28 مارس,2024

مفطرية الإحتقان بالمائع

اطبع المقالة اطبع المقالة

أختلف الأصحاب “رض” في مفطريته وعدمها على أقوال:

الأول: ما اختاره الصدوق “ره” من حرمة الإحتقان مطلقاً سواء كان بالمائع أم الجامد ولا يلزم منه قضاء ولا كفارة[1].

الثاني: ما هو مذهب والد الصدوق كما حكاه في المختلف عنه والمرتضى والشيخ والقاضي ابن البراج والحلبي وابن إدريس والفاضلين والشهيدين من البناء على حرمة الاحتقان بالمائع لكنه لا يوجب قضاءاً ولا كفارة[2]. بل في الحدائق والرياض أنه قول الأكثر[3]. بل في الناصريات والغنية الإجماع عليه[4]. بل نفي القضاء والكفارة عن الإحتقان مطلقاً قول السيد في الجمل والشيخ في النهاية والإستبصار وابن إدريس والمحقق والعلامة والشهيد الثاني وصاحب المدارك وجمع ممن تأخر[5].

الثالث: أن الحقنة بالمائع توجب القضاء فقط كما عن الشيخ في المبسوط والقاضي والحلبي والمحقق والعلامة والدروس[6].

أقول: المستفاد من عبارة الشرائع الجزم بحرمة الإحتقان بالمائع والتردد في مفطريته فلاحظ.

الرابع: أن الحقنة بالمائع توجب القضاء والكفارة.

الخامس: استحباب الامتناع عن الحقنة كما نسب لإبن الجنيد[7]. وقد نسبه الفقيه البحراني في حدائقه للسيد في الجمل أيضاً[8]. لكن العلامة في المختلف نسب له القول بالقول الثاني[9].

هذا ولما كانت المسألة من المسائل الأصلية المعنونة في كلمات الصحاب،فينبغي ملاحظة بعض كلماتهم فيها،فنقول:

ورد في الفقه المنسوب للإمام الرضا(ع):لا يجوز للصائم أن يحتقن[10].

أقول:لما بنى غير واحد من الأصحاب على أن هذا الكتاب عبارة عن كتاب علي بن بابويه،كما فصلنا ذلك في المكاسب المحرمة،جعل هذه العبارة كلاماً لابن بابويه،وعلى أي حال لا يخفى أن العبارة مطلقة،تشمل الجامد والمائع.

ثم إن عدم الجواز المنظور فيه هنا هو الحرمة الوضعية،فيفسد الصوم بذلك،أو الحرمة التكليفية،فيأثم،ولا يفسد صومه احتمالان،فهم بعض الأصحاب الأول،وفهم آخرون الثاني.

قال المفيد في المقنعة في باب ما يفسد الصوم،وما يخل بشرائط فرضه وما ينقض الصيام:ويفسده أيضاً الحقنة[11].

أقول:عبارته(قده)ظاهرة في ناقضية الإحتقان للصوم،فما في بعض الكلمات من نفي ذلك عنه في غير محله،نعم مقتضى عبارته كون الناقضية لمطلق الإحتقان بلا فرق بين كونه احتقاناً بالمائع،أو بالجامد.

وقال السيد المرتضى في الحمل:وقد ألحق قوم من أصحابنا بما ذكرناه في وجوب القضاء والكفارة..-إلى أن قال-والحقنة،وقال قوم:إن ذلك ينقص الصوم وإن لم يبطله،وهو الأشبه،وقالوا في اعتماد الحقنة وما يتيقن وصوله إلى الجوف من السعوط وفي اعتماد القيء وبلغ الحصى:إنه يوجب القضاء من غير كفارة[12].

أقول:عبارته مطلقة بحيث تشمل الحقنة بالمائع والحقنة بالجامد،وقد ذكر ثلاثة أقوال في المسألة،واختار هو عدم المفطرية.

وقال في المسائل الناصرية:فأما الحقنة فلم يختلف في أنها تفطر[13].

أقول:عبارته هنا تنافي ما تقدم منه في جمل العلم،كما أنه هنا أيضاً لم يفصل بين الجامد والمائع.

وقال ابن الجنيد:يستحب له الإمتناع من الحقنة،لأنها تصل إلى الجوف[14].

أقول:عبارته واضحة في عدم الحرمة،فضلاً عن حصول المفطرية.

هذا ولم يذكر ابن أبي عقيل الحقنة،بقسميها ضمن المفطرات.

وقال الشخ في الخلاف:الحقنة بالمايعات تفطر،وأما التقطير في الذكر فلا يفطر.

وقال الشافعي:الواصل منهما يفطر،وهو الحقنة والتقطير في الذكر،وبه قال أبو يوسف ومحمد.

وقال الحسن بن صالح بن حي:لا يفطر بهما.وقال مالك:لا يفطر بقليل الحقنة ويفطر بكثيرها.وقال أبو حنيفة:يفطر بالحقنة على ما قلناه.

وأما التقطير في الذكر،فقد قال الحاكم في المختصر:يفطره لأنه قال:لو قطر في ذكره أفطر.وكان الجرجاني أبو عبد الله يقول:لا يفطره.

دليلنا على الحقنة:إجماع الفرقة،وأما التقطير فليس على كونه مفطراً دليل،والأصل بقاء الصوم وصحته[15].

أقول:ادعى الشيخ(ره)اجماع الفرقة على المفطرية،لكن قد عرفت منا غير مرة أن إجماعات الشيخ الواردة في الخلاف لا تقبل بنحو الإطلاق،بل الأصل فيها عدم القبول،نعم هناك تعبير منه في الخلاف أيضاً يمكن قبوله في الجملة،وعلى أي حال تفصيل هذا المطلب موكول إلى علم الأصول،والذي يهمنا الآن هو أن الشيخ قد ادعى الإجماع على المفطرية.

وقال في المبسوط في ما يوجب القضاء دون الكفارة:…والحقنة بالمايعات[16].

أقول:ذكر(ره)أن المفطر هو خصوص الإحتقان بالمائع،ومقتضى ذلك البناء على جواز الإحتقان بالجامد.

وقال أبو الصلاح:الحقنة تجب بها القضاء[17].

أقول:لم يتعرض للتفصيل بين الجامد والمائع.

وقال ابن إدريس:ويكره للصائم السعوط،وكذلك الحقنة بالجامدات،ولا يجوز له الإحتقان بالمايعات،فإن فعل ذلك،كان مخطئاً مأثوماً،ولا يجب عليه القضاء،وهو مذهب المرتضى وشيخنا أبي جعفر الطوسي(رض)في الإستبصار،وفي نهايته،وهو الصحيح،وإن كان قد ذهب إلى وجوب القضاء في الجمل والعقود[18].

أقول:المستفاد من كلامه(ره)أنه لا يترتب على الإحتقان بالمائع في نهار الصوم حرمة وضعية،فلا يقال بالفساد،عمدة ما كان هناك حرمة تكليفية في البين ليس إلا.

وقال المحقق في الشرائع عند تعداده المفطرات:والحقنة بالجامد جائزة،وبالمائع محرمة،ويفسد بها الصوم على تردد[19].

وقال في موضع آخر:لا بأس بالحقنة بالجامد على الأصح،ويحرم بالمائع ويجب به القضاء،على الأظهر[20].

وقال العلامة في المختلف:والأقرب:أنها مفطرة مطلقاً،ويجب بها القضاء خاصة[21].

أقول:مقتضى ذكره الإطلاق في كلامه(ره)عدم التفريق بين كون الإحتقان بالجامد،أو بالمائع،كما أنه نص على أنها توجب خصوص القضاء،فلا يترتب على فعلها كفارة.

وقال الشهيد في الدروس:يفسد الصوم بفعل الثمانية عمداً لا سهواً،وإن كان في النفل للرواية،علماً وجهلاً،ويجب القضاء والكفارة على العالم إلا في الحقنة فإنه لا كفارة[22].

أقول:اختار(قده)ما أختاره العلامة من أن الحقنة مطلقاً تفطر،لكنها توجب خصوص القضاء فقط دون الكفارة.

وكيف كان فقد استدل القائلون بالمفطرية بصحيح البزنطي عن أبي الحسن “ع” أنه سأله عن الرجل يحتقن تكون به العلة في شهر رمضان؟ فقال: الصائم لا يجوز له أن يحتقن[23].

ودلالتها على حرمة الإحتقان واضحة. والظاهر أن الإحتقان ينصرف للمائع دون الجامد فيكون أخص من صحيح علي بن جعفر عن أخيه “ع”: عن الرجل والمرأة هل يصلح لهما أن يستدخلا الدواء وهما صائمان. فقال “ع”: لا بأس[24]. إذ أنه مطلق يشمل الجامد والمائع لكن لما كان الصحيح السابق أخص يحمل على الجامد دون المائع.

ثم لو لم يقبل ما ذكرناه كان مقتضى الجمع بين الصحيحين هو إختيار ما أفاده ابن الجنيد. لا ماذكره بعض الأساطين “قده” من انقلاب النسبة بحيث يقيد صحيح البزنطي بموثق ابن فضال قال: كتبت إلى أبي الحسن “ع”: ما تقول في اللطف يستدخله الإنسان وهو صائم؟ فكتب “ع”: لا بأس بالجامد[25]. ثم يقيد الصحيح إطلاق صحيح علي بن جعفر[26].

أقول: ما ذكره وجيه في نفسه لولا منع المبنى مما يستدعي سقوط البناء.

وقد قرب بعض الأعاظم “قده” دلالة صحيح البزنطي على المانعية عن صحة الصوم بما محصله: إن الأصل الأولي في النواهي وإن كان هو الحرمة التكليفية إلا أنه انقلب في النواهي الواردة في المركبات إلى الإرشاد للمانعية فيكون قوله: لا يجوز. ظاهر في الفساد كما في سائر المركبات الإرتباطية بل الظاهر وجوب الكفارة عليه مالم ينعقد إجماع على خلافه[27].

أقول: لا يخفى أن هذا منه “ره” جواب عن القائلين بالحرمة التكليفية لأنهم يقولون بذلك تعبداً لظهور: لا يجوز. في ذلك وفي المفطرية يرجع للنصوص الحاصرة للمفطرات ليس منها الإحتقان مضافاً للتمسك بالأصل.

والإنصاف عدم ورود إشكاله عليهم لأن (لا يجوز) غير ظاهرة في الإرشاد إلى المانعية، بل ظهورها في الحكم التكليفي أوضح. ولا أقل من أنها ظاهرة في الأعم فكونها في أحدهما دون الآخر بحاجة لقرينة وهي مفقودة في المقام. ويشهد للمدعى أن النهي عن البيع وقت النداء مولوي لا إرشادي مما يعني أنه لابد من قرينة صارفة فلا ميزان كلي في المقام.

إن قلت: مقتضى نفي البأس الوارد في موثق ابن فضال يصلح لذلك فيدل بالمفهوم على المانعية.

قلت: هذا من مفهوم الوصف الذي عرفت في الأصول المنع عن حجيته.

هذا وقد يستكشف من السؤال أيضاً أن السؤال عن الحكم التكليفي إذ أن السائل عندما سأل كأن لديه إرتكاز بعدم مانعية هذا عن الصوم لكنه محرم فسأل أنه لو كان مريضاً هل ترتفع الحرمة فأجابه “ع” بعدم إرتفاعها خصوصاً أن المانعية لا تفرق بين المضطر وغيره.

فرفع اليد عن ما دل على حصر المفطرات وعن الأصل في غير محله فالصحيح هو القول الثاني من عدم المانعية لكنه محرم.

ثم إنه على القول بالمفطرية لا يفرق بين صورة الإختيار وصورة الإضطرار كما لا يخفى.

——————————————————————————–

[1] المقنع ص 60.

[2] المختلف ص 221.رسائل الشريف المرتضى ج 3 ص 54.المبسوط ج 1 ص 272.شرح الجمل ص 185.الكافي ص 183.الشرائع ج 1 ص 192.المنتهى ج 2 ص 272.الدروس ج 1 ص 275.المسالك ج 1 ص 71.

[3] الحدائق ج 13 ص 145.الرياض ج 1 ص 306.

[4] الناصريات من الجوامع الفقهية ص 206.الغنية من الجوامع الفقهية ص 517.

[5] رسائل المرتضى ج 3 ص 54.النهاية ص 156.الإستبصار ج 2 ص 84.السرائر ج 1 ص 378.المعتبر ج 2 ص 679.المنتهى ج 2 ص 567.المسالك ج 1 ص 71.المدارك ج 6 ص 64.الذخيرة ص 500.الرياض ج 1 ص 307.

[6] المبسوط ج 1 ص 272.شرح الجمل ص 185.الكافي ص 183.الشرائع ج 1 ص 192.التحرير ج 1 ص 80.المختلف ص 221.الدروس ج 1 ص 272.

[7] المختلف ص 221.

[8] الحدائق ج 13 ص 144.

[9] المختلف ص 221.

[10] الفقه المنسوب للإمام الرضا ص 212.

[11] المقنعة ص 344.

[12] جمل العلم والعمل ص 96.

[13] المسائل الناصرية من الجوامع الفقهية المسألة 129.

[14] حكاه عنه في المختلف ج 3 ص 281.

[15] الخلاف ج 2 ص 213.

[16] المبسوط ج 1 ص 272.

[17] الكافي في الفقه ص 183.

[18] السرائر ج 1 ص 387.

[19] الشرائع ج 1 ص 218.

[20] المصدر السابق ص 220.

[21] مختلف الشيعة ج 3 ص 282.

[22] الدروس الشرعية ج 1 ص 272،الدرس 71.

[23] الوسائل ب 5 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 4.

[24] المصدر السابق ح 1.

[25] المصدر السابق ح 2.

[26] مستمسك العروة ج 8 ص 307.

[27] مستند العروة ج 1 ص 229.