تلقيح المرأة الأجنبية(3)

لا تعليق
خواطر حوزوية
3
1

تلقيح المرأة الأجنبية(3)

 

وكيف ما كان، فقد الخلاف بين الفقهاء في جواز تلقيح المرأة الأجنبية بماء رجل أجنبي عنها، سواء كانت امرأة متزوجة أم لا، وسواء رضي زوجها بذلك أم لم يكن راضياً، على قولين:

الأول: ما أختاره السيد الماتن(دامت أيام بركاته)، وبعض الأعيان، وبعض الأعلام، وشيخنا التبريزي(قده) من البناء على عدم الجواز من دون فرق بين كونها امرأة متزوجة أو خلية، وسواء رضي زوجها بذلك لم يرض، وسواء كان الماء من محارم صاحب الماء كأمه وأخته، أو لا[1].

الثاني: ما أختاره جماعة من المعاصرين، من البناء على جواز ذلك[2].

 

وقد استند أصحاب القول الثاني إلى الأصل، وقد عرفت أنه البراءة الشرعية، لعدم تمامية أصالة الاحتياط في الفروج، نعم يحسن بالمكلف الاحتياط، لأنه حسن على كل حال[3].

ومن المعلوم أن وصول النوبة للأصل العملي فرع عدم وجود الدليل الاجتهادي، وأما معه فلا تصل النوبة إليه.

 

وقد تمسك القائلون بعدم الجواز، بأمور:

أحدها: الكتاب العزير، وقد استندوا في ذلك لبعض الآيات:

منها: قوله تعالى:- (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن)[4]، وتقريب الاستدلال بها أن يقال: لقد دلت الآية الشريفة على وجوب حفظ المرأة فرجها الذي هو آلة لممارسة العلاقة الطبيعية والاستيلاد، وعن طريقه يلتقي حويمن الرجل ببويضتها لتحصل عملية الاخصاب، ولما لم تخصص الآية جانباً معيناً بالذكر، كان مقتضى إطلاقها هو لزوم الحفظ عليها من دون فرق بين استعماله في ممارسة العلاقة الطبيعية مع غير الزوج، أو إدخال ماء الرجل الأجنبي إلى رحمها بواسطته.

ويمكن صياغة دلالة الآية على الإطلاق بصورة أخرى، فيقال: إنه قد ثبت في محله أن حذف المتعلق يفيد العموم، ولما كان محذوفاً في الآية المباركة، فيكون مفادها وجوب حفظ الفرج من كل شيء يرتبط به، والذي منه التلقيح بأي صورة كان[5].

 

وقد يمنع الإطلاق الموجود في الآية المباركة اعتماداً على وجود رواية قد تضمنت تفسير الحفظ المذكور فيها بخصوص الحفظ من النظر، فقد روى أبو بصير بطريق معتبر عن أبي عبد الله(ع): كل آية في القرآن في ذكر الفروج فهي من الزنا، إلا هذه الآية فإنها من النظرة[6]. فلا يكون للآية إطلاق حينئذٍ، لأنه سوف يكون المستفاد من الآية هو خصوص وجوب حفظ المرأة فرجها عن نظر الآخرين إليه، ولا دلالة لها على شيء آخر.

ولا يخفى ما فيه، ضرورة أن الاستناد لنص من النصوص لتفسير آية من الآيات يعتبر فيه أن يكون حجة قد وصل بطريق معتبر، وهذا غير متوفر في خبر أبي بصير، لأن مصدره هو كتاب التفسير المنسوب لعلي بن إبراهيم القمي،

 

ولم يحرز أن النسخة الواصلة إلينا، والتي تضمنت خبر أبي بصير هو كتاب التفسير المذكور له في الفهارس، فلا يطمئن بالنص المذكور، لاحتمال زيادتها فيه، لعدم ثبوت أن النسخة الموجودة بأيدينا اليوم هي نسخة تفسير علي بن إبراهيم.

إن قلت[7]: لا ينحصر ما يفسر الآية المباركة بخصوص النظر في خبر أبي بصير، إذ يمكن التمسك بما رواه أبو عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله(ع)-في حديث-قال: وكل شيء في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنى، إلا هذه الآية فإنها من النظر[8].

 

قلت: إن حال هذه الرواية لا يختلف عن حال سابقتها إلا من جهة معلومية المصدر فإنها واردة في كتاب الكافي، إلا أن سندها ضعيف، بوجود بكر بن صالح، والظاهر أنه الدرازي، حيث ضعفه النجاشي، كما أن أبا عمرو لا توثيق له إلا بوقوعه في تفسير القمي، وإلا فهو مجهول الحال.

وعليه، لن يكون في المقام مانع من الاستناد لإطلاق الآية الشريفة القاضي بالبناء على عدم جواز تلقيح المرأة الأجنبية بماء رجل أجنبي.

 

ومنع بعض الأعاظم(ره) دلالة الآية على المدعى، وقرر أنها أجنبية تماماً عن الدلالة على التلقيح الصناعي، وإنما هي واردة في مقام الأمر بقطع النظر عن الجنس الآخر، وعدم الطمع فيه فيما يخص الاستمتاعات الجنسية، وذلك لأن النظر وغض البصر أمران وجوديان متضادان، وليس وجود أحدهما مقدمة لترك الآخر، كما أن ترك الآخر ليس مقدمة لوجود الأول على ما هو الحال في جميع الأمور المتضادة لاسيما إذا كان التضاد غير منحصر بفردين، بل كان لهما ضد ثالث كما هو الحال في المقام، فإن التضاد بين غض البصر بمعناه الحقيقي أي اطباق الجفنين بوضع أحدهما على الآخر، وبين النظر غير منحصر بينهما، فإن للإنسان أن يضع بين عينيه وبين الشيء المنظور إليه حائلاً فيحتجب عن الرؤية من دون إطباق الجفن.

 

وعليه فبما أن المراد من الغض ليس هو المعنى الحقيقي يقيناً، إذ لا يجب على الرجل أن يطبق جفنيه، واستعمال الغض وإرادة ترك النظر وهو المعنى المجازي مستلزم لعناية، فيحتاج إلى قرينة وهي مفقودة في المقام، بل استعمال الغض بمعنى ترك النظر استعمال غريب، لم يعثر على شاهد له مطلقاً، تعين أن يكون المراد صرف النظر عن غير الزوجة والمملوكة وفرضها كالعدم من حيث الاستمتاعات الجنسية[9].

ثم ذكر(ره) رأيه في دلالة الشريفة صريحاً، فقال: والحاصل، إنما هي واردة في مقام الأمر بقطع نظر كل من الجنسين عن الآخر، وعدم الطمع فيه فيما يختص بالاستمتاعات الجنسية[10].

 

ودعماً لما أختاره(ره) في بيان معنى الغض، ذكر أموراً ثلاثة:

الأول: إن لفظ(من) الوارد ذكره في الآية الشريفة للتبعيض، ولا معنى له بناءاً على إرادة ترك النظر مطلقاً، بخلافه بناءاً على المعنى المذكور، وهو حصة خاصة منها، وهي صرف النظر عن غيرهما في خصوص الاستمتاعات الجنسية وما يتعلق بها من شؤون، وفرضها في مثل هذه القضايا كالعدم، فإنه وجيه، إذ المطلوب حصة خاصة من صرف النظر، وهي ما كان عن الاستمتاعات.

 

وأما في غيرها كالبيع والشراء فلا مانع من الطمع فيهن، فلا يقطع نظره عن معاملاتهن، وهذا المعنى لا يتحقق على التفسير الآخر، فإنه لو فرض أن المراد بالغض هو ترك النظر لما كان معنى للتبعيض فيه[11].

الثاني: إنه لو فسر الغض بترك النظر، فلا يمكن الأخذ بإطلاقه، لجواز النظر إلى كثير من الموجودات، فيلزم تخصيصه بالمرأة الأجنبية، ولكن ذلك غير ممكن أيضاً، لاستلزمه تخصيص الأكثر، بل استعمال العام في فرد واحد، ومعه فيتعين أن يكون المراد غض النظر عما حرمه الله، وبذلك يلزم إثبات الحرمة من الخارج، ولا يمكن التمسك بنفس الآية المباركة لإثباتها.

 

الثالث: إن الخطاب يعم من لا يبصر أيضاً، وحيث إنه لا معنى لتكليفه بترك النظر فيتعين حمل الغض على الانصراف عن خصوص الاستمتاعات الجنسية.

ويلاحظ عليه، أولاً: بأن تفسير الغض بإطباق الجفنين لم يثبت في كتب اللغة أصلاً، فإن المذكور فيها هو الكف، والخفض، أما الخفض فمن الواضح أنه لا يراد به الإطباق، كما تقدم، وأما الكف، فإنه لم يفسر بالإطباق أصلاً، وإنما يراد به صرف النظر عن الشيء، وهو كما يتحقق بإطباق الجفنين يتحقق بغيره. نعم نقل ابن منظور عن ابن الأعرابي أن انغضاض الطرف بمعنى انغماضه، ولم ينقل ذلك إلا عن ابن الأعرابي، ولعله بيان لأحد المصاديق من الغض، وإلا لو كان الغض بهذا المعنى لأشار إليه أساطين علماء اللغة، ولما ذكروا الكف والخفض كأول ما يذكر من معاني لهذا اللفظ.

 

ثانياً: إن الإضافة الحاصلة في الآية المباركة للغض إلى البصر، وهو العضو الناظر تناسب إرادة منع الرجل عن النظر إلى المرأة، فحتى إذا كان استعمال الغض وإرادة عدم النظر عنائياً، فقرينته موجودة في نفس الآية الشريفة ببركة هذه الإضافة، وهي أقرب عرفاً من الحمل الذي أفاده(قده).

ثالثاً: إنه بعد التنـزل عما تقدم، فإنه يمكن القول بأن الأمر بالغض تعبير عرفي عن لزوم ترك النظر، من دون استعانة بفكرة الضد، كما في بعض النصوص من قبيل: وليغض بصره عند الجماع، فإن النظر إلى الفرج يورث العمى في الولد[12]. و: حق البصر أن تغضه عما لا يحل لك[13]. و: من دخل الحمام فغض طرفه عن النظر إلى عورة أخيه آمنه الله من الحميم يوم القيامة[14].

 

بخلاف تفسيره(ره) بترك الاستمتاعات الجنسية، فإنه ليس استعمالاً حقيقياً، ولا مجازياً معهوداً، وليس له شاهد.

وأما الشواهد التي ذكرها لمساعدة مختاره، فيجاب عنها:

أما الأول فيرده، أن النظر تارة يكون مع الشهوة، وأخرى بدونه، وتارة يكون مع الإمعان وأخرى بدونه، ولعل الآية المباركة تريد الأمر بترك النظر الشهوي، أو ترك إمعان النظر.

وأما الجزم بكون(من) في الآية الشريفة للتبعيض فهو أول الكلام، إذ يحتمل أنها زائدة، كما في قوله تعالى:- (فما منكم من أحد عنه حاجزين)، أو تكون صلة للغض، فإنه لغة بمعنى النقصان والخفض، وهو يحتاج إلى صلة، كما في قوله تعالى:- (واغضض من صوتك)، أي انقصه واخفضه، والتقدير في مقامنا: قل للمؤمنات يغضوا من أبصارهن، وذلك بترك إمعان النظر، أو مع الشهوة.

 

وأما الثاني، فيجاب عنه، بأن المدعى ومن البداية كونه مختصاً بقرينة مناسبات الحكم والموضوع أو غيرها، بالمرأة، فلا محذور من هذه الناحية.

وأما الثالث، فإن عموم الخطاب لغير المبصر أول الكلام، ولا ينبغي أخذه أمراً مفروغاً عنه ليفرع عليه ذلك، وإنما يكون عاماً بناءاً على التفسير الذي ذكره(ره)، وأما بناء على تفسير الغض بترك النظر، فيكون خاصاً بالمبصر.

 

والإنصاف، أن تفسير الغض بترك النظر أمر قريب، ما يجعل دلالة الآية الشريفة على حرمة مطلق النظر غير بعيدة لو لم تكن واضحة، فيكون المراد هو ترك إمعان النظر، أو النظر بشهوة، لا مطلق النظر.

 

ووفقاً لما تقدم، سوف تكون الآية أجنبية عن محل المقام، لأنها ناظرة لخصوص ترك إمعان النظر، أو ترك النظر بشهوة، ولا ربط لها بمسألة حفظ الفرج عن التلقيح.

على أنه لو لم يقبل بما ذكرناه، فإن أقصى ما يظهر من الآية الشريفة هو وجوب حفظ الفرج من كل ما حرمه الله سبحانه وتعالى، وقد ثبت بالأدلة القطعية حرمة ذلك بالنسبة إلى الزنا واللمس، فيدخلان في وجوب الحفظ المقصود في الآية، وأما شمولها لغير ذلك كتلقيح الرجل الأجنبي المرأة الأجنبية بمائه دون نظر منه لفرجها، أو لمس، فهو أول الكلام، ولا يخرج عن كونه مجرد دعوى غير مبرهنة، ولا أقل من وجود إجمال في الآية من ناحية شمولها لمثل هذا المورد، ما يوجب الاقتصار على القدر المتيقن، وهو وجوب حفظ الفرج في خصوص ما ثبتت حرمته.

 

ومنها: قوله تعالى:- (والذين هم لفروجهم حافظون* إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين* فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون)[15]، وتقريب دلالتها على المدعى من خلال قوله تعالى:- (فمن ابتغى وراء ذلك)، فإن المستفاد منه عدّ كل ما يكون منافياً لحفظ الفرج اعتداءاً وتجاوزاً للحد الشرعي، إلا أن يكون ذلك عن طريق الزواج، أو ملك اليمين[16].

وببيان أوضح، لقد تضمن صدر الآية الشريفة على تعداد صفات المؤمنين، والتي منها حفظ الفرج عن غير الأزواج، وملك اليمين، كما أن ذيلها اشتمل على أن كل من يخالف ذلك فيبتغي طريقاً غير هذين الطريقين السائغين، فلم يحفظ فرجه عن غير زوجته، وأمته، كان متعدياً عن حكم الله، عاصياً له.

ولما لم يذكر متعلق حفظ الفرج، فيكون شاملاً لكل شيء كالزنا، والتفخيذ وغير ذلك، ومنه إفراغ النطفة في فرج غير الزوجة أو الأمة، ولو كان بالتسبيب بأن أجاز لغيره أن يفرغ ماءه في فرجها، بالآلات الحديثة.

 

وفيه: الظاهر أن المقصود من حفظ الفرج في الآية المباركة هو حفظه عن المواقعة المحرمة، كما استظهر ذلك بعض أعلام التفسير(ره)، قال: وحفظ الفروج كناية عن الاجتناب عن المواقعة سواء كانت زناً أو لواطاً أو بإتيان البهائم وغير ذلك[17]. فيكون مفاد الآية حفظ الفرج عن كل ما حرمه الله، والثابت حرمته هو العلاقة الطبيعية، والنظر واللمس، وأما غير ذلك كإفراغ الرجل نطفته في فرج امرأة أجنبية عنه، فلم تثبت حرمته بشيء من الأدلة، فلا تشمله الآية الشريفة.

على أنه لو لم يقبل بما ذكرنا، فلا أقل من البناء على كون الآية المباركة مجملة من هذه الناحية، أعني شمولها لغير ما ثبتت حرمته، فيقتصر على القدر المتيقن، وهو دلالتها على لزوم الحفظ من خصوص ما ثبتت حرمته.

 

ومنها: قوله تعالى:- (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم……وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفوراً رحيماً)[18]. وتقريب دلالتها، بلحاظ خلو الآية الشريفة من الإشارة لموضوع التحريم فيها، إذ لم يذكر فيها متعلق التحريم، مع أنها تشتمل حكماً تكليفياً، وهو التحريم، ومن المعلوم أن التكليف يحتاج فعلاً يكون متعلقاً به، ولما لم يكن موجوداً فلابد من تقديره، وبما أن المتعلق محذوف فيها، وقد ثبت في محله أن حذف المتعلق يفيد العموم، فيكون الفعل المقدر في الآية شاملاً للتلقيح، فيحكم بحرمته، كما يحكم بحرمة بقية الأمور الأخرى.

 

ولا يخفى ما فيه، فإن المقرر في محله أن دلالة حذف المتعلق على العموم مشروطة بما إذا لم يمكن معرفته وتقديره، وأما مع إمكانية معرفته وتقديره فلا يكون مفيداً لذلك، والمقام من هذا القبيل، فإنه يقدر الفعل وهو النكاح لأنه المناسب لمدلول الآية عرفاً، ويساعد على ذلك قوله سبحانه:- (وأن تجمعوا بين الأختين)، ما يجعل الآية أجنبية عن المدعى.

 

ثانيها: النصوص التي تضمنت عدّ إفراغ الرجل مائه أو نطفته في رحم امرأة محرمة عليه من الكبائر، بل من أعظمها:

منها: ما رواه علي بن سالم عن أبي عبد الله(ع) قال: إن أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة رجل أقرّ نطفته في رحم يحرم عليه[19]. وتقريب دلالته على المدعى من خلال التمسك بإطلاق مفهوم الإقرار، وأنه لا يختص بخصوص ما يكون بواسطة العلاقة الطبيعية، بل يشمل غير ذلك من أنواع الإقرار الذي يكون بإدخال الرجل مائه في رحم المرأة الأجنبية، ولو كان ذلك من خلال الوسائل الحديثة[20].

 

والحاصل، إن مدلول الخبر أن الحرمة منصبة على نفس عملية الإقرار بعيداً عن صدق عنوان الزنا على ذلك وعدمه.

إن قلت: إن الخبر المذكور أخص من المدعى، ذلك أنه قد تضمن أن العذاب المترتب حال كون المقر للنطفة هو صاحبها، وليس شخصاً غيره، لتعبيره(ع): رجل أقرّ نطفته، وهذا يعني خروج عملية التلقيح الصناعي، لأن العادة أن الذي يتولى عملية التلقيح والتي هي الإقرار الطبيب.

على أنه لو منع من تحقق موضوع الحرمة كان حسناً، لأن الخبر قد اعتبر الإقرار في رحم المرأة الأجنبية، وهو غير حاصل عادة في التلقيح الصناعي، لأن الحويمن يلقح بالبويضة خارجاً ثم تزرع النطفة في رحم المرأة.

 

قلت: إن المتفاهم العرفي لا يرى خصوصية لصاحب النطفة ليكون المتصدي لإقرار النطفة بنفسه، بل يفهم صدق عنوان الإقرار في رحم المرأة الأجنبية وتحققه ولو كان ذلك عن طريق الغير.

 

وقد منعت صلاحية الخبر على المدعى سنداً ودلالة:

أما سنداً، فلأن سندها قد اشتمل على شخصين وقعا مورداً للكلام:

الأول: عثمان بن عيسى، فإنه لم يوثق في شيء من الكتب الرجالية، نعم المستفاد من عبارة النجاشي(ره) أنه فاسد العقيدة، حيث نص على أنه كان شيخ الواقفة ووجهها وأحد الوكلاء المستبدين بمال موسى بن جعفر(ع)، قال(قده): عثمان بن عيسى، أبو عمرو العامري الكلابي، ثم من ولد عبيد بن رؤاس، فتارة يقال الكلابي، وتارة العامري، وتارة الرؤاسي، والصحيح أنه مولى بني رؤاس، وكان شيخ الواقفة ووجهها، وأحد الوكلاء المستبدين بمال موسى بن جعفر(ع)، روى عن أبي الحسن(ع)، ذكره الكشي في رجاله، وذكر نصر بن الصباح قال: كان له في يده مال-يعني الرضا(ع)، فمنعه فسخط عليه، قال: ثم تاب وبعث إليه بالمال، وكان يروي عن أبي حمزة، وكان رأى في المنام أنه يموت بالحائر على صاحبه السلام، فترك منـزله بالكوفة، وأقام بالحائر حتى مات ودفن هناك[21].

 

وهذا التعبير واضح في فساد عقيدته، اللهم إلا أن يقبل قول نصر بن الصباح في حصول التوبة منه، نعم مجرد فساد العقيدة لا يكون موجباً للبناء على الضعف.

والحاصل، إن أقصى ما يظهر من عبارة النجاشي(ره)، فساد عقيدته، وأما حاله من حيث الوثاقة وعدمها، فقد خلى كلامه من ذلك. نعم قد يوثق اعتماداً على أحد طرق:

أحدهما: القاعدة العامة التي ذكرها الشيخ(ره) في العدة من أنه إذا كان راوي الخبر من الواقفية وأضرابهم، ولكنه كان متحرجاً في روايته موثوقاً به في أمانته، وجب العمل بروايته إذا لم يرد ما يخالفها من طرق الإمامية. ثم قال: ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بأخبار…….الواقفة مثل سماعة ابن مهران، وعلي بن أبي حمزة، وعثمان بن عيسى[22]. فإن الظاهر منه(ره) أن هؤلاء والذين منهم عثمان بن عيسى كانوا من الثقات.

وفيه: قد ذكرنا في ترجمة السكوني، أن المستفاد من العبارة المذكورة أن عمل الطائفة بمرويات هؤلاء يعود لما جاء في ذيل عبارته(ره) من التعليل بالرواية عن أبي عبد الله(ع)، أنه قال: إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما رووا عنا، فانظروا إلى ما رووه عن علي(ع) فاعملوا به[23]. لأنه قال بعد نقله هذا الخبر: ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه…ألخ. فعمل الطائفة بأخبار هؤلاء لما هو المنقول عن علي(ع) بواسطة الإمام الصادق(ع)، وهذا لا يدل على أن الطائفة حينما عملت كانت تعتقد الوثاقة فيهم[24].

 

اللهم إلا أن يدعى التفكيك في كلامه(ره) المرتبط بغير الشيعة، والشيعة غير الإمامية، ويكون العمل تعبداً مختصاً بمرويات غير الشيعة، وأما الشيعة غير الإمامية، فإن العمل بمروياتهم مرهون بتوفر شرائط الحجية، والذي من ضمنه الوثاقة وعدم الكذب، وهذا يظهر من تعبيره(قده): متحرجاً في روايته موثوقاً به في أمانته، فإن التعبير بالتحرج في الرواية والوثوق في الأمانة كاشف عن عدم الكذب والذي هو مدار حجية الخبر، وهو غير بعيد، فتأمل.

ثانيهما: كونه أحد أصحاب الإجماع الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم، وتصديقهم، حيث عدّ من الستة في الطبقة

وقد عرفت في محله عدم تمامية الكبرى المذكورة، فيتضح حال الصغرى.

ثالثها: وقوعه في أسناد كامل الزيارات، وقد شهد ابن قولويه بوثاقة جميع من وقع فيها.

رابعها: وقوعه في أسناد التفسير المنسوب لعلي بن إبراهيم القمي، والذي شهد في مقدمته بوثاقة جميع الواقعين فيها.

وقد عرفت غير مرة حال هذين الوجهين، فلا موجب للإعادة.

الثاني: علي بن سالم، والظاهر أنه علي بن سالم الكوفي، وقد عدّه الشيخ(ره) في أصحاب الإمام أبي عبد الله الصادق(ع)، وقد وقع الكلام في وثاقته، وهنا احتمالان:

أحدهما: أن يلتـزم باتحاده مع علي بن أبي حمزة البطائني، وقد قرر في محله الحكم بضعفه وعدم قبول رواياته، ولا أقل من كونه مجهولاً بعد تعارض ما دل على التوثيق مع ما دل على التضعيف وتساقطهما.

 

وأما ما جاء في بعض الكلمات من التفصيل في مروياته بين ما كان حال الاستقامة، فيقبل وما كان بعد الانحراف فلا يعتمد عليه، فإنه وإن كان وجيهاً، إلا أنه مجرد وجه ثبوتي وليس إثباتياً، لصعوبة إحراز أن هذا النص مما روي قبل الانحراف. اللهم إلا أن يدعى بأن الرواة قد تركوا الرواية عنه بمجرد الانحراف، كما أن أصحاب الأصول لم يدونوا شيئاً من مروياته بعد انحرافه، وعليه فلم يثبت رواية أصحاب الكتب الأربعة في كتبهم شيئاً من ذلك. بل قد يدعى أنه قد ترك الرواية أساساً بعد الانحراف، فتأمل.

ثانيهما: أن يلتـزم بمغايرته لعلي بن أبي حمزة، وأنهما اثنان، فهنا دعويان:

الأولى: إثبات المغايرة بينهما.

الثانية: إثبات الوثاقة.

وقد ذكرت شواهد ثلاثة على إثبات الدعوى الأولى:

أحدها: إن البطائني وإن كان أسم أبيه سالماً، كما صرح بذلك غير واحد، إلا أنه لا يعرف به في كتب الحديث والرجال، وإنما يعرف بعلي بن أبي حمزة، وهذا يعني مغايرته لعلي بن سالم.

 

ثانيها: إن علي بن أبي حمزة يوصف بالبطائني، وليس الكوفي، فوصف علي بن سالم بذلك دليل مغايرته له.

ثالثها: نص الشيخ(ره) على ذكرهما معاً، فقد ذكر البطائني أولاً، ثم ذكر علي بن سالم بعده بفصل قليل، وهذا يمنع من اتحادهما[25].

وقد أجيب عن الشواهد الثلاثة[26]، أما الأول منها، بأن مجرد تداول اسم البطائني بعلي بن أبي حمزة، لا يمنع أن يكون هو المقصود بعلي بن سالم، بأن يذكر بنسبته لاسم أبيه، لا لكنيته، ولذلك نظائر في الرواة، فإن الشائع في محمد بن أبي عمير مثلاً ذكره بهذا العنوان، إلا أن له روايات كثيرة أيضاً بنسبته لأبيه بعنوان محمد بن زياد، وكذا أبو عبيدة الحذاء، فقد ورد أيضاً بعنوان زياد بن أبي رجاء، وكذا بعنوان زياد بن عيسى.

 

وبالجملة، إنه لا يوجد ما يمنع أن يذكر شخص واحد في النصوص بعنوانين أو أكثر، نعم قد يكون بعضها أكثر شياعاً وتداولاً من البقية.

ولا يذهب عليك أن ما ذكر جواباً عن الشاهد الأول لا يخرج عن كونه مجرد احتمال يتصور وقوعه، لا أنه واقع، وهذا يعني عدم دفعه الشاهد المذكور على التعدد، لأنه ما لم يذكر ولو مورداً واحداً ورد فيه التعبير عن البطائني، بعلي بن سالم، وهو البطائني، فلن يخرج ما ذكر عن الدعوى التي تكون عهدتها على مدعيها.

وأجيب عن الشاهد الثاني بجوابين، أولهما: إن مجرد توصيف علي بن سالم في رجال الشيخ بالكوفي، لا يدل على كونه لقباً له يستشعر منه المغايرة مع علي بن أبي حمزة البطائني الذي لم يوصف بالكوفي، لأن وصفه بالكوفي ليس تميـيزاً له وإنما هو إخبار بكونه من الكوفة، وهذا الإخبار عن بلد الراوي ومحلته موجود بكثرة في رجال الشيخ(قده) حيث وصف عدداً كبيراً من الرواة بكونهم كوفيـين، فمن المستبعد أن يكون التفريق على أساس أن الأولين ملقبين بذلك دون الآخرين، خصوصاً وأن الظاهر كون غايته من التوصيف هو ذكر الانتساب فقط.

 

وفيه، أولاً: إن دعوى أن التوصيف غايته مجرد الإخبار بالانتساب إلى الكوفة ليس إلا، عهدتها على مدعيها، خصوصاً بملاحظة أن كتاب الشيخ(ره) في الرجال معقود لشرح حال الرواة، وذلك بعرض كل ما يكون له دخالة في تميـيز راوٍ عن راوٍ آخر.

 

ثانياً: بعد التسليم بكون غاية التوصيف المذكور هو بيان الانتساب للبلد، إلا أنه يوجب بالدلالة الالتـزامية امتيازه عمن لا يكون موصوفاً بهذا الوصف كما لا يخفى.

ثانيهما: بعد التسليم بكون الكوفي لقباً خاصاً لعلي بن سالم، كما أن البطائني لقب خاص لعلي بن أبي حمزة، إلا أن عدم ذكر أحد اللقبين عند ذكر الآخر لا يدل على عدم تلقب صاحبه به، فإن هناك موارد كثيرة في رجال الشيخ(ره) ذكر فيها أحد الأشخاص ووصفه بكونه كوفياً، ثم ذكره مرة ثانية ووصفه بعنوان آخر، كما في زياد بن أبي رجاء الكوفي، وقوله في موضع آخر زياد بن عيسى أبو عبيدة الحذاء.

 

وفيه: إن من الطبيعي أن يكشف عدم ذكر أحد اللقبين عند ذكر لقب الآخر على اختصاصه بغيره، ولم يذكر لغاية التميـيز والحذر من الخلط، وهذا مقتضى الدلالة الالتـزامية لو لم تكن الدلالة المطابقية.

 

والنقض بوجود بعض موارد تعدد الذكر في رجال الشيخ(ره) لا ينفي ما ذكرناه من كون التوصيف كاشفاً عن التميـيز، بل يوجب بيان النكتة التي دعت الشيخ(ره) إلى التكرار، مثل ما قيل: أن كتابه الرجال لم يخرج عن كونه مسودات، أو ما قيل أنه قد حرره على وفق ما جاء في النصوص من أسماء الرواة، وإن استوجب تعدداً للشخص.

وبالجملة، إن ذكر وصف لشخص دون الآخر بحسب المتفاهم العرفي يكشف عن اختصاصه به دون البقية.

وأجيب عن الشاهد الثالث، بكثرة التكرار في رجال الشيخ(ره)، وهذا يلحظه كل من قرأ كتابه، وعلى ذلك شواهد كثيرة:

 

منها: عنوان زياد بن عيسى أبي عبيدة الكوفي، فقد ورد ذكره ثلاث مرات بعناوين مختلفة:

الأول: برقم (34) زياد بن عيسى أبو عبيدة الحذاء الكوفي.

الثاني: برقم(47) زياد بن أبي رجاء الكوفي.

الثالث: برقم(108) زياد أبو عبيدة الحذاء.

والحاصل، إن كثرة التكرار في كتاب الرجال تمنع من أن يكون ذكر عنوانين فيه كاشف عن التعدد والمغايرة.

وفيه: إن مجرد وجود التكرار في الكتاب لا يوجب نفي التعدد، ذلك أن الأصل الأولي أن التعدد آية المغايرة، وإنما بني على الاتحاد في الموارد المشار إليها لوجود قرينة اقتضت ذلك، وإلا فإن مقتضى الظهور الأولي وفق المتفاهم العرفي، البناء على التعدد.

 

وعليه، فإن كان في البين قرينة على كون مقامنا من هذا القبيل، حكم فيه بالاتحاد، وبني على أنه من باب تعدد ذكر الراوي بعناوين مختلفة، وإلا حكم بالتعدد، كما جاء في كلمات بعض الأعاظم(ره)، والثاني لو لم يكن متعيناً، فلا أقل من كونه ليس بعيداً.

وقد جعل طريق اتحادهما، اتحادهما في الراوي والمروي عنه، فقد روى كل منهما عن أبيه، وعن أبي بصير، وعن يحيى، والظاهر أنه يحيى بن أبي القاسم، وهو أبو بصير.

كما أن الراوي عنهما مشترك، إذ يروي عنهما النوفلي، وعثمان بن عيسى، وعلي بن أسباط، ويونس بن عبد الرحمن، وابن أبي عمير.

ومن المستبعد أن يقع الاتحاد في الراوي والمروي عنه صدفة مع تغاير العنوانين[27].

 

والانصاف، أن ما ذكر لا يصلح أن يكون قرينة جزمية على الاتحاد، فلاحظ على سبيل المثال المسعدتين، مسعدة بن زياد ومسعدة بن صدقة، وغيرهما، ما يوجب أن يكون البناء على التعدد أولى من البناء على الاتحاد.

وأما الدعوى الثانية، فقد يقرب القول بوثاقته استناداً لبعض التوثيقات العامة:

منها: رواية ابن أبي عمير عنه، وقد شهد الشيخ(ره) في حقه أنه لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة.

وتمامية هذا الوجه متوقفة على ما يستظهر من العبارة المذكورة، إذ لو استظهر منها اعتبار الكثرة في الرواية، وليس مجرد الرواية كما هو غير بعيد، فلن تكون الصغرى متحققة في المقام.

 

ومنها: رواية أحد أصحاب الإجماع الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم، فقد روى عنه عثمان بن عيسى، كما روى عنه ابن أبي عمير، وروى عنه يونس بن عبد الرحمن.

وفيه: إن تمامية هذا الوجه تعتمد على الالتـزام بظهور التصحيح المذكور فيما فهمه المشهور، وقد قرر في محله وجود محتملات أخرى في العبارة المذكورة، وعدم ظهورها فيما فهمه المشهور.

ومنها: رواية الأجلاء عنه، ورواية الجليل عن شخص أمارة توثيقه، وقد عرفت رواية كل من ابن أبي عمير ويونس بن عبد الرحمن عنه.

وقد ذكرنا في محله عدم وقوفنا على وجه فني يركن إليه في إثبات الكبرى المذكورة.

 

 

 

[1] منهاج الصالحين ، تحرير الوسيلة ج 2 مسألة 2 ص 559، كلمة التقوى ج 4 ص 454، المسائل المنتخبة للشيخ التبريزي مسألة 43 ص 425.

[2] مجلة فقه أهل البيت(ع) العدد الخامس والسادس ص 116-117، العدد العاشر ص 67.

[3] مجلة فقه أهل البيت العدد العاشر ص 67.

[4] سورة النور الآية رقم 31.

[5] المسائل المستحدثة للسيد الروحاني ص 8، مجلة فقه أهل البيت(ع) العدد العاشر ص 68.

[6] تفسير القمي ج 2 ص 101.

[7] المسائل المستحدثة للسيد الروحاني ص 8، مجلة فقه أهل البيت(ع) العدد العاشر ص 68.

[8] وسائل الشيعة ج 15 ب 2 من أبواب جهاد النفس ح 1 ص 164.

[9] موسوعة الإمام الخوئي(ره) ج 32 ص 25.

[10] لمصدر السابق ص 27.

[11] المصدر السابق ص 26-27.

[12]  وسائل الشيعة ج 20 ب 59 من أبواب مقدمات النكاح ح 5 ص 121.

[13]  وسائل الشيعة ج 15 ب 3 من أبواب جهاد النفس ح 1 ص 173.

[14]  وسائل الشيعة ج 1 ب 1 من أبواب أحكام الخلوة ح 4 ص 300.

[15] سورة المؤمنون الآيات رقم 5-7.

[16] مجلة فقه أهل البيت(ع) العدد العاشر ص 68-69.

[17] تفسير الميزان ج 15 ص 10.

[18] سورة النساء الآية رقم 23.

[19] وسائل الشيعة ج 20 ب 4 من أبواب النكاح المحرم ح 1 ص 318.

[20] كلمات سديدة ص 81.

[21] رجال النجاشي رقم ص

[22] العدة في الأصول ص

[23] عدة الأصول ج 1 ص 148-150.

[24] كلمات توضيحية ج 1 ص 189-191.

[25] معجم رجال الحديث ج 12 ص 37، قاموس الرجال ج 6 ص 494.

[26] وسائل الانجاب الصناعية ص 631-633.

[27] المصدر السابق.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة