوع الإمام الحسين(ع) بعد رحلته من عالم الدنيا، فتكون معارضة لرواية المهديـين، والتي تدل على وجود أشخاص بعد الإمام المهدي(عج)، كما عرفت.

ولو لم تقدم معتبرة الخزاز لموافقتها للنصوص المتواترة والمتضمنة للرجعة، فلا أقل من عدم الترجيح بين إحداهما، وهذا يستوجب سقوطهما جميعاً عن الحجية، فتدبر.

ولما كان صريح هذه النصوص الحديث حول المهديـين بعد الإمام الحجة(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، صار هذا موجباً لتأمل أعلامنا في دلالتهما، وقد نقل غواص بحار الأنوار الشيخ المجلسي(ره) في هذه النصوص احتمالين تأويلاً لها لكونها مخالفة للمشهور:

الأول: أن يكون المراد بالأثني عشر مهدياً النبي(ص)، وسائر الأئمة(ع) سوى القائم، بأن يكون ملكهم بعد القائم(عج)، وقد سبق أن الحسن بن سليمان أولها بجميع الأئمة، وقال برجعة القائم(عج) بعد موته، وبه أيضاً يمكن الجمع بين بعض الأخبار المختلفة التي وردت في مدة ملكه(ع).

الثاني: أن يكون هؤلاء المهديون من أوصياء القائم هادين للخلق في زمن سائر الأئمة الذين رجعوا لئلا يخلو الزمان من حجة، وإن كان أوصياء الأنبياء والأئمة أيضاً حججاً، والله تعالى يعلم[28].

ولا يخفى أنه وفقاً للاحتمال الأول، فسوف يكون المقصود من المهديـين في النص عبارة عن المعصومين(ع) عدا سيدي الإمام المنتظر(روحي له الفداء)، وهو المعتقد المعبر عنه عندنا بمبدأ الرجعة، وهو من المعتقدات المعروفة عندنا، وهذا يعني أن الحكومة والسلطان يكون للمعصومين(ع).

نعم المحتمل الثاني، يشير إلى أوصيائه(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، ويكون ذلك في زمان رجوع الأئمة(ع)، فيكونوا في خدمة الأئمة المعصومين(ع)، وليسوا هم الأئمة(ع).ولم ينحصر حمل نصوص المهديـين كرواية الوصية محل الكلام على الرجعة في خصوص شيخنا المجلسي(قده)، بل قد ألتـزم بذلك غيره من أعلام الطائفة، كالمحدث المتضلع الشيخ الحر العاملي صاحب كتاب الوسائل، في كتابه الإيقاظ من الهجعة[29]، فلاحظ.

وربما اعترض على ما ذكره غواص بحار الأنوار، بكون الأول منهما خلاف الظاهر، فإن الوارد في روايات المهديـين أنهم أبناء الإمام الحجة(عج)، وليس الأئمة(ع) أبناء له، كما أن الجواب الاثني يمنعه جعل روايات المهديـين المهديـين حكاماً بعدم المولى الصاحب(عج)، فكيف يكون الأمر للأئمة(ع).

ولا يخفى أن التوهم المذكور في غير محله، ضرورة أن صاحب البحار(ره) قد عبر بالتأويل، مما يشير إلى أنه تصرف في النص بحمله على خلاف ظاهره، وهو مقتضى الجمع بين النصوص، عملاً بمبدأ الجمع مهما أمكن أولى من الطرح، ولو بحملها على خلاف ظاهرها، فلاحظ.

مع أن بعض نصوص المهديـين كما عرفت تضمنت أنهم ليسوا أبناء له(بأبي وأمي) بل من شيعته، ولعل هذا أوجب رفع اليد عن هذا المقدار، مع بقاء أصل عنوان وجود المهديــين لوجود المعارضة بين النصوص في هذه الناحية، وقد أشرنا لذلك في مطلع البحث، فتدبر.

ولما نفى بعض الأعلام(قده) القول بثبوت الرجعة اتكاءً على عدم وجود دليل معتبر عليها، فقد ذكر جواباً ثالثاً لتأويل هذه النصوص، وحاصله: إن المولى(بأبي وأمي) لا يخرج عن المنهجية التي كان عليها آبائه الطاهرين(ع)، فكما كانوا يقومون بتربية جيل من الأمة صالحاً، سوف يكون دوره أيضاً كذلك، إذ سوف يربي جماعة منتخبة يعدون اعداداً إيمانياً، وفكرياً، وثقافياً وروحياً، وهم الذين سوف يتولون إدارة العالم وقيادة الأمة من بعده(روحي لتراب حافر جواده الفداء).

وبالجملة، إن الأجوبة الثلاثة التي ذكرت واضحة في المنع من كون روايات المهديـين دالة على وجودهم قبل قيام صاحب الناحية المقدسة، بل إن أقصى ما تدل عليه رواية الوصية، هي تولي هؤلاء للأمر من بعده(بأبي وأمي).

ثم إنه لو لم يقبل بما قدم ذكره من المناقشة السندية والدلالية، وعدم صلوح الخبر المذكور للمدعى، فإن هناك موانع تمنع من الاستناد لهذا الخبر وأضرابه، ذلك أنها أخبار آحاد، وقد ذكر المدعي أنه لا يمكن الاستناد لأخبار الآحاد، عند رده للتوقيع الشريف الصادر من الناحية المقدسة للشيخ السمري(رض)، ووفقاً لما ذكره هناك يمكن الاستفادة منه بنفسه هنا، فيقال له بأن مثل هكذا أمر من الخطورة، والأهمية وله ارتباط وثيق بالجنبة العقدية، وبمسألة الإمامة، لا يمكن التعويل في إثباته على حفنة من الأخبار لا تبلغ حتى مستوى الاستفاضة، فضلاً عن التواتر، وبالتالي لا مجال للاستناد إليها.

على أنه لو غض الطرف عن ذلك، كفى في المنع من الاستناد إليها كونها معارضة للنصوص المتواترة التي تضمنت أن دولة الحق التي لأهل بيت العصمة والطهارة(ع) ممدودة إلى يوم القيامة، وأن صاحب الناحية المقدسة(روحي لتراب حافر جواده الفداء) هو خاتم الأوصياء والأئمة، والخلف[30]، فقد ذكر صاحب كتاب الصراط المستقيم: ليس بعد المهدي(ع) دولة واردة إلا في رواية شاذة من قيام أولاده بعده-إلى أن قال-وأكثر الروايات أنه لا يمضي إلا قبل القيامة بأربعين يوماً، وهو زمان الهرج وعلامة خروج الأموات للحساب[31].

ومع عدم القبول بما قدمنا ذكره، والإصرار على القول برواية الوصية وأضرابها من الأخبار، يمكن المنع من الاستناد إليها على أساس انتفاء الأصالة الثالثة التي يعتبر توفرها في حجية الخبر، أعني أصالة الجهة، فيبنى على أن هذه النصوص مما صدر تقية، وذلك لكونها مخالفة لما عليه المعتقد الشيعي من ثبوت الرجعة، وموافقة للعامة في ذلك، وعند المعارضة بين ما دل على ثبوتها وبين هذه النصوص، فلا ريب في تقدم النصوص المخالفة للعامة على النصوص الموافقة، لها، فتدبر.

ولا مجال لوهم أن النصوص التي تتحدث عن الرجعة، ناظرة إلى آخر المهديـين الاثني عشر، أو الإحدى عشر، فإنه مجرد وهم، لم يساعد عليه دليل، خصوصاً وأن نصوص المهديـين تنفي عنهم صفة الإمامة، بينما تنص نصوص الرجعة على التعبير بالإمام(عج)، فلاحظ.

موانع أخرى:

ثم إنه لو رفعت اليد عن كل ما قدم ذكره، فإن هناك موانع تمنع من الاستناد إليها، فقد قرر في محله أن الخبر كي ما يكون محط اعتماد واعتبار، لابد وأن يخضع لنقد سندي ونقد متني، وقد عرفت نقد السند، وبقي العمد إلى نقد المتن، والمعروف بين أهل الحديث أن نقد المتن يخضع لعرض الخبر على قاعدتين، قاعدة عقلائية، وقاعدة شرعية، فإن تمت القاعدتان فيه كان مورد حجية وقبول، وإلا كان ساقط عن الاعتبار، وإن سنده معتبراً.

وعندما نود جعل خبر الوصية محلاً لعرضه على القاعدة العقلائية، فإننا نجد أنه لا يصمد أمام ذلك، إذ أنه مخالف لما هو المعلوم والمتيقن من الدين، فإن الثابت عندنا بمقتضى النصوص المتواترة أن الأئمة(ع) اثنا عشر اماماً، ومقتضى الخبر المذكور كونهم أربعة عشر إماماً، فيكون الخبر مخالفاً، فيوجب ذلك سقوطه وطرحه، فلاحظ. كما أنه يمكن ردها لكونها مشتملة على نسبة أمر للنبي(ص) ليس مقبولاً، وهو جعل الأئمة أربعة عشر كما عرفت. مضافاً إلى كونها مخالفة لما هو الثابت تاريخياً، فتدبر.

على أننا لو أردنا تطبيقه على القاعدة الشرعية أيضاً، فلن يكون الخبر المذكور صامداً أيضاً ليحكم بتمامية متنه، وعدم المنع من الاستناد إليه، إذ يكفي كونه موافقاً لمعتقد العامة وأخبارهم.

——————————————————————————–

[1] بحار الأنوار ج 53 ح 6 ص 147-148.

[2] بحار الأنوار ج 53 ح 1 ص 145.

[3] المصدر السابق ح 2.

[4] بحار الأنوار ج 53 ح 8 ص 148.

[5] معجم رجال الحديث ج 16 ص 55.

[6] المصدر السابق ج 6 ص 292.

[7] منتهى المقال ج 5 ص 19.

[8] بحار الأنوار ج 52 ص 47 ح 34.

[9] معجم رجال الحديث ج 13 ص 50.

[10] قاموس الرجال ج 7 ص 478.

[11] طرائف المقال ج 1 ص 169 رقم 883.

[12] الخلاصة ص 119 رقم 297.

[13] سورة البقرة الآية رقم 180.

[14] سورة المائدة الآية رقم 106.

[15] سورة الأنفال الآية رقم 41.

[16] سورة البقرة الآية رقم

[17] الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة ص 368.

[18] الصراط المستقيم ج 2 ص 152.

[19] قاعدة لا ضرر ولا ضرار ص 14 في الحاشية.

[20] بحوث في شرح المناسك ج 7 ص 184.

[21] مشيخة التهذيب ج 10 ص 4.

[22] خاتمة الوسائل الفائدة الثانية ج 30 ص 129.

[23] كتاب سليم بن قيس ص 211.

[24] بحار الأنوار ج 53 ح 6 ص 147-148.

[25] بحار الأنوار ج 53 ح 6 ص 147-148.

[26] بحار الأنوار ج 53 ح 6 ص 147-148.

[27] الغيبة للشيخ الطوسي ص 224.

[28] بحار الأنوار ج 53 ص 148-149.

[29] الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة ص 370.

[30] الإيقاظ من الرجعة ص 368(بتصرف).

[31] الصراط المستقيم ج 2 ص 254.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة