حديث الغدير (4)

لا تعليق
دروس في العقيدة
159
0

بعد أن فرغنا بحمد الله عن الحديث حول حديث الغدير، وإثبات أنه متواتر، فلا حاجة للبحث فيه من ناحية السند، ينبغي علينا التعرض لبيان دلالته، وإثبات أنها دالة على مدعى الشيعة من كونه يفيد أحقية أمير المؤمنين(ع) بالخلافة من بعد النبي(ص) بنص من الله سبحانه وتعالى.

فقه الحديث:

إن المراد من حديث الغدير هو إثبات كون علي(ع) أولى بالتصرف من دون فرق بين كون لفظ المولى كالولي ظاهراً فيه بحسب الوضع اللغوي، أو مشتركاً لفظياً بين المعاني، أو مشتركاً معنوياً بينها، لفهم من حضر ومن يحتج بقوله في اللغة من الأدباء والشعراء، فإنه يوجب الوثوق والاطمئنان بالمعنى المراد، وهذا كافٍ في كل مقام كما لا يخفى.

قال العلامة الأميني(قده): وأما دلالته على إمامة مولانا أمير المؤمنين(ع) فإنا مهما شككنا في شيء فلا نشك في أن لفظة المولى سواء كانت نصاً في المعنى الذي نحاوله بالوضع اللغوي، أو مجملة في مفادها لاشتراكها بين معان جمة، وسواء كانت عرية عن القرائن لإثبات ما ندعيه من معنى الإمامة، أو محتفة بها فإنها في المقام لا تدل إلا على ذلك، لفهم من وعاه من الحضور في ذلك المحتشد العظيم، ومن بلغه النبأ بعد حين ممن يحتج بقوله في اللغة من غير تكير بينهم، وتـتابع هذا الفهم فيمن بعدهم من الشعراء ورجالات الدب حتى عصرنا الحاضر، وذلك حجة قاطعة في المعنى المراد، وفي الطليعة من هؤلاء: مولانا أمير المؤمنين(ع) حيث كتب إلى معاوية في جواب كتاب له من أبيات…الخ.

ثم نقل عن الحميري والعبدي الكوفي وغيرهما من شعراء القرن الثاني والثالث أشعاراً، ثم قال:

وتبع هؤلاء جماعة من بواقع العلم والعربية الذي لا يعدون مواقع اللغة، ولا يجهلون وضع اللفاظ، ولا يتحرون إلا الصحة في تراكيبهم وشعرهم، كدعبل الخزاعي، والحماني، والأمير أبي فراس، وعلم الهدى المرتضى، والسيد الشريف الرضي، والحسين بن الحجاج، وابن الرومي…الخ.

ثم قال: وليس في وسع الباحث أن يحكم بخطأ هؤلاء جميعاً، وهم مصادره في اللغة، ومراجع الأمة في الأدب[1].

هذا ويدل على هذا الفهم أيضاً، استشهادات الصحابة وغيرهم بهذا الحديث للخلافة، قال في دلائل الصدق: وفي رواية حمد أنه سمعه من النبي(ص) ثلاثون صحابياً، وشهدوا لعلي(ع) لما نوزع أيام خلافته كما مر، وسيأتي.

ثم قال(ره): وهذا صريح في دلالة الحديث على الخلافة[2].

القرائن المعين للفظ في الخلافة:

هذا ومضافاً لما تقدم ذكره، توجد مجموعة من القرائن الداخلية والخارجية الدالة على تعيـين المراد من كلمة المولى، وهي كثيرة، فلا بأس بالإشارة إلى بعضها.

القرينة الأولى:

هي قوله(ص): ألست أولى بكم من أنفسكم، كما جاء في صدر الحديث، فإنه يدل على أولوية نفسه على الناس في المور والأنفس، فتفريع قوله(ص): فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، على الصدر يدل على أن المقصود هو أن يثبت ذلك لعلي(ع) مثل ما كان ثابتاً لنفسه من ولاية التصرف والأولوية المذكورة، فلو أريد من كلمة المولى غير الأولوية، فلا مناسبة لتصدير هذه المقدمة وتفريع قوله، عليه كما هو واضح.

القرينة الثانية:

هي قوله(ص) في ذيل الحديث: هنئوني هنئوني، إن الله تعالى خصني بالنبوة وخص أهل بيتي الإمامة، فلقى عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، فقال: طوبى لك يا أبا الحسن، اصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة[3].

القرينة الثالثة:

هي التعبير عن يوم الغدير بيوم نصب علي علماً وإماماً، كما روي في مودة القربى على ما حكاه العلامة الأميني في كتابه عن عمر بن الخطاب أنه قال: نصّب رسول الله(ص) علياً علماً، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، الحديث[4].

القرينة الرابعة: الأخبار المفسرة:

منها: ما روه العلامة الأميني(ره) في كتابه الغدير عن طريق العامة، عن النبي(ص) أنه لما سئل عن معنى قوله: من كنت مولاه فعلي مولاه، قال: الله مولاي أولى بي من نفسي، ولا أمر لي معه وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم لا أمر لهم معي، ومن كنت مولاه أولى به من نفسه لا أمر له معي، فعلي مولاه أولى به من نفسه، لا أمر له معه[5].

ومنها: ما رواه شيخ الإسلام الحمويني في حديث احتجاج أمير المؤمنين(ع) أيام عثمان قوله(ع): ثم خطب رسول الله(ص)، فقال: أيها الناس أتعلمون أن الله عز وجل مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: قم يا علي فقمت، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. فقام سلمان فقال: يا رسول الله ولاء كماذا؟ قال: ولاء كولاي، من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه[6]. وغير ذلك من الأخبار.

القرينة الخامسة:

وهي كما جاء في كتاب العلامة المظفر(ره) دلائل الصدق، أنه(ص) بين قرب موته كما في رواية الحاكم ورواية الصواعق وغيرهما، حيث قال فيه: أيها الناس إنه قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا نصف عمر النبي الذي يليه من قبله وإني لظن أني يوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسؤول وإنكم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك بلغت وجهدت ونصحت، فجزاك الله خيراً، الحديث، وهو مقتض للعهد بالخلافة ومناسب له، فلابد من حمل قوله: من كنت مولاه فعلي مولاه، على العهد لأمير المؤمنين بالخلافة لا بيان الحب والنصرة، ولا سيما مع قوله في رواية الحاكم: إني تركت، إلى آخره الدال على الحاجة إلى عترته وكفايتهم مع الكتاب في ما تحتاج إليه الأمة، وقوله في رواية الصواعق: إني سائلكم عنهما، وقوله: لن يفترقا، بعد أمره بالتمسك بالكتاب، فإن هذا يقتضي وجوب التمسك بهم واتباعهم، فيسأل عنهم وذلك لا يناسب إلا الإمامة[7].

القرينة السادسة:

وهي كما جاء في دلائل الصدق أيضاً، قرائن الحال الدالة على أن ما أراد النبي(ص) بيانه هو أهم الأمور وأعظمها كأمهر بالصلاة جامعة في السفر بالمن،زل الوعر بحر الحجاز وقت الظهيرة مع إقامة منبر من الأحداج له، وقيامه خطيباً بين جماهير المسلمين، الذين يبلغ عددهم مائة ألف أو يزيدون، فلابد مع هذا كله أن يكون مراد النبي(ص) بيان إمامة أمير المؤمنين(ع) التي لزم ايضاح حالها والاهتمام بشأنها وإعلام كل مسلم بها، لا مجرد بيان أن علياً محب لمن أحبـبته، وناصر لمن نصرته، وهو لا أمر ولا إمرة له، وعلى هذا فبالنظر إلى خصوص كل واحدة من تلك القرائن الحالية والمقالية، فضلاً عن مجموعها، لا ينبغي أن يشك ذو ادراك في إرادة النص على علي(ع) بالإمامة، وإلا فكيف تستفاد المعاني من الألفاظ، وكيف يدل الكتاب العزيز أو غيره على معنى من المعاني، وهل يمكن أن لا تراد الإمامة وقد طلب أمير المؤمنين(ع) من الصحابة بمجمع الناس بيان الحديث، ودعا على من كتمه، إذ لو أريد به مجرد الحب والنصرة لما كان محلاً لهذا الإهتمام، ولا كان مقتضٍ لأن يبقى في أبي الطفيل منه شيء، وهو أمر ظاهر ليس به عظيم فضل، حتى قال له زيد بن أرقم: ما تنكر قد سمعت رسول الله(ص) يقول ذلك له كما سبق.

ولا كان مستوجباً لتهنئة أبي بكر وعمر، لمير المؤمنين(ع) بقولهما: أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة، فإن التهنئة لأمير المؤمنين الذي لم يزل محلاً لذكر رسول الله(ص) بالفضائل العظيمة والخصائص الجليلة، إنما تصح على أمر حادث تقصر عنه سائر الفضائل، وتـتقاصر له نفوس الأفاضل، وتـتشوق إليه القلوب، وتـسوف له العيون، فهل يمكن أن يكون هو غير الإمامة من النصرة ونحوها مما هو أيسر فضائله وأظهرها وأقدمها، ولكن كما قال الغزالي في سر العالمين: ثم بعد ذلك غاب الهوى وحب الرياسة وعقود البنود وخفقات الرايات وازدحام الخيول وفتح الأمصار والأمر والنهي، فحملهم على الخلاف، فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمناً قليلاً، فبئس ما يشترون[8].

أقول: مراده() بقوله(كما سبق) هو ما نقله عن أحمد عن حسين محمد وأبي نعيم قالا: حدثنا فطر عن أبي الطفيل قال: جمع علي الناس في الرحبة، ثم قال لهم: أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام. فقام ثلاثون من الناس، وقال أبو نعيم، فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذه بيده، فقال للناس: اتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. قال: فخرجت وكان في نفسي شيء، فلقيت زيد بن أرقم، فقلت له: إني سمعت علياً يقول كذا وكذا، قال: فما تنكر قد سمعت رسول الله(ص) بقول ذلك[9].

إلى غير ذلك من القرائن الكثيرة والمذكورة في الكتب المطولة المعدة لمثل هذا، يمكن للباحث والقارئ العزيز أن يراجعها.

فهم أهل البيت:

هذا مضافاً إلى فهم أهل البيت(ع) الذين كانوا مصونين عن الخطأ والاشتباه بنص الرسول الأعظم(ص)، ولذا اعظموا يوم الغدير، وأوصوا وأكدوا بتعظيمه، وجعله عيداً، لكونه يوم نصب أمير المؤمنين علي(ع) للإمامة والخلافة بحيث صار مفاد الحديث عند الشيعة قطعياً ويقينياً كما لا يخفى.

——————————————————————————–

[1] الغدير ج 1 ص 340-342.

[2] دلائل الصدق ج 2 ص 52.

[3] الغدير ج 1 ص 274.

[4] المصدر السابق ص 57.

[5] الغدير ج 1 ص 386.

[6] المصدر السابق ص 387.

[7] دلائل الصدق ج 2 ص 58.

[8] دلائل الصدق ج 2 ص 58-59.

[9] المصدر السابق ص 55.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة