20 أبريل,2024

فقه الأسرة - مدخل

اطبع المقالة اطبع المقالة

مدخل:

خلق الله سبحانه الإنسان وأودع فيه مجموعة من الغرائز،منها غريزة الجنس،فهو يسعى إلى إشباعها كما يسعى إلى إشباع أي غريزة أخرى،دون أن يشعر –ابتداءاً-بأية مسؤولية تستتبع ذلك الإشباع،ولولا الوحي الإلهي وما رافقه من تشريع حكيم قد رافق مسيرة الإنسان منذ وجوده على الأرض،ونظم له حياته عليها،ودله على ما فيه صلاحه وفساده،لما قامت (الأسرة) التي استوعبت هذه الغريزة وحدت من غلوائها ونظمت فوضاها،بما اشتملت عليه من ركني الأبوة والأمومة وبما بينت من دور لكل واحد منهما تـتحدد على أساسه مسؤولية الرجل والمرأة فيها بوصفهما زوجين أولاً،ثم بوصفهما أبوين فيما بعد.

وفي الوقت الذي قبل فيه الإسلام إشباع غريزة الجنس،بل وحث على ذلك،فإنه أعتبر الزواج عملاً مهماً أشبه بالعبادة منه بقضاء الوطر،وذلك لأنه يخرج الإنسان من لهو الحياة الفردية وترسّلها إلى جد الحياة الزوجية وانضباطها،ويجعل الإنسان في مواقع المسؤولية التي تـتعاظم يوماً بعد يوم،فتنصقل بها قوى الإنسان وقابلياته ويحسن بها أداؤه لوظيفته في شتى المجالات التي يجب أو يحسن أن يتواجد فيها ليقوم بدوره المطلوب منه.

إن حُسنَ قيام الإنسان بواجبه تجاه زوجته وأولاده أمر مطلوب وضروري،وهو لا يقف عند حدود حياة المرء ومكابدته فيها،بل يستمر ذلك الدور وتلك المسؤولية لما بعد الموت ليكون جهد الإنسان الأخلاقي متمثلاً في ذرية صالحة،وليكون جهده المادي زاداً وعدة لتلك الذرية ترث ثمرته مالاً وعمراناً لتستأنف مسيرة الوالد بخطوات واثقة وتجربة واعية،فتستمر دورة الحياة في كل جيل،ويكون ذلك الجيل هو المسؤول عن مستقبل التجربة الإنسانية في نجاحها وفشلها إلى أن يرث الله تعالى الأرض وما عليها.

هذا وسوف يكون حديثنا حول فقه الأسرة،وهو أحد المباحث الفقهية المهمة جداً،لأنها تـتضمن الحديث حول نقطة حيوية من حياة الإنسان،وهي من المسائل التي تقع في حياة الإنسان اليومية،ويكثر التساؤل عنها.

ويـبدأ الحديث عن فقه الأسرة وأحكامها بالزواج،وما يلحقه من حقوق وواجبات وما يعرض عليه من مشاكل قد تؤدي إلى الطلاق،وينتهي الحديث عنه بأحكام الميراث.

ثم إننا سوف نقتصر في هذه الجلسات إن شاء الله على خصوص القسم الأول من هذه البحوث،وهو خصوص المسائل المرتبطة بتكوين الأسرة.

ولنمهد للحديث عن فقه الأسرة،ببيان علاقة الرجل بالمرأة في إطارها العام،ثم نبين أحكام الزواج بعد ذلك.

تمهيد:

من المعلوم أن طبيعة الغريزة الجنسية الموجودة عند كل من الرجل والمرأة قاضية بأن يميل كل منهما للآخر ميلاً طبيعياً ويرغب فيه ليقضي وطره منه،كما أن هذه الغريزة قد تلح على الإنسان فيميل إلى مماثله ميلاً شاذاً.

ولقد قبل الإسلام هذه الغريزية وأعترف بها وسمح بإشباعها،لكنه حصر إشباعها بالمختلفين في الجنس،ومنع قيام علاقة جنسية بين المتماثلين،أي بين رجلين أو بين امرأتين،ووضع عليها عقوبة مؤلمة أو قاتلة،ثم حصر العلاقة بين الرجل والمرأة بالزواج،مع غض النظر عن ملك اليمين.

وقد تعرض في تشريعه وتقنينه الحكيم إلى طبيعية العلاقة التي تكون بين الرجل والمرأة قبل تحقق الزواج بينهما،فأشار إلى ما يجوز وما يحرم،كما أشِار إلى طبيعة علاقة كل فرد بمماثله.

وعلى هذا فعندنا ثلاث صور:

1-علاقة الرجل بالرجل.

2-علاقة المرأة بالمرأة.

3-علاقة الرجل بالمرأة.

علاقة الرجل بالرجل:
ونقتصر فيه على خصوص ما يحرم على الرجل من الرجل، ومنه يعرف ما يحل لهما من العلاقة:
1-يحرم اللواط على الرجل، ويتحقق بدخول العضو أو شيء منه في دبر ذكر آخر، سواء كان الملوط به بالغاً أو غير بالغ، راضياً بذلك أو مكرهاً عليه، حياً أو ميتاً، عاقلاً أو مجنوناً، محصناً أو غير محصن، وسواءً كانا مسلمين أو كان أحدهما مسلماً والآخر كافراً.
هذا ومتى حصلت هذه العملية، أقيم الحدّ وهو القتل على الفاعل والمفعول به متى توفرت الشروط المعتبرة فيه.
2-يحرم التفخيذ، ويراد به استمتاع الرجل بمثله بإدخال عضوه بين فخذيه من دون إيلاج، سواء مع القذف أو بدونه، وهو ليس لواطاً لكنه محرم.
وعلى الفاعل والمفعول به الحدُّ مئة جلدة، مسلمين كانا أم مختلفين، ومحصنين كانا أم غير محصنين.
كما لا فرق في المفخذ معه بين البالغ وغير البالغ، والعاقل والمجنون، والحي والميت.
3-يحرم على الرجل أن ينام مع رجل آخر تحت لحاف واحد بدون حاجز بينهما إذا كانا عاريـين بدون ضرورة موجبة لذلك، سواء مع التلذذ أم بدونه، وعليهما التعزير بما قد يصل مقداره إلى تسع وتسعين جلدة.
4-يحرم على الرجل من الرجل أن ينظر أو يمس مع التلذذ والشهوة بكل عضو منه كل عضو من الرجل الآخر، كمثل التقبيل واللمس والنظر ونحوها، سواء كان العضو عورة أم غيرها، وعلى من قبَّل غير البالغ بشهوة مئة سوط إن كان الفاعل في حالة الإحرام للحج أو العمرة، وإن لم يكن محرماً يكون مقدار التعزير بيد الحاكم، فيعزره بما يراه مناسباً.
أما لمس العورة من غير تلذذ ومن وراء الثياب، فقد ذكر بعض علمائنا جوازه، والبعض الآخر يحتاط وجوباً بتركه.

علاقة المرأة بالمرأة:

وسنقتصر للتعرض لما يحرم على المرأة تجاه المرأة الأخرى ومنه يعرف ما يحل لهما من العلاقة:

1-يحرم على المرأة أن تقوم بعملية السحاق مع المرأة الأخرى،ونعني بالسحاق:دلك المرأة عضوها بعضو امرأة أخرى،سواء كانت المرأة التي تساحق معها بالغة أم لم تكن بالغة،وسواء كانت عاقلة أم كانت مجنونة،وسواء كانت المرأتان المتساحقتان مسلمتين،أم كانتا مختلفتين،وسواء كانتا متزوجتين أم كانتا غير متزوجتين.

ومتى حصلت المساحقة بين المرأتين،استحقتا عقاب السحاق،بناءاً على الحالة التي تكونان عليها،كما هو مفصل في كتاب الحدود،فتستحقان في مورد الجلد،وقد تستحقان القتل.

2-يحرم على المرأة أن تنام مع امرأة أخرى تحت لحاف واحد إذا كانتا عاريتين،ولم يكن بينهما حاجز،فإذا فعلتا ذلك استحقتا التعزير،فيضربان بما قد يصل إلى تسعة وتسعين جلدة،ولا يفرق في استحقاقهما للتعزير بين كونهما قد نامتا مع بعضهما البعض بقصد التلذذ،أو بدونه،ومع نظر كل منهما لجسد الأخرى،أو بدون النظر.

3-يحرم على المرأة أن تنظر أو تمس بكل عضو منها كل عضو من المرأة الأخرى إذا كان مع التلذذ والشهوة،وذلك بمثل التقبيل واللمس والنظر،سواء كان العضو عورة أم غير عورة.

أما لو كان بدون تلذذ وشهوة فلا يحرم شيء من ذلك،نعم بالنسبة إلى العورة الخاصة فإنه يحرم لمسها بتلذذ أو بدونه ولو كان ذلك من وراء الثياب.

عورة المرأة:

وقد أشرنا إلى أنه يحرم عليه مس العورة مطلقاً بمعنى أنه حتى لو لم تكن هناك شهوة أو تلذذ،وكان المس من وراء الثياب فإنه يحرم ذلك،لكن ما هي العورة التي يحرم مسها؟…

هناك فردان لعورة المرأة:

الفرد الأول:عورة المرأة مع المحارم،ومع المماثلين لها من النساء،ويمكن أن نعبر عنها بالعورة الخاصة.

ونعني بالعورة الخاصة خصوص الفرج وحلقة الدبر،وهي التي يجب سترها ولا يجوز النظر إليها من كل ناظر من الذكور سواء المحارم أم الأجانب،وكذا لا يجوز النظر إليها من قبل النساء المماثلات للمرأة في الجنس.

أما بقية أعضاء الجسد فيجوز للمرأة أن تنظر إليها،فلا مانع من نظرها إلى بقية أعضاء جسد المرأة غير ما ذكرنا،دون تلذذ وشهوة وريـبة.

وهذا المقدار من العورة يحرم النظر إليه على الجميع،وهو المعني بكلامنا قبل قليل.

الفرد الثاني:عورة المرأة مع الرجل الأجنبي،وهي عبارة عن العورة العامة،وهذه سيأتي منا التعرض لها إن شاء الله في الصورة التالية.