التسامح

لا تعليق
من القلب إلى القلب
76
0

التسامح

 

من الصفات التي دعت الشريعة المحمدية السمحاء أتباعها أن يتصفوا بها صفة التسامح، وهي واحدة من الصفات الجميلة والسجايا الحسنة، ويقف القارئ لسيرة أهل بيت العصمة والطهارة على نماذج عديدة وكثيرة في حياتهم في هذا الجانب، فمع ما لقيه رسول الله(ص) من أذى من كفار مكة، حتى أنهم أخرجوه من وطنه الذي ولد وترعرع فيه، إلا أنه يوم ظفر بهم في فتح مكة، قال لهم كلمته المشهورة: اذهبوا فأنتم الطلقاء، وتسامح معهم وعفى عنهم.

وهذا أمير المؤمنين(ع) يوم صفين وقد منع وأصحابه من الماء، فلما سيطر عليه وملكه، أباح لمعاوية وأصحابه الشرب، وهم الذين كانوا يمنعوه وأصحابه من وروده.

 

ومثل ذلك تقف على نماذج في سيرة الإمام الحسن، وكذا الإمام الحسين، والإمام زين العابدين(ع)، حتى بقية المعصومين(ع). بل تجد ذلك أيضاً في سيرة أصحابهم الذين ارتبطوا بهم وانتموا إليهم انتماءً حقيقياً، فقد نقل أن شاباً عابثاً ألقى بالحصى على مالك الأشتر(رض) وهو لا يعرفه، فلما عرف به خاف وارتعدت فرائصه فلحق مالكاً فوجده وقد دخل مسجداً فدخل خلفه فرآه قائماً يصلي، فلما انفتل من صلاته جاءه معتذراً طالباً الصفح والسماح، وإذا بمالك الأشتر(رض) يبلغه أنه لم يدخل المسجد إلا من أجل أن يسأل الله له الهداية والمغفرة.

 

معنى التسامح:

والمقصود من التسامح هو العفو عند المقدرة، وذلك بالصفح عن المسيئين والمذنبين، فيعفو الزوج عن زوجته التي أخطأت في حقه، ويقوم بمسامحتها، وكذا تعفو الزوجة عن الزوج الذي أساء إليها وتسامحه، وتفتح معه صفحة جديدة حتى تستمر الحياة الزوجية.

وكذا الأصدقاء يسامح كل واحد منهما الآخر، ولا يجعل أحدهما الخطأ الصادر من صاحبه في حقه مانعاً من استمرار أخوتهما وصداقتهما، وكذا الزملاء في العمل، والجيران، وهكذا.

بل ينبغي أن يطبق المؤمن هذه الصفة حتى مع الذين لا يعرفهم، ولا تربطه بهم أي صلة، فلو كان يسير في الطريق مثلاً، وحصل خطأ من أحد عليه، بأن سبقه بالسيارة، أو مال عليه بنحو ما أو غير ذلك، فالمطلوب منه مسامحته والعفو عنه، وعدم الوقوف معه، والدخول معه في شجار، أو قيامه بسبه أو شتمه أو غير ذلك.

 

آثار التسامح:

وعند العودة للنصوص الدينية، يقف المتابع على مجموعة من الآثار التي يحصل عليها من يتصف بهذه الصفة ويتحلى بها، بعضها يرتبط بعالم الدنيا، فتكون آثاراً دنيوية، وبعضها يرتبط بعالم الآخرة فتكون آثاراً أخروية:

منها: كونه وسيلة لارتقاء الروح وقرب من ربه تعالى، فهو أحد موجبات تحصيل التقوى، يقول سبحانه:- (وأن تعفوا أقرب للتقوى).

 

ومنها: دخول الجنة، فقد ورد أنه: إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، ثم ينادي منادٍ: أين أهل الفضل؟ قال: فيقوم عنق من الناس فتتلقاهم الملائكة، فيقولون: وما كان فضلهم؟ فيقولون: كنا نصل من قطعنا، ونعطي من حرمنا، ونعفو عمن ظلمنا، فيقال لهم: صدقتم، ادخلوا الجنة، وإن خير خلائق الدنيا والآخرة من وصل من قطعه، وأعطى من حرمه، وعفا عمن ظلمة، وأحسن إلى من أساء إليه.

 

خاتمة:

ومع ما للتسامح من فضل وأثر، إلا أننا نجد افتقار بعض أفراد المجتمع لهذه الصفة، فهو لا يعرف لها سبيلاً، ولا مكان لها عنده، فتراه تسيطر عليه الأحقاد والأضغان وغير ذلك، ولا يقبل أن يسامح أحداً ولو كان رحماً، أو زوجة، أو ولداً.

 

 

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة