28 مارس,2024

محمد الرحمة الإلهية

اطبع المقالة اطبع المقالة

قال تعالى:- ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)[1].

مدخل:

تحدث القرآن الكريم عن النبي محمد(ص) فوصفه بأنه رحمة، وأنه لم يرسل للعالمين إلا لكونه كذلك، فالقرآن يقرر اتصافه(ص) بأنه رحمة إلهية.

لكن ما هي هذه الرحمة الإلهية المتمثلة في شخص المصطفى محمد(ص)، وكيف يمكن لنا أن نتصور كونه(ص) رحمة للعالمين.

وهل أن الرحمة التي وصف بها النبي(ص) مربوطة بشخص النبي(ص)، فالقيم الأخلاقية التي تمثلت في شخصه الكريم، والكمالات الذاتية، ورأفته ورحمته، هي الرحمة المعنية، أما أنها مربوطة بالله سبحانه وتعالى، فهو رحمة إلهية، ولا ربط على هذا بشخصه الشريف.

حتى نتمكن من الإجابة على مثل هكذا تساؤلات، نحتاج بداية أن نتعرف معنى الرحمة الإلهية، وأقسامها، ثم بعد ذلك يتضح لنا كيف أن النبي(ص) مظهر من مظاهر رحمة الله تعالى، وكيف أن إرساله برسالة السماء من مصاديق الرحمة الإلهية.

معنى الرحمة:

الرحمة، وهي ضد القسوة، وقد عُرّفت كما في مفردات الراغب[2]: بأنها رقة تقتضي الإحسان إلى المرحوم. وهي تستعمل على نحوين:

الأول: في الرقة المجردة عن الإحسان.

الثاني: في الإحسان المجرد عن الرقة.

ولا يخفى أن استعمالها في الباري سبحانه وتعالى، لا يتناسب مع النحو الأول، وعليه يكون استعمالها فيه، من النحو الثاني.

هذا ومنشأ رفضنا للنحو الأول في حق الباري سبحانه وتعالى، لكونه يمثل حالة من الشعور الوجداني والنفسي والقلبي الذي يحاول من خلاله الشاعر السعي لسد النقص عند الآخرين. وهذا لا يستقيم في حقه سبحانه لأنه:- ( ليس كمثله شيء)[3].

وعلى هذا يمكننا القول بأن الرحمة عند الله سبحانه وتعالى عبارة عن فيض يفيضه لسدّ حاجات ونواقص الموجودات التي بحسب ذاتها تكون فقيرة ومحتاجة إلى الكامل المطلق.

وبناءاً على هذا سوف تكون الرحمة صفة من الصفات الفعلية للذات المقدسة، كالخلق والرزق، يوجدها حيث يشاء.

أقسام الرحمة الإلهية:

هذا وقد ذكر القرآن الكريم لرحمته تعالى قسمين، وهما: الرحمة الرحمانية، والرحمة الرحيمية.

فالرحمة الرحمانية لا تختص بشيء دون شيء، وبحال دون حال، وبجهة دون جهة. فهي عبارة عن إفاضة الوجود على الأشياء وإبقائها وإكمالها بالكمالات اللائقة بفطرتها. ومن الواضح أن هذا أمر عام لجميع الأشياء، دنيوية أم أخروية.

أما الرحمة الرحيمية، فإنها إفاضة الكمالات الاختيارية المرضية على فئة خاصة مختارة من الأنس، والجن.

وبعبارة ثانية، إن كلمة الرحمن لا تختص بفرد دون فرد، بل تشمل المحسن والمسيئ، والصالح وغير الصالح، والمؤمن والكافر، أما كلمة الرحيم، فإنها تشير إلى رحمة مختصة بفئة خاصة من الناس دون غيرهم، فلا شمولية فيها لجميع الأطراف، بل هي مختصة بالمؤمنين فقط دون غيرهم. ويؤيد هذا ما روي عن الإمام أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: والله إله كل شيء الرحمن بجميع خلقه، الرحيم بالمؤمنين خاصة.

نبي الرحمة:

ثم إنه بعدما تعرفنا على معنى الرحمة، وتعرفنا أيضاً على أقسام الرحمة الإلهية، ينبغي علينا أن تعرف المراد من الرحمة في الآية الشريفة، فبداية أي النحوين من الاستعمالين السابقين، هو المراد بالرحمة هنا في الآية محل البحث، ومن ثم لو كان المراد منها هو النحو الثاني، فأي القسمين من أقسام الرحمة هو المراد منها.

محمد رحمة إلهية:

هذا ولا يخفى مدى الفرق الذي يترتب على معرفة أي النحوين هو المراد في الآية الشريفة، ضرورة أنه لو قلنا بأن المراد منها هو النحو الأول، وهو ما يكون رقة من دون إحسان، فذلك يعني أن الرحمة متمثلة في شخص رسول الله(ص) من دون علاقة لذلك برسالته، ونبوته، فلا ربط للقضية بالبعد الإلهي، والجانب السماوي، بل تعود القضية في الحقيقة إلى الكمالات النفسانية التي تنطوي عليها شخصية المصطفى(ص)، وما يوجد فيها من أبعاد عالية المضمون، وقيم ذات مستوى ملائكي.

رأفة محمد ورحمته:

وعلى هذا المعنى شواهد كثيرة في سيرة النبي(ص) نقلها لنا التاريخ، وحدث بها أصحابه، فمنها ما ينقله أنس بن مالك قال: إن النبي(ص) كان يسمع بكاء الصبي وهو في الصلاة، فيقرأ السورة القصيرة والسورة الخفيفة.

وعن أبي هارون العبدي، وأبي سعيد الخدري قالا: صلى بنا رسول الله(ص)صلاة الغداة، وسمع بكاء صبي فخفف الصلاة.

فقيل: يا رسول الله! خففت هذه الصلاة اليوم؟

فقال(ص): إني سمعت بكاء صبي، فخشيت أن يفتن أمه.

وسيرته المباركة مفعمة بمثل هذه المواقف الإنسانية، فلاحظ كيف كان يقابل من يسئ إليه، فهؤلاء عتاة مكة ومردة قريش، وقد قابلوه بالإساءة، ولما أظفره الله سبحانه وتعالى بهم، يوم فتح مكة، وإذا به يقول لهم: إذهبوا فأنتم الطلقاء.

بل حتى لما كان في المدينة، لاقى من جملة من المنتسبين للإسلام، كالمنافقين والمؤلفة قلوبهم من الأذى ألواناً، إلا أن التاريخ لم ينقل شيئاً في صفحاته يشير إلى أنه قابل الإساءة بالإساءة، أو رد الأذى بمثله، بل كان يقابل الإحسان بإحسان أفضل منه، ويقابل الإساءة بإحسان، وهكذا.

محمد رحمة رحيمية:

أما لو قلنا بأن المراد هو النحو الثاني، وهو ما سوف يكون مربوطاً بالباري سبحانه وتعالى، فسوف تختلف النتيجة، لأن الرحمة عندها لن تكون متمثلة في الملكات النفسانية، والقيم الذاتية التي يمتلكها المصطفى(ص)، بل سوف تكون الرحمة متمثلة في نفس إرساله للبشرية، وما جاء به من رسالة، وهذا يعني أن الرحمة سوف تكون قضية إلهية، ولن تكون قضية شخصية.

فرسالة النبي(ص) وما تضمنته من تعاليم، وما أنطوت عليه من أحكام سوف تكون هي الرحمة، كما أن وجود شخصه المبارك سوف يكون أيضاً رحمة للأمة.

تغيـير حال الأمة:

ويمكننا أن نستوضح ذلك من خلال دراسة الآثار الإيجابية والحسنة التي تركتها رسالة النبي(ص) في المجتمعات التي بعثت إليها، ضرورة أن النبي(ص) قد بعث في مجتمع جاهلي يعيش حالة من البعد عن الحضارة، ولا يملك إلا النـزر اليسير من القيم الأخلاقية، وروح الألفة والود والمحبة، فضلاً عن غير ذلك من الأمور.

وإذا برسالة النبي(ص) تحدث تغيـيراً جذرياً في تلك المجتمعات، فتنقلها من التشتت والافتراق، إلى الوحدة والائتلاف، ومن التناحر القبلي، إلى التضامن والتآخي، ومن الضعف إلى القوة الإيمانية.

فهذه الآثار الحسنة وغيرها، هي بطبيعة الحال آثار الرسالة الإلهية التي جاء بها محمد(ص)، وهنا يبرز معنى كون رسالته الشريفة رحمة.

المراد من الرحمة في الآية:

هذا والظاهر والله سبحانه وتعالى أعلم بحقائق الأمور، أن الرحمة المرادة في الآية الشريفة من النحو الثاني، لا النحو الأول، مما يعني أن رحمة محمد(ص) رحمة إلهية، وليست رحمة محمدية، فيكون المراد من الرحمة بعثته المباركة، والرسالة التي جاء بها، ووجوده الشريف(ص) من دون مدخلية للقيم الأخلاقية الموجودة عنده.

ويشهد لهذا المعنى، لسان الآية الشريفة، فإن قوله تعالى:- (وما أرسلناك إلا رحمة) يشعر بأن التوصيف للرحمة منصب على نفس عملية الإرسال، فكأن المعنى والله العالم: إن إرسالك إلى الناس يا محمد، رحمة.

مضافاً إلى أن الباري سبحانه وتعالى قد مدح نبيه(ص) في آية أخرى بحسن الخلق، فقال تعالى:- (وإنك لعلى خلق عظيم)، واللسان الواردة في آية المدح بحسن الخلق يختلف عن اللسان في الآية محل البحث، وهذا يكشف عن كون المنظور في كل واحدة يغاير المنظور في الأخرى.

بل إن لسان الآية محل البحث ينسجم بصورة أكثر مع الآيات التي تتحدث عن البعثة الشريفة، والرسالة، وما تضمنته من تعاليم وأحكام.

سؤال وجواب:

هذا ومع اختيار النحو الثاني من أنحاء استعمال الرحمة، وأن المراد منها في الآية الشريفة، هو الرحمة الإلهية بالبيان الذي ذكرناه، يطرح السؤال التالي:

إذا كانت بعثة محمد المصطفى(ص) هي الرحمة، والرسالة المباركة التي جاء بها هي الرحمة، ولا مدخلية للملكات النفسانية الموجودة عنده في المراد من الرحمة في الآية الشريفة، فهذا يعني أنه لا فرق بينه وبين كافة الأنبياء والرسل، ولا أٌل من أولي العزم، ضرورة أنهم بعثوا أيضاً برسالات من الله سبحانه وتعالى، وهي رسالات يسعى فيها إلى إفاضة الكمالات الاختيارية على الأمم، وذلك من خلال هدايتهم إلى طريق الحق والرشاد، وإخراجهم من الغي والباطل، فلا معنى لتخصيص المصطفى(ص) بهذا التوصيف دون بقية الأنبياء.

وهذا السؤال يمكن الإجابة عليه من الحديث الذي دار بين أمير المؤمنين والزنديق، عندما سأله كيف يكون محمد المصطفى(ص) رحمة للعالمين مع أن أهل الملل والكفار مقيمين على كفرهم.

فأجابه(ع): بأن الله تعالى إنما عنى بذلك أنه جعله سبيلاً لإنظار أهل هذه الدار، لأن الأنبياء قبله بعثوا بالتصريح، لا بالتعريض، وكان النبي منهم إذا صدع بأمر الله وأجابه قومه سلموا وسلم أهل دارهم من سائر الخليقة، وإن خالفوه هلكوا وهلك أهل دارهم بالآفة التي كانت بينهم يتوعدهم بها ويخوفهم حلولها ونزولها بساحتهم، من خسف أو قذف أو رجف أو ريح أو زلزلة أو غير ذلك من أصناف العذاب الذي هلكت به الأمم الخالية، إن الله علم من نبينا ومن الحجج في الأرض الصبر على ما لم يطق من تقدمهم من الأنبياء الصبر على مثله، فبعثه الله بالتعريض لا بالتصريح[4].

وجوده رحمة:

هذا ويمكننا أن نذكر نموذجين يشيران إلى إثبات ما ذكرناه من أن المراد من الرحمة في الآية الشريفة هي الرحمة الإلهية، وليست الرحمة المحمدية، وأول هذين النموذجين يتمثل في وجود شخصه الشريف، وهذا يستفاد من قوله تعالى:- (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم)، فإن المستفاد من هذا المقطع من الآية الشريفة أن وجود رسول الله(ص) يعدُّ مانعاً من نزول العذاب، وإن شئت فقل، بأن وجوده الشريف يعدُّ أماناً لأهل الأرض من نزول العذاب عليهم، ولا يفرق في ذلك بين كونه حياً في عالم الدنيا، وبين حياته في عالم الآخرة.

رسالته رحمة:

والنموذج الثاني، يتضح من خلال التعاليم التي حوتها رسالته المباركة، وهي رسالة الحنفية السمحاء، فإننا عندما نلحظها ونضيفها في مقام المقارنة إلى بقية الرسالات السماوية الأخرى نجد مدى الفرق الواسع في رسالة المصطفى(ص)، وكيف أنها تمثل الرحمة في كافة تعاليمها وتقنيناتها، ويمكننا أن نعرض لذلك مجموعة من الأمثلة، أشير لبعض منها على سبيل الإيجاز والاختصار، ويمكن للقارئ العزيز متابعة البحث في ذلك:

سهولة الشريعة:

وتظهر السهولة والسماحة والمرونة في شريعة المصطفى متى ما قيست بالنسبة إلى الشرائع السماوية الأخرى،فالقارئ للشريعة اليهودية يرى مدى التشدد الوارد في تقنيناتها وأحكامها، حتى أنها تضمنت تحريم الكثير من الطيبات على اليهود، قال تعالى يتحدث عن ذلك:- ( وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومها إلا ما حملت ظهورها أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون)[5].

وهذا المعنى أشارت له بعض النصوص الصادرة عن المعصومين(ع)، وهي تحكي أن الداعي إلى هذا التشدد على اليهود يعود إلى تشددهم هم وتعسيرهم الأمور، فشدد الله عليهم.

بينما يجد المتابع أنه قد تميزت رسالة النبي(ص) بالسهولة في كل أحكامها وتعاليمها، فوجهت التكاليف لخصوص من كان متمكناً من أدائها، أما من كان عاجزاً عن ذلك، فهو غير مخاطب بذلك، فلاحظ قوله تعالى:- (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)[6]، عندما يتحدث عن العلة الداعية إلى سقوط التكليف بالصوم عن المريض والمسافر.

وعلى أي حال، لو أردنا الاستقصاء في التعاليم التي جاءت بها الشريعة وجدنا ما ذكرناه من السهولة والمرونة في التشريع واضحاً، فلاحظ مثلاً ما جاء في كتاب الطهارة، ففي حديث الشارع المقدس عن الأعيان النجسة، رتب آثار النجسة على إحراز العين، بمعنى أن يحرز أن الموجود على بدنه أو لباسه أو متعلقاته هو عين النجس، فلا يشمل ذلك حال الشك، ولنوضح ذلك أكثر:

إذا رأى المكلف في ثوبه شيئاً، فلا يخلو حاله من ثلاث حالات:

الأولى: أن يقطع بأن الموجود على لباسه هو صفار البيض مثلاً..

الثانية: أن يقطع بأن الموجود على ثيابه مني.

الثالثة: أن يشك في الموجود على ثيابه، فهو مني ليحكم عليه بالنجاسة، أم أنه صفار البـيض ليـبني على أنه طاهر.

لا يخفى أن الحكم في الحالة الأولى، هو ترتيب آثار الطهارة، لأن البناء على النجاسة يدور مدار إحراز عنوان النجاسة من خلال إحراز العين النجسة، وهو في المقام منتفٍ لأن الفرض أن المقطوع به هو صفار البيض، وليس المني.

أما في الحالة الثانية، فلا إشكال ولا ريب في أن الحكم يستدعي القطع بثبوت النجاسة، لأنه قد أحرزت عين النجاسة، لأن الفرض أن الموجود على الثوب مقطوع بأنه مني.

وأما بالنسبة للحالة الثالثة، فهنا تظهر وتتجلى سهولة الشريعة ومرونتها، إذ أن المتصور أن يحكم بأن المشكوك وجوده في الثوب وتردده بين ما هو طاهر وبين ما هو نجس، يستدعي الحكم عليه بالنجاسة، لكننا نرى السهولة، فيحكم الشرع الشريف بكونه طاهراً تسهيلاً وتخفيفاً على المكلفين.

ولا ينحصر الأمر في باب الطهارة، بل في كتاب الصلاة وجدت جملة من القواعد الفقهية كقاعدة الفراغ، أو قاعدة التجاوز، أو قاعدة لا شك لكثير الشك، أو قاعدة لا تنقض السنة الفريضة، لمراعاة حال المكلفين، وبيان السهولة والمرونة في الشريعة السمحاء كما لا يخفى.

وفي باب الصوم قد عرفت أن هناك ترخيصاً للمسافر والمريض في أنه يسوغ لهما ترك الصيام حال السفر والمرض، ويقوما ببدله في وقت الاستقرار والاستيطان، وفي حال الصحة وانتهاء أمد المرض.

وأيضاً في كتاب الحج لم يجعل التكليف على كل مكلف مكلف، بل قيد التكليف به بكون المكلف مستطيعاً، فما لم يكن كذلك، لا يتوجه له التكليف كما أشار لذلك سبحانه وتعالى:-(ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً)[7].

ومثل هكذا تخفيف وسهولة ومرونة موجودة في باب المعاملات، وفي الأحكام الشخصية أعني باب النكاح والطلاق، وفي باب الأطعمة والأشربة، إذ جاءت قاعدة عامة تفيد التسهيل للأمة المرحومة، قال تعالى:- (قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنـزير فإنه رجس أو فسقاً أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغٍ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم)[8].

بل حتى مع اهتمام الشريعة الإسلامية بالحفاظ على الأمن الاجتماعي، والدعوة إلى إقامة مجتمع آمن، إلا أننا نجد أن قانون العقوبات تحرك من مبدأ السهولة والمرونة في التقنين، فالملاحظ لهذا القانون يلحظ أنه قد اعتنى كثيراً بالمصالح الإنسانية، فلا يقرر كون شخص من الأشخاص مجرماً بمجرد توجيه التهمة إليه، بل لابد من توفر إثباتات على أساسه ينطبق عليه عنوان المجرم، وبالتالي يستحق العقوبة المقررة، لا مطلقاً.

أيضاً، عندنا أن الحدود تدرأ بالشبهات، وتعتبر هذه قاعدة عامة يرجع لها في كل مورد شك في استحقاق المدعى عليه للحد من عدمه، كما هو مفصل في محله من البحوث المختصة.

وفي غير ذلك من الأبواب الفقهية التي تضمنت التعاليم والأحكام الإلهية، والتشريعات السماوية، كما يجدها المتابع.

ولعل جميع ذلك يجمعه قوله تعالى:- (الذين يتبعون النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل

وما جاء عنه(ص): رفع عن أمتي تسعة أشياء: الخطأ، والنسيان، وما أكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطروا إليه، والحسد، والطيرة، والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطقوا بشفة.

التقية مصداق للرحمة المحمدية:

هذا ومن أجلى صور الرحمة المحمدية تشريع التقية بكافة أقسامه، كما هو موضح في الحديث عن التقية، وليس هذا مجال الحديث عنه، ومن أراده فليطلبه من محله.

——————————————————————————–

[1] سورة الأنبياء الآية رقم

[2] مفردات ألفاظ القرآن ص 196، مادة رحم.

[3] سورة الشورى الآية رقم 11.

[4] تفسير نور الثقلين ج 4 ص 508-509.

[5] سورة الأنعام الآية رقم 146.

[6] سورة البقرة الآية رقم 185.

[7] سورة آل عمران الآية رقم 97.

[8] سورة الأنعام الآية رقم 145.