17 أبريل,2024

تقليد الميت ابتداء

اطبع المقالة اطبع المقالة

من المسائل التي يكثر الحديث عنها في المحافل العلمية مسألة تقليد الميت،ابتداء،أو بقاء،حيث يكثر الأخذ والرد فيها من جهة الجواز المطلق،فيجوز التقليد للميت ابتداء كما يجوز البقاء عليه.

ومقابل هذا الرأي هناك من يمنع من تقليد الميت مطلقاً فلا يكتفي بعدم جواز تقليده ابتداء،بل يلتـزم بالمنع حتى من البقاء عليه،وهذا هو رأي المشهور إلى فترة غير بعيدة.

وهناك قول ثالث،يتضمن التفصيل بين التقليد الابتدائي،فلا يجوز تقليد الميت ابتداء،وبين البقاء،فيجوز تقليده بقاء.

ولما كانت هذه المسألة من المسائل المهمة لابد من بحثها ضمن مسألتين:

الأولى:في جواز تقليد الميت ابتداء من عدمه.

الثانية:في جواز البقاء على تقليد الميت من عدمه.

وبعد فرض الجواز لابد من بيان مقداره،من حيث البقاء المطلق على كل فتاواه،أو خصوص ما حفظها،أو خصوص ما تعلمها،وهكذا.

هذا ويقع حديثنا الآن فعلاً في خصوص المسألة الأولى،فنقول:

ينبغي البحث في هذه المسألة لأهميتها من عدة جوانب:-

الأول:-تاريخ المسألة.

الثاني:-أدلة المجوزين.

الثالث:-أدلة المانعين.

الجانب الأول:تاريخ المسألة:-

من الشرائط التي وقع الخلاف فيها اعتبار الحياة في المفتي.فقد اختلفت كلمات العامة فأجاز بعضهم تقليد الميت ابتداءً وسوغ الرجوع للحي عند توفر الشرائط المعتبرة فيه،ومنع بعضهم تقليد الأحياء لانسداد باب العلم وقصر المسألة على الأئمة الأربعة.

وأما الخاصة فقال الأصوليون منهم باشتراط الحياة في مرجع التقليد والمنع من تقليد الميت ابتداءً عدا المحقق القمي(قده).

وأما الإخباريون فعلى العكس فهم قائلون بالجواز إلا صاحب الوافية فله تفصيل.

وأول من أشار إلى المسألة من أصحابنا هو العلامة قال في النهاية:-قال آخرون إن حكى عن ميت لم يجز الأخذ بقوله إذ لا قول للميت لانعقاد الإجماع مع خلافه بعد موته دون حياته فدل على انه لم يبق له قول.

وقال في التهذيب:-وهل لغير المجتهد الفتوى بما يحكيه عن المجتهد؟..الأقرب انه إن حكى عن ميت لم يجز العمل به إذ لا قول للميت ولهذا لا ينعقد الإجماع لو خالف حياً.

وقال عميد الدين:-وفصل آخرون فقالوا إن حكى عن ميت لم يجز له العمل به إذ لا قول للميت لانعقاد الإجماع الواجب اتباعه بعد موته مع مخالفته حال حياته ولو كان قوله معتبراً لما كان كذلك فإذن لا يبقى للميت قول.

وقال فخر المحققين:-ولا يكفيه فتوى العلماء ولا تقليد المتقدمين فإن الميت لا قول له وإن كان مجتهداً

وقال في الذكرى:-وهل يجوز العمل بالرواية عن الميت؟… ظاهر العلماء المنع منه محتجـين بأنه لا قول له

وقال في جامع المقاصد:-فالميت لا قول له وان كان مجتهداً مما يدل على ذلك أن الإجماع لا ينعقد مع خلافه حياً وينعقد بعد موته ولا يعتد حينئذ بخلافه

وقال في رسائله:-واشترط الأكثر كونه حياً،وقال:-وما ينسبونه بزعمهم إلى المتأخرين ممن لم يضرب في فن الأصول بسهم من جواز تقليد الموتى فهو مردود لا يلتفت إليه

وقال الشهيد الثاني في المسالك:-وقد صرح الأصحاب في هذا الباب من كتبهم المختصرة والمطولة وفي غيره باشتراط حياة المجتهد في جواز العمل بقوله وان الميت لا يجوز العمل بقوله ولم يتحقق إلى الآن في ذلك خلاف ممن يعتد بقوله من أصحابنا وان كان للعامة في ذلك خلاف مشهور وتحقيق المسألة في موضع آخر

وقال المقدس الأردبيلي:-وأما عدم جواز تقليد الميت مطلقاً فهو مذهب الأكثر.وقال:-وكذا العمل بقول الميت عند عدم الحي أصلاً وإلا يلزم الحرج والضيق المنفيان عقلاً ونقلاً

وقال في المعالم:-وهل يجوز العمل بالرواية عن الميت؟..ظاهر الأصحاب الإطباق على عدمه ومن اهل الخلاف من أجازه.

وقال:-يظهر من اتفاق علمائنا المنع من الرجوع إلى فتوى الميت مع وجود المجتهد الحي بل قد حكي الإجماع فيه صريحاً بعض الأصحاب

وقال السبزواري:-نقل الاتفاق عن بعضهم

وقال الفيض الكاشاني:-انه مختار اكثر المجتهدين بحيث كاد أن يكون إجماعاً بينهم

وقد حكى الإجماع على الاشتراط الوحيد البهبهاني في فوائده.

وأما القول بالجواز فقد شاع في القرن العاشر تقريباً بظهور المدرسة الإخبارية.فقال المحدث الأمين الاسترابادي (قده) بذلك،ونقل عن صاحب الحدائق مثله،وقال به المحدث الجزائري في منبع الحياة.

وأثار الخلاف من جديد في القرن الثالث عشر المحقق القمي (قده) ولكن لا موافقة مع الإخباريين في المسلك، بل في النتيجة حيث انه بنى الجواز على حصول الظن الأقوى سواءً من قول الحي أم الميت وذلك لمبناه في انسداد باب العلم قال (قده) :-..نحن مكلفون في أمثال زماننا وسبيل العلم بالأحكام منسد، والتكليف بما لا يطاق قبيح فليس لنا إلا تحصيل الظن بحكم الله الواقعي فإذا تعين المظنون فهو وان تردد بين أمور فالمكلف به هو أحدها

أقول:-إن الذي يظهر من كلمات العلامة وعميد الدين وفخر المحققين والشهيد هو وجود المخالف في عصرهم وان لم ينقل ولم يعرف،فليس القول به مبتدئاً في القرن العاشر بل شاع القول به في تلك الحقبة الزمنية.

الجانب الثاني:أدلة المجوزين:-

استدل القائلون بالجواز بأدلة وهي:-

منها:-إطلاقات الأدلة اللفظية وتقريبه:-

إن مقتضى الإطلاق الوارد في ألسنة الأدلة اللفظية هو كون المناط في حجية الفتوى صدق عنوان الفقيه والمنذر وغيرها من العبائر الواردة فيها ولا مدخلية لشيء آخر فلا اعتبار باشتراط الحياة.

وقد أجيب عنه كما في تقرير بعض الأعاظم(قده):-

إن العناوين المأخوذة في الأدلة قد أخذت على نحو الفعلية فتكون ظاهرة في من كان متصفاً بهذه الصفة بالفعل،لا الأعم من التلبس بالفعل ومن انقضى عنه التلبس، فالميت ليس متصفاً بهذه الصفة بالفعل بل كان متلبساً بها وانقضى عنه التلبس فلا تشمله الأدلة المتقدمة

وأورد عليه شيخنا الأستاذ(دام ظله) نقضاً وحلاً:-

أما النقض:-بأن هذا خلاف ما جاء منه (قده) في الأصول حيث استند في حجية الخبر إلى هاتين الآيتين-النفر والسؤال-والروايات المتقدمة فلو كان العنوان ظاهراً في الفعلية ودوام حجيته بدوامها فهذه الأدلة ساقطة عن القابلية والصلاحية للاستدلال على حجية الخبر لان الحجية مربوطة بحياة الراوي وهذا أمر لا يعقل الالتزام به.

والجواب عنه :-إن هذا النقض ممنوع حيث أن المناط في الرواية هو الوثاقة ولا علاقة لها بالحياة والموت بخلاف الرأي، حيث أن المتيقن هو كونه ذا قيمة حين حياة صاحبه وبعد وفاته يشك في بقاء حجيته وعدمها، وكلام بعض الأعاظم (قده) هو أن المستفاد أن الأدلة غير شاملة لهذه الصورة وهي الشك فلا تدل على بقاء حجية رأيه لظهورها في المتلبس.

وبعبارة ثانية:إن الحجية ثابتة للرواية لا الراوي.

وأما الحل:-فأفاد(دامت بركاته):-إن المجعول في الأمارت هو الطريقية والكاشفية والأمارة طريق لإحراز الواقع والأساس فيها هو الكشف عنه وهو لا ينقلب بالموت ولا ينتهي به.

والإنصاف أن ما أفاده بناءً على مسلك الطريقية في محله.

وأجاب(دام علاه)عن الاستدلال:-بأن مقتضى مناسبة الحكم والموضوع هو إلغاء الظهور في الفعلية، إلا انه لا ترديد لنا في أن أصحاب الأئمة كانوا يرجعون للأحياء فقوله:-ممن اخذ معالم ديني،ظاهرة في ذلك ولهذا لا نرى أحداً في زمان الإمام العسكري (ع) قد عمل بروايات محمد بن مسلم.

وفيه:-لقد تقدم منا عدم استفادة جواز التقليد من هذه النصوص وعليه لا اثر لهذا الجواب.

ومنه تعرف ما في جواب شيخنا التبريزي(حفظه الله) لقربه مما أشار له شيخنا الأستاذ،مضافاً إلى أن مقتضى مناسبة الحكم والموضوع تقتضي جواز تقليد الميت ولو ابتداءاً لأن المناط هو الكاشفية ولا انتهاء فيها.

والتحقيق في الجواب:-أولاً:-أن الأصل في تعارض الأمارتين هو التساقط فلا دلالة للإطلاقات على المدعى لسقوطها.وبيان ذلك:-

إذا كانت الإطلاقات شاملة لقول الميت وهو مخالف للحي فعندها يقع التعارض بينها فيتساقطان فيرجع إلى الأصل العملي وهو قاعدة الاحتياط.

ثانياً:-إن انعقاد الإطلاق في الأدلة اللفظية راجع لتمامية الظهور الناهض بالسيرة العقلائية،فيرجع إلى الاستدلال بالسيرة لا أنه بنفسه دليلاً مستقلاً.

ومنها:-السيرة العقلائية:-

فإنها منعقدة على رجوع الجاهل للعالم بمناط الخبروية والعالمية بلا مدخلية شئ آخر حيث إن ارتكازهم قائم على الرجوع للخبير واتباع قوله سواءاً أكان حياً أم ميتاً.

وأورد عليه:-بأن هذه السيرة مردوع عنها بالأدلة الظاهرة في اعتبار الحياة في مرجع التقليد وعدم جواز تقليد الميت ابتداءاً

أقول:-قد سبق منا الجواب عن هذا الإيراد فلا نعيد،نعم نضيف هنا ثانياً:-أن عمدة ما يستفاد من تلك الأدلة هو إثبات الحجية لقول الحي لا نفيها عن قول الميت.

وأجيب عنها ثانياً:-أن الفتاوى بين الأحياء والأموات متخالفة وهذا الاختلاف لا يخفى على العامي والسيرة غير شاملة لهذه الصورة من التعارض بينهما

أقول:بيان هذا الإشكال هو:-أن السيرة دليل لبي يقتصر فيه على القدر المتيقن وهو ما لم يعلم فيه الاختلاف بين الحي والميت في الفتوى فان السيرة قائمة على الأخذ من الأموات، أما حين العلم بالاختلاف والتعارض في الفتوى فان السيرة ليست قائمة على مراجعة الأموات.

ويرد عليه نقضاً وحلاً:-أما النقض:-فانه أخص من المدعى.

وأما الحل:-إن السيرة قائمة على الرجوع للأعلم حين الاختلاف وعلى القول بجواز تقليد الميت ابتداءاً لا فرق بين الحي والميت لان المناط هو الأعلمية فقط.

وأجيب عنها ثالثاً:-إن السيرة قائمة على أمرين:-

الأول:-جواز تقليد الميت ابتداء.

الثاني:-وجوب تقليد الأعلم حين الاختلاف في الفتوى.

وبضمهما معاً يكون نتيجة ذلك هو وجوب تقليد اعلم الأولين والآخرين، والأعلم شخص واحد دائماً وهذا لا يمكن الالتزام به لوجود الإجماع على خلافه مع كون عدمه ضرورة دينية

وفيه:-إن انحصار الأعلمية في شخص واحد لا مانع منه،وأما الاختلاف في الفتوى فمرجعه إما للعلم الإجمالي وهو غير منجز لاختلال بعض أركانه-خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء-أو التفصيلي فلا مانع عندها من كون الاختلاف لمصلحة موجودة فيه لتحققه قطعاً في الأحكام الظاهرية مع تأكيد الشارع وبشدة على متابعة الفقهاء.

وأجيب عنها رابعاً:-بان الإجماع المدعى مانع عن انعقادها

وفيه:-لقد اتضح مما ذكرنا في تاريخ المسألة حاله فلا نعيد.

والتحقيق في الجواب عنها هو:-

أولاً:-إن الثابت هو عدم ثبوت ردع لا أن الثابت عدم الردع،وهذا يبقي احتمالاً للردع فلا يمكن التمسك بها فتأمل.

ثانياً:-إن السيرة قائمة على رجوع الجاهل للعالم مما يعني أن انهم يرون للحياة مدخلية فهم يعتبرون الميت جماداً لا يعرف شيئاً ويرون رأيه زائل فلا محالة لا يكون بنائهم على حجية فتواه ورأيه.ولا اقل من الشك في ذلك فتأمل.

ومنها:-الأصل:-

إن مقتضى الأصل العملي وهو الاستصحاب هو القول بجواز تقليد الميت ابتداءاً،وقد ذكرت عدة وجوه في تقريبه:-

الأول:-لا إشكال في جواز تقليد الميت حال حياته وبعد موته نشك في بقاء الجواز وسقوطه فهذا شك في البقاء بعد الحدوث فنستصحب جواز البقاء.

الثاني:-إن رأي الميت حينما كان حياً حجة وقوله معتبر شرعاً،وحينما مات نشك في بقاء الحجية والاعتبار فنستصحب البقاء.

الثالث:-لما كان الميت حياً كانت آرائه طريقاً وكاشفاً-بناءاً على الطريقية في الأمارة-عن الأحكام الواقعية كالوجوب والحرمة والجواز وبعد موته نشك في أن الأحكام المنكشفة برأيه هل لازالت باقية على حجيتها أو لا؟…فنستصحب البقاء.

أقول:-لا يخفى أن جريان الاستصحاب في المورد مبني على القول بجريانه في الشبهات الحكمية والاستصحاب التعليقي فلا حاجة لنقل إيراد بعض الأعاظم

وأورد عليه الشيخ الأعظم:-أن الاستدلال به وان كان سالماً عن الإشكال إلا أن النوبة لا تصل للأصل العملي إلا بعد فقد الدليل الاجتهادي وهو غير مفقود فلا مجال للاستصحاب.

أقول بيان هذا الإشكال هو:-أن أركان الاستصحاب بأجمعها متوفرة والمقتضي موجود كما أن المانع مفقود إلا أن النوبة لا تصل إليه لورود الأدلة الاجتهادية عليه كالإجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة العظيمة.

أقول:-أما بالنسبة إلى دعوى الإجماع:-

ففيه:-أولاً:-إن دعوى الإجماع في غير محلها كما اتضح من تاريخ المسألة فراجع.

ثانياً:-على فرض تحققه فهو إجماع محتمل المدرك.

ثالثاً:-هذا إجماع منقول ولم تثبت حجيته.

وأما دعوى الشهرة فمدفوعة:-أولاً:-بعدم عنونة المسألة في كتب القدماء.

ثانياً:-وجود الخلاف بين المتأخرين كما سبق الإشارة إليه.

ثالثاً:-إن هذه شهرة فتوائية لا قيمة لها.

المقام الثاني:أدلة المانعين:-

استدل المانعون بأدلة:-

منها:-ظهور الأدلة في اعتبار الحياة في المفتي بتقريب:-

إن الإنذار الذي تكون له قيمة رادعة عند العقلاء إنما هو الإنذار من الحي، وأما الإنذار من الميت فلا وجه له، وكذلك ما ورد في بقية الأدلة من الأوصاف.

أقول:-قد مضى منا جوابه فلا نعيد.

ومنها:-إن فتوى الميت لا يخلو حالها-بناءاً على حجيتها-عن أحد أمرين-على سبيل مانعة الخلو-

الأول:-أن تكون معتبرة حتى لو ساوى الميت الأموات والأحياء في الفضيلة.

الثاني:-أن يكون الميت اعلم من الجميع أحياءاً وأمواتاً.

أما الأمر الأول:-وان كان الالتزام به ثبوتاً لا مانع منه إلا أن المحذور فيه إثباتاً حيث أن الأدلة غير شاملة لصورة التعارض في الفتوى.

وأما الأمر الثاني:-فان الحكم فيه بالجواز ممكن بحسب مرحلتي الثبوت والإثبات فان السيرة قائمة على ذلك بلا محذور فإنّا نراهم يرجعون للأعلم.

وأورد عليه:-إن هذا يستلزم حصر المقلد في شخص واحد للعلم إجمالاً بالاختلاف في الفتوى فيرجع للأعلم وهذا خلاف الضرورة من مذهب الشيعة لان الأئمة عندهم اثنا عشر لا ثلاثة عشر

أقول:-قد سبق منا جوابه في رد ما أفاده شيخنا الأستاذ(دامت بركاته)

ومنها:-الإجماع المدعى من جملة من الأعاظم على عدم الجواز:-

وقد قرب بأنه إجماع يمكن الاعتماد عليه ويكون حجة تعبدية وقد اعتمد عليه الشيخ الأعظم.

ولقد تصدى بعض الأعاظم لدفع مخالفة المحقق القمي والإخباريين بالتالي:-

إن خروج المحقق القمي ناشئ من مختاره في العمل بالانسداد وهذا المبنى والبناء كلاهما فاسد.

أما المبنى:-فانه قائل بعدم حجية الظن الخاص وانسداد باب العلم والعلمي فتكون النتيجة الحجية لمطلق الظن.

ولا يخفى ما فيه:-لان الانسداد متوقف على اصلين:

الأول:-عدم حجية الظواهر لغير المقصودين بها.

الثاني:-عدم حجية الخبر الموثوق به.

وقد ثبت في محله الحجية لكليهما.

وأما البناء:-فلو سلم الانسداد فإنما يعتبر الظن على خصوص المجتهد لأنه حينئذ يجب أن يعمل بظنه الحاصل من الأدلة.

أما العامي فلا لعدم إمكانه تحصيل الظن بالأحكام الواقعية من فتوى الميت حين مخالفته الأحياء، بل الأموات في المسألة.

وأما بالنسبة إلى مخالفة المحدثين فإنها راجعة إلى مغايرتهم لنا في مشروعية التقليد فهم يرون أن رجوع الجاهل للمجتهد من باب الرجوع لرواة الحديث وهذه الدعوى فاسدة مبنى وبناءاً:-

أما المبنى فلما تقدم منا من أن الرجوع للمجتهد من باب كونه من أهل الخبرة ونظره له دخل في جواز الرجوع له.

وأما البناء فان المنع من إرجاع العامي إلى فتوى الميت بعنوان راوي الحديث لاختلاف العلماء في المسائل الشرعية واختلاف مداركها فيحصل التعارض وعندما تتعارض الأخبار تسلب قدرة العامي على الرجوع لشيء منا فعليه أن يلجأ للترجيح أو يلاحظ حين التكافؤ مقتضى القاعدة من التساقط أو التخيير.

أقول:-إن ما ذكره وجيه في نفسه،إلا انه أخص من المدعى.مضافاً لما تقدم منا من الجواب عن هذا الإجماع.فتحصل عدم ثبوت الاستدلال بالإجماع.

ومنها:-الأصل فانه قائم على عدم حجية قول الميت،وتقريبه:-

إن المورد من موارد التعيين والتخيير في الحجية،وعندما يشك في مدخلية اشتراط الحياة فمقتضى الأصل العقلي هو عدم الحجية لان الشك فيها يساوق القطع بعدمها.

أقول:-إن الاستدلال بالأصل إنما يتم في المسألة بناءاً على عدم اشتراط الأعلمية في مرجع التقليد وأما على إشتراطها فلا،بيان ذلك:-

إن مفاد الأصل هو الدواران بين التعيين والتخيير وباشتراط الأعلمية لا تخيـير في البين بل المورد من موارد التعيـين لتعين مرجع التقليد في الأعلم لاشتراط الأعلمية فيه فلا تصل النوبة للأصل أصلا.

والتحقيق:-عدم جواز تقليد الميت ابتداء.بيان ذلك:-

إن عمدة ما يستدل به على جواز التقليد ابتداء هو الأصل وهو محكوم بالسيرة لان القدر المتيقن منها هو تقليد الأعلم الحي لما سبق منا المناقشة في السيرة على التقليد الابتدائي فراجع.

فتحصل إلى هنا أن الصحيح عدم جواز تقليد الميت ابتداء، والله سبحانه وتعالى العالم بحقائق الأمور،وهو الهادي إلى سواء السبيل.