20 أبريل,2024

أحكام الجاهل

اطبع المقالة اطبع المقالة

قال تعالى:- (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً*إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً)[1].

مدخل:

تتحدث الآية الشريفة عن نموذجين من الناس يدعون الانتماء للإسلام، والإتباع لرسالة نبيه الكريم محمد(ص) قد وافهم الأجل المحتوم، فخرجوا من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة، وبيان مصيرهم، وأنهم من أهل النار، وليسوا من أهل الجنة.

ويتضح ذلك من خلال التفاتنا إلى التقسيمين الذين تضمنـتهما الآية الشريفة، وهما:

الأول: من يدعي الاستضعاف، مع أنه ليس كذلك، بل هو قادر على الخروج من أرض الكفر والشرك إلى أرض الإسلام، فهو تتوفر لديه القدرة البدنية، والقدرة المالية، والقدرة الفكرية، والحرية السياسية على الخروج من تلك البلاد الكافرة إلى البلاد الإسلامية، لكي يتمكن فيها من تطبيق شعائره الدينية.

إلا أنه مع ذلك يـبقى ظالماً لنفسه كما عبرت بذلك الآية الشريفة، ويستمر في البقاء في أرض الكفر بدعوى كونه مستضعفاً، مع أنه في الحقيقة ليس كذلك.

الثاني: من يكون مستضعفاً واقعاً، وليس ادعاءاً، بحيث أنه لا يملك شيئاً من القدرة على الخروج من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، فليست لديه قدرة مالية، ولا قدرة بدنية، ولا قدرة فكرية على الخروج مما هو فيه إلى ما هو أفضل، بل هو عاجز عن القيام بذلك.

وقد فصلت الآية الشريفة بين القسمين من حيث الجزاء في عالم الآخرة، فعدت القسم الأول منهما من أهل النار، بينما أشارت إلى أن القسم الثاني، ربما تشملهم الرحمة الإلهية، قال تعالى:- (فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفواً غفوراً)[2].

من هو المستضعف:

هذا ومقتضى ما جاء في الآية الشريفة البناء على أن المستضعف على قسمين:

الأول: المستضعف الإدعائي، وهو عبارة عن القسم الأول الذي أشارت له الآية الشريفة، وتحدثت عنه بأنه ظالم لنفسه.

الثاني: المستضعف الواقعي، وهو عبارة عن القسم الثاني. وهذا القسم هو الذي ربما لحقه العفو الإلهي، وشملته المغفرة الربانية

أقسام الاستضعاف:

هذا وللاستضعاف أقسام عديدة تستفاد من خلال الآيات الشريفة[3]، ويمكننا حصرها بداية في ثلاثة أقسام، وهي:

الاستضعاف الديني:

ويدخل فيه كل من لا يقدر على الوصول إلى معرفة الحق سبحانه وتعالى، أو الوصول إلى معرفة وحدانيته، أو امتـثال أوامره واجتناب نواهيه، من خلال تطبيق الأحكام الشرعية الموجهة إلى كافة المكلفين على حد سواء.

وبعبارة جامعة، كل من لا يتمكن من أداء ما هو المطلوب منه دينياً، ابتداء من الاعتراف بالعبودية، والوحدانية، للخالق جلا وعلا، إلى تطبيق أوامر الرسل وإتباعهم.

ويشير إلى هذا القسم من أقسام الاستضعاف، الآية الشريفة التي افتـتحنا بها المقام، وهي قوله تعالى:- (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً*إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً)[4].

ومن الواضح أنه وفقاً لهذا المعنى للاستضعاف الديني، وهو كل من لا يكون متمكناً منا لقيام بما هو المطلوب منه من الناحية الشرعية، سوف يكون تحته عدم مصاديق:

منها: إذا استقر في مكان لا يمكنه فيه تعلم معارفه الإلهية، فإنه ينطبق عليه حينئذٍ عنوان الاستضعاف الديني، فيجب عليه الهجرة منه، وإلا كان من الظالمين لأنفسهم.

ومنها: من يستقر في بلد لا يمكنه فيه معرفة وظيفته الشرعية، لخلو ذلك من رجل الدين الذي يمكنه معرفة أحكامه الشرعية من خلاله.

ولذا أفتى فهاؤنا بوجوب الهجرة من البلد الذي لا يتمكن فيه من عبادة الله سبحانه وتعالى.

الاستضعاف السياسي:

ويفرق هذا عن القسم السابق في أن المستضعفين في هذا القسم قديرين على ممارسة طقوسهم الدينية وإقامة شعائرهم، لكنهم يقيمون ذلك تحت غطاء التقية، والخوف، وذلك لأن القوى الإستكبارية والكافرة قد وضعت في طريقهم العراقيل، وقد حث القرآن الكريم المسلمين في إلى الجهاد من أجل تخليصهم مما هم فيه، قال تعالى:- (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً)[5].

الاستضعاف الاقتصادي:

ونعني به أن يعيش المجتمع حالة من الطبقية، فتغير معالمه، فينقسم إلى قسمين، فقير وغني، ويكون الفقير مستضعفاً ومتصلطاً عليه من قبل الغني، فينهب ثرواته، ويستنـزف طاقاته، وهذا المعنى قد يستفاد من قوله تعالى:- (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)[6]. وقريب من ذلك قوله تعالى:- (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم)[7].

الجاهل القاصر مستضعف:

هذا ولا يخفى أن من أجلى مصاديق المستضعف الجاهل القاصر، إذ أنه ينطبق عليه التعريف المذكور للمستضعف، فهو قسم من أقسامه، ولذا يمكن القول بأن كل جاهل قاصر مستضعف.

أحكام المستضعف:

يستفاد من الآية الشريفة جملة من الأمور والأحكام المرتبطة بالمستضعف، فأول ما تدل عليه الآية الشريفة هو نفي التكليف عن كل من كان مستضعفاً جاهلاً.

كما أن الآية الشريفة تدل على لزوم تعلم الإنسان معارفه الدينية، وأنه لا يكون معذوراً عند الله تعالى، لأنها نصت أن المعذورية عند الله سبحانه تختص بمن كان مستضعفاً، وأن للاستضعاف شروطاً متى كانت متوفرة في شخص حكم عليه بكونه مستضعفاً، وإلا فلا.

وعلى أي حال، فهناك جملة من الأحكام المتعلقة بالمستضعف، منها ما يكون مرتبطاً بالأصول، ومنها ما يكون مرتبطاً بالفروع، ولا بأس بالتعرض ولو بصورة موجزة للحديث عن كلا النحوين بصورة مختصرة بمقدار ما يسعه هذا المختصر.

أصول الدين:

وقد تعرض الأعلام عند الحديث عن أحكام المستضعف بالنسبة إلى أصول الدين إلى أمر جعل بمثابة الأساس للبحث، وهو: هل يتصور وجود جاهل قاصر بالنسبة إلى أصول الدين، والأمور العقدية، أم لا؟…

ذكر بعضهم أنه لا يتصور ذلك، ويشهد لهذا قوله تعالى:- (وما خلق الجن والإنس إلا ليعبدون) إذ أن المستفاد من الآية الشريفة أن الغاية من الخلقة والهدف هو معرفة الباري سبحانه وتعالى، فكيف يستقيم هذا مع وجود جاهل قاصر؟!!!

وبعبارة أخرى، إن وجود الجاهل القاصر بالتوحيد سبب رئيس لعدم تحقق الغرض والغاية التي من أجلها تم خلق الخلائق، وهي معرفة الباري سبحانه وتعالى، وهذا يستدعي نقض الغرض، فعليه لكي لا يلزم نقض الغرض هذا، يلتـزم بعدم وجود جاهل قاصر في الأمور الاعتقادية.

لكن هذا الاستدلال لا يصلح لنفي وجود الجاهل القاصر، وذلك لأنه يمكن أن ينقض بوجود الأطفال والمجانين، حيث أن هذين الفردين ينطبق عليهما أنهما مخلوقان، وغاية خلقهما هي معرفة الباري سبحانه وتعالى، مع أن الطفل في مرحلة الطفولة، لا قابلية له على تحقيق ذلك، كما أن المجنون قد فقد القدرة على الوصول إلى هذه المعرفة، فكيف يتصور وجودهما مع أن الغاية من الخلق تستوجب الوصول إلى المعرفة!!!

كما يمكن أن يعالج الكلام السابق بطريق آخر، فيقال، بأن تخلف الغاية أو نقض الغرض إنما يتصورا حال كون ذلك مأخوذاً على نحو كل فرد فرد بخصوصه، أما لو كان ذلك مأخوذاً على نحو العموم، والصورة الكلية، لا على نحو الأفراد، فعندها لن يكون في البين نقض، لأن الأمر سوف ينصب على نحو الفرد الغالب، لا على نحو كل فرد فرد، فلاحظ.

نعم يمكن أن يستدل لإثبات ذلك بقوله تعالى:- (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون)[8].

والظاهر تمامية دلالة الآية الشريفة على نفي وجود الجاهل القاصر بالنسبة إلى وجود الباري سبحانه وتعالى، لأن المستفاد منها أن معرفة الله سبحانه من الأمور الفطرية التي لا تقبل القصور، مثلها مثل بقية الأمور الوجدانية، والقضايا الحسية. وهي على هذا تفيد أن لهذا الكون خالقاً، وصانعاً، وأنه واحد لا شريك له.

ويمكن أن يؤكد هذا المعنى ما ورد في كلمات بعض علماء التربية، من أنه لو أحضرنا طفلاً حديث الولادة وجعلناه في مكان بعيد عن الالتقاء بكل أحد، ومن دون أن يرتبط به أحد، وعمدنا إلى إيصال طعامه وشرابه إليه، فإننا نجده بعدما يكبر ويشب يملك المعرفة بالله سبحانه وتعالى، وهي وإن كانت معرفة ساذجة، إلا أنها معرفة توحيد، واعتراف بوجود خالق وصانع، وهذا يؤكد ما سبق وذكرناه، فلاحظ.

نعم ما ذكرناه من نفي وجود الجاهل القاصر إنما يتصور بالنسبة إلى التوحيد، ولا يـبعد أيضاً تصوره بالنسبة إلى النبوة العامة، والإمامة العامة، بمعنى أن كل خالق وصانع لابد أن يرسل رسلاً للخلق ليرشدوا إلى عبادته، وأن هؤلاء الرسل، لابد وأن يقيموا خلفاء بعدهم يقومون بهداية الخلق، لكن أن المصطفى الحبيب محمد(ص) رسول مرسل من قبل الله سبحانه، أو أن أمير المؤمنين(ع) منصب من قبل الله تعالى على لسان رسوله(ص)، فإن هذا من الأمور الخاصة، التي لا يبعد الجزم بوجود جاهل مقصر بالنسبة إليها، ويصعب القول بعدم وجوده، فلاحظ.

وعلى أي حال، فإذن لابد من التفصيل بالنسبة إلى وجود الجاهل القاصر نفياً وإثباتاً، فوجوده بالنسبة إلى الذات المقدسة، والنبوة والإمامة العامة، لا يمكن القبول به، بل كل جاهل بالنسبة إلى هذه الأمور يعدً في الحقيقة جاهلاً مقصراً، وليس جاهلاً قاصراً كما بينا.

نعم بالنسبة إلى النبوة والإمامة الخاصة، فلا مانع من البناء على وجوده.

الجاهل القاصر كافر:

ثم إنه بعدما ثبت لدينا وجود الجاهل القاصر ولو في الجملة، ينبغي الحديث عن حكمه، فهل يحكم عليه بأنه كافر، أم يحكم عليه بخلاف ذلك؟…

لا شك ولا ريب في أن الجاهل القاصر بالنسبة للأمور الإعتقادية، ليس مؤمناً كما هو واضح، وقد يحكم عليه بكونه كافراً، وذلك لأن المذكور في كلمات علماء الكلام أن الموجود عندنا خارجاً أمران، وهما: الإيمان والكفر، ولا ثالث لهما، كما لا وجود لواسطة بينهما، فالفرد خارجاً لا يخلو حاله إما أن يكون متصفاً بكونه مؤمناً، وإما أن يتصف بكونه كافراً، وهذا يعني أن كل من لم يتصف بالإيمان، فلا إشكال في أنه يتصف عندها بكونها كافراً.

لكن لا يخفى أن هذا الكلام وإن كان صحيحاً في نفسه، إلا أنه لا ينسجم وما نحن فيه، ضرورة أن الكافر في مصطلح المتكلمين، لا ينطبق على ما نحن فيه، إذ أن الكافر في مصطلحهم عبارة عمن جد وجود الذات المقدسة، أو من شك في وجودها مع قدرته على الوصول إلى الحق.

وفرض حديثنا من لا يتمكن من الوصول إلى هذه النتيجة، وهذا يستدعي وجود مغايرة كما لا يخفى.

إذاً لا مجال لتطبيق ما هو الموجود في مصطلح علم الكلام على مقامنا، كما هو واضح.

وعند الرجوع للروايات الصادرة عن أهل بيت العصمة(ع) نجد أنهم يشيرون إلى أن الناس ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:

1-مؤمن.

2-كافر.

3-مستضعف.

وقد حكى جملة من هذه النصوص غواص بحار الأنوار شيخنا العلامة المجلسي(ره) في كتابه القيم بحارا لأنوار، فقد روى عن أبي جعفر الباقر(ع) في المستضعفين الذين لا يجدون حيلة، ولا يهتدون سبيلاً،: (لا يستطيعون حيلة)فيدخلوا في الكفر(ولا يهتدون)فيدخلوا في الإيمان، فليس هم من الكفر والإيمان في شيء[9].

فإن قوله(ع): ليس هم من الكفر والإيمان، إشارة إلى أنهم قسم ثالث، فلا ينطبق عليهم عنوان، كما لا ينطبق عليهم عنوان الإيمان، وهذا يؤكد ما سبق وذكرناه، من أنه لا ينطبق عليهم عنوان الكافر الاصطلاحي الوارد في كلمات المتكلمين، فلاحظ.

وجاء في موثقة سماعة قال: سألت أبا عبد الله(ع) عن المستضعفين، قال: هم أهل الولاية، قلت: أي ولاية تعني؟ قال: ليست ولاية(في الدين)ولكنها في المناكحة والمواريث والمخالطة، وهم ليسوا بالمؤمنين ولا الكفار، ومنهم المرجون لأمر الله[10].

وفي رواية زرارة قال:قلت لأبي عبد الله(ع): أتزوج المرجئة أو الحرورية أو القدرية؟ قال: لا عليك بالبله من النساء. قال زرارة: فقلت: ما هو إلا مؤمنة أو كافرة. فقال أبو عبد الله(ع): فأين استثناء الله، قول الله أصدق من قولك:- (إلا المستضعفين من الرجال والنساء)[11].

والروايات في هذا المجال عديدة، ذكرها العلامة المجلسي(ره) كما عرفت في كتابه القيم بحار الأنوار كما سبق وأشرنا، ويمكن لمن أراد المراجعة إليها.

الجاهل القاصر معاقب:

وهل يستحق الجاهل القاصر العقاب، أم أنه لا يستحق ذلك؟…

من الواضح أن العقل يحكم بكون كل من كان متمكناً من الوصول إلى المعرفة، وقصر في تحصيلها فإنه يستحق العقاب، ولا ريب في أن الجاهل القاصر ليس كذلك، وذلك لما سبق وذكرناه من أنه معذور في المعرفة، نعم فصلنا بالنسبة للمعرفة التي يكون معذوراً فيها، ولذا هو غير معذور بالنسبة إلى المعرفة المرتبطة بالتوحيد، وإن كان معذوراً بالنسبة إلى المعرفة المرتبطة بالنبوة والإمامة الخاصة.

وبناءاً على هذا لا يمكن الحكم بنفي العقاب عنه بقول مطلق، كما لا يمكن الحكم باستحقاقه للعقاب بقول مطلق، بل الأمر يستدعي البناء على التفصيل كما عرفت.

فروع الدين:

أما بالنسبة إلى المسائل المرتبطة بفروع الدين، فهي عديدة، نسعى للإشارة إلى جملة منها، ونحيل القارئ العزيز إلى البقية.

الأحكام الوضعية:

وأول ما نشير إليه ترتيب آثار الأحكام الوضعية على الجاهل القاصر، الذي هو أحد مصاديق وأقسام المستضعف، فهل يحكم عليه بالنجاسة، وبالتالي يعامل معاملة النجس، أم يحكم عليه بالطهارة، وهل يـبنى على حلية ذبيحته، أم يحكم بحرمة ذبيحته، وهل يمكن الزواج منه، أم لا يمكن ذلك، كل هذه أسئلة تحتاج إلى إجابة، فنقول:

أما بالنسبة إلى الطهارة والنجاسة، فتارة نقول بأن المتبع هو القول بطهارة الإنسان ذاتاً كما هو قول بعض الفقهاء، وأخرى نقول بما هو المشهور والمعروف، بل لا يـبعد أنه المجمع عليه من قبل الأصحاب، وهو عدم الطهارة الذاتية للإنسان.

ولا يخفى أنه وفقاً للقول الأول، فسوف تكون النـتيجة هي البناء على طهارة المستضعف، وعدم ترتيب آثار النجاسة عليه، كما هو واضح.

إنما الكلام لو كنا والقول الثاني، فهل يمكن البناء على نجاسته، أم أنه سوف يحكم بكونه طاهراً؟…

قد يقال: بأن المتبع هو الحكم بنجاسته، وعدم ترتيب آثارا لطهارة عليه، لأنه ليس مسلماً، أو مؤمناً، فترتب عليه آثار النجاسة.

لكن الصحيح خلاف، بل المعتمد هو ملاحظة الدليل الدال على الطهارة والنجاسة، ببيان:

أنه إذا كان المستفاد من الطهارة، شرطية كون الإنسان مؤمناً، بحيث يقال أن كل من لم يكن مؤمناً، فإنه يحكم عليه بالنجاسة، فلا أشكال حينئذٍ في ترتيب آثار النجاسة عليه، للجزم بنفي عنوان الإيمان عنه كما هو واضح.

وأخرى، نقول بأن الدليل دل على أن النجاسة، إنما ترتب على ما إذا كان الإنسان كافراً، فما لم ينطبق عليه عنوان النجاسة، فإنه لا يحكم عليه بذلك، بل سوف يكون المرجع هو أصالة الطهارة، فلا ريب في عدم ترتيب آثار النجاسة عليه.

وبالجملة، تحتاج المسألة إلى تأمل ودقة أكثر فيما هو المستفاد من الأدلة الشرعية، كي يحكم بانطباق عنوان من العنوانين عليه، كما لا يخفى.

وأما بالنسبة إلى حلية ذبيحته، فلا يخفى أنه لما كان عندنا أحد الشروط المعتبر توفرها كون الذابح مسلماً، وبحسب الفرض أن الشروط المذكور قد انتفى في المقام، فلا إشكال في المنع من حلية ذبيحته، والحكم بعدم حلية أكلها، كما هو واضح.

وأما الزواج منه، فلو جعلنا أحد الشروط المعتبرة فيا لزواج، سواء في ناحية الكفاءة، أم في غير ذلك، كون الزوج مسلماً، فلا إشكال في عدم صحة الزواج منه، أما لو لم يجعل الشرط هو الإسلام، بل جعل الشرط هو عدم الكفر، فالظاهر البناء على جواز الزواج منه، لعدم انطباق عنوان الكافر عليه، كما لا يخفى.

الأحكام التكليفية:

لا ريب في أنه سوف يكون معذوراً في تقصيره في امتثال التكاليف الإلهية، كل ذلك لكونه معذوراً، فلا يكون مستحقاً للعقاب، ويجري فيه ما سبق وذكرناه فيما تقدم، فلاحظ.

نعم ما نود أن نشير له في المقام الحديث عن الجاهل القاصر، لكن من لم يكن قصوره في الأصول، بل كان قصوره في خصوص الفروع، وهو ما نبتلى به في حياتنا الخارجية، ونعني بذلك من كان مؤمناً، لكنه قاصر بالنسبة إلى معرفة الأحكام الشرعية، فهو غير محيط بما هو المطلوب منه في جملة من التكاليف الشرعية المرتبطة بالأحكام الفرعية، فهذا كيف يتم التعامل معه؟…

لا إشكال في أنه يجب على كل مكلف أن يعمد إلى تعلم المسائل التي تدخل في دائرة ابتلائه، فلو لم يعمد إلى ذلك، كان مستحقاً للعقاب، بمعنى أنه خالف تكليفاً إلهياً إلزامياً.

نعم هناك معذورية للفرد متى ما كان قاصراً، ونعني بالقاصر هو الذي يكون جاهلاً جهلاً مركباً، فهو لا يعلم، ويعتقد في نفسه أنه يعلم، فهذا لا يعيش حالة من التردد، مقابل الجاهل المقصر.

فمثلاً، لو كان هناك خلل للجاهل القاصر في صلاته، بحيث أنه أخل بغير الأركان، فإنه يمكن الحكم بتصحيح صلاته، كما أنه لو أفطر في نهار شهر رمضان على أحد المفطرات التي لم ترد في القرآن الكريم، فإنه وإن وجب عليه القضاء على الأحوط وجوباً عند جملة من الفقهاء، إلا أنه لا يجب عليه الكفارة، كما هو رأي بعضهم(رض).

——————————————————————————–

[1] سورة النساء الآية رقم 97-98.

[2] سورة النساء الآية رقم 99.

[3] المحصول ج 3 ص 321.

[4] سورة النساء الآية رقم 97-98.

[5] سورة النساء الآية رقم 75.

[6] سورة القصص الآية رقم 5.

[7] سورة الحشر الآية رقم 7.

[8] سورة الروم الآية رقم 30.

[9] بحار الأنوار ج 69 باب المستضعفين ح 16 ص 162.

[10] المصدر السابق ح 21 ص 163.

[11] المصدر السابق ح 24 ص 164.