لقد مضى على بعثة النبي محمد(ص) ومجيئه برسالة الإسلام، وما تضمنته من قوانين وتعاليم إلهية تكفل الحياة السعيدة للمجتمع البشري، ما ينيف على ألف وأربعمائة سنة.
وقد تضمنت كلماته المباركة أن تلك القوانين والتعاليم صالحة لقيادة الإنسان لسعادته الدائمة في كل عصر وزمان، من دون فرق بين عصر وعصر، ومكان وآخر.
إلا أنه تتعالى النداءات بين فترة وأخرى بلزوم إعادة النظر في تلك المسنونات والتشريعات السماوية، لا لشيء إلا بملاحظة دواعي تشريعها، إذ لا يخفى على أحد أنها شرعت كما يقرر من أجل السعادة الدائمة للإنسان، ومن الطبيعي أن هذا يستوجب أن تكون ملائمة لاحتياجات الإنسان وتلبية رغباته، وهذا يستلزم أن تكون متناسبة وواقعه الحياتي، وتطوره المدني وتقدمه العمراني، والاقتصادي، وكافة المجالات من دون فرق.
وهذا ما لا يتوفر في مثل هذه القوانين والتشريعات، إذ أنها كما عرفنا شرعت قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة وزيادة، وقد كان الإنسان وقت تشريعها يختلف واقعه الحياتي عما هو عليه اليوم، فقد كان الإنسان يعيش حالة البداوة، ويستخدم الجمل والخيل والحمير وسيلة للنقل، ولم يكن يملك المعرفة والعلم، فالقليل جداً منهم من كان قارئاً أو كتاباً، أما اليوم، وقد تطورت وسائل النقل، وأصبح الإنسان الجاهل غير القارئ نادر الوجود خارجاً، بل أصبح الأمي هو من لا يملك المعرفة بالأمور التكنولوجية، فلا يمكن أن تكون تلك القوانين المقررة والمشرعة صالحة لقيادة هذا الإنسان لحياة سعيدة، وبالتالي لابد من العمد إلى تجديد الدين.
وبالجملة، تتكرر النداءات وتعلو مطالبة بتجديد الدين، وداعية إلى التجديد الديني، وهكذا.
ومن الطبيعي أن تجد مثل هذه النداءات البراقة في ظاهرها ومظهرها من يأنس بها، وربما ينقاد ورائها، ظناً منه أنها تلبي له ما يحتاج، وتحقق له ما يريد، دون أن يعي ما تتضمنه، ويحيط به.
وعلى أي حال، في البين مجموعة تساؤلات عند الحديث عن أطروحة تجديد الدين، يواجهها كل من يطرح هذا الموضوع ويتحدث عن هذا الأمر، هل أن كل شيء قابل للتجديد، وهل أن الإسلام دين يقبل التجديد أم لا، وهل أن الإسلام دين متجدد أم لا، ما هي الآراء والنظريات الموجودة خارجاً، حول التجديد للدين، وكيف يتعاطى معها، وهل تقبل أم لا مجال لقبولها؟ كل هذه التساؤلات تحتاج إلى إجابة، وهذا ما سوف نعرض له خلال حديثنا إن شاء الله تعالى.
تحديد مفهومي التجديد والدين:
هذا ويلزم قبل الخوض في الحديث المذكور، أن يعمد إلى تحديد المقصود من مفهومي التجديد والدين، ضرورة توقف ذلك على تحديد محل النـزاع المختلف فيه، بمعنى أنه لابد وأن يحدد محل الخلاف والنـزاع، وأنه في ماذا يكون، لأنه ربما يطرح أمر من الأمور، ولا يكون مقصوداً للآخر.
أما مفهوم التجديد، فإن الرجوع لكلمات أهل اللغة تفيد أنه ينحصر في معنيـين، لا ثالث لهما:
الأول: إنشاء شيء جديد لم يعهد من قبل، وذلك بإحداث أمر لم يكن مألوفاً ولا معروفاً في الوسط الحياتي.
الثاني: تنقية شيء قديم وتطويره، بأن يكون الشيء موجوداً لكنه قد علقت به بعض الأمور، أو أوردت عليه بعض الأشياء، بحيث لم يعد مقبولاً، فيأتي من يقوم بحذف تلك الأمور الزوائد، وإزالتها، ودفع ما علق به، أو أورد عليه، حتى يعود نقياً مطوراً.
والتجديد بكلا معنيـيه قد يكون تجديداً مادياً، كما في تجديد المطعم والملبس، وقد يكون تجديداً معنوياً كما في تجديد التفكير وطرق التعليم والتعلم.
وأما مفهوم الدين، فأود أن أشير قبل بيان حقيقته إلى أن هناك تعبيرين يوردا عادة في الكلمات بما فيها كلمات دعاة التجديد للدين، والتعبيران هما تعبير الدين، وتعبير الشريعة، من دون أن يشار إلى أنهما بمعنى واحد، أو أنهما مفهومان متغايران، ومن الطبيعي أنه لو كانا مفهومين فذلك يعني وجود خلط عند المطالبين بالتجديد، لأنه سوف يختلف الحال وفقاً للمقصود من كل واحد منهما. وكيف كان، فلسنا بصدد الحديث عن ذلك، بل سوف نركز الكلام في خصوص بيان المقصود من الدين، ويقصد منه أنه: مجموعة من أصول اعتقاديه وأصول معرفية كونية، يضم إليها أموراً فرعية وآداب أخلاقية[1].
وواضح من هذا التعريف كون الدين منقسماً إلى قسمين رئيسين، وهما:
الأول: الجانب المعرفي العقدي، وقد عبر عنه في التعريف المذكور بفردين الأصول الاعتقادية، والكونية.
الثاني: الأحكام والتعاليم الفرعية والعملية التي ستتلاءم والبعد المعرفي للدين.
ولعل هذا ما أوجب تقسيم الدين إلى أصول وفروع، بحيث كان القسم الأول من التعريف يمثل أصول الدين، بينما كان القسم الثاني يمثل فروعه.
ثم إنه وبعد الإحاطة بالمقصود من مفهومي التجديد والدين، يأتي دور الاستفسار من أصحاب نظرية التجديد الديني، بلزوم تحديد المقصود من التجديد المطلوب في كلماتهم، فهل يا ترى يقصدون به المعنى الأول، أم أن مقصودهم هو المعنى الثاني، كما أننا نحتاج إيضاحاً في الذي سوف يقع عليه التجديد من الدين، يا ترى هو القسم الأول منه، أم أن ما سيكون مصباً للتجديد منه هو القسم الثاني، وبكلمة، هل سيطال التجديد أصول الدين، أم أنه سيقع على خصوص الفروع منه.
ولا يخفى أن الحديث عن التجديد الموجود في كلمات دعاة تجديد الدين لا ينطبق على المعنى الأول أصلاً، وإنما المقصود به في كلماتهم هو التجديد بالمعنى الثاني، ضرورة أن الدين أمر قائم موجود، فلا يتصور أن يوجد وينشأ، وهذا يعني أنهم يقصدون تنقية الشيء القديم، وتطويره. نعم بالنسبة لمقصودهم من الدين، فلا يتضح ماذا يقصدون من ذلك، وما ذلك إلا لتباين انتمائهم المعرفية ،فإن بعضهم يؤمن باللادينية المطلقة، وآخر يؤمن بدينية محددة، وهكذا.
حاجة كل شيء للتجديد:
هذا وبعدما أحطنا بحقيقتي التجديد والدين، فهل أن كل شيء بحاجة إلى التجديد، أم أنه يفصل بحيث يلتـزم أن هناك أشياءً تحتاج تجديداً، وهناك ما لا يحتاج إلى ذلك، بل يكون من الأمور الثابتة التي لا يلزم التغيـير فيها؟
إن الإجابة على ذلك تتوقف على معرفة الحاجات الإنسانية، فإنها تنقسم إلى شيئين، حاجات ضرورية ثابتة، وحاجات ضرورية متغيرة. ونقصد بالحاجات الضرورية الثابتة، هي الأمور الحتمية التي لا تتغير وإن تغير الزمن، أو تغير المكان وتبدل، وهذه الحاجات الضرورية الثابتة هي الحاجات الفطرية التي لا يتصور استغناء الإنسان عنها، كميل الرجل للمرأة، وميل المرأة للرجل، وكعلاقة الوالد مع ولده، والولد مع والده، وكحسن العدل، وقبح الظلم، وهكذا.
أما الحاجات الضرورية المتغيرة، فهي الوسائل والكيفيات التي تكون وسيلة لتنفيذ وتطبيق الحاجات الضرورية الثابتة، ولنقرب ذلك بمثال، قال تعالى:- (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)، فإن المستفاد من هذه الآية الشريفة إيجاد قوة دفاعية وظيفتها الدفاع عن بيضة الإسلام، والذوذ عن حياضه. إلا أن الكلام في وسائل الدفاع التي تكون لذلك، فهل ينحصر ذلك في خصوص ما جاء في الآية الشريفة، أم أنه يجوز التغيـير وفقاً لمتطلبات العصر وتطوره؟
لا يختلف اثنان في أنه لا موضوعية لما جاء في الآية الشريفة، بمعنى أنه يجوز استحداث كافة الوسائل والتقنيات الحديثة للدفاع عن حياض الإسلام وبيضته، فيمكن استخدام الوسائل الحديثة وفقاً لمتطلبات الزمان والمكان، وهذا ما يقع فيه التغيـير وهكذا.
وبالجملة، من خلال ما تقدم يتضح أن الوسائل والأساليب يمكن أن تتجدد وتتغير وفقاً لمتطلبات الزمان والمكان، ولما يوجد خارجاً من تطور وحداثة، بخلاف الأمور الضرورية الأصلية الثابتة، وقد عرفت أن الموجب لعدم وجود التجديد في الأمر منها يعود لكونها لا تقبل ذلك لا لشيء إلا لأنها متوافقة تماماً والفطرة البشرية، وبالتالي لا مجال لأن يتصور فيها التجديد، فلاحظ.
هل في الإسلام تجديد:
سؤال هو محط البحث، فهل في الإسلام تجديد أم لا يوجد ذلك؟ قد يتصور فتح باب التجديد في الإسلام، وذلك استناداً إلى ما روي عن النبي محمد(ص) من أنه قال: إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها.
وبعيداً عن مدى اعتبار هذه الرواية من عدمه، فإن المقصود منها ليس ما يتصوره دعاة تجديد الدين، فإن المقصود منها هو فتح باب الاجتهاد واستمراره، وهذا المعنى من التجديد لا نختلف فيه، بل نلتـزم به إلا أن ما يقصده دعاة التجديد يختلف تماماً عن مفاد الخبر كما هو واضح.
وبالجملة، إن التجديد المتصور في الإسلام، كما سيأتي بيانه يختلف تماماً عما هو المقصود لدعاة التجديد، فلاحظ.
الآراء حول تجديد الدين:
هذا وقد تباينت الآراء واختلفت تجاه الدعوة لتجديد الدين، فاختلفت الرؤى حول ذلك، فهناك عدة اتجاهات:
الأول: اتجاه التقليد والسلفية:
وقد تبنى أصحاب هذا الاتجاه رفض كل ما هو جديد مطلقاً، وتبلورت الدعوة فيه إلى لزوم العودة لتراث السلف الصالح، والعمد لتنقية الإسلام مما أصابه من انحرافات وأباطيل، وقد تبنى هذا الاتجاه أصحاب الحركة السلفية والوهابية، ومن حذى حذوهم.
ومن الطبيعي أن أصحاب هذا الاتجاه سوف تكون رؤيتهم رافضة مطلقاً لأطروحة التجديد في الدين أياً ما كان المقصود منها، ضرورة أنك قد عرفت أنهم يرفضون كل تجديد في الدين، بل يرفضون كل ما لم يكن ثابتاً في عصر المسلمين الأوائل، وكأنهم يصرون على البقاء على الحياة التي كانت في عصر الرسالة الأول، فلاحظ.
الثاني: اتجاه الإحياء والتجديد:
وقد اختلف هذا الاتجاه عن سابقه في تأثره بما حصل في البلدان الأوربية من منجزات، وحاول للاستفادة من ذلك، وفي نفس الوقت رغبوا في العودة إلى ينابيع الإسلام الأولى، رغبة في بناء الواقع الإسلامي واخذ حلول المشكلات من خلالها.
وكأن أصحاب هذا الاتجاه رغبوا في التوفيق بين الاستفادة من التطور والتقدم الغربي، والبقاء على الإسلام في أصوله وينابيعه وأسسه.
وقد كان من دعاة هذا الاتجاه السيد جمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد عبده، وتلميذه الشيخ محمد رشيد رضا، والشيخ عبد الرحمن الكواكبي.
نعم بقي أمر غير واضح عند أصحاب هذا الاتجاه، وهو تحديد المقصود من التجديد وعملية التطوير التي يسعى لتحصيلها في البين، وقد اتضح ذلك عند الحديث عن بيان حقيقة مفهوم التجديد، فلا نعيد.
الثالث: اتجاه التجديد التغريبي:
وقد اتخذ هذا الاتجاه القبول المطلق للمدنية، وأنغمس بصورة كلية ومطلقة جداً في ثقافة الآخر، وسعى بصور حثيثة لجعل العالم الإسلامي وأهله تبعاً للغرب، واستخدم كافة الوسائل لمحاكاة الغرب في أفكاره ومناهجه وتقاليده. وقد تبنى هذا التيار فئة غير قليلة من المنتمين للإسلام بالأمس، ولا زال له أصداء واسعة في أوساطنا اليوم. وقد اختلف أصحاب هذا الاتجاه في متبنياتهم، بحيث يمكن تقسيمهم إلى ثلاثة أقسام:
أحدها: تيار التغريب الداعي إلى الالتحاق الحضاري بالغرب من خلال التبعية الصريحة، والتبني الكامل لكل ما لديه من قيم أخلاقية واجتماعية، وخروج مطلق عن الدائرة الإسلامية من دون عودة.
ثانيها: الليبرالية العملية، وهو التيار الذي دعى إلى سيادة العقلانية العلمية المحضة في كافة القضايا المعرفية والإنسان والمجتمع، بحيث يتحرر العقل فيه من كل قيود مسبقة، فلا سلطان على العقل إلا للعقل نفسه.
ثالثها: تيار اللادينية، وعدم المبالاة بالدين، أو بالاعتبارات الدينية، من خلال العمد إلى فصل الدين عن الحياة، مما يعني إبعاد الدين عن حياة الأفراد والأمة تماماً.
آثار التجديد التغريبي:
ومن الطبيعي جداً أن ترتب جملة من الآثار في الوسط الإسلامي نتيجة وجود هذه الأطروحة التغريبية التي يسعى من خلالها إلى إلغاء الوجود الفعلي والحقيقي للدين كما عرفت، وقد ذكرت جملة الآثار:
منها: إشغال العقل المسلم، وهدر طاقاته بعرض جملة من الموضوعات والمفاهيم الهامشية، وإدخاله في جدليات فارغة، مصدرها كله المستشرقون، كمفهوم الحداثة، والدين والسياسة، والعقل والنقل، والوحي، والمجتمع الديني، والمجتمع المدني، وهكذا.
وكلنا يعلم أن هذه الإشكاليات لا وجود لها في الفكر الإسلامي، ولا ربط له بها، وإنما هي دخيلة وواردة عليه ممن يسعى لهدر الطاقات.
ومنها: بث الشبهات وطرح الشكوك حول أصول الإسلام العقدية، وتعاليمه العبادية، ونظمه التشريعية، وقيمه الأخلاقية، مضافاً للنيل من تقاليد المسلمين، والغاية الأساس التي يسعى لتحقيقها هي نشر التخريب الثقافي والتشويه الديني في الوسط الإسلامي ليس إلا، للوصول للهدف المنشود وهو تحطيم مفهوم الإسلام، أو تزيـيفه.
ومنها: تهميش دور العلماء في الأمة، بإقصائهم عن مراكز التوجيه، وحصر دورهم في خصوص الإفتاء فقط، ويكون دورهم منحصراً في خصوص بعض المسائل الفقهية الفرعية، من طهارة وصلاة وما شابه، فلا يكون لهم دور قيادي أو ريادي في النهوض بالمجتمعات الإسلامية.
ومنها: إشاعة أجواء الفساد الأخلاقي والتمزق الاجتماعي، من خلال تغريب المرأة، ودعوتها للتحلل والمياعة والإباحية.
على أن القارئ يمكنه أن يتعرف على آثار أخرى، ذكرت في كلمات غير واحد من الباحثين، بل يمكنه أن يتوصل هو لجملة منها متى أمعن النظر، وسرح الفكر.
التجديد في الإسلام:
كنا قد عرضنا ثلاثة اتجاهات في التعاطي مع فكرة التجديد، وقد عرفنا عدم مقبولية شيء منها، ومع ذلك كنا قد أشرنا في مطلع البحث إلى وجود تجديد في الإسلام، فأين هو التجديد المتصور، وفيما نتصوره؟
حتى نستطيع أن نتعرف على التجديد في الإسلام، لابد أن نرجع إلى مصادره الأساسية في التشريع والجعل للنظم والقوانين، كالقرآن والسنة المباركة، وبالرجوع لهما يستكشف أن عملية التجديد في الإسلام تعني عملية إصلاح وتغيـير في أفكار المسلمين وثقافتهم، لكن وفق مرجعية إسلامية، من خلال جانبين:
الأول: نفض الغبار عن أصول الإسلام ومبادئه، وإزالة ما علق بها من زيف، وأضيف له من خرافات وتشويه، لتعود صورته نقية صافية، ولا أظن أن القارئ سوف يعجز عن الإحاطة بمثل هذه الأمور التي تعتبر دخيلة على الإسلام، ولا تتناسب مع ما جاء فيه من تعاليم، كاحترام إنسانية الإنسان، وحفظ كرامة المرأة وصونها، وتقديرها.
الثاني: إعادة قراءة النصوص الدينية قراءة جديدة، وتنـزيلها على الواقع من خلال الانفتاح على العصر ومستجداته، والتعامل بمعارفه وأدواته، وتصحيح الرؤية التقليدية، ولنقرب ذلك بمثال، إن المشهور بين قدمائنا هو الإفتاء بحرمة بيع الدم، والظاهر أن موجب ذلك أنه لم يكن يتصور له في تلك العصور من منفعة إلا بتناوله شرباً، أو أكلاً بشوائه، وبالتالي تكثرت النصوص المتضمنة للمنع من بيعه، إلا أنه لما تغير الموضوع اليوم، فصار الدم من أهم الوسائل لحفظ الحياة البشرية، إذ يمكن من خلاله إعادة الحياة لمن قارب الموت، وشارف على الهلاك، فلا ريب أن ذلك يستوجب الإفتاء بجواز بيعه، لأنه قد أصبحت له منفعة محللة مقصودة، يتنافس العقلاء من أجلها لبيعه وشرائه، وكذا أيضاً التبرع بالأعضاء، فضلاً عن بيعها، وهكذا.
لكن لا ينبغي أن يغفل أن هذا التجديد والتطوير إنما هو في خصوص ما له قابلية ذلك، كما وقد أشرنا لذلك في ما تقدم، فلا يغفل عما سبق ذكره.
هوية التجديد:
بقي عندنا أن نختم الحديث بالإشارة إلى هوية التجديد في المنظومة الإسلامية، وفي الفكر الإسلامي، فإن ذلك ينطوي على أسس ثلاثة:
الأول: فهم الإسلام، نصاً وروحاً، مجرداً عن الزمان والمكان، بمعنى عدم اختصاصه بزمان، أو بمكان، بل هو مناسب لكل عصر ولكل مكان، مهما تقدمت الحياة البشرية، وتطور الفكر الإنساني تبقى قوانينه ونظمه صالحة، شريطة أنه يفهمها المسلمون.
الثاني: فهم الواقع بنسبة الزمان والمكان والأحوال، وهو ما يمكن التعبير عنه بدخالة الزمان والمكان في عملية الاستنباط، فإن لذلك أبرز الأثر في تحديد أطروحة الإسلام، وأحكامه، ورؤاه في كل موضوع من الموضوعات.
الثالث: ترشيد الواقع بهدي الإسلام في ضوء مرجعية إسلامية أصيلة[2].
[1] الحداثة بين النظرية والتطبيق ص 15-16.
[2] من مصادر البحث: الإسلام في وجه التغريب، الغزو الفكري، مقومات النهوض الإسلامي بين الأصالة والتجديد.