19 أبريل,2024

رواية ولادة الزهراء(ع)

اطبع المقالة اطبع المقالة

هناك رواية تذكر عادة عند الحديث عن الولادة الطاهرة للسيدة الزهراء(ع)، فقد روى شيخنا الصدوق(ره)، بسند عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله الصادق(ع): كيف كان ولادة فاطمة(ع)؟ فقال: نعم إن خديجة(ع) لما تزوج بها رسول الله(ص) هجرتها نسوة مكة فكن لا يدخلن عليها ولا يسلمن عليها ولا يتركن امرأة تدخل عليها فاستوحشت خديجة لذلك وكان جزعها وغمها حذراً عليه(ص) فلما حملت بفاطمة كانت فاطمة(ع) تحدثها من بطنها وتصبرها وكانت تكتم ذلك من رسول الله(ص) فدخل رسول الله يوماً فسمع خديجة تحدّث فاطمة(ع) فقال لها: يا خديجة من تحدثين؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني، قال: يا خديجة هذا جبرائيل يبشرني ويخبرني أنها انثى وأنها النسلة الطاهرة الميمونة وأن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها وسيجعل من نسلها أئمة ويجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه.

فلم تزل خديجة(ع) على ذلك إلى أن حضرت ولادتها فوجهت إلى نساء قريش وبني هاشم أن تعالين لتلين مني ما تلي النساء من النساء، فأرسلن إليها: أنت عصيتنا ولم تقبلي قولنا وتزوجت محمداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له فلسنا نجئ ولا نلي من أمرك شيئاً فاغتمت خديجة(ع) لذلك، فبينا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة سمر طوال كأنهن من نساء بني هاشم ففزعت منهن لما رأتهم فقالت إحداهن: لا تحزني يا خديجة فإنا رسل ربك إليك ونحن أخواتك أنا سارة وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة وهذه مريم بنت عمران وهذه كلثم أخت موسى بن عمران بعثنا الله إليك لنلي منك ما تلي النساء من النساء، فجلست واحدة عن يمينها وأخرى عن يسارها والثالثة بين يديها والرابعة من خلفها فوضعت فاطمة(ع) طاهرة مطهرة[1].

ويستفاد من هذا الخبر أمور:

الأول: حصول المقاطعة من نسوة قريش، بل نسوة بني هاشم للسيدة الجليلة خديجة(ع)، بسبب زواجها من النبي(ص)، لأنه كان رجلاً معدماً فقيراً ويتيماً.

وقد استمرت المقاطعة منهن لها مدة عشرين سنة، لأن الظاهر أن المقاطعة ابتدأت منذ أن تزوجت(ع) برسول الله(ص)، واستمرت لحين ولادة السيدة الزهراء(ع)، والمعروف أن ولادتها الشريفة كانت بعد البعثة النبوية بخمس سنين.

الثاني: الإشارة لشيء من كرامات السيدة الزهراء(ع)، فإنها كانت تحدث أمها وهي جنين في بطنها. ومن الطبيعي أن هذا يوجب تساؤلات مثل كيفية الحديث الذي كان يقع بينهما، وهل أنه كان حديثاً كالحديث الذي يجري في سائر المحاورات، بحيث أن السيدة الزهراء(ع) كانت تنطق وهي جنين في بطن أمها، أم أن ذلك كان بالإيحاء، وليس نطقاً خارجياً، فكان يدخل على السيدة خديجة(ع) الاستقرار نتيجة ذلك؟

إن الظاهر من هذا النص وغيره من النصوص التي تضمنت الإشارة لهذا الأمر، كون الحديث الحاصل حديثاً خارجياً، كما هو في سائر المحاورات العرفية، ويشهد لذلك ما تضمنه الخبر، من أنه(ص) لما دخل عليها سمعها تتحدث، وليس عندها أحد، فإن هذا ينفي أن يكون الحديث مجرد إيحاء، فلاحظ.

الثالث: حضور مجموعة من نساء الجنة ولادة الصديقة الطاهرة الزهراء(ع)، وقد سماهن الخبر وهن أربع نسوة، وصفن بأنهن قريبات من هيئة نسوة بني هاشم.

ولنا مع النص المذكور وقفات:

الأولى: بعيداً عن ضعفه السندي، فقد نقل الخبر المذكور بصيغتين:

الأولى: تضمنت بعض النصوص أن التي أرسلت إليهن خديجة(ع) ليلين منها ما تلي النساء من النساء حال الولادة، هن خصوص نسوة قريش، وليس معهن نساء بني هاشم، فقد ورد في ذخائر العقبى: فلما أرادت أن تضع بعثت إلى نساء بني قريش ليأتينها فيلين منها ما يلي النساء ممن تلد، فلم يفعلن وقلن: لا نأتيك وقد صرت زوجة محمد(ص)، فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة عليهن من الجمال والنور ما لا يوصف، فقالت لهن إحداهن: أنا أمك حواء، وقالت الأخرى أنا آسية بنت مزاحم، وقالت الأخرى أنا كلثم أخت موسى، وقالت الأخرى أنا مريم بنت عمران أم عيسى جئنا لنلي من أمرك ما يلي النساء[2].

ولا يخفى أن المستفاد من الحديث المذكور أن المقاطعة التي حصلت للسيدة خديجة(ع) من نسوة قريش كان منشأها نبوة النبي(ص)، وليس زواجها به(ص)، وهذا يعني أن هذه المقاطعة لم تبلغ المقدار المستفاد من خبر الصدوق(ره)، كما لا يخفى.

وهذه المقاطعة لهذا السبب تعدّ مقاطعة مبررة دون المقاطعة الأولى، فإنه لا يوجد لها ما يبررها، اللهم إلا أن يدعى أن داعيها هو أن المنـزلة الاجتماعية والمكانة الاقتصادية للسيدة خديجة كانت تحول أن تقترن بمثل النبي(ص)، وهذا بعيد، لأنه لو سلم أنه(ص) كان فقيراً، إلا أن مكانته الاجتماعية بلحاظ ما كان لبني هاشم وبالخصوص لجده عبد المطلب، وأبيه عبد الله، وعمه أب طالب(ع) من سؤدد ومكانه اجتماعية مرموقة يمنع ذلك.

وقد اختلف الخبر المذكور مع الخبر السابق في النسوة اللاتي حضرن الولادة، فقد اختلفا في وجود حواء في هذا الخبر، ووجود سارة في خبر الصدوق(ره).

والاختلاف المذكور يكشف عن وجود معارضة بين النصين، ما يمنع من الاعتماد على شيء منهما، إلا أن يدعى أنه يقتصر على القدر المتيقن مما تضمناه، ويرفع اليد عما كان مورداً للخلاف، فتأمل.

الثانية: ما ذكر في نزهة المجالس عن مولاتنا خديجة(ع) أنها قالت: لما حملت بفاطمة كانت حملاً خفيفاً تكلمني من باطني، فلما قربت ولادتي أرسلت إلى القوابل من قريش فأبين علي لأجل محمد(ص) فبينا أنا كذلك إذ دخل علي أربع نسوة عليهن من الجمال والنور ما لا يوصف، فقالت إحداهن: أنا أمك حواء، وقالت الأخرى أنا آسية، وقالت الأخرى: أنا أم كلثوم أخت موسى، وقالت الأخرى: أنا مرين جئنا لنلي أمرك[3].

وقد حصر الخبر المذكور النسوة المرسل إليهن للحضور في خصوص قوابل مكة، وهذا يخالف ما تضمنه الخبران السابقان من أن المرسل إليهن نسوة قريش، أو هن مع نساء بني هاشم، ويمكن علاج المعارضة المتصورة بين الخبر الثاني وهذا الخبر بكون المقصود من نسوة قريش يعني القوابل منهن، لأنهن اللاتي يحضرن في مثل هكذا مورد.

وما ذكرناه، وإن كان محتملاً، إلا أن المعروف هو استبداد النساء بالمرأة الوالد، وهو أعم من القوابل، ما يعني أن بين النصين اختلافاً فتأمل.

نعم قد اتفق هذا الخبر وسابقه في تحديد النسوة اللاتي دخلنا عليها(ع) عند الولادة، وأنه ليس بينهم السيدة سارة زوجة خليل الرحمن(ع)، وإنما التي كنا معهن هي السيدة حواء(ع).

والحاصل، إن المعارضة الحاصلة بين النصوص الثلاثة مانعة من التسليم بالسعة التي تضمنها النص الأول، وموجبة للبناء على خصوص القدر المتيقن، وهو ما تضمنه النص الأخير، من أن المرسل إليهن هن خصوص القوابل من نساء قريش وليس مطلق النساء.

ويساعد على هذا المعنى، أنه يمكن أن يكون سبب امتناعهن عن الحضور، يعود إلى أنهن نساء ذات مهنة، وقد خشين أنهن لو حضرن لولادة السيدة خديجة(ع)، لكان ذلك موجباً لأن يتخذ صناديد قريش موقفاً سلبياً منهن، فيمنعوا النساء من التعامل معهن.

الثانية: إنه لم يذكر في التاريخ شيء من قريب أو بعيد عن هذه المقاطعة التي وقعت من نساء قريش للسيدة خديجة، سواء كان ذلك بعرضها العريض الذي تضمنه خبر الصدوق(ره)، أم بمدتها القليلة التي لا تزيد على مدة البعثة الشريفة حين ولادة السيدة الزهراء(ع)، وهي خمس سنوات، كما يظهر من خبر الطبري في ذخائر العقبى، ولو كان لبان. نعم ما لا ينكر أنه قد حصلت المقاطعة في حادثة شعب أبي طالب، وقد وقعت معاهدة على ذلك.

الثالثة: إنه لا مجال للقبول بخبر شيخنا الصدوق(ره)، لأنه قد تضمن امتناع نسوة بني هاشم، وهذا فيها احتمالان:

أحدهما: أن يكون المقصود به جميع نسوة بني هاشم من دون استثناء.

وهذا ما لا يمكن القبول به، فإن بينهن السيدة فاطمة بنت أسد(ع)، وقد كانت من الموحدات، كما أن بينهن عمات رسول الله(ص)، وقد كن كذلك، كما أن بينهن زوجة سيدنا الحمزة(ع)، وهي من الموحدات أيضاً، بل حتى أم الفضل، لم يبن على كونها قد التحقت بالإسلام بعد، إلا أنه من المستبعد جداً أن يترك العباس(رض) زوجة ابن أخيه في مثل هكذا موقف، ويمنع زوجته من الذهاب للقيام بشأنها.

ثانيهما: أن يكون المقصود به نسوة بني هاشم في الجملة لا بالجملة، وهذا أيضاً لا يتصور إلا في خصوص زوجة أبي لهب، وأنه يمكن لها أن تمتنع من الحضور عند السيدة خديجة(ع) للقيام بشأنها في مثل هذا الموقف.

إلا أن تصور أن تبعث السيدة خديجة(ع) إلى زوجة أبي لهب، لتلي من أمرها ما تلي النساء من النساء، من المستبعد جداً، فإن سيرتها وسيرة زوجها في المعادات لرسول الله(ص) منذ أن صدع بدعوته واضحة.

ومع وجود هذه الموانع التي ذكرنا، إلا أن ذلك لا يوجب رفع اليد عن الخبر بالكلية، بل يمكن القبول بما تضمنه مما لا يوجد ما يمنع من القبول به، اعتماداً على مسلك التفكيك في الحجية، وهو منهج عقلائي يتبعه العقلاء في مقام المحاورة، والله العالم بحقائق الأمور.

[1] بحار الأنوار ج 43 باب ولادتها وحليتها وشمائلها(ع) وجمل تواريخها ح 1 ص 2.

[2] إحقاق الحق ج 10 ص 13.

[3] احقاق الحق ج 10 ص 14.