19 أبريل,2024

روايات السيف

اطبع المقالة اطبع المقالة

عندما يكون الحديث عن الإمام المنـتظر(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، وبالتحديد حول ظهوره المبارك، وإقامته دولة الحق والعدل على وجه البسيطة، تتبادر إلى الأذهان مجموعة من المفردات، مصدرها جملة من النصوص الشريفة، فمن تلك المفردات، أنه يأتي بدين جديد، وبالتالي يكون البحث ما المقصود من أنه يأتي بدين جديد، وهل يحمل ذلك على ظاهره، أم يكون مأولاً، إلى غير ذلك من التوجيهات والاحتمالات.

ومن المفردات أيضاً النصوص الشريفة، والتي تعرف بروايات السيف، وهي النصوص التي تضمنت أنه(عجل الله تعالى فرجه)، سوف يعمد إلى استخدام السيف وسيلة في الحكم وبسط النفوذ، وأنه بهذا يغاير المنهج الذي كان عليه جده المصطفى(ع)، بل يتعدى البعض، ليقول أنه(بأبي وأمي)، سوف يعمد إلى إعمال السيف في الرقاب، ومن الطبيعي أن ذلك يعني قطعه جملة منها، ربما لا تكون قليلة.

هذا ومقتضى ما ذكر يستوجب تسليط الضوء على هذه المفردة من السيرة المباركة للمولى الصاحب(روحي لتراب حافر جواده الفداء وأقل الفداء).

روايات السيف:

وأول ما ينبغي ذكره في البين هو نقل جملة من النصوص التي تضمنت هذا المعنى، فنقول:

منها: عن الحسن بن هارون، قال: كنت عند أبي عبد الله(ع) جالساً فسأله المعلى بن خنيس: أيسير القائم(ع) إذا سار بخلاف سيرة علي(ع)؟ فقال: نعم، وذاك أن علياً سار بالمن والكف، لأنه علم أن شيعته سيظهر عليهم من بعده، وأن القائم إذا قام سار فيهم بالسيف والسبي، وذلك أنه يعلم أن شيعته لم يظهر عليهم من بعده أبداً[1].

وقد تضمن النص تعليلاً من الإمام(ع) في سبب اختلاف منهج أمير المؤمنين(ع) عن منهج الصاحب(فدائه نفسي وأبي وأمي)، وذلك أن الموجب لأمير المؤمنين(ع) أن يسير بالسلم يعود إلى أنه كان يعلم أن الدولة لن تدوم له ولأهل بيته (ع)ولشيعتهم من بعده، لذلك عمد إلى السير بالحسنى لكي يرأف من يأتي بعده بشيعته، أما المولى(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، فلما لن يكون بعده أحد إلا من أهل الحق، فلا خوف على شيعته(عج).

ومقتضى ما ذكرناه، أن إعمال السيف الوارد فيها ليس مطلقاً، بل سوف يكون لفئة معينة، وهم البغاة أو الأعداء. نعم هذا لا يمنع من الإطلاق الظاهر من النصوص القادمة لما سيأتي منا ذكره أن المدار على التنافي، فإذا كانت النصوص مثبتة فلا يمنع ذلك.

ومنها: ما رواه محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر(ع) يقول: لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم أن لا يروه مما يقتل من الناس، أما إنه لا يـبدأ إلا بقريش، فلا يأخذ منها إلا السيف ولا يعطيها إلا السيف حتى يقول كثير من الناس: ليس هذا من آل محمد، لو كان من آل محمد لرحم[2].

ودلالة الرواية بحسب ظهورها الأولي مقتصراً على مضمونها في إثبات المدعى واضحة، حيث نجد أنه(ع) يشير إلى حالة الناس بعدما يحصل الظهور للمولى(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، فيذكر(ع) أنه يحبون أن لا يكونوا حين ذلك في عصر ظهوره لما يرونه منه من إعمال للسيف.

ومقتضى إطلاقها أن المنهج المتبع له(بأبي وأمي) هو المنهج الحربي، فتكون دعوته بهذا الأسلوب.

ومنها: عن أبي بصير قال: قال أبو جعفر(ع): يقوم القائم بأمر جديد، وكتاب جديد، وقضاء جديد على العرب شديد، ليس شأنه إلا بالسيف لا يستـتيب أحداً ولا يأخذه في الله لومة لائم[3].

ودلالة هذه الرواية على المدعى كسابقتها، حيث تضمنت أيضاً أن شأنه(عج) السيف، وهذا يعني أنها بمقتضى إطلاقها تتحدث عن أنه لا يعمد إلى منهج سلمي، أو إصلاحي.

ومنها: عن أبي بصير عن أبي عبد الله(ع) أنه قال: ما تستعجلون بخروج القائم، فوالله ما لباسه إلا الغليظ، ولا طعامه إلا الجشب، وما هو إلا السيف والموت تحت ظل السيف[4].

والذي يظهر من هذه الرواية أن الإمام(ع) كان بصدد بيان أمر، وهو أنه لما وجد أصحابه يستعجلون ظهور القائم(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، أجابهم بأن خروجه سيكون صعباً عليكم، وعدد جملة من الأمور الموجبة لذلك، وكانت واحدة منها إعماله السيف، وجعله وسيلته الأساسية في حركته، فالناس بين من يموت معه بسبب حروبه، وبين من يموت بسبب قتله إياه، وهي أيضاً كسوابقها من النصوص ظاهرها ثبوت هذا الأمر بنحو الإطلاق، فلاحظ.

ومنها: عن أبي بصير عن أبي عبد الله(ع) أنه قال: إذا خرج القائم لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلا السيف(ما يأخذ منها إلا السيف)وما يستعجلون بخروج القائم؟ والله ما طعامه إلا الشعير الجشب، ولا لباسه إلا الغليظ، وما هو إلا السيف والموت تحت ظل السيف[5].

ولا تختلف هذه الرواية عن الروايات السابقة من حيث الدلالة، عمدة ما كان أنه قد يدعى عدم إطلاقها من حيث المنهج، بمعنى أن الأسلوب المتبع وهو السيف خاص بخصوص العرب، وقريش.

ثم إن ذكر قريش بعد قوله(ع): العرب، هل هو لزيادة التأكيد ومزيد الاهتمام، أم أن ذكرها من باب ذكر الخاص بعد ذكر العام، احتمالان.

ولا يخفى أنه وبناءً على كل واحد من الاحتمالين سوف تختلف النـتيجة، وإن كانت في النهاية ستؤول لأمر واحد، توضيح ذلك:

إنه إذا بنينا على الاحتمال الأول، وهو أن ذكر قريش لمزيد من الاهتمام، فإن ذلك يعني أن الموضوع الذي سوف يصب عليه المنهج المذكور سيكون أوسع دائرة، ليشمل جميع العرب، وهذا بخلاف ما لو بنينا على الاحتمال الثاني، فإن الموضوع للمنهج المذكور سوف ينحصر في خصوص قريش فقط ليس إلا.

ولا يخفى أن النـتيجة وإن كانت تقيـيد المستفاد من النص، إلا أنه لو بني على الأول سيكون أوسع، بخلاف ما لو بني على الثاني.

ثم إنه على أي المحتملين، فإن النص المذكور لا يصلح لتقيـيد الإطلاق المتقدم، ضرورة أن حمل المطلق على المقيد إنما هو فرع المعارضة، وذلك يعني أن لا يكون النصان مثبتين، فلابد من كون أحدهما مثبتاً والآخر نافياً، والمقام ليس كذلك، لأن النصوص كلها مثبتة ليس بينها ما هو نافٍ، فلا يكون من صغريات حمل المطلق على المقيد، فلاحظ.

ومنها: عن أبي عبد الله(ع) أنه قال: بينا الرجل على رأس القائم(ع) يأمره وينهاه إذ قال: أديروه، فيديرونه إلى قدامه فيأمر بضرب عنقه، فلا يـبقى في الخافقين شيء إلا خافه[6].

وهذا كالنصوص السابقة من حيث الدلالة على المنهج، نعم هل أن الرجل الذي بين يديه، أحد أصحابه فيعمد إلى قتله، أم أنه أحد أعدائه، ظاهر النص هو الأول، لقوله(ع): بينا الرجل على رأس القائم(ع) يأمره وينهاه، فإن أمره ونهيه إياه دليل على أنه أحد أصحابه.

وقد يساعد على هذا الظهور النـتيجة المترتبة على هذه العملية، أعني القتل، حيث ترتب على ذلك زرع الخوف في الخافقين بصورة عامة.

وهذا النص أيضاً كالنصوص السابقة من حيث الإطلاق في الدلالة على المدعى، كما هو واضح.

ومنها: عن بشير النبال-في حديث- عن أبي جعفر(ع) قال: ويح هذه المرجئة إلى من يلجئون غداً إذا قام قائمنا؟ قلت: إنهم يقولون لو قد كان ذلك كنا نحن وأنتم في العدل سواء، فقال: من تاب تاب الله عليه، ومن أسرّ نفاقاً فلا يبعد الله غيره، ومن أظهر شيئاً أهرق الله دمه.

ثم قال: يذبحهم والذي نفسي بيده كما يذبح القصاب شاته، وأومأ بيده إلى حلقه، قلت: إنهم يقولون: إنه إذا كان ذلك استقامت له الأمور، فلا يهرق محجمة دم، فقال: كلا، والذي نفسي بيده حتى نمسح وأنتم العرق والعلق وأومأ بيده إلى جبهته[7].

قال غواص بحار الأنوار(ره): بيان: العلق، بالتحريك، الدم الغليظ، ومسح العرق والعلق، كناية عن ملاقاة الشدائد التي توجب سيلان العرق والجراحات المسيلة للدم[8].

هذا والنص المذكور وإن كان يتحدث عن المرجئة، لكن كما عرفت لا يتنافى والنصوص الأخرى، ذلك لأن الجميع منها مثبت، فلا تعارض بينها.

هذه جملة النصوص التي اطلعنا عليها، ولعل القارئ يجد غيرها، سواء في بحار الأنوار، أم في غيره من المصادر الحديثية.

بقي أن نشير في ختام عرض النصوص المذكورة، أن مصدرها الذي اعتمد على النقل عنه شيخنا غواص بحار الأنوار العلامة المجلسي(قده)، هو كتاب الغيـبة للشيخ النعماني(ره).

ثم إنه بعدما تعرفنا على النصوص المتضمنة للموضوع محل البحث، نحتاج البحث عن مدى مقبوليتها من عدمه، وأول ما ينبغي أن يكون الحديث عنه هو متى يقبل النص الشرعي، وما هي الشروط التي ينبغي ملاحظتها فيه لقبوله.

أصالات ثلاث:

لا يخفى أن النصوص الشرعية عندنا نحوان:

الأول: القرآن الكريم، زاده الله عزة وشرفاً، وهو هذا القرآن الموجود بأيدينا وبأيدي كافة المسلمين، جمعه النبي(ص) قبل وفاته، وقد تعهد الباري سبحانه وتعالى بحفظه حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وما نعتقده فيه أنه تبيان لكل شيء، وأنه مصان من النقص والزيادة والتحريف.

الثاني: النصوص الصادرة من المعصومين(ع).

لكن السؤال الذي يطرح هو كيف يتم التعامل مع هذين النحوين من النصوص الشرعية، هل يُقبلان مطلقاً، أم يُرفضا مطلقاً، أم أن هناك ضوابط لابد من توفرها حتى يمكن الاستناد لهما، ومع عدم توفرها يكون مصيرهما الرفض.

في مقام الإجابة نقول إن هناك فرقاً بين القرآن الكريم وبين السنة الشريفة، بل بين السنة الشريفة نفسها في بعض الأحيان، وسيتضح ما نقصده في مطاوي البحث، فنقول:

إن القبول بأي نص من نصوص السنة الشريفة يحتاج إلى توفر أصالات ثلاث ما لم تكن موجودة، فلن يصح الاستناد إليها حينئذٍ، وتلك الأصالات الثلاث هي:

1-أصالة الصدور.

2-أصالة الظهور.

3-أصالة الجهة.

فلابد من بيان كل واحدة من هذه الأصالات ومن ثمّ يتضح عندها الفارق بين كل واحدة منها:

أصالة الصدور:

إن العمل بأي نص من النصوص على أساس أنه صادر من المعصوم وبالتالي تصح نسبته إليه نحتاج فيه أن نحرز أنه قد صدر عنه، فما لم يحرز ذلك، فلا يصح لنا أن نستند إليه، بل لا يجوز لنا أن ننسبه إليه، لأنه سوف يكون من الكذب على المعصوم، ومعلوم حكم الكذب على المعصوم(ع):

لكن كيف يتسنى لنا أن نحرز أن هذا النص صادر عن المعصوم(ع)، وما هي الطريقة التي يمكن الاعتماد عليها لمعرفة ذلك؟…

نقول في جواب ذلك: إن النصوص الموجودة بأيدينا على قسمين:

الأول: النصوص المتواترة: ونعني بكونها متواترة أن يتصدى لنقل الخبر مجموعة كبيرة من الرواة، بحيث يصعب الظن باتفاقهم جميعاً على الكذب، فيحصل اليقين، ولا أقل من الاطمئنان بصدور هذا الخبر عن المعصوم، ومثال ذلك حديث الغدير فإن هذا النقل الكثير من قبل رواة متعددين وفي أزمنة مختلفة ومتفاوتة يجعلنا نجزم بكون الحديث قد صدر عن رسول الله(ص)، وكذا حديث الثقلين، وكذا سبب نزول آية التطهير في أصحاب الكساء الخمسة(ع)، وكل ما يتصل بضروريات الدين كالفرائض اليومية وأعدادها وأعداد ركعاتها، وصوم شهر رمضان، والنماذج في هكذا مجال كثيرة.

وهذا النوع من النصوص يحرز صدوره وبالتالي يصح نسبته للمعصوم(ع) حتى لو كان ضعيف الطريق، وذلك لأن انطباق عنوان التواتر عليه يوجب اليقين بصدوره.

شرط التواتر:

نعم لابد من التوجه لشرط مهم جداً للبناء على أن النص متواتر، فيرتب عليه الأثر المقصود، وهو أنه يعتبر تحقق شرط التواتر في كل طبقة طبقة من وسائط الخبر من الخبر الذي وصلنا عنه إلى آخر من يخبر به عن المعصوم(ع)، فلو كان الخبر في جميع طبقاته مثلاً متواتراً، لكنه في المخبر الأخير عن المعصوم(ع) كان واحداً، بحيث كان المخبرون في كل طبقة يرجعون إليه، فإنه ينـتفي حينئذٍ عنه عنوان التواتر، وبالتالي لن يكون الخبر متواتراً لما قرر في محله من أن النـتيجة تتبع أخس المقدمات.

الثاني: أخبار الآحاد: ويعبر عنه بخبر الواحد، ونقصد به الخبر الذي لا يفيد العلم والاطمئنان، وهو الخبر الذي لا ينقل إلا بواسطة راوٍ واحد عادة أو أكثر لكنه لا يـبلغ العدد الموجب للاطمئنان المحقق لكونه متواتراً.

وهذا الخبر لا يمكن الاعتماد عليه إلا إذا تسنى لنا إحراز صدوره عن المعصوم(ع)، ولعلمائنا في كيفية إحراز صدروه عن المعصوم(ع) طريقان:

أحدهما: أن تكون سلسلة السند التي وصل الخبر إلينا بواسطتها كلهم ثقات، وإلا لم يصح الاعتماد عليه، وهذا يعني أنه لو كان في طريق الرواية شخص ضعيف لا يحرز عندها صدور النص من المعصوم، ولا يمكن نسبته إليه(ع).

وهذا المسلك هو المسلك الذي يعرف عند علمائنا بمسلك الوثاقة، ويتبناه جملة من فقهائنا رحم الله الماضين وأطال في عمر الباقين

ثانيهما: أن يحصل عند الواصل إليه الخبر اطمئنان بصدوره من المعصوم(ع) بأحد الأمور التي توجب الاطمئنان بالصدور، ككونه مما عمل به المشهور، أو كون جميع رواته منذ بداية السلسلة لنهايتها كلهم ثقات، أو ما شابه ذلك، ويسمى هذا المسلك بمسلك الوثوق، ويتبناه جملة من أكابر فقهائنا رحم الله الماضين وأطال في أعمار الباقين، بل هو المسلك المشهور بينهم.

أصالة الصدور في القرآن متحققة:

هذا ولا يخفى على القارئ أن هذه الأصالة أعني أصالة الصدور لا حاجة للبحث عنها بالنسبة للقرآن الكريم، ذلك لأنه لا شك عندنا في أن ما بأيدينا من آيات شريفة، صادرة عن الله سبحانه وتعالى، وبالتالي نحن نجزم بذلك، ولهذا اشتهر القول بأن القرآن الكريم قطعي الصدور، ومعنى ذلك أنه يقطع بصدوره من الباري سبحانه وتعالى.

وكذا أيضاً هي متحققة بالنسبة للخبر المتواتر فلا معنى للحديث حول أنه صحيح أو ضعيف، بل كونه متواتراً يحقق صدوره عن المعصوم(ع) كما ذكرنا.

وبالجملة، إنما نحتاج لإحراز أصالة الصدور متى ما كان الخبر من أخبار الآحاد. وبالتالي ما لم يكن الخبر حجة معتمداً فلا يمكن ترتيب الأثر عليه، فالروايات التي وردت في أيام الكوامل مثلاً، لما كانت ضعيفة الأسناد فذلك يعني عدم تحقق أصالة الصدور فيها، فلا يمكن ترتيب أثر عليها حتى بالكراهة، لأن الكراهة حكم شرعي لا يمكن إثباته إلا إذا كان مستنداً لحجة شرعية[9].

أصالة الظهور:

وهي الأصالة الثانية التي لابد من توفرها حتى يصح الاستناد للنص الصادر من الشارع المقدس، ولا يفرق في هذه الأصالة بين القرآن الكريم وبين السنة الشريفة، ذلك لأن القرآن الكريم وإن كان قطعي الصدور، إلا أنه ظني الدلالة كما سيتضح.

وعلى أي حال، ما هو المقصود من أصالة الظهور؟…

إذا جاء نص من الشارع المقدس سواء كان النص الجائي آية قرآنية، أم كان النص الجائي رواية صادرة عن المعصوم(ع)، فلكي نستطيع أن نعمل على طبقه، فلابد أن نفهم ماذا يريد الشارع منها.

ومن الواضح أن هذا لا يتحقق لنا إلا إذا استطعنا أن نعرف ما هو مقصوده من كل لفظ ورد فيها، وما هو المعنى الذي أراده من كلماتها.

وهذا هو الذي يسمى بأصالة الظهور، بمعنى أننا نحتاج أن نتعرف أقرب المعاني إلى اللفظ لغة، بعدما نكون قد عرفنا معنى اللفظ في مرحلة التصور. ولنوضح ذلك بمثال: مثلاً ورد الأمر من الباري سبحانه بلزوم قطع يد السارق، فما هو المقصود من اليد، هل يقصد من ذلك القطع من الكتف، أم يقصد من الزند، أم أن المقصود من الذراع، أم من الساعد، وهكذا.

إن معرفة المقصود من اليد التي يجب قطعها، هذا ما نسميه الظهور، لأنه سوف يكون مستفاداً من اللفظ.

وكذا عندما يقول سبحانه بلزوم التيمم بالصعيد لمن لم يجد الماء، فما هو المقصود من الصعيد، إن معرفة المقصود من الصعيد في الآية الشريفة يسمى ظهوراً، لأنه المعنى المستفاد من الكلمة، وهو المراد للمتكلم.

هذا والظهور عادة هو المعنى الذي يكون أسرع انسباقاً إلى ذهن السامع بمجرد سماعه للفظ.

ملاحظات في أصالة الظهور:

هذا وينبغي الالتفات إلى أن هناك أموراً لابد من مراعاتها قبل الاستناد إلى أصالة الظهور، وهي:

1-أن لا يعتمد على الظهور إذا كان اللفظ مطلقاً إلا بعد أن يـبحث عن مقيد له، فإذا لم يوجد له مقيد صح الاعتماد على ظهور اللفظ وإلا فلا.

2-إذا كان اللفظ عاماً، فكذلك لا يمكن الاعتماد على ظهور اللفظ في العموم إلا بعد الفراغ عن أنه لا يوجد له مخصص وإلا فلا يصح الاعتماد على الظهور:

3-لا يقرر في لفظ ما أنه مجمل، فليس له معنى ظاهر إلا بعد العجز عن وجود مبين له، وإلا فلا يحكم عليه بذلك.

4-لابد من ملاحظة أن هذا النص لا توجد قرينة مفسرة له، لأن النصوص الشريفة، سواء كانت قرآناً كريماً، أم كانت نصوصاً معصومية يفسر بعضها بعضاً، وهذا يعني أنها تكون قرينة لبيان المراد، ولذا لابد من ملاحظة هذه النقطة إذ ربما كانت رواية قرينة ومفسرة لرواية أخرى.

هذا والقرائن كما يمكن أن تكون قرائن مقالية لفظية، يمكن أن تكون قرائن حالية، بمعنى أن المعصوم(ع) يعتمد على واقع الحال، فيكون الخبر الصادر منه يشير إلى واقع الحال الموجود في عصره، مثلاً روايات الغناء، كيف استفاد فقهائنا منها أن المحرم هو خصوص الغناء اللهوي، وليس مطلق الغناء كغناء الأطفال مثلاً. السر في ذلك أن نصوص حرمة الغناء كانت ناظرة إلى الحالة التي كان يستخدم فيها الغناء في ذلك الوقت في قصور بني العباس مثلاً، وبالتالي صارت هذه قرينة حالية على بيان المراد من الغناء المحرم وهكذا.

أصالة الجهة:

ونعني بأصالة الجهة أن يحرز أن النص الشرعي قد صدر لبيان المراد، ولم يكن صدوره من باب الهزل والمزاح، أو من باب السخرية، أو من باب التقية، بل صدر وكان المتكلم به قاصداً لكل كلمة قالها، وقاصداً للمعنى المستفاد منها.

وعادة ما يركز في هذه الأصالة على أن لا تكون النصوص صادرة تقية، فإنها إذا كانت صادرة تقية لا تكون هذه الأصالة محرزة، لأنه لا يحرز أنه(ع) في مقام بيان المراد الجدي. ومن أمثلة ذلك الروايات التي وردت في نحوسة الأيام، فقد ذكر السيد العلامة الطباطبائي(قده) في تفسيره القيم الميزان أنه يمكن حملها على التقية[10].

نعم هذه الأصالة كأصالة الصدور لا معنى للبحث عنها في القرآن الكريم، وذلك لأنه لا وجه لأن يقال أن شيئاً مما جاء فيه قد صدر تقية، أو صدر هزلاً ومزاحاً، بل هو هدى للناس وبينات من الهدى.

هذا وتوجد وسائل يتم التعرف من خلاها على أن هذا الحديث صدر تقية أو لا، تذكر عادة في الكتب التخصصية لهذه الأمور.

معالجة روايات السيف:

ثم إنه بعدما تعرفنا على الضوابط التي ينبغي الجري على وفقها للتعامل مع النص الشرعي، فلنبدأ الآن في ملاحظة النصوص محل البحث، وكيفية التعاطي معها، وذلك من خلال دراسة النصوص محل البحث وملاحظة هل أن الأصالات الثلاثة متوفرة فيها أم لا، فنقول:

لا يذهب عليك أن نصوص المقام، ليست من الآيات القرآنية، إذ هي نصوص معصومية، فعليه إما أن تكون متواترة أو تكون من أخبار الآحاد، فلو كانت متواترة فذلك يغنينا عن البحث عن توفر أصالة الصدور فيها وفقاً لما عرفت فيما تقدم.

والحق أن النصوص الموجودة بأيدينا ليست نصوصاً متواترة، بل هي أخبار آحاد، وبالتالي لابد من إحراز أصالة الصدور فيها حتى يمكن الاعتماد عليها، والسر في نفي كونها متواترة يلحظ من خلال معرفة أنها تعود في مقام النقل إلى راويـين أو ثلاثة، وأكثر ما يتصور أنهم أربعة، ومن الواضح جداً أن هذا العدد لا يـبلغ مقدار التواتر في هذه الطبقة، وبالتالي سوف تكون النـتيجة تابعة لأخس المقدمات، على أن نفي التواتر في كافة الطبقات غير بعيد، فلاحظ.

ووفقاً لما ذكرنا، تكون النصوص المذكورة من أخبار الآحاد، وقد عرفنا أنه لكي يستند إليها في مقام الاحتجاج والاستدلال، لابد من إحراز أصالة الصدور وفقاً لأحد المسلكين الذين سبقا وذكرناهما.

وعندما نعمد لتطبيق المسلك الأول من المسلكين السابقين، فسوف تسقط بعض الروايات لعدم حجيتها، حيث أن فيها ما هو مرسل، وبعضها اشتمل على من هو ضعيف لا يعتمد على روايته، ولو على الأشهر.

وكذا لا مجال لإحراز أصالة الصدور حتى على وفق المنهج الثاني، لعدم الموجب للوثوق والاطمئنان بصدور هذه النصوص إلا ما تم منها سنداً.

نعم وجود جملة من النصوص ولو كانت واحدة تستدعي البحث عن كيفية المعالجة لها، ومحاولة بيان مدى إمكانية البناء على ما جاء فيها من عدمه.

التأمل في ثبوت أصالة الجهة:

هذا ويمكن المنع من توفر أصالة الجهة في النصوص المذكورة، وذلك من خلال دعوى أن هذه النصوص صدرت تقية من الإمام(ع)، وفقاً لمنهج شيخنا صاحب الحدائق(ره)، خلافاً للمنهج المشهور، توضيح ذلك:

لقد قرر شيخنا صاحب الحدائق(ره)، أن المستفاد من جملة من النصوص أنه لا يعتبر في الحمل على التقية أن يكون النص الصادر من المعصوم موافقاً للمخالف، بل يكفي أن تكون الغاية من صدور النص إلقاء الخلاف بين أصحابهم(ع) من أجل أن لا يعرفوا.

وعندما نود تطبيق هذه الكبرى على مقامنا، يكون الموقف واضحاً، إذ أن شيعته(بأبي هو وأمي ونفسي)سوف ينقسمون فيه، فبين من يقبل، ومن لن يقبل، وبالتالي سوف يختلف الناس فيهم، فلن يعرفوا ويكون الإمام(ع) بهذا الأسلوب قد حفظهم ورعاهم.

وبكلمة، تكون الغاية المقصودة للإمام(ع) الحفاظ على شيعته ورعايتهم من الناحية الأمنية.

نعم لا يمكن التمسك بانتفاء أصالة الجهة وفقاً لمسلك المشهور من علمائنا في الحمل على التقية، خصوصاً بناءً على القول باختصاص الحمل عليها في الأحكام الشرعية، فلاحظ.

أصالة الظهور:

هذا ولا يخفى أنه ووفقاً لما تقدم لم تتم معالجة النصوص المذكورة بصورة جزمية، ذلك لأن ما تقدم لم يكن نافياً لثبوت أصالة الصدور، ولو في الجملة، كما أن أصالة الجهة مثلها أيضاً. فلم يـبق لدينا إلا أصالة الظهور، وقد عرفنا أنه لا يستند لها إلا بعد عدم توفر ما يمنع من تمامية الظهور في كل مورد، لما ذكرناه من أن النصوص الشريفة كالآيات المباركة يفسر بعضها بعضاٍ.

والحق أن هناك ما يمنع من التمسك بإطلاق هذه النصوص، بمعنى أن هناك قرائن توجب التوقف في البناء على إطلاقها، والاستناد إليها بقول مطلق، والقرائن التي عنينا هي:

المنهج السلمي:

إن قراءة السيرة المبارك لسيدي ومولاي صاحب الزمان(روحي وأرواح العالمين لتراب حافر جواده الفداء)، تكشف عن منهجية سلمية في التعايش مع المجتمع البشري، ويمكننا أن نذكر لذلك مثالاً، وهو المنهج الذي يتعايش به مع أهل الكتاب، فقد روى أبو بصير عن أبي عبد الله(ع) أنه قال: يا أبا محمد كأني أرى نزول القائم(ع) في مسجد السهلة بأهله وعياله، قلت: يكون منـزله جعلت فداك؟ قال: نعم، كان فيه منـزل إدريس، وكان منـزل إبراهيم خليل الرحمان، وما بعث الله نبياً إلا وقد صلى فيه، وفيه مسكن الخضر(والمقيم فيه كالمقيم في فسطاط رسول الله(ص)، وما من مؤمن ولا مؤمنة إلا وقلبه يحن إليه).

قلت: جعلت فداك، لا يزال القائم فيه أبداً؟ قال: نعم، قلت: فمن بعده؟ قال: هكذا من بعده إلى انقضاء الخلق، قلت: فما يكون من أهل الذمة عنده؟ قال: يسالمهم كما سالمهم رسول الله(ص)، ويؤدون الجزية عن يد وهم صاغرون، قلت: فمن نصب لكم عداوة؟ فقال: لا يا أبا محمد ما لمن خالفنا في دولتنا من نصيب، إن الله قد أحل لنا دماءهم عند قيام قائمنا، فاليوم محرم علينا وعليكم ذلك فلا يغرنك أحد إذا قام قائمنا انتقم لله ولرسوله ولنا أجمعين[11].

ومن الواضح أن هذا المثال يكشف عما أشرنا له من أن المنهج الذي يسير به في المجتمع البشري وهو المنهج السلمي، وهذا يعني أن النصوص التي تضمنت إعمال السيف سوف يعمد للتصرف في ظهورها بمقتضى هذا النص وأمثاله، ليكون المقصود منه خلاف ما هو الظاهر، لأن النص المذكور يكون بمثابة القرينة الموجبة لمنع انعقاد الظهور، أو المنع من حجيته، وبالتالي لن يعتمد عليه.

الحركة الثقافية:

هذا وتوجد قرينة ثانية وهي الحركة الثقافية التي تبث وبشكل كبير جداً في عصر الإمام المنـتظر(فداه روحي وأهلي وأبي وأمي)، حيث ورد أن العلم قد قسم سبعة وعشرون جزءاً، جعل عند الأنبياء حرفان، فعن أبي عبد الله(ع) قال: العلم سبعة وعشرون حرفاً، فجميع ما جاءت به الرسل حرفان، فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين، فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبثها في الناس، وضم إليها الحرفين حتى يبثها سبعة وعشرين حرفاً[12].

فإن البث للحركة الثقافية التي يمارسه الإمام المنـتظر روحي له الفداء، يتنافى وما جاء مع هذه النصوص، لأن من يعمد إلى العمل العسكري، والحروب والقتال، لن يكون متوجهاً إلى إثراء الحركة الثقافية، وتطوير المستوى المعرفي للناس، بل سوف يكون مشغولاً بتزويد الجيوش بالطاقات البشرية، وتجنيدها لهذه المهام، وعلى العكس تماماً من يعمد للبث المعرفي، فإنه سوف يرفه الناس، ويحمسهم للثقافة والعمل، وسوف يـبذل لهم، ويشجعهم على التفرغ له.

وهذا يعني أن النصوص المذكورة لا يمكن البناء على ظهورها الأولي بإطلاقه، بل تكون هذه النصوص المتحدثة عن الحركة الثقافية في عصر الإمام(عج) قرينة مانعة من البناء على الإطلاق.

حروب دفاعية:

والقرينة الثالثة التي تمنع من انعقاد الإطلاق للظهور المستفاد من النصوص محل البحث، هي الروايات التي دلت على أن حروبه بنفسي وبأبي وأمي، حروب دفاعية كحروب جده المصطفى محمد(ص)، فعن يعقوب السراج قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: ثلاثة عشر مدينة وطائفة يحارب القائم أهلها ويحاربونه: أهل مكة، وأهل المدينة، وأهل الشام، وبنو أمية، وأهل البصرة، وأهل دميسان، والأكراد، والأعراب، وضبة، وغنى، وباهلة، وأزد، وأهل الري[13].

فإن المستفاد من النص المذكور وقوع حرب بينه(عج) وبين هؤلاء، ومن الطبيعي أن مراجعة تاريخ من ذكر من المدن، يعطي أنهم هم البادئون بالقتال، خصوصاً إذا لاحظنا ما جاء في النصوص من فتن تكون في عصره(ع)، فإنه يتعرض لهجوم من السفياني، كما يتعرض لتمرد داخلي، بل لهجوم خارجي من أعدائه، كاليهود.

وبالجملة، يستفاد من عدة نصوص أن هناك مؤمرات داخلية وخارجية تحاك ضده(روحي لتراب حافر جواده الفداء) فيعمد لتصفيتها.

ويشهد لذلك ما يمارسه صلوات الله عليه في بداية ظهوره من دعوة، فعن أبي جعفر(ع) أنه قال: إن قائمنا إذا قام دعا الناس إلى أمر جديد كما دعا إليه رسول الله(ص)، وإن الإسلام بدا غريـباً وسيعود غريـباً كما بدا فطوبى للغرباء[14].

معارضة النصوص:

ثم إنه لو لم يقبل بما ذكرناه من قرائن مانعة من انعقاد الظهور في الإطلاق، فإن هناك من النصوص الشريفة ما يعارض هذه النصوص، ويمنع من القبول بها، حيث أنها تضمنت أن سيرة المولى المنـتظر(عج) مغايرة لسيرة رسول الله(ص)، بينما لدينا نصوص أخرى تتحدث عن أن السيرة المباركة للمولى بأبي وأمي، هي نفس السيرة التي كان عليها رسول الله(ص)، فقد سأل أحد الرواة أبا عبد الله الصادق(ع) عن سيرة المهدي، كيف سيرته؟ قال: يصنع ما صنع رسول الله(ص) يهدم ما كان قبله، كما هدم رسول الله(ص) أمر الجاهلية، ويستأنف الإسلام جديداً[15].

وقد سأل ابن عطا أبا جعفر الباقر(ع) فقال له: إذا قام القائم(ع) بأي سيرة يسير في الناس؟ فقال: يهدم ما قبله، كما صنع رسول الله(ص)، ويستأنف الإسلام جديداً[16].

ومع كون المعارضة مستقرة، فعندها سوف يعمد إلى الترجيح بين النصوص.

والظاهر أن النصوص المتضمنة لأن سيرته(عج) موافقة لسيرة جده المصطفى(ص) هي المقدمة، لأنها تكون موافقة للكتاب الكريم، وهو أول المرجحات عند المعارضة، فتدبر.

نقد المتن:

ثم إن جميع ما تقدم من علاج للنصوص من خلال إيجاد قرائن مانعة من انعقاد الاطلاق، أو حجيته، أو من خلال البناء على أن هناك معارضة مستقرة بين طائفتين من النصوص، هو فرع البناء على حجية روايات السيف، صدوراً وظهوراً، بمعنى إحراز أصالتي الصدور والظهور.

أما لو بني على المنع من أحدهما، أو كليهما، فلسنا بحاجة حينئذٍ للبحث عن ذلك كله. ولذا لو قلنا بأن النصوص المذكورة مخالفة للكتاب الكريم، ووفقاً لما جاء من رفض لما كان مخالفاً لكتاب الله سبحانه، فإن ذلك يمنع إما من صدورها عن المعصوم، أو يمنع من أصالة الجهة فيها[17]، فعندها سوف تكون ساقطة عن الحجية والاعتبار.

ويمكن تقريب المخالفة بأحد وجهين:

الأول: إن المستفاد من القرآن الكريم أن المنهج الرسالي الذي سار عليه الأنبياء والمرسلين(ع)، هو المنهج الذي عرضه القرآن الكريم بالنسبة للنبي محمد(ص)، في قوله تعالى:- (ادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)، وهذا يعني أن المنهج المتبع هو منهج الإقناع، والدعوة بالكلمة الطيـبة واللين، وليس المنهج هو القتل والدم، والسيف، وكل ما جاء يغاير هذا المعنى، فذلك يعني حصول المخالفة فيه، فإن قلنا بأن التباين بينهما تباين كلي، فلا ريب أن هذا موجب لرفع اليد عن النصوص المذكورة، لمخالفتها للكتاب، وفقاً لما أمرنا به أئمتنا(ع)، حيث أنهم جعلوا شرطاً من الشروط المعتبرة لقبول الخبر كونه موافقاً للكتاب الكريم.

الثاني: الاستفادة من مسلك جملة من أعلام الطائفة[18]، وهو التوسع في حدود الظهور المستفاد من نصوص المخالفة للكتاب، ليقال بأن المقصود منها يشمل المخالفة لروح الشريعة الإسلامية والروح العامة للقرآن الكريم، وما لا تكون نظائره وأشباهه موجودة فيه، فمتى كان الخبر غير منسجم مع طبيعة التشريعات القرآنية، ومزاج أحكامه العام، وروح الشريعة الإسلامية، فإنه لا يكون حجة، ويمكن أن نقرب ذلك بالروايات التي تعرضت لكراهة الزواج من الأكراد، وكذا الروايات التي تعرضت إلى أن بني إسرائيل كانوا إذا أصابت أحدهم النجاسة قرضوا أجسامهم بالمقاريض، فإن هذين النصين مثلاً يتنافيان وروح الشريعة الإسلامية، كما يتنافيان أيضاً مع طبيعة التشريعات القرآنية، فلا يكونا حجة.

ومقامنا من هذا القبيل، ذلك أن النصوص الموجودة تتنافى وروح الشريعة الإسلامية، الداعية إلى التسامح والحب، والعفو، وتتنافى وطبيعة التشريعات القرآنية القائمة على الحنفية السمحاء، فعليه لا تكون حجة حينئذٍ، والله سبحانه وتعالى العالم العاصم، وهو أعلم بحقائق الأمور.

——————————————————————————–

[1] بحار الأنوار ج 52 ح 11 ص 353.

[2] بحار الأنوار ج 52 ح 113 ص 354.

[3] المصدر السابق ح 114.

[4] المصدر السابق ح 115.

[5] المصدر السابق ح 116.

[6] المصدر السابق ح 117.

[7] المصدر السابق ح 122.

[8] المصدر السابق ص 358.

[9] اللهم إلا أن يتمسك بقاعدة التسامح في أدلة السنن بناءً على رأي المشهور، وأن القاعدة المذكورة شاملة للمكروهات كشمولها للمستحبات، فيمكن إثبات الكراهة بالنسبة لها.

[10] الميزان في تفسير القرآن ج 19 ص 76.

[11] بحار الأنوار ج 52 ص 376 ح 177.

[12] بحار الأنوار ج 52 ح 73 ص 336.

[13] بحار الأنوار ج 52 ح 136 ص 363.

[14] بحار الأنوار ج 52 ص 366 ح 147.

[15] المصدر السابق ص 353 ح 108.

[16] المصدر السابق ح 112.

[17] لأن مخالفة الخبر للكتاب فيرد، يحتمل أن منشأ رده إما عدم إحراز أصالة الصدور، أو عدم إحراز أصالة الجهة.

[18] منهم على سبيل المثال لا الحصر السيد الشهيد الصدر(ره) في كتابه بحوث في علم الأصول ج 7 ص 334.