30 أبريل,2024

هل أن تطبيق حد الجريمة ينافي حرية التدين؟

اطبع المقالة اطبع المقالة

س: كيف نرد على من قال: إن تطبيق حد الجريمة، ينافي حرية التدين؟…

ج: أن منشأ ما قدّم للإسلام في المورد من اعتراضات وملاحظات، سواء في الأمور العامة أم في خصوص السؤال محل البحث وهو مسألة القصاص، تعود لعدم الإحاطة بمدى الفرق بين القوانين الإسلامية والقوانين الوضعية، وقياس القوانين الإسلامية على القوانين الوضعية، مع أن الهدف والغاية التي قننت عليها القوانين الإسلامية لا تلتقي مع الهدف والغاية التي قننت على وفقها القوانين الوضعية.

وكي يتضح ذلك بصورة جلية، نشير للفرق بينهما، فنقول:

إن التشريع الإسلامي يحوي صبغة إلهية في كافة التقنينات الصادرة عنه، فهو يولي أهمية لصلة العبد بربه، ويعمد لجعل الرباط بين التصرفات الخارجية الصادرة من المسلم وبين نواياه الداخلية وثيقاً، ولذا لا يرى المسلم قيمة لأي عمل من الأعمال يصدر منه إذا تجرد ذلك العمل عن الارتباط بالخالق سبحانه وتعالى.

وبناءاً على مدى قوة هذا الارتباط، ينال العبد المنـزلة عند ربه، ومن ثمّ يتم تصنيف الأفراد، قال تعالى:- ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم)

وإنما يحمل العمل هذه الميـزة، بحيث يكون واقياً من سخط الله سبحانه، ومانعاً من بعد العبد عن ربه، بل يوجب قربه منه وحصوله على حبه، إذا كان ينطوي على صفة التعبد له سبحانه وتعالى، ولهذا لا ينحصر الجزاء في القوانين الإسلامية بخصوص عالم الدنيا فقط، بل هناك مجازاة في عالم الآخرة أيضاً، وهو ما تفتقر له التشريعات الوضعية.

كما أن التشريع الإسلامي يعمد إلى تربية روح السلوك القويم، وتنمية الفضيلة والإعداد الأخلاقي، وهو ما تفتقر إليه القوانين الوضعية، لأنها لا تنطوي على مثل هذه الأسس، فلا تـثيب أو تعاقب على الخروج على أي خط أخلاقي.

وأما التقنينات الوضعية، فكلها تعتمد على نزعتين:

الأولى: النـزعة الفردية، ويعبر عنها أيضاً بالمذهب الفردي أو المذهب الحر.

الثانية: النـزعة الجماعية، ويعبر عنها أيضاً بالمذهب الرأسمالي.

أما النـزعة الأولى، فليس للدولة حق التدخل في شؤون الفرد وتصرفاته ما دامت لا تضر بحريات الآخرين.

والغاية من هذا التقنين هو حماية الفرد من التجاوزات التي تقع عليه بتقيـيد حرياته.

وبعد مرور الزمن أتضح فساد هذه النـزعة، فعمد بعضهم إلى الحدّ من فتح باب الحرية، بل ربما قيل بإغلاق هذه النـزعة تماماً.

الفرق بين التقنين الإسلامي والوضعي:

وزيادة في إيضاح الفرق بين التشريعات الإسلامية والتشريعات الوضعية، وكيف أن التشريعات الإسلامية تحمل مبادئ سامية، يسعى من خلالها إلى إيجاد المجتمع الفاضل، بخلاف التقنينات الوضعية، نشير لبعض الفروق بينهما:

أهمية الضمير:

ومن أهم ما يميز التشريع الإسلامي دون التقنين الوضعي، تربية عنصر داخل يمثل جهاز الرقابة الدائم الذي يحمله الإنسان معه في كافة تحركاته، ويكون رقيـباً عليه في كل ما يصدر منه، وهو ما يسمى بالضمير.

وواضح أن هذا تفتقر إليه التقنينات الوضعية، مع ما له من أهمية قصوى في تربية الفرد وإعداده.

كما أن من الأمور المهمة التي لا ينبغي إغفالها في المقام، المرونة في التشريع الإسلامي، كما يستفاد من قوانين عدة تـترك متسعاً فيها للانسجام والتوافق مع الأجيال، وإن تبدل المكان وتغير الزمان، ويمكننا إثبات ذلك من خلال مثال نسوقه، وهو قاعدة الإباحة، وهي التي تقرر أن كل شيء لك مباح حتى تثبت حرمته.

فمن الواضح أن هذه القاعدة تعطي الإنسان حرية في جميع مجالات العمل، إلا أنها حرية يهيمن عليها الخلق الإسلامي، ويفترض بقائها في إطار العدالة، حتى لا تنـتهي بالقضاء على نفسها.