28 مارس,2024

الشهيد زيد بن علي(3)

اطبع المقالة اطبع المقالة

الإمامة منصب سماوي بالنص:

ثم إنه بعد الفراغ عن شرح حال زيد بن علي(رض)، والخروج بنتيجة مفادها حسن حاله، وجلالة قدره، وفقاً للنصوص المادحة له والمتواترة، يبقى الحديث بعد ذلك في الشبهة التي علقت في الأذهان، وقد وجدت منذ عصر الأئمة الأطهار(ع)، وخلاصتها أن منصب الإمامة يكون لمن خرج ثائراً بسيفه، ولا يكون لمن جلس في داره، ما يعني أن المفروض قيام زيد(رض) بهذه المنصب، ولا يكون المتصدي له الإمامين الباقرين(ع). مع أن النصوص المذكورة، قد تضمنت الجواب عن ذلك، ودفعت كل ما علق في الأذهان سابقاً وأخيراً من شبه، وأجابت عن كل التهم أو الشبه الحائمة حول شخصيته(رض)، إلا أننا نعمد إلى زيادة التركيز على ذلك بصورة أجلى وأوضح.

وعند التأمل في جذور الشبهة المذكورة، يجد القارئ أن منشأها كلمات العامة، لما يعتقدونه في حقيقة الإمامة، وكيفية الوصول إليها، والصفات المعتبرة في الإمام.

ويتوقف الكلام في الشبهة المذكور، على الإحاطة بماهية الإمامة عند الفريقين، وعلى مؤهلات الإمام، والصفات المعتبرة فيه، وبماذا تنعقد الإمامة.

حقيقة الإمامة عند القوم:

أختلف علماء العامة في تعريف الإمامة، وأغلب تعريفاتهم أنصبت على أنها منصب يتولى من خلاله الإمام إدارة شؤون الناس الحياتية، وما يتعلق بأمور دينهم. كما أنهم يعتقدون أنها فرع من فروع الدين، والتي يكون البحث عنها في الكتب الفقهية.

ولازم جعلها من فروع الدين أمران:

الأول: أنه لا يحكم بفسق من أنكر إمامة الإمام، فضلاً عن تكفيره، لأنه ربما كان للمخالف حجة شرعية، فلا يخرج ذلك عن مثل مخالفة المجتهد لمجتهد آخر.

الثاني: إذا كانت الإمامة من الفروع، فلماذا يسل السيف فيها، حتى قيل- كما عن الشهرستاني-أنه لم يسل السيف على قاعدة دينية في الإسلام كما سل على الإمامة في كل زمان[1].

مع أن الباحث يجد تناقضاً بيناً عندهم، فبينما يلتـزمون جعلها من الفروع، نجدهم يقحمونها فيجعلونها في عداد المسائل الأصولية.

ووفقاً لما اختاروه في حقيقة الإمامة لم يفرقوا بين الإمام وبين رئيس الدولة، فكما أن رئيس الدولة يصل إلى منصبه من خلال انتخاب الشعب إليه، أو من خلال ترشيح نواب الأمة له، أو بأن يتسلط على الأمة بواسطة انقلاب عسكري وما شابه، فإنه يكون تعيـين الإمام أيضاً بواسطة واحد من هذه الأمور. ويشهد لما ذكرنا، من أنهم ينظرون للإمامة على أنها مجرد سياسة وقتية زمنية، يتصدى لها كل فرد من أفراد الأمة، ولا خصوصية لأحد على البقية، ما اعتبروه من صفات وشروط في الإمام، حتى أنهم قبلوا بالإمام وإن كان جائراً، وحرموا الخروج عليه.

مؤهلات الإمام عند القوم:

وفقاً لما ألتـزم به القوم في حقيقة الإمامة، وجعلهم هذا المنصب أشبه بأي منصب سياسي إداري لإحكام القبضة على البلاد، لم يدققوا في الشروط المعتبرة فيه، بل اكتفوا فيه بشروط عادية جداً، يمكن أن تتوفر في كل أحد:

منها: أن يكون قرشياً من صميم.

ومنها: أن يكون في العلم بمنـزلة من يصلح التصدي للقضاء بين المتنازعين، فلا يعتبر أن يكون أعلم أهل زمانه، بل يجوز أن يكون هناك من هو أعلم منه.

ومنها: امتلاكه الأهلية العسكرية، بكونه ذا بصيرة بالحروب وأمرها، ويملك القدرة على تدبير الجيوش وإدارتها، وتشكيل السرايا، وسد الثغور، وحماية بيضة الإسلام.

ومنها: قدرته على حفظ الأمة، وأخذ حق المظلوم من الظالم.

وقد أضاف بعضهم إلى ما ذكرنا شروطاً أخرى، كما عمد آخرون إلى تقليصها، برفع بعض منها كأولها على سبيل المثال.

كيفية انعقاد الإمامة عند القوم:

هذا وعمدة ما يعتبرونه من الشروط في الإمام عبارة عن امتلاكه الأهلية العسكرية، وينجلي هذا من خلال ملاحظة كيفية انعقاد الإمامة عندهم، فإنهم يلتـزمون بأن هذا من مسؤوليات الأمة، وليس أمراً يرتبط بالله سبحانه وتعالى، فالأمة هي التي تختار لها من تشاء، أو أن يتولى أمره من يقوم بالتولي لذلك ولو بالقهر والتسلط عليها غصباً، وليس للأمة بعد توليه الرفض، بل عليها الانقياد والخضوع والتسليم والطاعة.

من هنا، تصور بعضهم أن الإمام هو من يقوم ويخرج بسيفه، خصوصاً إذا كان خارجاً يرفض الظلم، ويريد الإصلاح، فإنه يكون أجدر الناس بالتصدي لذلك، لامتلاكه الصفات المطلوبة، ومن الطبيعي سوف يكون داعياً للعدل وعاملاً به.

وقد كان خروج زيد بن علي(رض)، وغيره من الثوار رافضين الظلم، سبباً لتوهم الناس بالأمس واليوم، أنهم الأجدر بالتصدي لمنصب الإمامة، غافلين عن أن هذا هو مسلك المخالفين، وليس مسلك أهل الحق والإيمان.

حقيقة الإمامة عند الشيعة:

وأما الشيعة الإمامية، فإنهم يعتقدون أن الإمامة منصب إلهي، يعين الباري سبحانه وتعالى فيه من يشاء من عباده، نتيجة توفر مجموعة من الصفات والمقومات، فكما أنه تعالى يصطفى من خلقه أنبيائه ورسله، كذلك يصطفى سبحانه من عباده من يخلفهم، ويقوم بعدهم على الأمة. وبالجملة، إن الإمامة أمارة من السماء، يجعلها تعالى لمن يشاء من عباده المصطفين.

وتعدّ الإمامة عندنا من أصول الدين، وفقاً لما دل عليه الدليل، من أنكرها فقد خرج من ربقة الإسلام، وحكم عليه بالكفر.

ولما أعتبرها أعلامنا وظيفة إلهية، وأمرة سماوية، وأنها استمرار لوظائف الرسالة، استلزم ذلك أن يكون الإمام متصفاً بالصفات التي لابد وأن تتوفر في شخص النبي(ص)، وأن يكون ممتلكاً جميع ماله من ملكات، عدا الوحي، فإنه قد انقطع برحلة المصطفى(ص) عن عالم الدنيا. وهذا يعني يلزم أن يكون الفرد واقعاً تحت العناية الإلهية الخاصة، ولا يكون هذا لكل أحد، وإنما يكن لخصوص المنتخب من قبل الله تعالى. فيلزم أن يكون الإمام خالفاً للنبي(ص) في علمه بالأصول، والفروع، وفي العدالة، والعصمة، والقيادة الحكيمة، وغير ذلك من الشؤون. فكل ما كان يقوم به النبي(ص) من أعمال وأدوار طيلة فترة حياته، يقوم بها الإمام المعصوم(ع)، فكما كان رسول الله(ص) يجيب على إشكالات المشككين، فالإمام(ع) يتصدى أيضاً لذلك، لأن لديه من العلم ما كان لدى رسول الله(ص) لأنه وارث علمه، وهكذا[2].

ومن خلال ما تقدم، يتضح أن منصب الإمامة عند الشيعة لا يكون أمر التعيـين فيه للأفراد، حتى يقال لم لا يجعل الإمام فلان، أو تكون الإمامة في فلان، بل إن الإمامة يكون التعيـيـن فيها بيد الله سبحانه وتعالى، وهذا يعني أن كل من يعترض على وجود شخص ما في هذا المنصب، فهو يعترض على الباري سبحانه، ويشكك في حكمته، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. كما قد أتضح أن المعيار الموجب لاستحقاق الشخص لمنصب الإمامة ليس مجرد القدرة العسكرية، والقيام بالسيف، بل إن هذا أحد المقومات الموجودة عند الإمام، خصوصاً وأننا نعتقد وفقاً للدليل، أن الإمام لا يكون هناك أشجع منه، وإنما المدار على توفر الصفات الأخرى فلاحظ.

خاتمة:

ولنختم الحديث بعد اتضاح وهن الشبهة المذكورة، وأنه لا مجال للاستماع إليها، ببيان الطريق الذي يمكن من خلاله معرفة الإمام، فنقول: إن المستفاد من النصوص أن هناك طرقاً ثلاثة يمكن معرفة الإمام من خلالها:

الأول: الاختبار:

وقد تضمنت النصوص الصادرة عن المعصومين(ع) الحث على قيام الشيعة باختبار كل من يدعي هذا المنصب، ليعرف مدى صدقه من كذبه، وقد كانت سيرة أصحاب الأئمة(ع) على ذلك، فكثيراً ما نجد أنهم يأتون للإمام بعد الإمام فيعرضون عليه مسائل يسألونه عنها، عندهم تكون أجوبتها من الإمام السابق، ليروا مدى المطابقة بين الإجابتين.

الثاني: الصفات التي ذكرتها النصوص:

فقد ورد عن الإمام الباقر(ع) عشر صفات تميز الإمام عن غيره، وذكر الإمام الرضا(ع) علامات أخرى، ولا تنافي بين النصين، ذلك أن كل واحد منهما جاء بنحو الكاشفية بعرض جملة من الصفات التي يكشف توفرها عن الإمام المنصوب من قبل الله تعالى.

الثالث: المعجزة:

ولا يحتاج الأمر فيها بياناً ولا إيضاحاً، فإن القارئ لسيرة الأئمة الأطهار(ع) يرى ذلك جلياً واضحاً من خلال ما كان يجري على أيديهم من الكرامات.

[1] الملل والنحل ج 1 ص 24.

[2] الإلهيات ج 2 ص 510-528(بتصرف).