28 مارس,2024

مانعية النجاسة في الصلاة

اطبع المقالة اطبع المقالة

من الشروط المعتبرة في صحة الصلاة واجبة كانت أم مستحبة، طهارة بدن المصلي ولباسه، فلو كان بدنه أو ما يكون تابعاً له، من شعر أو ظفر نجساً، كان ذلك مانعاً من صحة صلاته. وكذا لو كان لباسه الذي يصلي فيه نجساً، أوجب ذلك بطلان صلاته.

ولا يفرق في الحكم ببطلان صلاة المكلف نتيجة وجود نجاسة في لباسه بين كون ذلك اللباس المتنجس ساتراً للعورة، كالملابس الداخلية، وبين كونه ليس ساتراً لها، بل كان لباساً إضافياً كالثوب الذي يلبسه المصلي فوق ملابسه. نعم يستثنى من الحكم المذكور ما إذا كان اللباس مما لا تتم الصلاة فيه منفرداً كالجوارب مثلاً، فإن نجاستها لا تمنع من صحة الصلاة وإن صلى المكلف فيها.

ويشترك الطواف سواء كان واجباً أم كان مستحباً مع الصلاة في الحكم المذكور، فكما أن نجاسة البدن أو اللباس تعدّ مانعة من صحتها، فإن نجاسة أحدهما، أو كليهما يعدّ مانعاً من صحته أيضاً.

ثم إنه يمكن تقسيم المكلف تجاه الشرط المذكور، أعني الطهارة، والحكم بصحة العمل وفساده إلى حالات ثلاث، لأنه لا يخلو إما أن يكون عالماً بالنجاسة، أو يكون جاهلاً بها، أو يكون شاكاً في وجودها، أو نجاستها.

تقسيم المكلف بلحاظ النجاسة:

أما الحالة الأولى، وهي ما إذا كان المكلف عالماً بشرطية الطهارة في الصلاة، وأن وجود النجاسة يوجب بطلانها. وفي هذه الحالة يحكم ببطلان صلاته على الأحوط لزوماً. وإنما يحكم ببطلانها في هذه الحالة إذا توفر في المصلي شرطان:

الأول: أن يكون عالماً بالحكم، ونقصد بكونه عالماً بالحكم، أن يكون محيطاً بأنه يشترط في صحة الصلاة أن يكون بدن المصلي ولباسه طاهرين، وأن وجود النجاسة في أحدهما أو كليهما، يوجب بطلانها.

الثاني: أن يكون عالماً بالموضوع، ومعنى كونه عالماً بالموضوع أن يكون عارفاً بأن الشيء الذي قد أصاب بدنه، أو لباسه أنه نجس، مثل كونه دماً، أو خمراً.

وعلى هذا، فلو صلى المكلف وكان في بدنه أو ثوبه نجاسة، وهو يعلم بشرطية الطهارة في الصلاة، كما يعلم بأن الذي أصاب بدنه، أو ثوبه دم، أو بول، حكم ببطلان صلاته على الأحوط لزوماً كما هو رأي السيد السيستاني، وبقية الأعلام يفتون بالبطلان.

الجهل بشرطية الطهارة في الصلاة:

وأما الحالة الثانية، وهي ما إذا كان المكلف جاهلاً بشرطية الطهارة في الصلاة، أو كان عالماً بذلك، لكنه يجهل وجود النجاسة على بدنه، أو على لباسه، أو يجهل كونها نجسة، فهنا حالتان، بضمهما إلى قسمي الجاهل، يكون الموجود عندنا صور أربع:

الأولى: أن يكون المكلف جاهلاً قاصراً، بحيث يكون معذوراً في جهله، وقد كان جهله باشتراط صحة الصلاة بطهارة البدن، وطهارة اللباس، وأن وجود النجاسة في أحدهما، أو كليهما يوجب بطلانها، وفي هذه الصورة يحكم بصحة صلاته.

الثانية: أن يكون المكلف جاهلاً قاصراً، بالنسبة إلى النجاسة الموجودة على بدنه أو لباسه، فهو لا يعلم بأنها دم، أو بول، أو خمر، لأنه قد اعتمد على ثقة، فأخبره بأن الذي وقع عليه مثلاً ليس دماً، بل هو لون أحمر، أو أن الذي أصابه ليس خمراً، بل هو عصير، والحكم في هذه الصورة، هو نفس الحكم في الصورة السابقة، فيحكم بالصحة.

الثالثة: أن يكون المكلف جاهلاً مقصراً، فلا يكون معذوراً، وجهله التقصيري بالنسبة إلى الحكم، فإنه لا يعلم بأن الطهارة في البدن واللباس شرط، كما أنه لا يعلم بأن النجاسة تستدعي البطلان، وفي هذه الصورة يحكم ببطلان صلاته على الأحوط لزوماً.

الرابعة: أن يكون المكلف جاهلاً جهلاً تقصيرياً بالموضوع، فإنه يجهل أن الذي وقع عليه أنه بول، أو خمر، فهنا أيضاً يحكم ببطلان صلاته على الأحوط لزوماً.

الشك في وجود النجاسة:

وأما الحالة الثالثة، وهي ما إذا كان المكلف شاكاً في وجود النجاسة على بدنه، أو على لباسه قبل الدخول في الصلاة، كما لو شك في وجود دم على بدنه، أو شك في إصابة لباسه بالبول مثلاً.

ومن الواضح جداً أن المكلف في هذه الحالة يعلم بحكم النجاسة وبموضوعها، أعني أنه يعلم بأنه يشترط في صحة الصلاة طهارة البدن، واللباس، وأن وجود النجاسة يعتبر موجباً للحكم ببطلانها، كما يعلم بالأعيان النجسة. نعم شكه إنما هو في وجود العين النجسة، أو تنجسيها، وليس شكاً في حكم وجود النجاسة، فهنا صورتان:

الأولى: أن يقوم بالفحص عن تلك النجاسة بالنظر في بدنه، أو ثيابه بحثاً عن وجودها، ولو بسؤال الثقة المعتمد عما أصاب بدنه، أو أصاب ثوبه، لكنه لم يصل إلى أن الذي أصابه نجس، وصلى ثم حصل له العلم بعد الفراغ من الصلاة، بأن الذي أصابه نجاسة، فإنه يحكم بصحة صلاته، ولا يجب عليه إعادتها في الوقت، ولا القضاء خارج الوقت.

الثانية: أن يقدم على الصلاة من دون الفحص عما وقع على بدنه أو على لباسه، واستخبار أنه نجس أم لا، وتبين له بعد الفراغ من الصلاة، أن الذي أصابه نجس، حكم ببطلان صلاته على الأحوط لزوماً، فيلزمه إعادتها لو كان الوقت باقياً، وقضائها إن كان الوقت قد انتهى. نعم يختار الإمام الخوئي(ره)، والشيخ الوحيد، والسيدان الحكيم والخامنئي(دام ظلهم) صحة صلاته مطلقاً في صورة الشك سواء قام بالفحص، أم لم يقم به.

الجهل بالنجاسة:

ولا يذهب عليك أن ما قدمنا ذكره من أحكام كانت تتعلق بما إذا كان المكلف عالماً بوجود النجاسة، وعالماً بحكمها، أو كان عالماً بوجودها لكنه كان جاهلاً بنجاستها، وبالجملة هو يعلم بوجود النجاسة، لا أنه يجهل وجودها.

أما لو لم يكن عالماً بوجود النجاسة على بدنه، أو على لباسه أصلاً، فلم يكن مطلعاً على وجود دم على بدنه، أو على لباسه، وصلى ولم يعلم بذلك إلا بعد الفراغ من الصلاة، فإنه يحكم بصحة صلاته، ولا تجب عليه إعادتها، سواء التفت إلى ذلك وكان وقت الصلاة باقياً، أم كان التفاته إلى وجود النجاسة بعد انتهاء وقت الصلاة.