16 أبريل,2024

أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام)

اطبع المقالة اطبع المقالة

تبرز أهمية الحديث عن أصحاب الإمام المهدي، لعاملين أساسيـين، وهما:

الأول: السعي الحثيث من قبل أفراد المجتمع لإيجاد تلك الشخصيات المتصفة بالصفات التي تضمنتها الروايات أثناء حديثها ووصفها لأصحاب الإمام(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، خصوصاً مع الالتفات إلى أن وجود أصحابه(بأبي وأمي) هو أحد شرائط الظهور التي يتوقف الظهور عليها، بحيث لو لم تكن متوفرة خارجاً، لن يتحقق ظهوره صلوات الله وسلامه عليه.

الثاني: بعد الفراغ عن كونهم أفراداً موجودين في الخارج، فلا حاجة للبحث عن إيجادهم، وذلك لكونهم محددين منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى الخلق وأوجد الكون، ومعروفين بأسمائهم، فإن الحاجة في الحديث عنهم تظهر في البعد التربوي الذي يجنيه المجتمع من خلال ذلك، ضرورة أن الحديث عنهم سبيل من السبل التي يمكن للمجتمع من خلالها أن يتحلى بتلك الصفات، وينهج نفس المنهج.

مضافاً إلى أنهم الناجحون الممحصون في التمحيص الإلهي، من خلال إثباتهم جدارتهم وقدرتهم على التضحية الكبرى في سبيل الأهداف الإسلامية العليا، ولمشاركتهم المولى الصاحب(بأبي وأمي) في إقامة دولته العالمية العادلة.

وعلى أي حال، فقد تحدثت النصوص الشريفة عن أصحاب الإمام المنتظر(روحي لحافر جواده الفداء) من زوايا متعددة، فتارة كان حديثها عنهم بالنظر إلى الخصائص والصفات التي يمتلكونها، وهذه النصوص كثيرة رويت في كتب الفريقين، وأخرى كان الحديث فيها عن عددهم، والقول بكون الروايات المتضمنة لذلك متواترة غير بعيد، وأن عددهم بمقدار جيش غزوة بدر، ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً.

ولعل قلة العدد ترجع إلى اختلاف درجات الإخلاص الأربع، فكلما ارتفعت الدرجة تطلبت قابليات أوسع وثقافة أعمق لإحراز النجاح، فيكون الناجحون في الدرجة الثانية أقل من الناجحين في الدرجة الأولى، وما ذلك إلا لكون الدرجة الثانية تتطلب إخلاصاً أعمق وأعلى، وكذا يكون عدد الناجحين في الدرجة الثالثة أقل منهم في الدرجة الثانية، وذلك لنفس السبب والنكتة، وهكذا يكون الحال في الدرجة الرابعة.

هذا بذكر نصين وردا في الحديث عنهم، نقلهما غير واحد من أعلامنا، ننقلهما عن غواص بحار الأنوار العلامة المجلسي(قده):

الأول: فقد روى الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله(ع)-في حديث-ورجال كأن قلوبهم زبر الحديد، لا يشوبها شك في ذات الله، أشد من الحجر، لو حملوا على الجبال لأزالوها، لا يقصدون براياتهم بلدة إلا خربوها[1]، كأن على خيولهم العقبان، يتمسحون بسرج الإمام(ع) يطلبون بذلك البركة، ويحفون به يقونه بأنفسهم في الحروب، ويكفونه ما يريد فيهم. رجال لا ينامون الليل، لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل، يبيتون قياماً على أطرافهم، ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل، ليوث بالنهار، هم أطوع له من الأمة لسيدها، كالمصابيح كأن قلوبهم القناديل، من خشية الله، مشفقون يدعون بالشهادة، ويتمنون أن يقتلوا في سبيل الله، شعارهم: يا لثارات الحسين، إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر، يمشون إلى المولى إرسالاً، بهم ينصر الله إمام الحق[2].

الثاني: عن أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: كأني أنظر إلى القائم(ع) وأصحابه في نجف الكوفة، كأن على رؤوسهم الطير قد فنيت أزوادهم، وخلقت ثيابهم، قد أثر السجود بجباههم، ليوث بالنهار، رهبان بالليل، كأن قلوبهم زبر الحديد، يعطى الرجل منهم قوة أربعين رجلاً، لا يقتل أحداً منهم إلا كافر أو منافق[3]، وقد وصفهم الله تعالى بالتوسم في كتابه العزيز بقوله:- (إن في ذلك لآيات للمتوسمين)[4].

هذا والحديث عن جميع النواحي التي تعرضتها النصوص الشريفة حول أصحاب المولى(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، سواءً صراحة، أو ما يمكن استظهاره منها، يستوجب طولاً لا يسعه هذا المختصر، لذا سوف نقصر الحديث على جوانب محددة مستفادة من الكم غير القليل بأيدينا من روايات أهل بيت العصمة(ع) حول هذه الثلة الطاهرة.

طريقة وصولهم إلى مكة:

عندما نعود للنصوص الشريفة نجد أنها تتحدث عن أن المولى(روحي لتراب حافر جواده الفداء) سوف يكون ظهوره بأرض مكة المكرمة، ولا ريب أن هذا الظهور لن يتواكب مع وجود كافة الأنصار المعنيـين بهذه المهمة في أرض مكة، وبالتالي كيف سيتسنى لهم الوصول إليها، وهم بعيد عنه، هل سيكون وصولهم إلى أرض مكة على وفق المعايـير الطبيعية الاعتيادية، أم أن وصولهم إليها سوف يتدخل فيه العنصر الإعجازي؟…احتمالان عندنا في المقام:

الأول: أن يكون وصولهم إلى أرض مكة المكرمة على وفق القوانين الطبيعية الاعتيادية، من دون أن يتدخل البعد الإعجازي في الموضوع أصلاً، وهذا يعني أنهم سوف يخرجون من بلدانهم قاصدين أرض مكة، فيصلونها طبقاً للمدة الزمنية المقررة التي يحتاجها الإنسان العادي في سفره من تلك البلدة كي ما يصل إلى مكة المكرمة، فلو كان الإنسان يحتاج مثلاً إلى يوم كامل، فإن سفر أصحابه الذين يكونوا في تلك البلدة سوف يستغرق هذه المدة الزمنية أيضاً، وهكذا.

ويمكن التمسك لهذه الأطروحة بالروايات التي تضمنت أنه(بأبي وأمي ينادى باسمه في شهر رمضان المبارك، ولا يكون ظهوره إلا في العاشر من محرم الحرام، ومن الطبيعي أن ما بين هذين التاريخين يكون موسم الحج، فيكون ذلك فرصة لاجتماعهم وتواجدهم في أرض مكة بصورة طبيعية، من دون أن يوجب ذلك إلفات أحد إليهم أساساً. وبهذا المعنى تفسر النصوص التي تضمنت أن الله سبحانه وتعالى يجمعهم على غير ميعاد، وقزعاً كقزع الخريف[5].

ولا ينافي ذلك النصوص التي تضمنت أنهم يفقدون من فرشهم ليلاً[6]، أو أنهم يسيرون بالسحاب نهاراً[7]، إذ يمكن حمل ذلك على تطور العلم الحديث فالمقصود من السير بالسحاب نهاراً الإشارة إلى السفر بالجو، ويقصد من فقدانهم من فرشهم ليلاً، يعني خروجه متخفين دون علم ذويهم، وهو يجري كذلك في شأن النصوص المتضمنة لطي الأرض، فلاحظ.

والإنصاف أن هذه الأطروحة تتوافق والنصوص وفقاً لما قدم في بيانها، مضافاً لموافقتها للمبدأ القائل أن الحاجة للمعجزة حال ما يكون طريق الحق وإقامة العدل منحصراً فيها، فإذا لم يكن الأمر كذلك بحيث وجد طريق آخر يمكن الركون إليه في تحقيق العدل وإقامة الحق، فلا موجب للجوء للمبدأ الإعجازي.

إلا أن المانع من هذه الأطروحة هو المبدأ الذي اعتمدت عليه، وهو نصوص الظهور، وأنهما أمران، نداء وظهور، وقد عرفت منا في بحوث سابقة المنع من قبول مثل هكذا أطروحة، فضلاً عن كونها من صغريات التوقيت الذي نهينا عنه، مضافاً لكون النصوص المذكورة في نفسها ضعيفة الأسناد، فلا مجال للاستناد إليه.

الثاني: أن يكون وصولهم إلى أرض مكة خارجاً عن الطريقة الطبيعية الاعتيادية، بل يتدخل فيه العنصر الاعجازي،، وبالتالي يكون وصولهم إلى أرض مكة بصورة سريعة جداً.
وعند العودة للنصوص الشريفة نجد أن الأوفق بها هو المحتمل الثاني، فقد جاء في بعضها عند الحديث عن كيفية وصولهم إليه (عج)في أرض مكة: فيصير إليه أنصاره من أطراف الأرض، تطوى لهم طياً حتى يبايعونه. ومن الواضح أن التعبير: تطوى لهم الأرض طياً، صريح في تدخل العنصر الإعجازي في العملية الانتقالية من بلدانهم إلى أرض مكة.

وجاء في حديث آخر: يجتمعون في ساعة واحدة، كما تجتمع قزع الخريف، وفي آخر: وهم الفقداء، يفقدون من فرشهم فيصبحون بمكة، وهو قول الله عز وجل:- (أينما تكونوا يأت بكم الله جميعاً).
والحاصل، يمكن استكشاف مدخلية العنصر الإعجازي في عملية وصولهم إليه(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، من خلال تقسيمهم في النصوص في كيفية الوصول إليه وسرعة انتقالهم إلى أرض مكة إلى طوائف ثلاث:

الطائفة الأولى: الذين يصلون إلى أرض مكة وفقاً للسير الطبيعي الأرضي.
الطائفة الثانية: الذين يفقدون من فرشهم ليلاً.
الطائفة الثالثة: الذين يسيرون في السحاب نهاراً. وهذه الطائفة هي أفضل الثلاث، مع أن الطائفة الثانية أفضل من الطائفة الأولى.

وربما يسأل سائل: ما هو الموجب لهذا التفاوت والاختلاف في وسائل النقل، بحيث تكون هناك ثلاث وسائل، مع أنهم كلهم الممحصون والمخلصون، والناجحون في عملية التمحيص الإلهي.

ويجاب، بأن منشأ ذلك هو تفاوت مراحل الإخلاص الموجودة عندهم، وهذا يعني أن انضمام فرد منهم لهذه الطائفة من الطوائف الثلاث يعتمد على مقدار الإخلاص الموجود عنده، فكلما كان هذا الإنسان أعلى إخلاصا كان أعلى مرتبة، وانضم للطائفة الأفضل في واسطة الانتقال.
ثم إنه ربما قيل: بأن هناك جملة من النصوص تضمنت أن عدد جيشه(عجل الله تعالى فرجه) يبلغ عشرة آلاف، وهذا يتنافى والنصوص التي تمت الإشارة إليها من أن عدد أنصاره وأصحابه بعدد المقاتلين يوم غزوة بدر؟

قلنا: بأنه لا توجد أدنى منافاة بين الطائفتين، ضرورة أن الموضوع في كل واحدة منهما يختلف عنه في الأخرى، فإن الطائفة التي تضمنت أنهم بعدد مقاتلي بدر تشير إلى النواة الأولى التي يتكون منها العسكر المهدوي، وهم المتصفون بالإخلاص بمراتبه الأربع، بل ربما قيل أنه متصفون بالإخلاص من الدرجة الأولى، فتأمل. وهم الذين يمثلون قادة الجيش خلال المعارك الحربية التي سوف يخوضها(بأبي وأمي)، مضافاً إلى جملة من الامتيازات التي يمتازون بها سنشير إليها بعد قليل. وأما العشرة آلاف، فهم يمثلون بقية الجند، والمقاتلين المنضمين لعسكره(صلوات الله وسلامه عليه).

والمتحصل، أن الذي تساعد عليه النصوص الشريفة وفقاً لما هو المستفاد من ظاهرها بعدما لم يكن هناك ما يوجب التأويل والحمل على خلاف الظاهر لفقدان ما يصلح للقرينية على ذلك، هو البناء على الاحتمال الثاني، وهو أن وصولهم إلى أرض مكة المكرمة سوف يكون وفقاً للمبدأ الإعجازي، ولن يكون على وفق الأمور الطبيعية الاعتيادية، نعم لا مانع من أن يكون هناك طائفة منهم، ولو من العدد الأصل، وهو الثلاثمائة والثلاثة عشر رجلاً، يصلون على وفق السير الطبيعي الاعتيادي، وذلك لما عرفت من التفاوت بينهم في مرتبة الإخلاص، فلاحظ.

خصائصهم في الروايات:

لقد اشتملت النصوص المباركة عند حديثها عن أصحاب الإمام المنتظر(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، وصفهم بجملة من الصفات والامتيازات التي يمتازون بها على كل أحد:
منها: تسميته بجيش الغضب:

وقد ورد هذا الوصف لهم في ما رواه النعماني في الغيبة، وكذا الصدوق في كتابه إكمال الدين، ولم تتضمن النصوص الإشارة لمنشأ التسمية بهذا الاسم، إلا أنه يمكن التعليل بأن الموجب لوصفهم بهذه الصفة يعود إلى أنه يمثلون غضب الباري سبحانه وتعالى بقيادة المصلح العالمي المولى الصاحب(روحي له الفداء)، وهذا الغضب الإلهي سوف ينصب على تلك المجتمعات المنحرفة والمنحلة والمتفسخة، عقيدة ونظاماً وأخلاقاً، فيستبدلونها بمجتمعات ريادية عادلة، إيمانية، صالحة، ذات قيم وأخلاق.

ومنها: أنهم شباب لا كهول فيهم إلا القليل:

وقد عبرت النصوص عن وجود الكهول بينهم بمثل الملح في الطعام، أو بمثل الكحل فيا لعين، ويحتمل في هذا التعبير الصادر من المعصوم(ع) أحد أمرين:

الأول: أن يكون المقصود من ذلك الإشارة إلى القلة العددية للموصوفين بهذه الصفة، أعني صفة الكهولة.

الثاني: أن يكون المقصود من ذلك هو الإشارة إلى أن وجودهم يضيف لجيشه(روحي لتراب حافر جواده الفداء) نكهة خاصة، كما يضيف الملح نكهة خاصة للطعام، ولا يكون مقبولاً من دونه، كما أن وجودهم يعطي لجيشه جمالاً وبهاءً وهيبة، كما يعطي الكحل العين ذلك.

والإنصاف أن كلا المحتملين وارد، فالأول يساعده أن الحركة الإصلاحية التي سوف يقوم بها المولى(فداه نفسي وأهلي)، تحتاج إلى سواعد شابة تمثل روح المغامرة والاندفاع، وصلابة الإرادة والحماسة، وهذا كله لا يتوفر في الكهول، بينما يساعد الثاني منهما أن للكهولة تجربتها وخبرتها الحياتية، والرشد والثقافة والهدوء والاتزان.

ويمكن التوفيق بين المحتملين، بأن تكون النصوص المتحدثة عن وصفهم بهكذا صفة، ناظرة لأصناف الجيش بأكمله، بمعنى أن القادة الأساس، وهم الثلاثمائة والثلاثة عشر رجلاً هم الكهول، وبقية العسكر يكونون من الشباب، ولا أقل من أن جملة من الثلاثمائة والثلاثة عشر هم الكهول، بل ربما أغلبهم، والبقية هم الشباب مع بقية المعسكر، فتأمل.

ومنها: امتيازات الثلاثمائة والثلاثة عشر رجلا:

وهذا أيضاً مما أشارت له النصوص المباركة، إذ تضمنت الحديث عن وجود جملة من الامتيازات التي يمتاز بها الثلاثمائة والثلاثة عشر رجلاً، وهم أصحاب الإمام الصاحب(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، ومما ذكرته النصوص لهم من امتيازات:

1-اتصاف أغلبهم، بل ربما قيل كلهم بالإخلاص من الدرجة الأولى، ولولا ذلك لما تسنى لهم البلوغ لهذه المرتبة والوصول لهذه الرتبة.
2-أنهم أول من يحظى بشرف البيعة للإمام المنتظر(روحي له الفداء) بعد بيعة جبرائيل(ع) له، واستماعهم لخطبته.
3-إن المناصب الأساسية في الدولة، ذات المواقع الحساسة، كالمناصب العلمية، والمناصب العسكرية، والمناصب الإدارية توكل إليهم، فهم الفقهاء، وهم القضاة، وهم الحكام، وهم قادة الجيش في دولته المباركة. نعم لم يتضح من النصوص أن ذلك يكون على نحو التوزيع بمعنى أن بعضهم يتولى هذا والآخر يتولى ذاك، وهكذا، أم أنهم يتناوبون.

صفاتهم النفسانية:

ولم تغفل النصوص الشريفة الحديث عن الصفات النفسانية الخاصة التي يتحلى بها أصحاب المولى(بأبي وأمي ونفسي)بل تعرضت ضمن ما تعرضت له أثناء حديثها عنهم إلى الحديث عما يملكونه من صفات وملكات نفسانية، فذكر لهم عدة أمور:

منها: البعد الإيماني:

حيث تعرضت النصوص للحديث عن مقدار إيمانهم، فأشارت إلى أنهم لا يبالون في الله لومة لائم، وأنه لا يشوب قلوبهم شك في ذات الله، وأنهم رهبان في الليل، لا ينامون لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل، يبيتون قياماً على أطرافهم.

ويتضح هذا المعنى بصورة جلية واضحة عند نعود للنصوص الشريفة التي تحدثت عن عبادتهم(ع)، وبيان كيفيتها، ضرورة أن التأمل في تلك النصوص يكشف عن وجود عمق إيماني، وعلاقة وطيدة مرتبطة بين المعبود والعابد، تكاد تصل إلى مرحلة العشق والهيام، بل الذوبان في المعبود من قبل العابد.

ومنها: شجاعتهم:

وقد تضمنت النصوص أيضاً الحديث عن هذا الجانب، وعرضته بأساليب مختلفة، فمرة يعمد الإمام إلى بيان أنهم العصبة التي سوف يعتمد عليها المولى الصاحب، وذلك لأنهم جديرون بهذا الأمر، وذلك من خلال إشارته إلى أنهم الركن الشديد الذي تمنى نبي الله لوط(ع) أن يتحصل عليه ليأوي إليه فراراً من قومه المنحرفين، ويعينوه عليهم. ومرة أخرى يركز على مقدار البسالة والشجاعة التي يتحلون بها ورباطة الجأش، عندما يمثل قلوبهم بزبر الحديد، والحجر، وأن الواحد منهم أجرأ من ليث وأمضى من سنان. وثالثة يتعرض للحماسة والاندفاع عندهم فيذكر أن قوة الرجل منهم تعدل قوة أربعين رجلاً.

ومنها: مقدار طاعتهم للمولى:

وقد تضمنت النصوص الحديث عن هذا الجانب، وهي على نحوين، إذ يستفاد من بعضها مقدار طاعتهم له(بأبي وأمي)من خلال المدلول الالتـزامي، كالنصوص التي تضمنت أنهم لا يكفون سيوفهم حتى يرضى الله سبحانه وتعالى، ومن الطبيعي أن رضى الصاحب(روحي له الفداء) امتداد لرضى الله تعالى، فهذا يعني أنهم لا يكفون سيوفهم حتى يرضى الصاحب، فإذاً هم يطيعوه بمقدار إحراز رضاه، فمتى رضى كان في ذلك سعادتهم، والتنفيذ منهم لرغبته.
بينما يدل النحو الآخر منها على ذلك بالمدلول المطابقي،، فقد ورد أنهم: يتمسحون بسرج الإمام(ع) يطلبون بذلك البركة، ويحفون به، يقونه بأنفسهم في الحروب، ويكفونه ما يريد….هم أطوع له من الأمة لسيدها.

والظاهر أن التعبير بـ(تمسحهم بسرجه) تعبير كنائي، وليس حقيقياً فيكشف ذلك عن مدى العلاقة والارتباط ما بين الأصحاب والقائد، ويساعد على هذا المعنى أن من المحتمل جداً أن لا تكون وسيلة النقل في عصره(روحي له الفداء)عبارة عن الفرس، فتدبر. كما أن تمثيلهم طاعتهم له بطاعة الأمة لسيدها، بل هم أطوع له منها له، يؤكد هذا المعنى.

ومنها: شعارهم:

وقد نصت النصوص على أنه يا لثارات الحسين(ع)، ويحتمل في هذا الشعار معنيان:
الأول: أن يكون المقصود منه ما يكون وسيلة تستخدم في الحروب، لتفيض حماسة ودفعاً في روح الأفراد، يدفعهم للإقدام، وقد كان هذا الأسلوب مستخدماً في العصور السابقة أيام صدور النصوص الشريفة.

الثاني: أن يكون المقصود من الشعار هو بيان الأهداف والأسس التي من أجلها تقوم الحركة الإصلاحية المهدوية بقيادة المصلح العالمي المولى صاحب الزمان(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، فالمعيار هو نفس المعيار الذي دعى الإمام الحسين(ع) للقيام، فإذا عرفنا الأسباب التي جعلت المولى أبي عبد الله الحسين(ع) ينهض بحركته المباركة، فإنها الأسباب نفسها التي سوف يظهر الإمام المهدي(عج) من أجلها، وسوف يعمد إلى نشرها وبثها في الأوساط العالمية[8].

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أنصاره وأعوانه، المقاتلين بين يديه، والمستشهدين تحت لوائه، طائعين غير مكرهين.
اللهم ارضي عنا صاحب الزمان يوم يطلع على صحائف أعمالنا.

 

[1] يجدر بالقارئ أن يرجع لبحثنا في روايات السيف حتى لا يدخله شك في شخصية الإمام الحجة(عج).
[2] بحار الأنوار ج 52 ح 82 ص 307-308.
[3] هذا التعبير منه(ع) يصلح شارحاً لما جاء في الحديث الأول، فليلاحظ.
[4] بحار الأنوار ج 52 ح 202 ص 386-387.
[5] الملاحم للسيد ابن طاووس ص 64.
[6] بحار الأنوار ج 52 ص 323، كمال الدين ج 2 ص 654.
[7] بحار الأنوار ج 52 ص 368، كمال الدين ج 2 ص 672، الغيبة للنعماني ص 315، روضة الكافي ص 313.
[8] من مصادر البحث: بحار الأنوار ج 51، 52، 53، كمال الدين وتمام النعمة، الملاحم لابن طاووس، تأريخ ما بعد الظهور،حكومة الإمام المهدي، ظهور المهدي المنتظر وعدالة دولته.