تلقيح المرأة الأجنبية(4)

لا تعليق
خواطر حوزوية
32
1

تلقيح المرأة الأجنبية(4)

 

وأما منع الدلالة، فقد منعت دلالة الخبر محل البحث على المدعى، لا لمنع انعقاد إطلاق فيه من ناحية عملية الإقرار، بحصره في خصوص السبل المتعارفة في ذلك، وإنما لكون التعبير المذكور ليس محمولاً على ظاهره، بل هو تعبير كنائي قد استعمله الإمام(ع)، غايته الإشارة إلى حرمة الزنا، والمنع من ممارسته، فلا يكون للخبر المذكور أيما علاقة بمحل البحث، خصوصاً مع التشكيك في صدق عنوان الزنا على المورد.

 

على أنه لو لم يقبل بما ذكر، مع البناء على تمامية دلالة الخبر على المدعى لاستفادة ذلك من إطلاق الخبر، ليشمل اقرار نطفة الرجل الأجنبي في رحم المرأة الأجنبية بأي وسيلة كانت سواء كان الاقرار عن الطريق المتعارف وهو ممارسة العلاقة الطبيعية بين الرجل والمرأة لوجود بعض القرائن الداخلية الحافة بالكلام والمانع من انعقاد إطلاق له.

وقد أشكل على حمل الخبر على المعنى الكنائي للفاحشة:

أولاً: إن المستفاد من الخبر هو الإشارة إلى وجود حرمة أخرى زائدة تغاير حرمة الزنا، وهي حرمة اقرار النطفة والإفراغ، خصوصاً وأن النسبة بين الزنا والاقرار نسبة العموم من وجه.

ثانياً: إن مقتضى دلالة النص على مغايرة العقوبة الثابتة على اقرار النطفة عن العقوبة المسجلة على الزنا، يكشف عن مغايرة الموضوعين فيمنع كناية أحدهما عن الآخر.

وبعبارة أخرى، إن التعدد يدل على المغايرة، فتكون الحرمة الثابتة لأحد العنوانين مغايرة للحرمة الثابتة للعنوان الآخر.

 

ثالثاً: لقد نص في علم البيان والبلاغة أن الكناية كالاستعارة من أقسام التشكيك، فيعتبر فيها وجود مناسبة بين المكنى به والمكنى عنه، بأن يشتركا في الحكم، وإلا لم يصح التوصل بذكر المكنى به عوضاً عن المكنى، بل يجب أن يكون المكنى به أظهر في الحكم من المكنى عنه، فيتوصل بذكره عن ذكر المكنى عنه.

ومقتضى كون الاقرار كناية عن الزنا، يستوجب الحكم بكونه محرماً في نفسه حتى يصلح للكناية به عن الزنا وحرمته[1].

 

ولا حاجة للتعقيب على ثالث الإشكالات، لأنه قد تضمن التسليم بالمعنى الكنائي، ولا مانع من مغايرة المفهومين. إنما الكلام في الجواب عن الإيرادين الأول والثاني، فإنه يجاب عن الأول منهما، بأن مجرد دلالة الخبر على وجود حرمة زائدة على حرمة الزنا، لا تدل على المدعى، ذلك أنه لا ينكر استفادة حرمة اقرار النطفة في رحم المرأة الأجنبية من النص، وإنما البحث في تحديد المقصود من الإقرار. والقول بكونه كناية عن الزنا، لا يقصد به مطلق الزنا، بل يراد به الزنا الذي يصاحبه إفراغاً وإقراراً للماء في رحم المرأة.

 

ويجاب عن الثاني، بأن من المسلم به مغايرة العنوانين، لأن النسبة بينهما هي العموم من وجه، ولو في الجملة، إلا أن هذا لا يوجب منع الحمل على المعنى الكنائي، بل تغاير العناوين.

ومنها: ما رواه المعلى بن خنيس، سألت أبا عبد الله(ع) عن رجل وطأ امرأته فنقلت ماءه إلى جارية بكر فحبلت، فقال: الولد للرجل، وعلى المرأة الرجم، وعلى الجارية الحد[2]. وقد دلت على حرمة نقل ماء الرجل الأجنبي إلى رحم المرأة الأجنبية من دون تفصيل فيها إلى طريقة النقل، فيدل ذلك على حرمة اقرار نطفة الرجل الأجنبي في رحم المرأة الأجنبية ولو من خلال التلقيح.

 

وقد نوقش الخبر المذكور سنداً ودلالة، أما السند، فلاشتماله على المعلى بن خنيس، وقد اختلف فيه الرجاليون على قولين:

الأول: البناء على وثاقته وجلالة قدره، بل عدّه بعضهم من السفراء الممدوحين كما يظهر من الشيخ(ره) في كتابه الغيبة، وهو مختار جمع من الأعلام كالمحدث النوري، وبعض الأعاظم(ره)، وبعض المحققين(قده).

 

الثاني: البناء على ضعفه وعدم قبول رواياته، وقد نص على ذلك كل من ابن الغضائري، حيث قال: ولا أرى الاعتماد على شيء من حديثه. وقال النجاشي: إنه ضعيف جداً لا يعول عليه.

وقد جعل بعض الأعاظم(ره) دليله على الوثاقة النصوص المتظافرة في مدحه مع صحة أسناد بعضها.

وتمامية الاستدلال بها تتوقف على تمامية المقتضي وفقدان المانع، ونعني بالمقتضي تمامية دلالتها على المدعى، ونعني بعدم المانع معالجة إعراض ابن الغضائري والنجاشي عنها، مع كونها بمرأى ومسمع منهما، إلا أنهما لم يعملا بها، وهذا يكشف إما عن وجود خلل فيها منعهما من الاستناد إليها، أو عن وجود معارض أقوى دعى لتقديمه عليها، أولا أقل من تساويهما في المضمون والقوة أوجب سقوطهما معاً.

 

ومن المستبعد جداً عدم اطلاعهما عليها، لوجودها في ما كان تحت يدهما من مصادر. نعم قد يدعى أن اعراضهما عنها اعراض دلالي، بحيث أنهما قد فهما منها ما هو خلاف ظاهرها، أي أنهما(ره) قد فهما أن ما تضمنته هذه النصوص من مدح كان لبعض الدواعي والمقتضيات الخاصة وليس بحسب ظهورها الأولي.

وعندها يمنع أن يكون إعراضهما عن النصوص مانعاً للاستناد إليها، لأنه أمر اجتهادي يختلف فيه من فقيه لآخر.

وهو وإن كان تاماً، إلا أن الظهور لما كان منشأه السيرة العقلائية، وإعراض هذين العلمين وهما القريبان من عصر الظهور يكشف على أقل التقادير عن ظفرهما بما لو وصلنا لمنع من البناء على ظهورها في المدعى، ولا أقل من احتمال ذلك، وعليه يصعب البناء على دلالة هذه النصوص.

 

وقد يقال: إن الداعي لإعراض ابن الغضائري والنجاشي عن النصوص المادحة هو استظهارهما أنها قد صدرت لبيان غاية معينة، وغرض ما، كبيان مظلومية المعلى مثلاً، أو بيان فداحة ما أقدم عليه داود بن علي والي المدينة، أو الإشارة إلى حالة التضيـيق الذي كان يعانيه الإمام(ع) خلال تلك الحقبة الزمنية، ولهذا نظائر في سيرة غيره من الأصحاب، كزرارة مثلاً، أو غيره، فقد صدرت فيهم نصوص ذامة لغرض حمايتهم وإبعاد أعين السلطة عنهم، وعدم وصولها إليهم[3].

ويتم ما ذكر لو كان عليه قرينة كما في قضية زرارة وأضرابه مما كانت هناك دواعي إلى حمايته، ودفع الأذى والبلاء عنه، وهذا لا يتصور في أن يصدر منه(ع) مدحاً لشخص قد مات، ويكون غرضه من المدح الإشارة لنكتة ما، فتأمل.

 

وأما لو كان المانع هو الثاني، أعني وجود خلل في النصوص سنداً أو متناً، فقد يقال بأنه أمر صغروي لا يصار إليه، لاختلاف المباني الرجالية في حجية الخبر بين كفاية الوثوق واعتبار الوثاقة واشتراط العدالة وغير ذلك. كما أن رفع اليد عن نص لعدم ظهوره في المدعى ليس فنياً لنفس النكتة من كونه بحثاً صغروياً.

والانصاف، أنه لو سلم في البحث السندي، إلا أنه لا يسلم في البحث الدلالي، لأن الظهور أمر عقلائي وإعراض جملة من العقلاء عن ظهور نص في أمر ما، خصوصاً لو كانوا قريبين من عصر النص يعدّ مانعاً من البناء عليه، لاحتمال وجود قرينة لو قد ظفروا بها دعتهم إليها.

 

وقد احتمل بعض الأعاظم وبعض الأعلام(ره)، أن يكون منشأ تضعيفهما إياه هو نسبة الغلو إليه من قبل الغلاة، وعلماء العامة الذين يريدون الإزراء بأصحاب أبي عبد الله(ع).

وهو لا يخرج عن كونه احتمالاً لا شاهد عليه، بل ربما الشواهد على خلافه، فإنه لو احتمل ذلك في شأن ابن الغضائري، وتهمة أن تضعيفاته حدسية-كما يدعى-فإن ذلك لا يتوهم في النجاشي وهو الخبير المطلع بشؤون الرجال الماهر في فنه الدقيق في تحقيقه ونقله، الدقيق في قوله.

 

والانصاف، أن تصريح ابن الغضائري، والنجاشي بضعفه مانع من العمل بالنصوص المادحة على فرض تمامية دلالتها، لأن ذلك يكشف عن وجود أمر منع من البناء عليها، ومن المستبعد أنهما لم يطلعا عليها، فإما أن يكون ذلك لوجود معارض أقوى قدم عليها، أو لوجود خلل فيها متناً أو سنداً.

على أن ملاحظة النصوص المدعى دلالتها على الوثاقة، لا يفيد ذلك، كما أنها معارضة بنصوص ذامة، مضافاً لما سمعت من شبهة الإعراض، والمتحصل من ذلك كله، أن يصعب البناء على وثاقة المعلى، والتعويل على مروياته.

 

وربما جعلت من أمارات وثاقته، رواية ابن أبي عمير عنه، وهو الذي شهد في حقه وأخويه أنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة.

ويمنعه ملاحظة الطبقة، فإن بينهما ما يقرب من أربع وثمانين سنة، وهذا يكشف عن أن المعلى من أصحاب الطبقة الرابعة، وابن أبي عمير من أصحاب الطبقة السادسة.

وأما من حيث الدلالة، فيجاب عنها، بأنها ناظرة للمساحقة، وليست ناظرة لنقل بويضة الرجل إلى رحم المرأة الأجنبية، وهذا يجعلها أجنبية عن المدعى، ويشهد لكونها ناظرة للمساحقة، ما تضمنته من عقوبة، فإن المستفاد من النصوص أن المساحقة إذا كانت محصنة ترجم، وتجلد إذا لم تكن كذلك.

 

ولا تسمع دعوى الإعراض عن خبر المعلى، أو التشكيك في صدوره، لاشتماله على ما لم يقل به أحد وهو عقوبة الرجم على المساحقة، فإن ذلك لو لم يكن كاشفاً عن عدم صدورها، فلا أقل من كشفه عن حصول الإعراض عنها.

لأن المراجع لكلمات قدماء الأعلام، يقف على أن بينهم من أفتى بثبوت الرجم في المساحقة، فقد قال الشيخ(قده) في النهاية: فإن كانتا محصنتين، كان على كل واحدة منهما الرجم[4].

 

وقال ابن حمزة في الوسيلة في حديثه عن حد المساحقة: والحدّ فيه مثل الحدّ في الزنا[5]. ومثل ذلك قال ابن البراج(قده) في المهذب[6].

مضافاً إلى إمكانية التمسك بالتفكيك في الحجية، فترفع اليد عن خصوص هذه الفقرة الدالة على ثبوت حدّ الرجم بالمساحقة، ويبقى مدلول الخبر على حاله.

ومنها: صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله(ع) قال: إذا جمع الرجل أربعاً وطلق إحداهن فلا يتـزوج الخامسة حتى تنقضي عدّة المرأة التي طلق، وقال: لا يجمع ماءه في خمس[7]. والاستدلال بقوله(ع): لا يجمع ماءه في خمس، وتقريبه أن يقال: إن المستفاد من التعبير المذكور أنه لا يجوز لمن طلق امرأة من نسائه الأربع أن يتـزوج خامسة ويقع عليها فيضع ماءه في رحمها قبل انتهاء عدة المطلقة، وذلك لأنه ما دامت المطلقة في العدة، فهي زوجة، فيحرم عليه التـزويج بالخامسة، فيدل المقطع المذكور على حرمة وضع الرجل ماءه وإقرار نطفته في رحم امرأة أجنبية، وليست زوجة، والتحريم الوارد في النص مطلق، فيشمل ما إذا كان الإقرار بفعل صاحب الماء، وما إذا كان بفعل آخر.

 

ويجاب عنها أولاً: إن من المحتمل جداً أن يكون المقصود منها الكناية عن عدم جواز جمع خمس نساء في وقت واحد بالعقد الدائم، ويشهد لهذا الاحتمال، بل يدل عليه الالتـزام بأن قوله(ع): لا يجمع ماءه في خمس، رواية مستقلة لا علاقة لها بما قبلها. ويساعد على ذلك ملاحظة نقل الكليني(ره)، فقد جاء في الكافي: وقال: لا يجمع ماءه…ألخ… ومن المعلوم أن المدار في التحريم ليس هو جمع الماء في أرحام أزيد من أربع نساء، بل هو عدم كونه متـزوجاً خمس نساء بعقد النكاح الدائم في وقت واحد، خصوصاً وأنه قد يجتمع مائه في خمس نساء دون تحريم، كما لو كان متـزوجاً بثلاث ووطأ امرأة أجنبية شبهة، فلا ريب في جواز تزويجه بالرابعة والدخول بها ولو لم تنقض عدة الموطوءة شبهة، مع أنه يلزم اجتماع مائه في خمس نساء.

 

وكذا لو كان متـزوجاً أربعاً وطلق إحداهن طلاقاً بائناً بخلع مثلاً، فالمشهور بين الفقهاء جواز تزويجه بالرابعة والدخول بها قبل انقضاء عدة المطلقة، مع أنه يلزم اجتماع مائه في خمس نساء.

وبالجملة، لا دلالة للصحيح على ما ذكر، وذلك لأنه بصدد بيان موضوع آخر يختلف تماماً عما هو الموضوع محل البحث.

ثانياً: بعد التسليم بظهور الصحيح في حرمة الإقرار للنطفة في رحم المرأة الأجنبية بالبيان المتقدم، إلا أنه لا يشمل المقام، فإن المستفاد منه هو حصول الإقرار عن طريق العلاقة الطبيعية وهو أجنبي عن محل البحث المقصود فيه تلقيح المرأة بماء الرجل.

 

ومنها: ما رواه سليمان بن داود، قال: سمعت غير واحد من أصحابنا، يروي عن أبي عبد الله(ع) أنه قال: قال النبي(ص): لن يعمل ابن آدم عملاً أعظم عند الله تبارك وتعالى من رجل قتل نبياً أو إماماً، أو هدم الكعبة التي جعلها الله عز وجل قبلة لعباده أو أفرغ ماءه في امرأة حراماً[8]. ومورد الاستشهاد هو ذيل النص، وتعتمد دلالته على أن يكون المقصود من الإفراغ هو حصول إدخال الحويمن وهو ماء الرجل إلى فرج المرأة من دون ممارسة العلاقة الطبيعية. وهذا يعني وجود محرمين النسبة بينهما هي العموم من وجه، وهما الإيلاج الناجم من ممارسة العلاقة الطبيعية من دون إفراغ، والإفراغ الحاصل من دون الإيلاج، وهما معاً.

 

وعلى أي حال، فإن الإفراغ، قد يحصل من خلال التفخيد، أو غير ذلك، كما لو وطئها من الدبر، وسال الماء من الخلف حتى استقر في الفرج. ومن الإفراغ، وضع مني الرجل الأجنبي في رحم المرأة الأجنبية بواسطة التلقيح.

ولا مجال للتشكيك في حجيته من حيث الصدور بكونه مصدره هو كتاب الخصال لشيخنا الصدوق(ره)، وهو ليس كالكتب الأربعة في العناية. لأن الصدوق(ره) قد رواه الفقيه مرسلاً عن رسوله(ص) بصيغة قال(ص)، وهو المعبر عنه بمراسيل الصدوق(قده) الجزمية، والتي بنى بعض علماء الطائفة(ره) على اعتبارها كمسانيده في الحجية. وقد ذكر في محله عدم البناء على حجية شيء من مراسيله(ره)، من دون فرق بين قوله: روي، وقوله: قال. وأما طريق الخصال، فقد اشتمل على القاسم بن محمد الأصفهاني، المعروف بكاسولا، وقد خلت المصادر الرجالية من شرح حاله، فهو مجهول الحال.

 

وأما دلالتها، فإن أجنبية عن المدعى، لكونها بصدد التنبيه على خطورة العمل المشين الحاصل، وهو الإفراغ بطريقة محرمة والذي يعدّ من الكبائر، بل من أعظمها، ويظهر هذا بملاحظة أن كلمة(حراماً)، في الخبر ليست قيداً للمرأة، وإنما هو قيد للإفراغ، فيكون المنظور إليه هو نفس العمل. ويساعد على هذا الاستظهار ما تضمنه الخبر من أعمال موبقة وجرائم عظيمة من قتل نبي، أو إمام، أو هدم الكعبة، فيكون مقتضى السياق مساعداً على أن المنظور هو العمل.

ولو لم يقبل ما استظهرناه، وبني على أن الكلمة قيد للمرأة وليست للإفراغ، فيكفي لرفع اليد عن الخبر المذكور ضعف سنده.

 

ومنها: خبر إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي عبد الله(ع): الزنى شر أو شرب الخمر؟ وكيف صار في شرب الخمر ثمانين وفي الزنا مائة؟ فقال: يا إسحاق الحد واحد، ولكن زيد في هذا لتضيـيعه النطفة ولو ضعه إياها في غير الموضع الذي أمر الله عز وجل به[9]. لدلالتها على مبغوضية وضع النطفة في غير موضعها ومحلها. قال بعض الأعلام(ره): أنه(ع) علل ضرب العشرين جلدة المزيدة في حد الزنا باستلزامه تضيـيع النطفة، فقد دل على أن تضيـيع النطفة حرام حتى أنه أوجب زيادة العشرين جلدة على ما هو الحد الواجب، وقد فسر تضيـيع النطفة المذكور فيه بقوله(ع): ولوضعه إياها في غير موضعها الذي أمره الله عز وجل به[10].

 

ولا يخفى أن تمامية الاستدلال المذكور تقوم على البناء على أن ما جاء في ذيل الخبر بمثابة العلة التي يدورا لحكم مدارها وجوداً وعدماً، وهو ليس واضحاً، بل الظاهر أنه لا يخرج عن كونه حكمة.

ولو سلم بكون الوارد في الخبر علة وليس حكمة، فالظاهر أن منشأ العلة لزيادة العدد هو وضع الماء في غير موضعه الذي أمر الله تعالى به، وحتى يصلح الخبر للدلالة، لابد وأن يكون التلقيح الصناعي بماء غير الزوج صغرى لهذه الكبرى، وهو محل تأمل، بل منع، ولا أقل من كونه مشكوكاً، فيقتصر على القدر المتيقن، وهو ما كان بواسطة الزنا، والتمسك بالخبر لمورد التلقيح والحال هذه يكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

 

على أنه لو سلم تمامية دلالة الخبر، فإنه مخدوش سنداً، بوجود الرازي، والحسن بن علي بن أبي حمزة. نعم رواه الصدوق(قده) عن أبي عبد الله المؤمن، إلا أنه لم يذكر طريقه في المشيخة. مضافاً إلى أن أبا عبد الله المؤمن، وهو زكريا بن محمد لم تثبت وثاقته، كما يظهر من النجاشي في ترجمته ذمه بكونه مختلط الأمر في حديثه.

ومنها:

 

ثالثها: ارتكاز المتشرعة، وتقريبه: إن المرتكز في أذهان المتشرعة هو اعتبار حصول عملية التناسل بين الرجل والمرأة عن طريق عقد نكاح شرعي، أو ملك يمين، ولا يكون ذلك بواسطة الأجنبي، لأن المتشرعة يحرمون حمل المرأة ماء رجل ليس بينها وبينه علقة تبيح النكاح بحيث ينتسب الجنين إليه.

ولا كلام في عدم حدوث هذا الارتكاز المتشرعي، بل هو موجود بين المتشرعة في كافة العصور حتى المعاصرين للمعصوم(ع).

وتكشف معاصرة الارتكاز المتشرعي لزمان المعصوم(ع) عن وجود شواهد من السنة الشريفة قولاً وفعلاً وتقريراً، قد وصلت لهؤلاء المعاصرين للمعصوم(ع)، وهي كافية في الدلالة على المنع، وإلا لزم صدور المعلول من دون علة.

 

والمنع عنه بدعوى نشوئه من التلقيح، أو نشوئه من الاستناد لأحد الوجهين السابقين مما استدل به على الحرمة بعيد، لأن هذا الارتكاز ثابت بالوجدان من قبل ملاحظة شيء مما قد ذكر.

وقد يعترض على التقريب المذكور، أولاً: إن وجود هذا الارتكاز بين المتشرعة مما لا ينكر، إلا أن الكلام في كونه موجوداً بينهم بما هم متشرعة حتى يكون حجة، أو بما هم أهل عرف يتأثرون ببعض العادات والتقاليد الموروثة من الآباء والأجداد.

 

ولا يخفى أن ما يكون حجة هو الأول على أساس استناده إلى ما صدر من الشارع المقدس، والظاهر أن الموجود عندنا من النحو الثاني، لأن الغيرة العربية كانت تمنع من وجود هكذا فعل وعمل، ما يعني أن منشأ هذا الارتكاز هو التقليد. ومع الشك في منشأه وأصله، فإنه لا يكون حجة ولا يعتمد عليه في إثبات الحكم الشرعي.

ثانياً: إن الارتكاز المتشرعي حادث لم يثبت معاصرته لزمان المعصوم(ع) وقد نشأ من خلال أحد الوجهين السابقين اللذين استند إليهما للقول بالتحريم.

 

ويمكن الجواب عن الأول: بأن الرجوع للمصادر التاريخية للعرب، بل للأمم السابقة لا يجد رفضاً عندهم لوضع الرجل الأجنبي مائه في رحم المرأة الأجنبية، بل كان مطلوباً عندهم في الجملة وهو ما يعرف بينهم بنكاح الاستبضاع، بأن يعتزل الرجل زوجته بعد طهارتها، ثم يقع عليها رجل من الوجهاء أصحاب الصفات المحددة، كالشجاعة والكرم والبطولة لتحمل منه، رغبة منهم في نجابة الولد، فإذا حملت تخير زوجها إن شاء أصاب منها وإلا فلا. وكذا كانوا يقومون بذلك بالنسبة للإماء. ومن الواضح أن ذلك كان يتم بواسطة العلاقة الطبيعية.

 

وإذا كان المنع من هذا النكاح بين المسلمين متصلاً بعصر المعصوم(ع)، فإنه يمكن استكشاف أن مصدر هذا الارتكاز هو ما صدر عنهم(ع) من قول أو فعل للمنع، فيثبت المطلوب.

ومع عدم صلاحية الارتكاز المتشرعي للدليلية على المنع والحرمة، فإنه لا أقل سوف يوجب التوقف ويدعو للاحتياط في المسألة.

 

 

 

[1] فقه الطب ص 91-92.

[2] وسائل الشيعة ج 28 ب 3 من أبواب حدّ السحق والقيادة ح 4 ص 169.

[3] وسائل الإنجاب الصناعية ص 642.

[4] النهاية ص 706.

[5] الوسيلة ص 414.

[6] المهذب ج 2 ص 532.

[7] وسائل الشيعة ج 20 ب 2 من أبواب ما يحرم بالعدد ح 1 ص 518.

[8] وسائل الشيعة ج 20 ب 4 من أبواب النكاح المحرم ح 2 ص 109.

[9] وسائل الشيعة ج 28 ب 3 من أبواب حد المسكر ح 6 ص 222.

[10] كلمات سديدة ص 84.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة