28 مارس,2024

فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(5)

اطبع المقالة اطبع المقالة

شروط وجوب الأمر بالمعروف:

يتفق الأعلام على توقف وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على شروط إذا توفرت وجب القيام بذلك، ويعدّ عدم توفرها مانعاً منه. نعم اختلفوا في أمرين:

الأول: في عدد هذه الشروط التي يتوقف الوجوب عليها، كما اختلفوا في بعضها من حيث لزوم توفره من عدمه، كالعدالة على سبيل المثال، فهل يعتبر في من يجب عليه الأمر بالمعروف أن يكون عادلاً، أم أنه لا يجب عليه ذلك، فيتعلق بذمته الوجوب وإن كان فاسقاً.

الثاني: في أن هذه الشروط اللازم توفرها في من يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، هل هي من شروط الوجوب، أم أنها من شروط الواجب، والفرق بينهما:

أن شرط الوجوب: هو الذي يتوقف توجه التكليف والإلزام للمكلف على وجوده، فإذا لم يوجد لا يتوجه إليه التكليف، مثل الاستطاعة بالنسبة إلى الحج، فما لم يكن المكلف مستطيعاً لا يكون الحج واجباً عليه، ومثل دخول الوقت بالنسبة إلى الصلاة، فما لم يدخل وقت الفريضة، فإنها لا تجب عليه. ولا يطلب من المكلف تحصيل هذا الشرط، فلا يجب عليه تحصيل الاستطاعة ليكون الحج واجباً عليه، ولا يجب عليه تحصيل الزيادة على المؤونة ليكون الخمس واجباً، ولا يجب عليه تحصيل النصاب المعتبر في وجوب الزكاة، لتكون الزكاة واجبة عليه، وهكذا.

وبعبارة مختصرة، إن معنى كون الشرط شرط وجوب، أن يكون الوجوب معلقاً على حصول هذا الشرط.

وأما شرط الواجب: فهو الذي يكون الوجوب مطلقاً وغير معلق على شرط، فيكون التكليف موجهاً للمكلف من دون تقيـيد بشيء أصلاً. فالصلاة واجبة على المكلف ، وليس وجوبها معلقاً على استقبال القبلة، ولا معلقاً على الطهارة، نعم يكون امتثال التكليف لتحقيق الصحة معلقاً على شرط ما مثلاً، وتحصيل المصلحة الثابتة فيه متوقفة على ذلك الشرط، ويجب على المكلف تحصيل ذلك الشرط.

وعلى أي حال، فقد وقع الخلاف بين أعلامنا، في ما يعتبر توفره في المتصدي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فجعلها بعضهم بأكملها من شروط الوجوب، بينما فصل آخرون، فجعل بعضها شروط وجوب، وبعضها شرط واجب، فاعتبار العلم بالمعروف والمنكر مثلاً، المعروف أنه شرط وجوب، لكن ألتـزم بعض أعلامنا كالمحقق الثاني، والشهيد الثاني(قده) في كتابه المسالك، أنه شرط واجب، ولهذا قالا أنه يجب على المكلف أن يتعلم ليعرف المعروف، ويعرف المنكر.

ولما كان البحث عن تحديد كون هذا الشرط من شروط الوجوب، أو من شروط الواجب، ذا ثمرة عملية قليلة، لأنه أقرب للبحث التخصصي، فقد نعرض لبيان ذلك، مراعاة لتلك الثمرة، وإن قلت، وإلا فليطلب القارئ ذلك من الكتب التخصصية المتعرضة لمثل هذه البحوث، فتأمل.

مقتضى الأصل العملي حال وجود الخلاف:

ثم إنه لو حصل الاختلاف في شرط من الشروط المذكورة، وهل أنه شرط وجوب فلا يجب على المكلف تحصيله، وبالتالي يكون التكليف بالأمر بالمعروف منتفياً عنه، وغير متوجه إليه، فلا يجب عليه أن يكون عالماً بالمعروف والمنكر، ليأمن من الاشتباه حال الأمر والنهي، أو أنه شرط واجب، فيجب عليه القيام بتحصيله فيكون ملزماً بتعلم المعروف والمنكر، فالمرجع هو الأصل، ولا يخلو إما أن يكون أصلاً لفظياً، أو أصلاً عملياً، فلو كان الأصل لفظياً، كان مقتضاه حال وجود الاختلاف في تحديد شرط من الشروط، البناء على أنه من شروط الواجب، وليس من شروط الوجوب، فيلزم تحصيله. لأن الدليل اللفظي وهو الإطلاق يقضي بلزوم فعل التكليف وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من دون اعتبار قيد أو شرط فيه. وهذا بخلاف ما لو كان الأصل أصلاً عملياً، فإنه يقتضي أن يكون الشرط من شروط الوجوب، وليس من شروط الواجب لأننا سوف نرجع لأصل البراءة المفيد لعدم اشتغال ذمة المكلف بشيء عند الشك في وجوبه عليه.