صيام شهر رجب
من الأعمال المحبوبة التي ندب إليها الشارع المقدس، وذكرها الفقهاء في رسائلهم العملية الصوم، فقد ورد أن الصوم جنة من النار، وجاء أن الصوم زكاة الأبدان، وجاء أيضاً أنه به يدخل العبد الجنة، وأن نوم الصائم عبادة، ونفسه وصمته تسبيح، وأن عمله متقبل، ودعاءه مستجاب، وأن خلوف فم الصائم عند الله أطيب من رائحة المسك، وأنه تدعو له الملائكة حتى يفطر، كما ورد أن للصائم فرحتين، فرحة عند الإفطار، وفرحة عند لقاء الله سبحانه وتعالى.
ومن أفراد الصوم المحبوبة التي ذكرت ونص عليها في كلمات الفقهاء، صيام شهر رجب الأصب، فقد نصوا على محبوبية صومه تاماً، كما نصوا على محبوبية صيام بعض أيام منه. وقد وردت في فضل صومه نصوص عديدة:
منها: ما رواه كثير النوا، عن أبي عبد الله(ع) قال: إن نوحاً ركب السفينة أول يوم من رجب، فأمر(ع) من معه أن يصوموا ذلك اليوم، وقال: من صام ذلك اليوم تباعدت عنه النار مسيرة سنة، ومن صام سبعة أيام أغلقت عنه أبواب النيران السبعة، ومن صام ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنان الثمانية، ومن صام خمسة عشر يوماً أعطي مسألته، ومن زاد زاده الله عز وجل[1].
وقد ورد ذات الخبر في التهذيب لشيخ الطائفة(ره)، إلا أنه اشتمل على زيادة، وهي: ومن صام عشرة أيام أعطي مسألته، ومن صام خمسة وعشرين يوماً منه قيل له: استأنف العمل، فقد غفر لك[2].
ودلالة الخبر على تفاوت مراتب الصوم بمقدار عدد الأيام التي يصومها جلية واضحة.
ومنها: ما رواه الصدوق(ره) عن الإمام الكاظم(ع) أنه قال: رجب نهر في الجنة أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، فمن صام يوماً من رجب سقاه الله من ذلك النهر[3].
ومنها: ما وراه(قده) أيضاً عن الإمام موسى بن جعفر(ع) أنه قال: رجب شهر عظيم يضاعف الله فيه الحسنات، ويمحو فيه السيئات، من صام يوماً من رجب تباعدت عنه النار مسيرة سنة، ومن صام ثلاثة أيام وجبت له الجنة[4].
ويستفاد من النصوص المتقدمة وغيرها أن هناك تفاوتاً في الفضل، فيختلف فضل من صام يوماً منه، عمن صام أسبوعاً، مثلاً، كما أن صيام نصف الشهر أفضل من صيام الأسبوع، وأفضل الكل وأجمعه رتبة وفضلاً صيام الشهر بأكمله.
والحاصل، إن هناك تفاوتاً في الفضل والرتب حسب مقدار الأيام التي يصومها الصائم من أيام هذا الشهر العظيم، وهذا هو الذي نص عليه الفقهاء العظام في رسائلهم العملية.
نية صوم شهر رجب:
ولما كان الاتيان بالعمل بنية الاستحباب فرع احراز المكلف أنه مستحب، فلا يأتي بالعمل بهذه النية ما لم يكن محرزاً ذلك. وهذا يعني أنه لا يمكن للمكلف الاتيان بعمل ما بنية الاستحباب ما لم يحرز ذلك، وإلا كان من التشريع المحرم.
وأما إذا لم يثبت استحباب العمل، أو أن المكلف لم يحرز أنه مستحب، كما لا يعلم عدم استحبابه، فإنه يمكنه الاتيان به بنية رجاء المطلوبية.
والظاهر أن صوم شهر رجب الأصب من هذا القبيل، فإنه لا يحرز استحباب الصوم، فيأتي به المكلف بنية رجاء المطلوبية.
[1] وسائل الشيعة ج 10 ب 26 من أبواب الصوم المندوب ح 1 ص 471.
[2] المصدر السابق ح ص 472.
[3] المصدر السابق ح 3 ص 472.
[4] المصدر السابق ح 4 ص 473.