الطواف نيابة عن صاحب الزمان(عج) (2)

لا تعليق
خواطر حوزوية
311
0

الثاني: الطواف المستحب عمن كان حاضراً في مكة:

ثم إنه بعد الفراغ عن كون الإمام صاحب العصر والزمان(روحي لتراب حافر جواده الفداء) حاضراً في مكة المكرمة، يقع الحديث حول مشروعية الطواف عنه طوافاً مستحباً. والمذكور في كلمات الأعلام(رض)، التفصيل بين من كان معذوراً، فيشرع الطواف عنه، وبين من ليس كذلك، فيحكم بعدم المشروعية.

ولا يذهب عليك، أن القول بعدم المشروعية، هو مقتضى القاعدة، ذلك أن المقرر في محله عدم مشروعية نيابة أحد عن أحد، استثنى من ذلك بعض الموارد كالحج مثلاً لقيام الدليل على ذلك، وعليه فقول الأصحاب بعدم المشروعية لغير المعذور لا يحتاج دليلاً، وإن الذي يحتاج الدليل هو مشروعية الطواف المستحب عن المعذور الموجود في مكة، وعليه ففي كلماتهم فرعان للبحث:

الأول: مشروعية الطواف عن المعذور الموجود في مكة طوافاً مستحباً.

الثاني: عدم مشروعية الطواف المستحب عن الموجود في مكة، وليس به علة.

ولما كان الفرع الأول خارجاً عن محل بحثنا، فلن نعرض إليه، وإنما يطلب من مظانه في البحث الفقهي، مع أننا قد أشرنا إليه بصورة موجزة في مطلع الحديث. ونقصر الحديث على خصوص الفرع الثاني كونه المربوط بمحل البحث، إذ لا ريب في أن المولى(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، بعد البناء على كونه موجوداً مكة المعظمة، فإنه لا علة به، ولا عذر لديه، مثل كونه مريضاً أو كسيراً، أو غير ذلك لا سمح الله، وهذا يعني أنه وفقاً لتفصيل الأصحاب، يبنى على عدم مشروعية النيابة عنه، لما عرفت من أن مقتضى القاعدة هو عدم المشروعية إلا إذا دل الدليل على ذلك.

ويؤيد ذلك خبر إسماعيل بن عبد الخالق، قال: كنت إلى جنب أبي عبد الله(ع)، وعنده ابنه عبد الله وابنه الذي يليه، فقال له رجل: اصلحك الله، يطوف الرجل عن الرجل وهو مقيم بمكة ليس به علة؟ فقال: لا، لو كان ذلك يجوز لأمرت ابني فلاناً فطاف عني، سمى الأصغر وهما يسمعان[1]. ودلالته على عدم مشروعية النيابة عمن كان حاضراً في مكة من دون عذر واضحة، كما أن ظاهره الإطلاق، الشامل للطواف الواجب والمستحب، فيكون مربوطاً بمحل البحث.

نعم يمنع من الاستدلال به، ضعفه السندي، فقد اشتمل سنده على إبراهيم بن عمر اليماني، وهو وإن وثقه النجاشي، وقال عنه: شيخ من أصحابنا ثقة[2]. إلا أنه قد ضعفه ابن الغضائري(ره)، وقال عنه: ضعيف جداً. وقد حكم بعض الأعاظم(ره) بوثاقته[3]، لعدم وجود المعارض لتوثيق النجاشي، فإنه يلتـزم بعدم ثبوت نسبة كتاب الضعفاء لابن الغضائري.

وقد عرفت منا تمامية نسبة الكتاب إليه، كما أنه لا يوجد ما يمنع من القبول بتضعيفاته، فلن يكون في المقام ما يصلح لمعارضته، وهو مقدم على قول النجاشي، وهذا يوجب ضعف الخبر سنداً.

إلا أنه قد يدعى رفع اليد عن مقتضى القاعدة، والبناء على وجود ما يدل على مشروعية النيابة عنه(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، لأمور:

منها: النصوص التي تضمنت مشروعية النيابة في الطواف المستحب عمن كان غائباً عن مكة من دون عذر ولا علة، لدلالتها على مشروعية النيابة في الطواف المستحب، ومجرد كون المنوب عنه غائباً عن مكة، قد ورد في لسان السائل، وليس على لسان الإمام(ع)، والظاهر أن العرف لا يرى مدخليته في الحكم، الموجب لاختصاصه به، ففي معتبرة يحيى الأزرق قال: قلت لأبي الحسن(ع): الرجل يحج عن الرجل، يصلح له أن يطوف عن أقاربه؟ فقال: إذا قضى مناسك الحج، فليصنع ما شاء[4]. ودلالتها على مشروعية الطواف عن الغائب عن مكة واضحة، وأما أنه يمكن للنائب أن يأتي بالطواف المستحب عمن ليس موجوداً في مكة قبل قضاء النسك، أو بعده فذلك يبحث في مورده.

نعم قد يمنع من الاستناد إليها، وجود يحيى الأزرق في سندها، لأن المعبر عنه بهذا في النصوص يتردد بين يحيى بن عبد الرحمن الأزرق، وقد نص على وثاقته، وبين يحيى بن حسان الأزرق، وهو لم يوثق. ولما لم يمكن التميـيز بينهما، فيكون الراوي مشتركاً بين الثقة وغيره، فيمنع ذلك من الاستناد إلى الخبر.

وفي مثل هذه الموارد، يحكم بعض الأعاظم(ره) بالانصراف إلى المشهور والمعروف منهما، ويحرز ذلك بنظره من خلال كونه صاحب كتاب أو أصل، ولما كان يحيى بن عبد الرحمن صاحب كتاب، فعليه يكون صغرى لهذه الكبرى، فينصرف إليه، ويكون الخبر المذكور معتبراً للنص على وثاقته.

وما أفاده(قده)، وإن كان يمكن الاستناد إليه، إلا أنه لا بنحو الموجبة الكلية، بحيث يمكن تطبيقه في جميع الموارد، وإنما على نحو الموجبة الجزئية لا مانع منه، ويشهد لذلك موارد عديدة، يحكم فيها(ره) بتقدم أحد الراويين، بدعوى شهرته، والحق خلافه، فلاحظ.

وقد استظهر بعض الأعلام(قده) عدم التعدد، وأن الموجود هو شخص واحد قد نص على وثاقته، ولا يهم تحقيق اسم أبيه، وأنه عبد الرحمن أو حسان، وورود ذكر الأب في بعض النساخ، لا يبعد أن يكون زيادة من النساخ، أو الراوي للخبر كالشيخ الطوسي(ره)[5]. وقد ذكر الاتحاد في موضع آخر[6]، فلاحظ.

وما ذكره(ره) قريب جداً مما استظهره المحدث النوري(قده) في الخاتمة، فإنه أنكر وجود شخصية يحيى بن حسان، وعدّ ذلك من سهو القلم، وأن الواقع في مشيخة الفقيه هو ابن عبد الرحمن، وليس بن حسان، وجعل القرينة على كلامه عدم وقوفه على رواية في الكتب الأربعة تضمن سندها يحيى بن حسان الأزرق، ما يورث الظن القوي وفاقاً للفاضل الأردبيلي[7]، بأن كلمة حسان من طغيان القلم، وأن الأصل هو عبد الرحمن[8].

وقد تحصل، أنه لا يوجد في المقام إلا راوٍ واحد، وذكر الراوي الثاني، يعدُ من التصحيف، فتكون الرواية معتبرة.

هذا وقد يبنى على وثاقة يحيى الأزرق مطلقاً، سواء أكان هو بن عبد الرحمن، أم كان بن حسان، أم كان شخصاً ثالثاً، وذلك اعتماداً على رواية صفوان عنه، لما ورد عن شيخ الطائفة(ره) من أنه وأخويه لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة.

ولا يوجد ما يمنع من القبول بالكبرى المذكورة، خصوصاً وأن ما أوردوه عليها من إشكال غير تام، إلا أن الأمر في ما يستظهر من العبارة، فإن الظاهر كون المستفاد منها اعتبار تعدد الرواية، وليس مجرد الرواية عن الشخص، فلو لم يكثر واحد منهم ذلك، فإنه لا يكون مشمولاً لها، وعليه لا يصلح المورد صغرى لها، فلاحظ.

ولا يذهب عليك أن ما ذكر نحو من أنحاء إلغاء الخصوصية، وبالتالي البناء على التعدي من المورد المذكور، ليكون شاملاً لغيره ممنوع، وذلك لما عرفت منا في ما تقدم، من أن القول بالمشروعية على خلاف القاعدة، وهذا يقضي أن لا يلتـزم بإلغاء الخصوصية، إلا أن يكون الأمر واضحاً، فتدبر.

ومنها: سيرة الشيعة منذ القديم، وبينهم العلماء المنعقدة على النيابة عنه(عج) في الطواف، وهذا يكشف عن وجود سيرة متشرعية معاصرة للمعصوم، ومستجمعة لما يعتبر توفره في حجية سيرة المتشرعية، ولم يتم الردع عنها، الكاشف عن تحقق الإمضاء، فيثبت المطلوب.

ويلاحظ عليه، مضافاً لكون السيرة المذكورة من السير الحادثة، ومجرد معاصرتها لعصر المولى(روحي له الفداء) لا يخرجها عن ذلك، ذلك أنه يعتبر في حجيتها أن يكون المعصوم(ع) متمكناً من الردع عنها ولم يردع، ولاريب أنه في زمان الغيبة المظلمة، لا مجال لأن يلتـزم بإمكانية الردع من قبل(روحي فداه)، لأن هذا نظير المنع عن إمكانية تحقق الإجماع الدخولي الحسي، فلاحظ.

ومنها: ما دل على مشروعية النيابة عنه في الحج، إمضاء منه(روحي له الفداء)، فقد روى القطب الراوندي أن أبا محمد الدعلجي كان له ولدان وكان من أخيار أصحابنا، وكان قد سمع الأحاديث وكان أحد ولديه على الطريقة المستقيمة، وهو أبو الحسن كان يغسل الأموات، وولد آخر يسلك مسالك الأحداث في الإجرام، ودفع إلى أبي محمد حجة يحج بها عن صاحب الزمان(عج)، وكان ذلك من عادة الشيعة وقتئذٍ.

فدفع شيئاً منها إلى ابنه المذكور بالفساد وخرج إلى الحج فلما عاد حكى أنه كان واقفاً بالموقف فرأى إلى جانبه شاباً حسن الوجه أسمر اللون، بذؤابتين مقبلاً على شأنه في الابتهال والدعاء والتضرع، وحسن العمل فلما قرب نفر الناس التفت إلي فقال: يا شيخ، أما تستحيي؟ فقلت: من أي شيء يا سيدي، قال: يدفع إليك حجة عمن تعلم فتدفع منها إلى فاسق يشرب الخمر، يوشك أن تذهب عينك هذه-وأومأ إلى عيني-وأنا من ذلك إلى الآن على وجل ومخافة.

وسمع أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ذلك، قال: فما مضى عليه أربعون يوماً بعد مورده حتى خرج في عينه التي أومأ إليها قرحو فذهبت[9].

بتقريب: إنه لا إشكال في اشتمال الحج على الطواف، وهو أحد أجزاء النسك، ومقتضى مشروعية النيابة عنه في الحج، توجب الاتيان بالطواف عنه، الكاشف عن مشروعية النيابة فيه، بنحو الاستقلال.

وهو في غير محله، إذ لا ملازمة بين مشروعية النيابة عنه في الحج، وبين المقام، ومجرد كون الطواف أحد أجزاء الحج الذي تشرع النيابة فيه، لا يعني مشروعية النيابة فيه على نحو الاستقلال، فتدبر.

ومنها: ما دل على مشروعية الطواف عن المعصومين(ع)، وهو بأبي وأمي واحد منهم، فيكون الدليل شاملاً إليه، ففي معتبرة موسى بن القاسم قال: قلت لأبي جعفر الثاني(ع): قد أردت أن أطوف عنك وعن أبيك، فقيل لي: إن الأوصياء لا يطاف عنهم، فقال: بلى، طف ما أمكن، فإن ذلك جائز. ثم قلت له بعد ذلك بثلاث سنين: إني كنت استأذنتك في الطواف عنك وعن أبيك، فأذنت لي في ذلك، فطفت عنكما ما شاء الله، ثم وقع في قلبي شيء، فعملت به، قال: وما هو؟ قلت: طفت يوماً عن رسول الله(ص)، فقال ثلاث مرات: صلى الله على رسول الله، ثم اليوم الثاني عن أمير المؤمنين(ع)، ثم طفت اليوم الثالث عن الحسن(ع)، واليوم الرابع عن الحسين(ع)، والخامس عن علي بن الحسين، واليوم السادس عن أبي جعفر محمد بن علي(ع)، واليوم السابع عن جعفر بن محمد(ع)، واليوم الثامن عن أبيك موسى(ع)، واليوم التاسع عن أبيك علي(ع)، واليوم العاشر عنك سيدي، وهؤلاء الذين أدين الله بولايتهم، فقال: إذن-والله-تدين الله بالدين الذي لا يقبل من العباد غيره. فقلت: وربما طفت عن أمك فاطمة(ع)، وربما لم أطف، فقال: استكثر من هذا، فإنه أفضل ما أنت عامله إن شاء الله[10]. فإن المستفاد من المعتبر مشروعية الطواف عن المعصوم(ع)، من دون تفصيل بين كونه حاضراً في مكة المكرمة، وبين كونه غائباً عنها، فيثبت المطلوب.

ويدفعه، إن القدر المتيقن من المعتبر، لو لم يكن هو الصريح منه، أن الإمام الجواد(ع) لم يكن حاضراً في مكة، وعليه لا يمكن رفع اليد عن هذه الخصوصية، أعنيا لغياب عن مكة، خصوصاً وقد عرفت أن الحكم على خلاف القاعدة.

ومنها: التمسك بمفهوم الأولوية، بتقريب: إنه لما دل الدليل على مشروعية النيابة في الطواف الواجب، وهو الذي يكون المكلف ملزماً بالإتيان به، فمن باب أولى، يشرع الإتيان بالطواف المستحب.

وفيه، أولاً: إن قياس الطواف المستحب بالواجب في غير محله، إذ أن الواجب منهما يلزم تحقيقه خارجاً بإتيانه لإفراغ ذمة المكلف مما اشتغلت به، ولما كان معذوراً، شرعت النيابة فيه، وهذا بخلاف الطواف المستحب، فإنه لا إلزام يوجب الإفراغ الذمة، حتى تشرع النيابة فيه، فلاحظ.

ثانياً: إنه لا توجد ملازمة لأن يكون كل ما هو مشرع جريانه في الطواف الواجب، أن يكون مشرعاً في الطواف المستحب.

ثالثاً: إن الدعوى المذكورة أخص من المدعى، ضرورة أن ثبوتها سوف يكون منحصراً في ما إذا كان المنوب عنه معذوراً، وهو موجود في مكة، لا مطلقاً، فتدبر.

وقد تحصل مما تقدم، أنه لا يوجد ما يدل على مشروعية الطواف مستحباً عنه(بأبي وأمي)، إلا أن يدعى عدم حضوره في الموسم، وهو غير بعيد، أو أن يكون الاتيان بالطواف عنه من باب الرجاء، أو أن يأتي الطائف بالطواف عن نفسه، ثم يعمد إلى إهداء الثواب إليه، والله العالم بحقائق الأمور.

[1] وسائل الشيعة ب 51 من أبواب الطواف ح 1.

[2] رجال النجاشي

[3] معجم رجال الحديث ج 1 ص 241.

[4] وسائل الشيعة ب 21 من أبواب النيابة ح 1.

[5] قاموس الرجال ج 11 ص 63.

[6] المصدر السابق ص 28.

[7] جامع الرواة ج 2 ص 331.

[8] خاتمة المستدرك ج 5 ص 379-380.

[9] الخرائج والجرائح ج 1 ص 480 ح 21، بحار الأنوار ج 52 باب ذكر من رآه(ع) ح 42 ص 59.

[10] وسائل الشيعة ب 26 من أبواب النيابة ح 1.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة