القمار

لا تعليق
الزاوية الفقهية - أبواب متفرقة
447
0

كان حديثنا فيما تقدم حول الأعمال،ما يحل منها وما يحرم،وقد تعرضنا إلى مسألة الغناء وتوابعها،ويقع حديثنا الآن حول مجموعة من الأمور،سوف نشير لها تباعاً.

القمار:
لا إشكال عندنا من الناحية الشرعية،في أن يمارس الإنسان بعض الأعمال الترفيهية التي يـبتغي منها الترويح عن نفسه،وإزاحة تعب الحياة عنها،شرط أن لا يكون في تلك الأعمال قمار.
س:ما هو القمار؟…
ج:القمار عبارة عن اللعب مع المراهنة،فلا يعتبر في تحققه أن يكون بآلة معينة معدة له،بل مجرد وجود رهان بين فردين أو أكثر،يحقق معنى القمار.
نعم قد يطلق عند العرف على اللعب بالآلات القمارية،حتى لو لم يكن فيه رهن.
س:ما هو حكم القمار؟…
ج:يحرم اللعب بالقمار،والمال الذي يحصل عليه المقامر لا يدخل في ملكيته بل يـبقى على ملكية الشخص المأخوذ منه.
س:هل يحرم اللعب بالقمار في حالة وجود الرهان فقط؟…
ج:هناك صور تذكر عادة في الحديث عن حرمة القمار،ومن خلال ذكرها يعرف ما هو المحرم منها من غير المحرم:
الأولى:اللعب بأدوات القمار مع الاشتراط،وذلك بأن يشترطا أن يدفع الخاسر منهما لو كانا أثنين إلى الفائز مالاً أو جنساً معيناً.
ولا ريب في حرمة هذه الصورة،بل هي أجلى وأوضح الصور بالنسبة للقمار الذي ورد النهي عنه.
الثانية:اللعب بأدوات القمار بغير اشتراط،فهو لعب بآلات القمار المخصوصة والمعدودة لذلك،لكن بدون شرط،وبدون ربح وخسارة،بل لمجرد التسلية والأنس وتقضية الوقت.
وقد وقع الخلاف بين علمائنا في هذه الصورة،حيث حكم قسم منهم بحرمة اللعب بأدوات القمار التي أعدت لذلك مطلقاً،كما في الصورة الأولى،بينما فصل آخرون فقالوا بحرمة اللعب بخصوص الشطرنج والنرد،وأما بقية الأمور الأخرى فإن حرمة اللعب بها مبنية على الاحتياط الو جوبي.
الثالثة:اللعب بغير أدوات القمار مع الاشتراط والرهن،فليس اللعب بالأدوات المصنوعة للقمار،بل هو لعب بغيرها كاللعب بالبيض والجوز،والمصارعة وكرة القدم وما شابه،لكن مع الاشتراط والرهن.
وهذه الصورة حكمها هو حكم الصورة الأولى من جهة الحرمة،ولذا يحرم اللعب بهذه الكيفية أيضاً.
نعم يستـثنى هنا سباق الخيول والرماية،فلا إشكال في الاشتراط فيهما،ويجوز أخذ المال بواسطته،ويدخل في ملك آخذه.
س:هل يجوز اللعب بغير آلات القمار،مع عدم الاشتراط؟…
ج:لا إشكال عندنا في جواز اللعب بغير آلات القمار،مع عدم وجود الاشتراط،لأن هذا المورد خارج عن دائرة القمار.
س:هل يجوز اللعب بالآلات التي صممت لأجل القمار،لكن من غير رهن واشتراط؟…
ج:ذكرنا حكم هذه المسألة في الصورة الثانية التي ذكرناها لصور القمار،وقلنا هناك أنه لا يجوز اللعب بها.
س:ما هو المعيار في معرفة أن هذا الشيء صنع للمقامرة من عدمها،خصوصاً وأنه كثيراً ما يقع الاختلاف بين المكلفين في شيء أنه صنع للقمار أو لا؟…
ج:لابد في تشخيص أن هذا الشيء قد صنع للمقامرة من عدمها،بالرجوع إلى أهل الخبرة،فإنهم أهل معرفة في ذلك ليشخص حقيقة الأمر،وهنا ينبغي الالتفات إلى أن كون شيء مما يلعب به بالقمار،لا يعني أنه صنع من أجل القمار،فربما لم يكن مصنوعاً لذلك،لكنه استخدم في ذلك كالآلات الغير معدة للقمار لكنها مما يلعب به في القمار.
س:ربما لا نـتمكن من الوصول لمعرفة رأي أهل الخبرة في تشخيص أن هذه الآلة مما أعد وصنع للقمار،ليحرم اللعب بها،أو أنها مما أعد لغير ذلك فما هو الحكم حينئذٍ؟…
ج:في مثل هذه الحالة،يكفي أن تكون هذه الآلة ليست أداة لعب بالقمار ولو في بلد من البلدان،فمتى تحقق ذلك جاز اللعب بها.
س:قد يحصل في بعض الأحيان وجود شك عند المكلف في بعض الآلات أنها مما أعد للقمار،فيحرم اللعب به،أو أنها غير معدودة لذلك فيجوز اللعب به فما هو الحكم؟…
ج:إذا كان هناك شك للمكلف في آلة وأنها مصنوعة للقمار أو لا ،فيجوز له اللعب بها حتى يثبت أنها مما أعد للقمار.
س:إذا كان الشيء مما صنع وأعد للقمار،لكنه تغير مع الأيام فصار من الآلات التي لا يلعب بها بالقمار،فما هو حكم اللعب بها؟…
ج:المدار عندنا في الحرمة،أحد عنوانين:
1-أن تكون هذه الآلة من آلات القمار،فيحرم اللعب بها حتى لو كان من غير رهن.
2-أن يكون هناك رهن،فيحرم اللعب بها حتى لو لم تكن من آلات القمار.
وعلى هذا إذا تغير العنوان بأن تحولت الآلة عن كونها آلة قمار وانسلخ العنوان السابق عنها ولم يتم اللعب بها مع الرهن فلا إشكال في جواز اللعب بها حينئذٍ.
س:وقع الكلام عند كثير من المكلفين حول مجموعة من أدوات القمار على أنها قد تغير عنوانها عن كونها آلة من الآت القمار،وتحولت إلى كونها آلة رياضية أو آلة فكرية،أو آلة للتسلية،كالشطرنج مثلاً والورقة والدومنة،فهل يجوز اللعب بها؟…
ج:وقع الخلاف بين علمائنا في هذه المسألة،حيث ذهب بعضهم إلى أنه متى تحقق التغير في العنوان،بحيث انـتفى عن هذه اللعبة أنها آلة قمار جاز اللعب بها،بينما ذهب آخرون إلى القول بعدم الجواز حتى مع التغير.
س:هناك بعض الألعاب التي وقع الخلاف فيها من جهة جواز اللعب بها وعدمه،مثل الكيرم،والأونو،فما هو حكم اللعب بها؟…
ج:لابد هنا من التفريق بين حالتين:
الأولى:أن تكون هذه الآلات لا تعد من آلات القمار عرفاً،فعندها لا إشكال في جواز اللعب بها كما سبق وذكرنا.
الثانية:أن تكون هذه الآلات مما أعد للقمار،لكنه سيلعب بها بقصد التسلية،فهنا وقع الخلاف بين علمائنا في حرمة اللعب بها،إذ أنهم جميعاً يتفقون على حرمة اللعب بها،لكنهم يختلفون في الفتوى والاحتياط،فبعضهم يفتي بحرمة اللعب بها،بينما يحتاط آخرون.
نعم لو قيل بأنها كانت تعد سابقاً من آلات القمار،لكنها تغيرت وصارت الآن ليست آلة قمارية،فعندها أيضاً يخـتلف الحكم،فبعض العلماء يقول بجواز اللعب بها،بينما يفتي آخرون بعدم الجواز.
س:يوجد على جهاز الكمبيوتر لعبة الشطرنج،فهل يجوز اللعب بها؟…
ج:إذا صدق عرفاً أنها آلة قمارية معدودة للعب بها بالقمار فلا يجوز اللعب بها.
س:توجد بعض الألعاب الحديثة المعروفة اليوم مثل الأتاري وغيرها،مما يتعارف اللعب بها،وهي تتضمن عدة ألعاب تشتمل على الفوز والخسارة،فما حكم اللعب بها؟…
ج:إذا كانت هذه الآلات من أدوات القمار فلا يجوز اللعب بها على البيان الذي سبق وقدمناه،لكن إذا لم تكن كذلك فيجوز اللعب بها،ويكفي لتحصيل أنها ليست من أدوات القمار أن لا يلعب بها القمار عرفاً في بلد ما.
س:لو اختلف بلدان في لعبة واحدة،بحيث عدت في أحدهما أنها من آلات القمار،بينما عدت في البلد الثاني أنها ليست من آلاته،فهل يجوز اللعب بها؟…
ج:في مثل هذه الحالة،لابد من مراعاة العرف في كلا البلدين،بمعنى أنه إذا كانت معدودة من آلات القمار في أحدهما كفى ذلك للحكم بحرمة اللعب بها،خصوصاً إذا كانت معدودة في البلد الآخر من آلات القمار سابقاً.
س:قد يحصل أحياناً أن يحضر شخص إلى مجلس يلعب فيه بأدوات القمار لكن بعنوان التسلية،فما هو حكم الحضور في هذا المجلس،وما هو حكم البقاء فيه؟…
ج:لا يجوز الحضور في مثل هذه المجالس،ويحرم الجلوس فيها،بل يجب الخروج منها من باب النهي عن المنكر.

نصيحة:
رغم جواز اللعب بأدوات التسلية وما شابه ذلك،إلا أننا نصح أبنائنا المؤمنين بترك الاستغراق في مثل هذه الأمور،خصوصاً إذا وصل الاستغراق فيها إلى الحد الذي يترتب عليه ترك الواجب،بل ينبغي تجنب ما دون ذلك فيما إذا أدى الاستغراق فيها إلى إرباك العلاقات الأسرية والاجتماعية والانصراف عن الأمور الفضلى،وفقنا الله وإياهم لما فيه خير الدنيا والآخرة.

اليانصيب:
وهو عملية يتوخى من ورائها جمع المال أو تفريقه لغرض ما عن طريق بيع أو توزيع أوراق تحمل بعضها جائزة معينة،من خلال عملية سحب تجرى بين المشتركين.
وقد يحصل المشترك على جائزة معينة بطريقة خاصة تعين بمواضعة أو عرف خاص.

أقسام اليانصيب:
ينقسم اليانصيب إلى قسمين:
1-اليانصيب غير المعوض:
وهو الذي تجعل فيه الجوائز للمشتركين،من دون أن يأخذ منهم مقابل الاشتراك في عملية السحب.
وهذا يجري عادة في المناسبات والاحتفالات بمواليد أهل البيت،أو أعياد الميلاد،وما شابه ذلك.

2-اليانصيب المعوض:
وهو الشائع في هذه العصور،وتصويره أنه تصنع مجموعة من البطاقات تحمل أرقاماً معينة،بحيث تحمل كل بطاقة رقماً خاصاً،وتعرض بعد ذلك في الأسواق مثلاً ليقوم الناس بشرائها،بعد أن توضع جوائز خاصة لمن يخرج السحب الأول والثاني والثالث وهكذا على رقمه.

حكم اليانصيب:
هناك صور لليانصيب،بعضها غير صحيح،وبعضها صحيح،فلنشر لتلك الصور:
الأولى:أن يكون الغاية من دفع المبلغ،التبرع به إلى أحد الأعمال الخيرية،كالمشاركة في جمعية خيرية،أو كفالة يتيم،أو بناء مدرسة،أو ما شابه،فليس قصده هنا الحصول على الربح والخسارة والجائزة.
وهذه الصورة سائغة لا إشكال فيها،وإذا أصابت القرعة اسمه،فلا مانع من أخذ المال بإذن من الحاكم الشرعي أو وكيله،ثم يسوغ له أن يتصرف فيه.
ثم إن قيد المراجعة للحاكم الشرعي أو وكيله،يخـتص بما إذا كانت الشركة المقدمة للجائزة حكومية،بناءاً على رأي بعض العلماء من عدم ملكية الدولة،أما لو قلنا بملكيتها كما هو رأي بعض آخر من علمائنا،فلا حاجة للمراجعة للحاكم الشرعي.
ثم إنه لو كانت الشركة المقدمة للجائزة أهلية،فيجوز أخذ الجائزة على جميع الآراء دون الحاجة لمراجعة الحاكم الشرعي أو وكيله.
الثانية:أن يكون دفع المال بعنوان إقراض الشركة،بحيث تضمن الشركة للدافع لها عوضه،ويكون له أخذه بعد ستة أشهر مثلاً،لكن هذا القرض من الشخص للشركة مشروط بأخذ بطاقة اليانصيب على أن تدفع الشركة له جائزة إذا أصابته القرعة،وخرجت على اسمه.
وهذه المعاملة محرمة،لا يجوز الدخول فيها،لأنها من القرض الربوي الذي يجر نفعاً.
الثالثة:أن يكون دفع المكلف المال مقابل البطاقة،وهدفه من الشراء هو الحصول على الجائزة بعد أن تصيب القرعة اسمه.
وهذه المعاملة محرمة وباطلة أيضاً،فلو اشترك المكلف وخرجت القرعة على اسمه وحصل على الجائزة فإنه لا يملكها.
فإذا كانت الشركة المقدمة للجائزة حكومية كانت الجائزة مجهولة المالك،بناء على عدم ملكية الدولة،ولذا يحتاج المكلف إلى التصرف فيها إلى مراجعة الحاكم الشرعي أو وكيله.
أما لو كانت الشركة المقدمة للجائزة أهلية فإنها تبقى على ملكية أصحابها،نعم لو أحرز رضا أصحابها بالتصرف فيها كان التصرف فيها جائزاً.
الرابعة:أن ترجع العملية إلى تمليك المال المدفوع إلى جهة خاصة أو جهة عامة-مجاناً أو عوضاً عن ورقة اليانصيب-بشرط أن تقوم تلك الجهة بالإقراع بين المشتركين وتمليك الجائزة للفائز،بحيث يتعين المال بتمامه لتلك الجهة بمجرد دفعه،ويكون الإقراع شرطاً زائداً على التمليك يلزم الوفاء به ولا يوجب تخلفه إلا الخيار.
وهذه الصورة لا إشكال فيها،نعم يأتي الكلام السابق بيانه في المال المأخوذ منها على التفصيل الذي سبق وذكرناه بين الشركة الحكومية أو المشتركة والأهلية وبين ملكية الدولة وعدمها.
الخامسة:أن ترجع عملية اليانصيب إلى تمليك المال للجهة الخاصة أو العامة-مجاناً أو عوضاً عن الورقة-من دون شرط للإقراع ولا للجائزة،ويكون الإقراع والجائزة إحسناً ابتدائياً من الجهة القائمة به للتشجيع على البذل المذكور من دون أن تكون ملزمة به بعقد أو شرط لازمين،سواء سبق منها الوعد بهما قبل البذل أم لم يسبق.
وهذه الصورة أيضاً لا إشكال حسب الظاهر في جوازها كالصورة السابقة.
س:يحصل أحياناً أن تقدم المحلات التجارية،بطاقات يسحب عليها لاختيار الفائز،ويحق لكل من اشترى بمبلغ معين أن يشترك فيها،فما حكم الاشتراك في هذه المسابقات؟…
ج:لا إشكال في جواز الدخول في هذه المسابقات،وذلك لأن المحلات التجارية تقدمها بعنوان الهدية للمشترين.
بل حتى لو قدمتها المحلات التجارية بشرط الشراء منها،فلا إشكال في المشاركة فيها،ذلك أن المبلغ المدفوع لم يكن قبال الاشتراك فيها،كما أن المشتري لم يكن قصده الحصول على الجائزة.

المسابقات الرياضية:
س:هل يجوز الاشتراك في المسابقات الرياضية،مع دفع مبلغ من المال كرسم دخول ،أو ما شابه؟…
ج:لا إشكال في المشاركة في البطولة الرياضية،لعدم صدق عنوان القمار عليها،أما لو صدق عليها ذلك العنوان،فإنه يحرم حينئذٍ.
س:هل يجوز دفع الأموال مقابل الدخول لمشاهدة الألعاب الرياضية؟…
ج:لا إشكال في دفع المبالغ مقابل الدخول ومشاهدة هذه المباريات أو غيرها من الألعاب الرياضية.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة