عشرات محرم و صفر
من نعم الله سبحانه وتعالى على هذا البلد الطيب وأهله توفيقهم لإحياء مصاب الإمام أبي عبد الله الحسين(ع)، طيلة أيام شهر محرم وصفر، بل طيلة أيام العام من خلال المجالس والعادات الأسبوعية التي تعقد في المنازل عادة.
ولا كلام لنا حول العادات الأسبوعية التي تعقد طيلة العام في المنطقة، فإنها سبب من أسباب الخير والبركة، وطريق لمعرفة أهل بيت العصمة والطهارة(ع)، وزيادة الارتباط بهم.
وعادة ما تأخذ مجالس الإحياء لمصاب المولى أبي عبد الله الحسين(ع) العديدة خلال شهري محرم وصفر، واللذان يعتبران موسم حزن وهم وغم وعزاء، لما وقع على أهل بيت العصمة والطهارة(ع)، صفة العدد، فتكون مدتها عشرة أيام، ولعل منشأ التحديد بالعدد هو تشبيهها بأيام المصاب الأصل، أعني العشرة الأولى من شهر محرم الحرام، وأيام الشهادة المباركة للمولى الإمام الحسين(ع).
والملاحظ أن الغالب عادة على تلك المجالس إعادتها لما تم ذكره خلال أيام عشرة محرم الأولى، فتعرض مصارع أبطال كربلاء وشهدائها، ولو بنحو مختصر، أو من خلال إنشاد الأبيات الشعرية التي تتضمن ذلك. وأما في ليلة العاشر، فيعمد الخطيب إلى ختم المجلس بذكر مصاب عبد الله الرضيع(ع)، أو يحوم حول المقتل الشريف للإمام الحسين(ع) ما بين التلويح والتصريح. بل يلتـزم بعض الخطباء في ليلة العاشر من هذه الأيام بذكر عين ما يذكر في مجلس ليلة العاشر الأولى من شهر محرم الحرام دونما تغيـير أبداً.
ولا يختلف اثنان في حسن هذ الفعل، وأنه مصداق لإحياء مصابهم(ع)، ينال فاعله من الله تعالى الأجر والثواب، إلا أن المرجو أن يشار إلى بقية الأحداث والفجائع التي وقعت على الأسرة العلوية بعد شهادة المولى سيدي الإمام الحسين(ع)، من هجوم الأعداء، وسلبهم، وسبيهم[1]، والتشهير بهم في المجالس والبلدان، ابتداءً من الخروج من كربلاء حتى الوصول إلى الكوفة، وما تضمنتها من أحداث جليلة عظيمة وخطيرة تدمي القلوب حيث خرج الناس يتفرجون على بنات الرسالة، وصار الأطفال والنساء يتصدقون على الأطفال الهاشميـين، حتى أدخلت عقيلة بني هاشم الحوراء زينب(ع) والإمام زين العابدين(ع) وبقية العائلة العلوية مجلس الطاغية عبيد الله بن زياد، في مشهد يدمي القلوب، كما يصفه الإمام زين العابدين(ع)، وهذه وحدها فاجعة عظمى، فإن المنقول عن الميرزا الشيرازي الكبير الشيخ محمد حسن نزيل سامراء(ره)، أنه سمع خطيباً يوماً من الأيام، يقول: فأدخلت الحوراء زينب(ع) مجلس عبيد الله بن زياد، فقال له: توقف، حتى نوفي هذه المصيبة حقها من الجزع واللوعة والبكاء، لأنها مصيبة عظيمة.
وتتواصل محنة البيت العلوي، عندما ينزلون خربة في الكوفة، ويبدأ الناس يتوافدون عليهم للتفرج، حتى يسيروا بعد ذلك إلى الشام، بحال يدمي القلوب، كما يصفه الإمام زين العابدين(ع)، حتى وصولهم إلى الشام، وما لاقوه خلال الطريق من آلام ومحن، وما عانوه وقت الوصول إلى الشام، وما وجدوه فيها، حتى أن الإمام زين العابدين(ع)، عندما كان يسأل عن أي المصائب أعظم، كان يكرر: الشام، الشام، الشام، لأن فيها شماتة الأعداء.
وهذا يعني أن تكون موضوعات المصيبة في ما بعد عاشوراء وفق تسلسل الأحداث، وليس إعادة وتكراراً لما قرئ خلال أيام عشرة محرم الأولى، سيما وأن أغلب المآتم التي تقرأ خلال هذه الفترة ليست ملزمة بوقف خاص، يلزمها أن يكون الصرف في كيفية معينة من القراءة، بل هو تبرع من صاحب المنـزل الذي يقرأ فيه، وما يقدم إليه من تبرعات من المؤمنين. نعم لو كان هناك وقف خاص محدد بكيفية معينة، لزم الالتـزام بذلك.
ولذا أتمنى أن نجد تجاوباً من الأخوة الذين يوفقون لعقد هذه المجالس خلال هذين الشهرين، بأن تكون المصيبة في ختام كل مجلس شيئاً من الأحداث المتسلسلة بعد واقعة الطف، حتى يتسنى للمؤمنين الإحاطة بشيء مما وقع على العترة الطاهرة من المصاب والآلام.
وأن يبتعد قدر المستطاع عن التعرض للحديث عن مصارع أبطال كربلاء، ولو من خلال الإنشاد الشعري، فضلاً عن المصرع العظيم للإمام الحسين(ع)، حتى يبقى وهج ذلك على حاله، ويكون أكثر تأثيراً وحرارة في نفوس المؤمنين عند سماعه، لتبقى الدمعة غزيرة بمجرد مرور شيء من ذكر ذلك.
………………………………………………….
[1] غالباً يشار لشيء من ذلك خلال الليلتين الحادية عشر والثانية عشر من شهر محرم الحرام، لكن ما يذكر خلالهما لا يمثل جميع ما وقع في تلك الفترة، ويعذر الخطباء في اقتصارهم خلال هاتين الليلتين على ذكر بعض الأحداث مراعاة لجوانب متعددة منها عدم إرهاق المستمعين، وإفساح المجال لهم للمشاركة في مجالس أخرى.