فن العتاب

لا تعليق
من القلب إلى القلب
194
0

من الأمور التربوية التي ندبت إليها النصوص الشريفة، العتاب بين الأحباب، كالعتاب بين الزوج وزوجته، والعتاب بين الأخ وأخيه، والعتاب بين الصديق وصديقه، والعتاب بين الجار وجاره، وهكذا. فقد ورد عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال: العتاب حياة المودة[1].

وقد برر ذلك بأنه يوجب بقاء المحبة بين المتعاتبين، بل يزيدها متى ما أدي بطريقة صحيحة.
وإنما يكون العتاب ذا قيمة إذا وقع في المحل المناسب مع الشخص المناسب، لأن بعض الأشخاص لا يقبلون العتاب، فلا يحسن ووقوعه معهم، كما أن بعض الأزمنة أو الأماكن لا تصلح أن تكون محلاً له، فلا ينبغي وقوعه فيه، وهذا يستدعي مراعاة ظرف الزمان، والمكان، والأشخاص حال الإقدام على ممارسة هذه الصفة.

العتاب وفرقه عن اللوم:

ويقصد من العتاب: هو الملامة والمؤاخذة على تضيـيع حقوق المودة والصداقة، كالأخلال بترك الزيارة، وترك المعونة، وما يشاكل ذلك.

وهو لا يكون عادة إلا بين الأفراد الذين تربطهم مودة وعلقة خاصة، فلا يقع بين كل فردين وإن ربطتهما علاقة وصداقة مثلا.

وهو بهذا المعنى يفترق عن اللوم، لأنه يقصد به: تنبيه الفاعل على خطأ ما فعل، من خلال استهجان فعله، وتخطئة طريقته[2].

وهو لا ينحصر في خصوص الأفعال القبيحة، بل قد يكون جارياً في الأفعال الحسنة، لو صدرت على خلاف موازينها.

وبالجملة، إن الطريقة التي يؤدى بها العتاب تختلف عن الطريقة التي يكون اللوم بها، كما أن مورد العتاب يختلف عن مورد اللوم، لأن العتاب لا يكون إلا في خصوص الأمور القبيحة بنظر المعاتب، ولا يتصور في الأمور الحسنة.

وهذا يعني أن بينه وبين العتاب عموم مطلق، لأن العتاب لا يكون إلا في القبيحة بنظر المعاتب، كما أنه يفرق عنه أنه يكون بلغ المحبة والمودة، وليس بلغة التهجين والاستصغار.

الآثار السلبية للعتاب:

ومع أن العتاب من الأمور المحمودة التي ندبت لها الشريعة السمحاء، إلا أن ذلك لا يعني عدم ترتب آثار سلبية ووخيمة عليه، متى أدي بطريقة غير صحيحة. فينبغي مراعاة التالي:

1-عدم الإكثار من العتب، فإن كثرته تورث الشحناء والبغضاء، وتنشر التباعد عوضاً عن التقارب. فعن أمير المؤمنين(ع) قال: لا تكثرن العتاب فإنه يورث الضغينة، ويدعو إلى البغضاء[3].

2-عدم وقوعه على كل شيء وعلى كل أمر، بل يلزم أن يكون مورده الأمور المهمة، وذات القضايا الجسيمة والخطيرة، فلا يكون في الأمور الصغيرة، لأن الناس لا يتحملون ذلك حتى لو كان بصورة صحيحة، ولهذا على الإنسان أن يترك مساحة للمسامحة والعفو والصفح.

كيف يكون العتاب:

حتى يحقق العتاب الغرض المرجو منه، يلزم أن يتخذ الطريقة التالية:

1-التركيز والوضوح: فلا يخرج المعاتب عن النقطة المحددة التي يراد العتب عليها، فلا ينبغي للزوجة مثلاً عند معاتبتها زوجها أن تعمد لفتح جميع الملفات الحياتية المرتبطة بينهما، ومثل ذلك يجري في شأن الزوج عندما يقوم بمعاتبة زوجته، وكذلك الصديق عندما يعاتب صديقه، لابد وأن يجعل للمعاتبة جهة محددة يركز عليها، فلا يقوم بسرد مسلسل الصداقة منذ بدايتها، ويذكر جميع ما تضمنه ذلك المسلسل من ملاحظات.

2-اختيار الطريقة المناسبة: بأن يعمد لتحكيم الحكمة في المعاتبة، واتخاذ الكلام الحسن، ويكون ذلك بأسلوب يشمل نبرة محبة وصدق وحرص على بقاء العلاقة واستمرارها، متضمناً للرفق واللين، فلا يوحي لمعاتبه تذمره منه، أو سأمه من وجوده، وعدم رغبيته في الاستمرار معه، وهكذا. فضلاً عن أن لا يكون مشتملاً على كلام جارح، أو فاحش، أو سوء خلق في المعاتبة.

3-المواجهة وجهاً لوجه: فإنها من أفضل الطريق للمعاتبة، عوضاً عن اللجوء للطرق الملتوية، أو جعل وسائط تقوم بإيصال المراد إيصاله.

4-إبراز الجوانب الإيجابية: في الشخص المعاتب، وعدم الاقتصار على عرض الجوانب السلبية فيه فقط.

5-العمد إلى استيضاح السبب: في موجب العتاب، لمعرفة داعي المعاتَب في ما أقدم عليه من العمل، ويكون العتاب عند فقد ما يبرر له ما صدر عنه.

6-إعطاء الخطأ حجمه ومقداره: حال وقوع المعاتبة، وعدم التهويل ليخرج الشيء الصغير عن كونه صغيراً، ويتحول إلى شيء كبير.
ومن اللازم الالتفات إلى أنه لا يكون العتاب على كل شيء، وإنما يكون على خصوص الأمور التي تستحق العتاب عليها، لأن كثرة العتاب توجب البغضاء.

[1] ميزان الحكمة العتاب وآدابه ح 18396 ج 7 ص 2812.
[2] معجم الفروق اللغوية ص 350 رقم 1403. ص 471 رقم1891.
[3] المصدر السابق ص 2813 ح 18404.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة