مسألة في الاستغفار والتوبة:

لا تعليق
مسائل و ردود
109
0

مسألة في الاستغفار والتوبة:

س: إن القارئ للقرآن الكريم يجده مرة يقدم الاستغفار على التوبة كما في قوله تعالى:- (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه)، وأخرى نجده يقدم التوبة على الاستغفار، كما في قوله تعالى:- (أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرون)، فما هو الوجه في ذلك؟

ج: لا يخفى أن الموضوع الذي تضمنته الآيتان اللتين وردتا في السؤال، هو التوبة والاستغفار، وهما من المفاهيم التي يتصور اتحادهما، وأنهما بمعنى واحد، بل ربما توهم البعض ترادفهما، مع أن الصحيح أنهما مفهومان متغايران، ذلك أن التوبة تعني الرجوع، بينما الاستغفار يعني الستر. نعم لا مانع من أن يتحدا في المصداق الخارجي بأن يكون هناك شخص تائب ومستغفر في نفس الوقت، وعليه فحديث القرآن الكريم مرة عن تقديم التوبة، وأخرى عن تقديم الاستغفار، لابد وأن يكون غايته الإشارة إلى أمر ما، وحتى يتضح المقصود من ذلك، لابد وأن نحيط بما يحتاج المذنب حتى يتسنى له التوبة، فهل أن مجرد عزمه وقصده للتوبة يحقق الغرض، أم أنه بحاجة إلى موجبات كي ما يتحصل على ذلك؟

عندما نعود للقرآن الكريم، نجد ثلاثة أساليب وردت فيه حول التوبة:

الأول: جعله سبحانه وتعالى التوبة من نفسه، قال تعالى:- (ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم)، فنجد أنه عز وجل قد قدم التوبة من نفسه أولاً، ثم ذكر بعد ذلك توبة العاصي، نعم لم يتعرض الباري سبحانه لبيان المقصود من توبته عليهم، والظاهر أنالمقصود منها عبارة عن التوفيقات والعناية الخاصة التي يوفق الله تعالى إليها العصاة حتى يتوبوا ويرجعوا إليه سبحانه.

الثاني: تقديم الاستغفار علىالتوبة، قال تعالى:- (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه)، ولم ينحصر تقديم الاستغفارعلى التوبة في خصوص القرآن الكريم، بل هو في الأدعية كثير جداً، حتى أن المؤمنين غالباً ما بين السجدتين في صلواتهم، يقولون: استغفر الله وأتوب إليه.

الثالث: تقديم التوبة على الاستغفار، كما في قوله تعالى:- (أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه)، فإنه سبحانه قد قدم التوبة على الاستغفار، بخلاف ما كان في الأسلوب الثاني، كما هو واضح.
ومن خلال استعراض الأساليب القرآنية الثلاثة للحديث عن التوبة يمكن أن نعرف أن التائب كي ما يتمكن من التوبة يحتاج إلى ثلاثة أمور:

الأول: التوفيق من الله سبحانه وتعالى، والإقبال عليه ليتمكن من الدخول في الصراط المستقيم بعدما كان منحرفاً.

الثاني: تحقق الندم منه على معاصيه، وذنوبه، ولا ريب أن الندم فعل نفسي لا يحرز إلا من خلال وجود مبرز يبرزه، والطريق إلى ابرازه عادة يكون بواسطة الاستغفار

.
الثالث: محبة الغفران والاستغفار، فيتكرر منه صدور الندم مرة أخرى.

فالآية في الأسلوب الثاني عندما قدمت ذكر الاستغفار على التوبة، جاءت تشير إلى أنه حتى ينطبق عليكم عنوانالتائبين، فلابد وأن يصدر منكم الندم، وطريق إحراز صدوره يكون عادة من خلال الاستغفار، فتقديم ذكره لكونه كاشفاً عن كون الإنسان قد ندم، ورجع عما كان عليه من الانحراف

.

بينما هي في الأسلوب الثالث، تتحدث عن بلوغ التائب مرحلة أعلى، إذ أنه وصل إلى مرحلة حب الغفران والاستغفار، كونه قد فرغ من الندامة، وأبرزها من خلال الاستغفار، لكنه الآن يطلب محبة الغفران، وذكر التوبة بعده إشارة إلى تكرار الندامة حتى بعد محبة الغفران والاستغفار، وتأكيد على تحققها خارجا

ً.

هذا وقد ذكر علماء المعرفة والأخلاق، أن للتوبة أقساماً:

منها: توبة الإنابة، وهي التي تكون عبارة عن الخوف من الله سبحانه وتعالى. ولا ينبغي الخلط بين الخوف من عقابه سبحانه، وبين الخوف منه، إذ أن الخوف منه، لا يلزم أن يكون خوفاً من عقابه، ضرورة أنه قد يكون الموجب للخوف منه يعود لخشية الحرمان من العطاء، والفيوضات الخاصة، فلاحظ.

ومنها: توبة الاستجابة، وهي التي تكون ناشئة من الحياء من الباري سبحانه وتعالى، لأن العبد يرى أنه تعالى قريب منه، وقربه يوجب حياء عنده.
ومنها: توبة العوام، وهي التي تكون بسبب خوف العبد من عقاب الله سبحانه وتعالى، وعذابه.

ومنها: توبة الخواص، ولما كان الخواص لا يتصور فيهم المعصية حتى يتصور فيهم التوبة، قالوا أنهم إنما يتوبون من الغفلة عن ذكر الله تعالى.
ومنها: توبة خواص الخواص، وهي التي تكون للأنبياء والأولياء، وتكون عادة من فعل المباح، والله العالم

.

مشهد المقدسة

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة