التقليد في ثبوت الهلال

التقليد في ثبوت الهلال

 

يعتبر الهلال واحداً من الموضوعات التي تترتب عليها مجموعة من الأحكام الشرعية، فلا تنحصر أهميته في خصوص تحديد بداية شهري رمضان المبارك، وشوال، ليعلم المكلفون متى يجب عليهم الصوم ومتى يلزمهم الإفطار، بل هناك أحكام أخرى تترتب عليه غير ذلك:

منها: استحباب صدقة الشهر، والتي يستحب دفعها مع دخول كل شهر من أشهر السنة، ومن الواضح أنه لن يحرز دخول الشهر إلا من خلال ملاحظة الهلال.

ومنها: استحباب صلاة كل شهر وهي أيضاً تتوقف على احراز انتهاء الشهر السابق ودخول الشهر اللاحق، ومن طرق إحراز ذلك رؤية الهلال.

ومنها: إحياء المناسبات الدينية من ولادات المعصومين(ع) وشهاداتهم.

ومنها: بعض الأعمال المرتبطة بأشهر محددة كالعمرة الرجبية.

ومنها: صيام بعض الأيام التي حث على صيامها كيوم المبعث ويوم الغدير، وغيرهما.

ومنها: الوقوف في عرفات للحجاج.

 

ومنها: استحباب عمرة ثانية عن الشخص نفسه، لأن لكل شخص في كل شهر عمرة واحدة يؤديها عن نفسه بعنوان الاستحباب.

ومنها: بعض الزيارات الخاصة الواردة للمعصومين(ع)، مثل زيارة الإمام أمير المؤمنين(ع) يوم ميلاد رسول الله(ص)، وزيارة الإمام الحسين(ع) في بداية شهر رجب، أو في النصف منه، أو في النصف من شهر شعبان، وهكذا.

وهذا يكشف عن مدى أهمية احراز موضوع الهلال والوقوف على ثبوته من عدمه.

ولهذا نجد الفقهاء قد ذكروا وسائل يتم من خلالها احراز موضوعه. وليست الطرق المذكورة في كلماتهم موضع اتفاق بينهم، بل بعضها مورد خلاف، ويمكن للمكلف أن يقف على ذلك من خلال مراجعته لرسائل الفقهاء العملية.

 

الهلال والتقليد:

وما ينبغي الإشارة إليه، ما يوجد من خلاف متصور بين المكلفين في مسألة التقليد في الهلال، فإن بعضهم يعتقد بلزوم متابعة مرجع التقليد في الهلال، فمتى صدر منه ثبوت له رتبوا الأثر على ذلك، ولو لم يثبته مرجع التقليد لن يىبنى على ثبوته.

وعلى العكس تماماً، يعتقد جماعة أخر عدم الحاجة إلى ذلك، وأن الهلال لا يختلف عن بقية الموضوعات الأخرى التي لا يرجع فيها لمرجع التقليد إلا إذا كانت موضوعات مستنبطة.

 

والانصاف، أن كلا التصورين صحيح في الجملة لا بالجملة، توضيح ذلك:

لا ريب في اختلاف الفقهاء في الطرق والوسائل المعتمد عليها في ثبوت الهلال، فقد يعتمد بعضهم على ظهور الهلال في السماء مطوقاً يعني محاطاً بهالة من الضوء على أنه لليلتين، كما على ذلك السيد الخوئي(ره)، بينما لا يعتبر السيد السيستاني(دامت بركاته) مثلاً ذلك علامة لكونه كذلك، فهنا يمكن لمقلدي السيد الخوئي(ره) ترتيب أثر أن الهلال لليلتين عملاً بفتوى مرجعهم وتقليداً منهم له دون مقلدي السيد السيستاني، وهذا هو معنى التقليد منهم للمرجع في الهلال، فإنه تقليد له في الحكم الشرعي، من خلال الاعتماد على وسيلة من الوسائل المعتمدة عنده في ثبوته.

 

نعم هم لا يقلدون السيد الخوئي(ره) في أن الهلال الموجود في السماء مطوق أو لا، فإن تحديد كونه مطوقاً من عدمه يرجع للمكلف، فهو الذي يشخص ذلك ويقرره وليس مرجع التقليد. وهذا هو معنى عدم تقليد مرجع التقليد في الهلال، ذلك أن المكلف لم يتبعه في الموضوع الموجود خارجاً وأنه مطوق أو ليس مطوقاً.

 

وهكذا مسألة اختلاف الآفاق، فإنه يمكن لمقلدي السيد الخوئي(ره) التعويل على ثبوت الهلال في بلد من البلدان يتحد مع بلدهم في شيء من الليل وإن اختلف البلدان في الأفق، لكنه لا يمكن ذلك لمقلدي السيد السيستاني، وهكذا. فمقلدي السيد الخوئي(ره) يتبعونه في أصل الحكم وهو كفاية الاشتراك بين البلدين في جزء من اليوم ليكفي ثبوت الهلال في أحدهما للبلد الآخر، لكنهم لا يقلدونه في أن أمريكا والقطيف يشتركان في جزء من الليل، أو لا يشتركان.

وبكلمة مختصرة، يقلد مرجع التقليد في الأحكام المرتبطة بالهلال، ولا يقلده في موضوع الهلال خارجاً.

 

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة