ولادة الزهراء (عليها السلام)

لا تعليق
كلمات و بحوث الجمعة
529
0

سوف أتحدث هذا الأسبوع حول نقطتين ليس بينهما ارتباط غير أنهما من وحي المناسبة.

متى ولدت الزهراء:

أما النقطة الأولى، فهي ما عشناه هذا الأسبوع وهو ميلاد سيدتنا ومولاتنا الزهراء(ع)، وقد وقع الخلاف بين المؤرخين في تأريخ ميلادها، إذ اختلفوا في يوم الميلاد، كما أختلف في أي شهر كان، فهل كان ميلادها في شهر جمادى الآخر، أم أنه كان في شهر رجب الأصب، أم كان ميلادها في شهر رمضان المبارك، وكذلك اختلفوا في سنة الولادة، فهل كانت ولادتها قبل البعثة الشريفة، أم كانت ولادتها بعد البعثة الشريفة، وعلى فرض التسليم بكون ولادتها بعد البعثة الشريفة، فهل كانت بعد البعثة بسنتين، أم كانت بعد البعثة بخمس سنين؟…

ولا يذهب عليك عزيزي القارئ أنه يترتب على القول بأن ولادتها كانت قبل البعثة الشريفة جملة من الأمور، إذ أنه يلزم أن لا تكون نظفتها قد انعقدت من طعام الجنة، كما أنه يلزم أن لا تكون قد ولدت على فطرة الإسلام، كما أنه يستدعي ذلك عدم تواجد بعض نساء الجنة، أعني مريم بنت عمران، وكلثم أخت الكليم موسى(ع)، وآسية بنت مزاحم، وسارة زوج خليل الرحمان(ع) في استقبالها حين الولادة، كل ذلك لأنه بعدُ لم يـبعث النبي محمد(ص)، فإننا وإن كنا نعتقد أنه(ص) كان نبياً وآدم(ع) بين الطين والماء، إلا أن إظهار هذه الأمور في الواقع الخارجي لا تستوعبه العقول  في ذلك الوقت ما لم يصاحبه دعوى النبوة، لتكون من الدلالات المساعدة على إنبات النبوة، وإبراز كرامة وعظمة المولود.

ومن الطبيعي أن نفي هذه الأمور يوجب سلب جملة من الفضائل المذكورة للزهراء(ع)، والموضحة لشأنها ومقامها، ومكانتها عند الله سبحانه وتعالى.

ومن هنا يبرز أهمية الحديث والبحث حول تحديد سنة الولادة دون تحديد شهر الميلاد، ويوم الولادة، لأنه لا يترتب عليهما مزيد أهمية، كما يترتب ذلك على سنة الولادة كما عرفت.
وتبرز الأهمية أكثر عندما يصور الحديث عن أن ولادتها بعد البعثة الشريفة على أنه أحد الأحاديث الموضوعة التي لا يمكن الركون إليها، والقبول بها.

معيار قبول القضية التأريخية:

هذا وينبغي قبل أن نتعرض لبيان ما هو الصحيح من القولين المذكورين في سنة الولادة الميمونة للسيدة الطاهرة الزهراء(روحي لها الفداء)، أن نشير وبصورة موجزة إلى ما هو المعيار في قبول القضية التاريخية، فهل يعتبر في القضية التاريخية والروايات الواردة فيها ما يكون معتبراً في نصوص وروايات الأحكام مثلاً، فلابد أن تخضع تلك الروايات المتضمنة للنقل التاريخي للدراسة والتمحيص السندي، فتنقد نقداً سندياً، أم أنه لا يعتبر ذلك؟…

إن من الطبيعي أنه يصعب الحصول على الحقيقة المطلقة في القضايا التاريخية، وذلك لما هو المعروف من منهج المؤرخين من عدم ملاحظة أسباب الوقائع، والأحوال، فضلاً عن التحقيق في القضايا المنقولة. ووفقاً لهذا لن يكون المطلوب في القضايا التاريخية هي الحقيقة المطلقة، وإنما يكتفى في القضايا التاريخية بالحقيقة النسبية، فكلما زادت نسبة الصدق فيها كان التاريخ أقرب للصحة. ويمكننا أن نستفيد هنا من مسلك حساب الاحتمال الرياضي المقرر في بحوث الأصول.

هذا والموجب لعدم المطالبة بالحقيقة المطلقة في القضايا التاريخية منشأه ضياع الكثير من الأدلة، وانطماس العديد من الآثار، فلاحظ.

طرق الوصول إلى الحقيقة النسبية:

ثم إنه وبناءً على ما ذكرناه من أننا نكتفي في القضايا التاريخية بالحصول على الحقيقة النسبية، ولا نطلب الحقيقة المطلقة، فإن تحصيل ذلك يكون من خلال طريقين:
الأول: الاعتماد على وثائق تعتبر من الطراز الأول في التدوين، توضيح ذلك: إن المؤرخ يعتمد على نوعين من الوثائق في تدوينه للقضايا التاريخية:

1-وثائق من الدرجة الأولى، وهي الوثائق التي لم يقصد كاتبوها شهادة التأريخ، وإنما قصدوا من ذلك إثبات حصول أصل الواقعة وهذا سبب جعلها من الدرجة الأولى، لأن عدم قصد كاتبيها التأريخ يوجب صدقها، وعدم تأثرها بعوامل خارجية.

2-وثائق من الدرجة الثانية، وهي التي يقصد مؤلفوها وكاتبوها منذ البداية الشهادة التاريخية، وهذا مثل معظم الكتب المؤلفة في التاريخ، وإنما جعل مثل هذه الوثائق درجة ثانية لأنها تتأثر بكثير من الأسباب التي تقلل من قيمتها التاريخية.

نعم ما تجدر الإشارة إليه أنه يصعب اليوم الفرز بين نوعي الوثائق المعتمد عليها في كتابة التاريخ، فليس من السهل على المحقق، أو القارئ معرفة أن هذه القضية التاريخية التي نقلت هل اعتمدت على وثيقة تاريخية من الدرجة الأولى، أم أنها تعتمد على وثيقة من الدرجة الثانية. وطبقاً لهذا لن تكون هناك من وسيلة إلا الرجوع لمقدار الثقة الثابتة عند القارئ والمحقق في المؤلف لهذا المصدر التاريخي، والاعتماد عليه.

الثاني: الإجماع على النقل بين المؤرخين، فإنه يصلح لتشكيل مقياس صحيح لرد الرواية، إذ أن هذا الإجماع بينهم لم يأتِ من فراغ، وإنما جاء نتيجة لعدة عوامل، كاستقراء السيرة، والأحاديث، ومقارنتها مع النصوص القرآنية، كما أنه قد استخدم العقل في ترتيب الحوادث.
وبالجملة، إن جميع هذه العوامل شكلت إجماعاً عند المؤرخين على نقل هذه الحادثة، فلو كانت هناك قرينة على كذب هذا الإجماع لنقلت وذكرها بعض المؤرخين[1].

وطبقاً لهذين الأمرين، يُجعل التاريخ مقياساً ومعياراً لقبول الخبر من عدمه، فيعرض الخبر الذي يراد قبوله أو يراد رده على التاريخ كميزان من الموارد التي يُنقد متن الخبر من خلالها، فلاحظ.

كلام ابن الجوزي:

هذا وبعد الفراغ عن معرفة المعيار في القبول بالرواية التاريخية، ومتى تكون مقبولة، أو غير مقبولة، فلنعود لما كنا فيه، وهو الحديث عن رواية ولادة سيدتنا الزهراء(ع)، وقد عرفنا في مطلع الحديث أن هناك اختلافاً بين المؤرخين في سنة الولادة، وهنا كلام لابن الجوزي في رد رواية الميلاد التي تضمنت أن ولادتها المباركة كانت بعد البعثة الشريفة بخمس سنين، فإنه ذكر في كتابه الموضوعات أن القول بكون ولادتها(ع) بعد البعثة النبوية بخمس سنين من الموضوعات، حيث علق على الحديث المروي عن ابن عباس: كان النبي(ص) يكثر قُبَلَ(تقبيل)فاطمة، فقالت عائشة: يا نبي الله إنك تكثر قُبَلَ فاطمة، فقال النبي(ص) ليلة أسري بي دخلت الجنة فأطعمني من جميع ثمارها فصار ماء في صلبي، فحملت خديجة بفاطمة، فإذا اشتقت إلى تلك الثمار قبلت فاطمة فأصيب من رائحتها تلك الثمار التي أكلتها. بقوله: هذا حديث موضوع لا يشك المبتدئ في العلم في وضعه، فكيف بالمتبحر؟ ولقد كان الذي وضعه أجهل الجهال بالنقل والتاريخ، فإن فاطمة ولدت قبل النبوة بخمس سنين-إلى أن قال-وذكره الإسراء كان أشد لفضيحته فإن الإسراء كان قبل الهجرة بسنة بعد موت خديجة….وقد كان لفاطمة من العمر ليلة المعراج سبع عشرة سنة[2].

ولا يخفى أن ابن الجوزي أراد في البين أن يطبق قاعدة كلية، أو قل عمد إلى تطبيق كبرى، وجعل رواية الميلاد صغرى لها، والكبرى أو القاعدة الكلية التي طبقها في البين هي ما سبق وأشرنا له في بحوث ماضية من أن النصوص الصادرة تحتاج إلى نقد سندي، ونقد في المتن، فكما تنقد الرواية سنداً، فلابد من نقد متنها قبل الحكم بقبولها من عدمه، وقد ذكرنا ملاحظة عدة جوانب في نقد متن أي رواية من الروايات، وتلك الجوانب هي:

أن لا تكون الرواية مخالفة للكتاب الكريم، وإلا كان ذلك مانعاً من القبول بها، وأن لا تكون الرواية مخالفة للسنة المتواترة، وإلا أوجب ذلك إسقاطها عن الحجية، وألا تتنافى الرواية وحكم العقل، وإلا كان ذلك مانعاً من الاستناد إليها والاعتماد عليها في مقام الاحتجاج.
هذا ومن ضمن الأمور التي يعتبر عدم مخالفة متن الرواية لها، أن لا تكون مخالفة لما أجمع عليه المؤرخون، أو كاد أن يكون إجماعياً بينهم، وهذا يعني أنه لو جاءتنا رواية وكانت متضمنة لمضمون يتخالف وما أجمع المؤرخون عليه، أو كاد أن يكون مجمعاً عليه بينهم نتيجة اشتهاره، فإن ذلك موجب لإسقاطها عن الحجية والاعتبار، ويمكن ذكر بعض النماذج على ذلك:

منها: ما جاء من حضور أسماء بنت عميس عند سيدتنا خديجة(ع) في ساعة الاحتضار، فقد نقل شيخنا المجلسي(قده) عن أسماء بنت عميس قالت: حضرت وفاة خديجة(ع) فبكت، فقلت: أتبكين وأنت سيدة نساء العالمين، وأنت زوجة النبي(ص) مبشرة على لسانه بالجنة؟ فقالت: ما لهذا بكيت، ولكن المرأة ليلة زفافها لابد لها من امرأة تفضي إليها بسرها، وتستعين بها على حوائجها، وفاطمة حديثة عهد بصبى، وأخاف أن لا يكون لها من يتولى أمرها حينئذٍ، فقلت: يا سيدتي لك(عليّ) عهد الله إن بقيت إلى ذلك الوقت أن أقوم مقامك في هذا الأمر[3].

ولا ريب في المنع من الاستناد لهذه الرواية، وذلك لأن الثابت تاريخياً أنه حين وفاة السيدة خديجة(ع) كانت أسماء بنت عميس مع زوجها جعفر بن أبي طالب(ع) في أرض الحبشة، فكيف تحضر السيدة خديجة حالة الاحتضار.

ومنها: ما جاء في البحار أيضاً من أن أسماء بنت عميس قد حضرت زواج السيدة الزهراء(ع)، فقد روي عنها أنها قالت: لقد جهزت فاطمة بنت رسول الله(ص) إلى علي بن أبي طالب(ع)، وما كان حشو فراشها إلا ليف[4].

وجاء عنها أيضاً أنها قالت: كنت في زفاف فاطمة بنت رسول الله(ص) فلما أصبحنا جاء النبي إلى الباب، فقال: يا أم أيمن ادعي لي أخي[5].
والكلام في هذه الرواية هو عين الكلام في سابقتها، والإشكال المتقدم، يجري بنفسه في المقام، فلاحظ.

ومنها: ما جاء من أن أسماء بنت عميس قد حضرت ولادة الإمامين الحسنين(ع)، فقد قالت: قبلت جدتك فاطمة(ع) بالحسن والحسين(ع) فلما ولد الحسن(ع) جاء النبي(ص)، فقال: يا أسماء هاتي ابني، فدفعته إليه في خرقة صفراء.

وحال هذا الخبر لا يختلف عن حال سابقيه في المخالفة لما تسالم عليه المؤرخون من أن الهجرة للحبشة كانت في السنة الخامسة بعد البعثة النبوية، ولم ترجع أسماء إلى المدينة إلا في السنة السادسة من الهجرة، يوم فتح الله على رسوله على يد أمير المؤمنين(ع) خيبر، وما ذكرناه هو ما تسالم المؤرخون عليه، فراجع المصادر التاريخية، ولاحظ.

وقد أراد ابن الجوزي أن يطبق هذه القاعدة في المقام، من خلال دعواه أن القول بأن الولادة الميمونة للسيدة الطاهرة فاطمة الزهراء(ع) كانت بعد البعثة النبوية بخمس سنين تخالف ما أجمع عليه المؤرخون، أو كاد أن يكون إجماعياً بينهم، لما ذكره في كلامه الذي نقلناه، وعليه تكون ساقطة عن الحجية والاعتبار، فلا يستند إليها، ولا يعتمد عليها، فلاحظ.

مناقشة كلام ابن الجوزي:

هذا ولا يخفى أن الكبرى التي استند إليها ابن الجوزي مسلمة، ولا كلام لنا فيها، وقد أشرنا لذلك إجمالاً عند حديثنا عن طرق إحراز الحقيقة النسبية في القضايا التاريخية، إلا أن الكلام كله في التطبيق، أعني في جعل رواية الميلاد الميمون من صغريات هذه الكبرى، إذ أن كلامه يعتمد على تمامية ما استند إليه في مقام إثبات الوضع والمخالفة للتاريخ في هذا الخبر، وقد عرفنا عند نقل كلامه ما جعله مستنداً في إثبات الوضع. وعلى أي حال، حتى يتم ما ذكره، فلابد من تحقق أمرين:

الأول: التسالم والقطع بين المؤرخين على تعيـين حادثة الإسراء والمعراج، وأن حصوله كان قبل الهجرة النبوية بسنة واحدة، وبعد موت سيدتنا خديجة(ع)، ومن الطبيعي أنه وفقاً لهذا لا يتصور ولادة السيدة الزهراء(ع)، لأنه يستلزم أن يكون عمرها الشريف يوم الهجرة سنة واحدة، وهو مخالف لما هو المقطوع به بين المؤرخين.

الثاني: التسالم والقطع بين المؤرخين على تحديد ولادة السيدة الزهراء(ع)، وأن ذلك كان قبل البعثة النبوية الشريفة بخمس سنين عندما كانت قريش تبني البيت الحرام.
فإذا تم هذان الأمران كان ما ذكره ابن الجوزي صحيحاً، وأما مع عدم تماميتهما، فلا إشكال في عدم ثبوت كلامه، فلاحظ.

والصحيح هو عدم تمامية كلا الأمرين اللذين استند إليهما ابن الجوزي كقرينتين تساعدان على وضع رواية الولادة الشريفة بعد البعثة المباركة، توضيح ذلك:

أما بالنسبة للأمر الأول، وهو حادثة الإسراء والمعراج، فالمذكور في كلمات المؤرخين أنه قد أسري برسول الله(ص) في السنة الثانية من البعثة الشريفة[6]. وهذا هو المشهور بين المؤرخين، والقول بكونه كان قبل الهجرة المباركة بمدة وجيزة يعدُّ قولاً شاذاً لا يعبأ به، وبالتالي يسقط أحد الأمرين اللذين بنى ابن الجوزي دعواه عليهما، لأن الإجماع، أو ما كاد أن يكون إجماعاً على خلاف ما ذكر، فلاحظ.

على أنه قد روي عن الإمام أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قد أسري بالنبي محمد(ص) مائة وعشرين مرة. وهذا يساعد على أن القائلين بكون الإسراء كان قبل الهجرة بمدة وجيزة لعلهم استندوا إلى واحدة من هذه المرات التي وقعت بعد حادثة الإسراء الأصلية، فلاحظ.
ثم إنه لو سلمنا بأن للقول الثاني مجالاً وهو أن الإسراء والمعراج كان قبل الهجرة بمدة وجيزة، فإن ذلك يوجب حصول الاختلاف بين المؤرخين، وهذا يمنع من انعقاد إجماع، أو تسالم بينهم، فلا يصلح أن يجعل المعيار في رد خبر من الأخبار التاريخية ميزانه هذا الحدث، لأنه ليس اجماعياً عند المؤرخين، وقد عرفنا في ما تقدم أن الرجوع للتاريخ كمعيار لنقد متن الخبر يعتبر فيه أن يكون المورد المقاس عليه اجماعياً، وإلا فلا.

وأما بالنسبة للأمر الثاني، فالمسألة خلافية أيضاً بين علماء السنة قبل علماء الشيعة، ضرورة أن علماء السنة منقسمون إلى فريقين، فمنهم من يقول أن ولادتها كانت قبل البعثة الشريفة، وقريش تبني البيت الحرام، وهناك فريق آخر يقول أن ولادتها كانت بعد البعثة النبوية بخمس سنين كما عليه علماء الشيعة. وأما علماء الشيعة فكلهم متفقون على أن ولادتها كانت بعد البعثة الشريفة، عمدة ما كان يختلفون في أنها في السنة الثانية، كما يذهب لذلك الشيخ المفيد(ره)، أم أنها كانت في السنة الخامسة بعدها، كما هو المشهور بينهم.

وبالجملة، إن هذا يوجب حصول إجماع مركب، فمن قال بأن ولادتها كانت قبل البعثة المباركة، يكون مخالفاً للإجماع المركب، كما لا يخفى.

وطبقاً لهذا، سوف يكون المقام على خلاف ما أراد ابن الجوزي، فإن المجمع عليه هو تحديد الولادة ببعد البعثة، لا أنها كانت قبل البعثة، والقول بأنها قبلها هو المخالف للمجمع عليه تاريخياً، مما يعني رده وعدم الاستناد إليه، لفقدانه الطريق الثاني من طرق تحصيل الحقيقة النسبية، فتدبر.

والنتيجة التي نصل إليها في نهاية المطاف، أنه لا مجال للقبول بكلام ابن الجوزي من أن رواية ولادة الزهراء(ع) بعد البعثة النبوية بخمس سنين من الأخبار الموضوعة، بل الصحيح أن ما استند إلهي ابن الجوزي في إثبات سنة ولادتها هو المخالف للإجماع التاريخي.

أدلة الولادة بعد البعثة:

هذا ويمكن أن يستدل لما عليه الشيعة الإمامية من أن ولادتها(ع) كانت بعد البعثة الشريفة بأمور:

الأول: ما ذكرته المصادر التاريخية من أن فاطمة من أولاد خديجة، قد ولدت بعد الإسلام، وقد كانت أصغر أولاد رسول الله(ص) منها.
الثاني: النصوص الكثيرة والتي تضمنت أن نطفتها تكونت من طعام الجنة، وهي من الكثرة بمكان، وبمضامين متعددة. فقد ورد عن الإمام الصادق(ع) أنه (ص) قال لعائشة حينما عاتبته على كثرة تقبيله ابنته فاطمة(ع)، قال(ص): نعم، يا عائشة! لما أسري بي إلى السماء أدخلني جبريل الجنة، فناولني منها تفاحة، فأكلتها، فصارت نطفة في صلبي، فلما نزلت واقعت خديجة، ففاطمة من تلك النطفة، ففاطمة حوراء أنسية، وكلما اشتقت إلى الجنة قبلتها.

وقد نقل هذا المضمون في مصادر العامة أيضاً، وفي غير واحد منها، فلاحظ.
الثالث: النصوص الشريفة الواردة عن أئمتنا(ع)، والتي تضمنت أن ولادتها كانت بعد البعثة الشريفة:

منها: ما جاء عن الإمام زين العابدين(ع) أنه قال في حديث طويل: ولم يولد لرسول الله(ص) من خديجة(ع) على فطرة الإسلام إلا فاطمة(ع)[7].
ومنها: ما رواه حبيب السجستاني قال: سمعت أباب جعفر(ع) يقول: ولدت فاطمة بنت محمد(ص) بعد مبعث رسول الله(ص) بخمس سنين، وتوفيت ولها ثماني عشرة سنة وخمسة وسبعون يوماً[8].

ومنها: ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله(ع) قال: ولدت فاطمة في جمادى الآخرة اليوم العشرين منها، سنة خمس وأربعين من مولد النبي(ص)، فأقمت بمكة ثمان سنين، وبالمدينة عشر سنين[9].

ما بعد الامتحانات:

وأما النقطة الثانية التي أود أن أتحدث عنها، وسوف أوجز القول فيها، الحديث عما بعد الامتحانات، إذ من المعلوم لدى الجميع أن الأيام المقبلة سوف يؤدي أبناءنا الطلبة الامتحانات النهائية، ولست بصدد الحديث عن هذه الناحية، وذلك لأنني قد تحدثت عن ذلك في مرات سابقة، وإنما أود أن أشير تنبيهاً وإلفاتاً لا من باب الحديث المفصل الواسع، فإن ذلك يحتاج مجالاً أوسع، إلى ما بعد الامتحانات، فإنه سوف تبدأ الإجازة الصيفية، وهنا ما ينبغي التوجه والالتفات إليه، كيف سوف يقضي أبنائنا هذه الإجازة الصيفية، سواء الأبناء، أم البنات، وما هي المسؤولية الملقاة على عاتق الجميع خلال هذه المدة.

من الواضح أن الإجازة الصيفية طويلة، وليس من اللازم أن يتسنى لرب الأسرة أن يسافر مع أفراد عائلته، بل حتى لو وفق لذلك فإن مدة السفر تبقى محدودة، ومع ذلك كيف سيكون الوضع في أثناء رحلة السفر، فضلاً عنه في المنطقة؟…

هل سوف نترك أبنائنا وبناتنا فريسة للفراغ والوسائل الإعلامية الحديثة، من جهاز مرئي، وشبكة عنكوبتية، وغير ذلك؟ وكلنا يعلم أن هذه الأمور كما لها منافع، فإن مضارها ومساؤها أكثر. هل فكر أحدنا في وضع خطة نافعة يمكن للأبناء أن يستفيدوا خلال هذه المدة بما يعود عليهم ديناً ودنيا. إن هذا الأمر جدير بالدراسة والتأمل خوفاً من أن تحصل أمور لا تحمد عقباه، وبعد ذلك نأسف على ذلك، فنندم في وقت لا ينفع الندم.

من هذا المنطق أذكر نفسي كأحد الآباء المسئول عن عائلة، وأذكر إخواني المؤمنين، وأخواتي المؤمنات بأهمية التفكير الجدي في المرحلة المقبلة، والاعتناء بها، ومحاولة إيجاد حلول وبرامج، يمكن من خلالها الحفاظ على الأبناء والبنات من الانجراف في تيارات مظلمة تكون نتيجتها آثار وخيمة، نسأل الله سبحانه وتعالى الهداية والصلاح للجميع.

[1] مباني نقد متن الحديث ص 119-121.
[2] الموضوعات ج 1 ص 308-310
[3] بحار الأنوار ج 43 ص 138.
[4] المصدر السابق.
[5] المصدر السابق ص 137..
[6] الصحيح من سيرة الرسول الأعظم(ص) ج 3 ص 8.
[7] روضة الكافي ص 340.
[8] بحار الأنوار ج 43 ص 9.
[9] المصدر السابق.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة