خدمة الناس
أكدت النصوص الدينية على أهمية خدمة الإنسان لإخوانه المؤمنين والسعي في قضاء حوائجهم، وقد أتخذ ذلك أساليب متعددة، فمن ذلك قوله تعالى:- (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)[1]. وقد سئل رسول الله(ص) مَن خير الناس؟ فأجاب(ض): خير الناس من نفع الناس[2]. وجاء في حديث نبوي آخر أنه(ص) قال: الخلق عيال الله فأحب الخلق إلى الله من نفع عيال الله، وأدخل على أهل بيتٍ سروراً[3].
ويقدم الإمام الصادق(ع) مقارنة بين الطواف بالبيت الحرام، وبين خدمة الناس والسعي في قضاء حوائجهم، ويشير لما هو الأفضل منهما، قال(ع): من طاف بالبيت أسبوعاً كتب الله عز وجل له ستة آلاف حسنة، ومحا عنه ستة آلاف سيئة، ورفع له ستة آلاف درجة، -وجاء في رواية إسحاق بن عمار-وقضى له ستة آلاف حاجة. ثم قال: قضاء حاجة المؤمن أفضل من طواف وطواف وطواف حتى عدّ عشراً[4].
وقد أوجب قضاء حاجة للناس مع صغرها وبساطتها دخول فاعلها الجنة، فقد جاء عن رسول الله(ص) أنه قال: دخل عبد الجنة بغصن من شوك كان على طريق المسلمين فأماطه عنه[5].
تعدد وسائل التقرب لله:
ومن خلال هذه النصوص يصحح مفهوم بعض الناس عن الأعمال التي يتقرب بها لله تعالى، ويحصل من خلالها على الأجر والثواب، ذلك أن بعضهم يعتقد انحصار ذلك في خصوص العبادات، من صلاة وصوم وحج وصدقة وما شابه، ومع أهمية الأمور المذكورة ودخالتها في تحصيل القرب من الله تعالى، إلا أن ذلك لا ينحصر فيها، إذ يمكن للإنسان أن يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى من خلال أمور أخرى غيرها، ومن أهمها السعي في حوائج الناس وقضائها.
وبالجملة، يغفل بعض الناس فيحصرون القرب من الله سبحانه في الجوانب العبادية فقط، وينشغلون بها ولا يعمدون لمدّ يد العون لأحد من إخوانهم، فضلاً عن أن يقدموا لأحد منهم مساعدة أصلاً. وهو خلاف ما تؤكد عليه الشريعة السمحاء من ضرورة أن يحمل المؤمن مساعر حب الخير للآخرين، وهو شعور يصدّ الانسان عن الغرور، والتكبر، ويعينه على التخلق بالأخلاق الإلهية.
ولعل هذا يبرر ما تضمنته بعض النصوص في بيان من هو أنسك الناس، وأعبدهم، حينما حدد ذلك بمن يتصف بصفتين:
الأولى: أن يكون أنصح الناس للمسلمين.
الثانية: أن يكون أسلم الناس قلباً على المسلمين.
قال النبي الأكرم(ص): أنسك الناس نسكاً أنصحهم جيباً، وأسلمهم قلباً لجميع المسلمين.
وهذا رسول الله(ص)، يذكر أن أحد الأسباب الموجبة لأن يكون الإنسان قريباً منه في الجنة قربه من الناس، ومن الواضح أن هذا القرب يعني تحسس الإنسان آلامهم، ومعايشة مشاكلهم، وسعيه في قضاء حوائجهم، قال(ص): أقربكم مني غداً في الموقف أصدقكم للحديث، وآداكم للأمانة، وأوفاكم بالعهد، وأحسنكم خلقاً، وأقربكم من الناس[6].
حمل روح المسؤولية:
ويتجلى من خلال ما تقدم ضرورة أن يعيش الإنسان المؤمن روح المسؤولية ويستشعرها، ولا ينبغي أن يكون متصفاً بحالة اللاأبالية مقابل إخوانه المؤمنين، وما يعرضهم من سوء وآلام، ومحن ومصائب.
وبالجملة، إن الأمر الأساس الذي تدعو له الشريعة المحمدية السمحاء أن تكون واحدة من الأخلاق الحسنة التي يمتلكها الإنسان المؤمن، الإحساس بآلام الآخرين، والسعي في حوائجهم، والعمد إلى قضائها، فيحقق الروح الجماعية، ويتجنب التخلق بالخلق الفردي، ويكفي أن يسمع المؤمن مقولة الإمام الباقر(ع) في هذا الصدد: من بخل بمعونة أخيه المسلم والقيام له في حاجته إلا ابتلي بمعونة من يأثم عليه، ولا يؤجر.
…………………………………..
[1] سورة الرعد الآية رقم 17.
[2] الكافي ج 2 ح 11 ص 165.
[3] المصدر السابق ح 6 ص 164.
[4] بحار الأنوار ج 71 ح 95 ص 326.
[5] سفينة البحار ج 2 ص 82.
[6] بحار ألأنوار ج 72 ص 94.










