تقسيمات الواجب:
وقد قسم الفقهاء الواجب سواء كان حكماً أو لياً، أم كان حكماً ثانوياً، إلى عدة أقسام، واصطلحوا لها على أسماء محددة، نشير لما ينفعنا في شرح مصطلحات الرسالة العملية:
التوصلي والتعبدي:
التوصلي: هو الذي يكفي في امتـثاله وإطاعته مجرد حصوله من المكلف ولو من غير التفات ووعي، ومن دون قصد التقرب به إلى الله تعالى، وذلك مثل تطهير اليد أو الثوب من النجاسة مقدمة للوضوء أو الصلاة، فإنه يكفي في امتـثال هذا الواجب وقوع يد النائم المتنجسة في الماء فتطهر، ويتحقق به الشرط، وكذا مثل صلة الرحم، والأمر بالمعروف ونحوهما.
لكن هذا لا يعني أنه لا يمكن قصد التقرب بها لله سبحانه وتعالى، بل بإمكان المكلف أن يقصد التقرب إلى الله تعالى بالواجبات التوصيلية والمباحات ولو لم يكن قصد التقرب شرطاً لازماً فيها في الشريعة، وبذلك يصبح العبد متجهاً إلى الله تعالى بكل حركاته، ويربط أفعاله جميعاً بالله سبحانه وتعالى.
أما التعبدي: هو ما أخذ في امتـثاله وقوعه عن قصد ووعي ونية التقرب به إلى الله تعالى، وذلك مثل الصلاة والصوم والحج والعتق، فإن تحقق الطاعة بها لابد أن يكون من خلال نية الإتيان بها متقرباً إلى الله تعالى.
ثم إن هذا التقسيم لا يختص بخصوص الواجب، بل يجري ذلك في المستحب أيضاً، فمن المستحب التوصلي زيارة المريض، أو السفر في يوم الخميس، أما المستحبات التعبدية، فمنها، صلاة النافلة.
الكفائي والعيني:
ويراد بالكفائي: الواجب الذي يكفي حصوله ولو من بعض المكلفين، وذلك كالجهاد، وتجهيز الميت، فإن تجهيز الميت إذا قام به بعض المكلفين سقط به الوجوب عن الباقين، أما إذا لم يتحقق من أحد، فإن الجميع يأثمون ويعاقبون.
أما الواجب العيني: فهو الذي يطلب فعله من كل مكلف بعينه وشخصه، مثل الصلاة والصوم، فإن صلاة زيد لا تكفي عن صلاة عمرو، بل يجب عليه الإتيان بالصلاة أيضاً عن نفسه، فيأثم كل مكلف ترك الصلاة، لأنه قد ترك ما هو واجب عليه.
التخيـيري والتعيـيني:
والمراد بالواجب التخيـيري: توجه الأمر إلى المكلف بفعل واحد من أمور متعددة على نحو التخيـير، مثل كفارة الإفطار عمداً، فإن الشريعة قد خيرت المكلف بين أمور ثلاثة، هي عتق رقبة، أو إطعام ستين مسكيناً، أو صيام شهرين متـتابعين، فإذا أتى المكلف بواحد من هذه الثلاثة سقط التكليف عنه وتحقق الواجب منه دون ضرورة للإتيان بالأمرين الآخرين.
أما الواجب التعيـيني: فهو توجه التكليف من الله تعالى بأمر واحد بنحو الحصر والتعيـين، بحيث لا يقوم بدله شيء آخر، مثل صلاة المغرب والأمر بالمعروف وكثير من الواجبات، فإن صلاة المغرب حيث تجب على المكلف لابد له من الإتيان بها، ولا يغني عنها غيرها من الواجبات أو الفرائض الأخرى، وهكذا.
الحكم الولائي:
ويسمى بالحكم الحكومتي، والحكم السلطاني، والحكم القضائي، ويمكننا تعريفه بأنه:
إنشاء إنفاذٍ من الحاكم لا من الله تعالى، لحكم شرعي أو وضعي أو موضوعهما، في شيء مخصوص.
الفرق بين الحكم الأولي والحكم الولائي:
ومن خلال التعريف السابق لكلا الحكمين، الأولي والولائي، يمكننا أن نذكر لهما عدة فروق:
منها: أن الأحكام الأولية، أحكام للشارع المقدس يتم كشفها من قبل الفقيه مباشرة، في حين أن الأحكام الولائية أحكام يصدرها الحاكم الشرعي بمقتضى صلاحياته الشرعية.
ومنها: أن الأحكام الأولية، أحكام كلية غير مطبقة على مصاديقها الخارجية، كقول الفقيه: الصلاة واجبة، والماء طهور، في حين أن الأحكام الولائية تعبر عن تطبيق حكم كلي في الموضوعات الخارجية.
ومنها: أن الأحكام الفتوائية بقسميها أولية وثانوية، يمكن نقضها من قبل فقيه آخر، لأن المقام مقام كشف عن الحكم الشرعي، أما الأحكام الولائية، فلا يمكن نقضها.
ومنها: أن الأحكام الفتوائية، قائمة على أساس من مصالح ومفاسد في ذوات الأشياء يلحظها الشارع المقدس ويصدر حكمه فيها، أما الأحكام الولائية فهي تـتبع المصالح التي يدركها الحاكم الشرعي، أو التطبيقات التي ينصرف نظره إليها على الموضوعات الخارجية.
ومنها: أن الأحكام الأولية تعبر عن الحالة الطبيعية للأشياء، كما يراها الإسلام، أما الأحكام الولائية فهي تعبر عن مقتضيات المصلحة التي يراها ولي الأمر ويشكل حالة استثنائية.
الفرق بين الحكام الثانوية والأحكام الولائية:
ويمكن أن نذكر هنا بعض الفروق بينهما:
منها: أن الأحكام الثانوية تنحصر عناوينها في خصوص مجموعة من العناوين، يمكن عدها في عشرة عناوين، تزيد أو تنقص، ورد النص عليها في القرآن الكريم، والسنة المعصومية الشريفة، فهي ترتكز عليها، في حين ترتكز الأحكام الولائية على المصلحة العامة ومقتضيات المؤشرات العامة.
وهذا يعني أن الأحكام الولائية لا يمكننا أن نحصرها في عدد معين، خصوصاً وأن مقتضيات المصالح قد تختلف من وقت لآخر.
ومنها: أن الأحكام الثانوية يمكن أن يدركها الفرد ويعمل بها، كما في حال الاضطرار أو الضرورة لأكل الميتة، فإن الفرد يشخص ذلك، وعليه يمكنه أن يأكلها، في حين تـتوقف الأحكام الولائية على نظر ولي الأمر، فليس لكل أحد من المكلفين أن يشخصوا أن المقام من موارد الحكم الولائي من عدمه.
ومنها:أن الأحكام الثانوية أحكام شرعية وضعت للعناوين الطارئة، كما في أكل الميتة، فإنه محرم في نفسه، لكنه لما حصل الاضطرار حكم بجواز أكله.
أما الأحكام الولائية فهي أحكام يصدرها ولي الأمر بمقتضى صلاحياته، وربما استند في حكمه إلى توافر هذه العناوين الطارئة، ولكنه على أي حال حكم صادر من ولي الأمر وليس صادراً من الشارع المقدس، وإن كانت الطاعة واجبة شرعاً.
ومع ما أشرنا له من فروق بين القسمين، إلا أن هناك من يقول بأنه لا فرق بينهما، وذلك لكون مصدر الحكم الولائي الذي هو ولاية الفقيه، وهي بنفسها من الأحكام الثانوية.
——————————————————————————–
[1] العروة الوثقى ص 30.
[2] المصدر السابق ص 251.
[3] سورة البقرة الآية رقم 172,
[4] سورة المائدة الآية رقم 5.
[5] سورة الحج الآية رقم 78.
[6] وسائل الشيعة ب 1 من أبواب القيام ح 7.
[7] سورة البقرة الآية رقم 232.
[8] سورة الحج الآية رقم 78.