الوجاهة الحسينية
جاء في زيارة عاشوراء المشهورة والمعروفة، قوله(ع): اللهم اجعلني عندك وجيهاً بالحسين(ع) في الدنيا والآخرة.
مع أن العبارة المذكورة مختصرة في ألفاظها، إلا أنها عالية جداً في مضامينها ومعانيها، فقد سلطت الضوء على ربط المؤمن بالإمام الحسين(ع) لينال بواسطته الوجاهة في الدنيا والآخرة، فما هي الوجاهة التي يسأل المؤمن الله تعالى من خلال الإمام الحسين(ع) أن ينالها؟
لا يخفى أن الوجاهة نوعان وجاهة مادية ووجاهة الهية، والوجاهة المادية لها صور متعددة:
فمنها: الوجاهة الاجتماعية التي تحصل لبعض الأفراد جراء تسنمه منصباً قيادياً في بعض المؤسسات الاجتماعية، كرئاسة جمعية خيرية، أو رئاسة نادٍ رياضي مثلاً، أو أية مؤسسة من مؤسسات المجتمع ذات البعد الاجتماعي.
ومنها: الوجاهة التي يكون منشأها قدرة الإنسان المالية، لكونه شخصاً متمولاً، ومن المبادرين للأعمال الخيرية، وأصحاب الأيادي البيضاء، فيكسبه ذلك مكانة ووجاهة اجتماعية.
ومنها: الوجاهة الناشئة من حيث المستوى العلمي الموجود عند الشخص، لأنه سوف يكون مقصداً للناس للاستفادة منه، وإجابة تساؤلاتهم، فيكسبه ذلك مكانة خاصة ووجاهة بينهم دون غيره.
وأما الوجاهة الإلهية، فهي التي تجعل للإنسان منـزلة ومكانة خاصة عند الباري سبحانه وتعالى لينال الحظوة والقرب منه، وقد يشير إلى ذلك قوله تعالى:- (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، فإن مقتضى وجود عنصر التقوى عند فرد يكسبه وجاهة معنوية وقرباً إلهياً، وهذا هو الميزان في نيل ذلك عند الله تعالى، وليس شيئاً آخر، من مكانة اجتماعية، أو بعد أسري، أو عنصر مالي، أو غير ذلك.
والظاهر أن المطلوب في الفقرة التي افتتح بها المقام، ليس الوجاهة المادية، وإنما المطلوب هو الوجاهة الإلهية المعنوية لأنها قد تضمنت طلب ذلك من الله، قال(ع): اللهم اجعلني عندك وجيهاً. والسبب في ذلك يعود لمحدودية الوجاهة المادية، وكل ما يكون كذلك فهو فانٍ لأن المرتبط بالفاني لابد ان يفنى، بينما رغبة السائل هو طلب وجاهة لا يعرضها الفناء والزوال، فهو يطلب وجاهة تكون باقية مستمرة دائمية، وهذا لا يكون إلا إذا كان مرتبطاً بما لا يزول ولا يفنى، وهو الله سبحانه وتعالى.
الوجاهة الإلهية:
ولما كان الإنسان محدوداً فهو لا يتحمل أن تفاض عليه الفيوضات الإلهية مباشرة، لأنه لا يملك القابلية لذلك، بسبب محدوديته، فهو نظير قنينة الماء التي لها سعة محددة، فلو تجاوز وضع الماء فيها تلك السعة كان ذلك موجباً لخروج الماء منها، والإنسان كذلك، له سعة محدودة، لا يمكنه تجاوزها، ولو تجاوزها لن يتمكن من استيعاب ما يفاض عليه من فيوضات. نعم وجود واسطة بينه وبين الفيض الإلهي يعطيه القابلية للاستيعاب، لأنه سوف يكون الفيض عليه عندها متناسباً مع ما لديه من قابلية وقدرة.
ومن المعلوم أن الوجاهة الإلهية نحو من أنحاء الفيض الإلهي، فيحتاج الإنسان واسطة حتى يتسنى له نيلها.
وقد تضمنت الآيات القرآنية الإشارة إلى هذا المعنى أعني وسائط الفيض الإلهي للإنسان، فيشير إلى ذلك قوله تعالى:- (يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا انا كنا خاطئين) وفِي سورة المنافقون:- (واذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله) وقال عز من قائل:– (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا).
وبالجملة، لا ريب في الحاجة للوسيط ولا يوجد أقرب الى الله تعالى من محمد وآله(ع)، فإنهم واسطة الفيض كما هو معلوم.
ووفقاً لهذا، يتضح منشأ جعل السائل الإمام الحسين(ع) طريقاً له لنيل الوجاهة الإلهية المعنوية، لأنه الواسطة لله سبحانه وتعالى.
الحسين وسيلة الوجاهة:
ويكون الإمام الحسين(ع) وسيلة للوجاهة من خلال ثلاثة أمور، وهي كلما ازدادت عند الإنسان، ازدادت الوجاهة في الدنيا والآخرة، وتلك الأمور:
١–البعد العاطفي، وهو يرتبط بالقلب وهو المودة والمحبة، فبمقدار ما يملكه الإنسان من محبة في قلبه للإمام الحسين(ع)، ويظهر ذلك من المثالين التاليـين:
الأول: هلال بن نافع البجلي، فقد نص المؤرخون على أنه رأى الإمام الحسين(ع) يخرج ليلة عاشوراء يتفقد تلعات كربلاء، فخرج خلفه يحرسه، خوفاً على الإمام أن يصيبه أحد عسكر ابن زياد بسوء، أو يقوم باغتياله. وهذا يكشف مقدار الحرص الشديد الموجود عنده تجاه الإمام الحسين(ع)، ومن الواضح جداً أن هذا الحرص ينشأ من مقدار ما للإمام(ع) من محبة شديدة جداً في قلبه.
الثاني: عابس الشاكري، فإنه لما برز أحجم القوم عن قتاله، لما عرف عنه من شجاعة، ما دعاه أن يلقي ما عليه من درع ولامة حرب، وأقبل يقاتل قائلاً حب الحسين أجنني.
٢-البعد المعرفي، وهو يرتبط بالعقل ويعود لمقدار الاعتقاد والمعرفة، ولا ريب أن هناك مواصفات ينبغي توفرها في كل من يرتبط بالإمام الحسين(ع)، ليكون الإمام(ع) واسطة للإنسان في نيل الوجاهة الإلهية.
٣–التفاني والتضحية، ويمكن الوقوف على هذا البعد من خلال الحوار الذي دار بين البطلين الأسديـين، حبيب بن مظاهر، ومسلم بن عوسجة(رض)، فإنه لما وقع مسلم صريعاً على أرض كربلاء قصده حبيب مع الإمام الحسين(ع)، فألتفت حبيب إليه وفي مسلم رمق، قائلاً: رحمك الله يا مسلم، لولا أعلم أني في الأثر، لأحببت أن توصيني بما أهمك. وإذا بمسلم يشير بيده إلى الإمام الحسين(ع)، ويتكلم بصوت ضعيف، قائلاً: أوصيك بهذا، قاتل دونه.
ومثل ذلك، ما جرى من حوار بين علي بن مظاهر الأسدي وزوجته، عندما جاء يريد أن يوصلها لبعض بني عمومتها حتى لا تقع في الأسر، وإذا بها تمتنع، وتصرّ على مواساة الحوراء زينب(ع)، كما يواسي الرجال الإمام الحسين(ع).
والحاصل، إن الطريق لنيل الوجاهة الإلهية المعنوية بواسطة الإمام الحسين(ع)، يعتمد بصورة أساسية على حجم الرابطة التي تربط الإنسان المؤمن بالإمام الحسين(ع)، فكل ما كان مقدار ارتباطه به وثيقاً، كان ذلك سبباً لسرعة حصوله على الوساطة الحسينية لنيل الوجاهة الإلهية، وكلما كانت علاقته دون ذلك، صعب نيله على الوجاهة الإلهية، لعدم حصول الوساطة الحسينية بصورة مباشرة وسريعة، بل سوف يحتاج أموراً أخرى لتحققها.
تقوية الرابطة بالإمام الحسين(ع):
ومع الإحاطة بأن حصول الوساطة الحسينية رهين قوة العلاقة والارتباط بالإمام الحسين(ع)، يلزم أن يسعى المؤمن إلى تقوية رابطته بالإمام الحسين(ع)، وهذا يحصل من خلال مظاهر متعددة، نشير لمظهرين منها:
منها: المداومة على قراءة زيارة عاشوراء كل يوم، فإنه بعيداً عن ما لهذه الزيارة من آثار مادية ومعنوية، فإنها تحقق قوة الارتباط بالعلاقة الإمام الحسين(ع).
ومنها: إقامة المآتم المنزلية، والعادات الأسبوعية التي كانت ولا زالت معروفة في وسطنا الاجتماعي، والتي تعتبر أحد المظاهر الموجبة لوجود العلاقة بالإمام الحسين(ع)، بل زيادة هذه العلاقة، وتقوية هذا الارتباط.