29 مارس,2024

المهدي المنتظر ومنطق العقل والعلم

اطبع المقالة اطبع المقالة

مدخل:

ذكرنا في الحلقة السابقة ما يدل على تحقق ولادة المولى(أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)وبملاحظة ذلك لا يـبقى مجال للتشكيك في ذلك.

لكن قضية التشكيك في موضوع الإمام الحجة(عج)لا تقف عند الحد الذي ذكرناه في ما تقدم،بل تـتعدى إلى عرض أمور أخرى.

إذ يوجد من ينكر هذا الأمر أيضاً،لكن بدوافع أخرى،غير مسألة الولادة،فينطلق من دوافع أخرى.

وهذه الدوافع وإن كانت بعيدة عن المنهج الإسلامي القويم القائم على العقل والمنطق،والفطرة والإستناد إلى الغيب،إلا أنه ينبغي لنا ملاحظتها،حذراً من تشويشها على أذهان بعض المؤمنين.

الإيمان بالغيب:

يعتبر الإيمان بالغيب جزءاً من عقيدة المسلم،إذ تكررت الدعوة إلى ذلك في القرآن والسنة المباركة،قال تعالى:- (ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب)[1].

وقد تضمنت السنة مئات الروايات المؤكدة على الإيمان بالغيب والتصديق بما يخبر به الأنبياء والرسل،ولهذا لا تصح عقيدة الإنسان المسلم بإنكاره،سواء تعقله وأدرك أسراره وتفصيلاته أم لم يستطع إلى ذلك سبيلاً،كما في الإيمان بالملائكة وبعذاب القبر،وسؤال الملكين في القبر،وغير ذلك من المغيـبات التي ذكرها القرآن الكريم،أو أخبر عنها النبي الأكرم محمد(ص)،ونقلها إلينا الثقات العدول.

هذا ومن جملة القضايا الغيـبية،بل أهمها قضية الإمام المهدي(عج)الذي سيظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.

هذا وقد وجد بعض المثيرين للشبه،حول قضية الإمام الحجة المنتظر(عج)بعدما ضعفوا عن مواجهة الأدلة النقلية المتظافرة المثبتة لشخص الإمام الحجة،بشخصه الشريف،وأنه ابن الإمام العسكري(ع)فأثاروا بعض الشبه في المقام،وأهم تلك الشبهة مسألة صغر سن المولى،وطول عمره،والفائدة من الغيـبة بالنسبة له،ومسألة استفادة الأمة المسلمة من امام غائب.

هذا وسنحاول أن نجيب على هذه الأمور بمقدار ما يؤدي الغرض إن شاء الله ويزيل الشبهة ويدحضها.

صغر سن الإمام:

قد يطرح تساؤل في البين مفاده:كيف يكون الإمام إماماً،وهو في سن الخامسة من عمره؟…

ويجاب عن هذا السؤال:إن من الأمور المسلمة أن الإمام العسكري(ع)لم يعقب إلا الإمام الحجة ابن الحسن العسكري،ومقتضى أن الإمام من ولده(ع)يستلزم أن يكون الإمام هو الإمام الحجة.

أما كيف يتصور كونه إماماً وهو في هذا السن الصغير،فنقول:

إن هذا يشير إلى ظاهرة الإمامة المبكرة،وهي ظاهرة ليست بالجديدة في تاريخ الأمة الإسلامية،حيث سبقه إليها عدد من آبائه الطاهرين،فالإمام الجواد(ع)تولى الإمامة وهو في الثامنة من عمره،وتولى الإمام الهادي(ع)الإمامة وهو في التاسعة من عمره،وكان الإمام العسكري إماماً للأمة وهو في الثانية والعشرين من عمره،نعم الملاحظ أن الإمامة المبكرة بلغت ذروتها في الإمام المهدي،والإمام الجواد.

ثم إن تسمية لإمامة المبكرة بالظاهرة لكونها بالنسبة إلى عدد من آباء الإمام المهدي(ع)تشكل مدلولاً حسياً عملياً عاشه المسلمون،ووعوه في تجربتهم مع الإمام بشكل وآخر،ولا يمكن أن يطالب بإثبات ظاهرة من الظواهر هي أوضح وأقوى من تجربة أمة،وتوضيح ذلك ضمن النقاط التالية:

الأولى:ليست إمامة أهل البيت(ع)من الأمور التي تنـتقل بالواراثة من الأب إلى الأبن،كما في مراكز السلطان والنفوذ،بحيث يدعمها النظام الحاكم،وإنما هي تكتسب ولاء قواعدها الشعبية الواسعة عن طريق التغلغل الروحي والإقناع الفكري لتلك القواعد بجدارة هذه الإمامة لزعامة الإسلام وقيادته على أسس فكرية وروحية.

الثانية:لقد بنيت القواعد الشعبية منذ صدر الإسلام،وازدهرت واتسعت على عهد الإمامين الصادقين(ع)وأصبحت المدرسة التي رعاها هذان الإمامان،في داخل هذه القواعد تشكل تياراً فكرياً واسعاً في العالم الإسلامي يضم مئات من الفقهاء والمتكلمين والمفسرين والعلماء في مختلف ضروب المعرفة الإسلامية.

الثالثة:لقد كان لهذه المدرسة وما تمثله من قواعد شعبية في المجتمع الإسلامي شروط شديدة تؤمن بها وتـتقيد بموجبها في تعيـين الإمام والتعرف على كفاءته للإمامة،وذلك لإيمانها أن الإمام لا يكون إماماً إلا إذا كان معصوماً وكان أعلم علماء عصره.

الرابعة:لقد كانت هذه المدرسة وقواعدها الشعبية تقدم التضحيات في سبيل الصمود على عقيدتها في الإمامة،وقد كانت السلطة الحاكمة وباستمرار تقريـباً تقوم بحملات تصفية وتعذيب للقواعد الشعبية،ذلك لأنها كانت تنظر إلى أنها تشكل خطاً عدائياً لها،ولو من الناحية الفكرية على الأقل.

وما نود الوصول إليه هنا هو أن الإعتقاد بإمامة أهل البيت(ع)كان يكلفهم غالياً،ولم يكن من الإغراءات التي يرغبها المعتقد بذلك إلا ما يحس به،أو يفترضه من التقرب إلى الله تعالى والزلفى عنده.

الخامسة:إن الأئمة الذين دانت هذه القواعد الشعبية لهم بالإمامة،لم يكونوا معزولين عنها،ولا قابعين في بروج عاجية عالية شأن السلاطين الحاكمة مع شعوبهم،فلم يكونوا محتجبين عنهم إلا بمقدار ما يحجبهم السلطان بسجن أو نفي،أو ما تقتضيه الضرورة.

السادسة:إن السلطة المعاصرة للأئمة(ع)كانت تنظر إليهم وإلى زعامتهم الروحية بوصفها مصدر خطر كبير على كيانها ومقدراتها،فكانت تبذل كل جهودها في سبيل تفتيت هذه الزعامة،وتحملت في سبيل الوصول إلى هذه الغاية الكثير من السلبيات،وظهرت بمظاهر القسوة والطغيان.

وقد كانت حملات المطاردة والإعتقال للأئمة وأتباعهم مستمرة،بالرغم مما كان يخلفه ذلك من اشمئزاز في نفوس المسلمين،وخصوصاً الموالين لأهل البيت(ع).

هذا وبضم هذه النقاط الست مع بعضها نخرج بالنـتيجة التالية:

إن ظاهرة الإمامة المبكرة كانت ظاهرة واقعية ولم تكن وهماً من الأوهام،لأن الإمام الذي يبرز على المسرح وهو صغير فيعلن عن نفسه إماماً روحياً وفكرياً للمسلمين،ويدين له بالولاء والإمامة كل ذلك التيار الواسع لابد أن يكون في أعلى الدرجات والمراتب من العلم والمعرفة وسعة الأفق والتمكن من الفقه والتفسير والعقائد،لأنه لو لم يكن كذلك لما أمكن أن تقتنع قواعده الشعبية بإمامته،لما عرفت من أن الإمام كان في موقع يتيح له اللقاء بالناس،فتسلط الأضواء على حياتهم وموازين شخصيتهم،فهل يعقل أن يدعي صبي الإمامة وينصب نفسه علماً للإسلام وهو على مرأى ومسمع من جماهير قواعده الشعبية،فتؤمن به وتبذل في سبيل ذلك الغالي من أمنها وحياتها بدون أن تكلف نفسها اكتشاف حاله،وبدون أن تهزها ظاهرة هذه الإمامة المبكرة لإستطلاع حقيقة الموقف وتقيـيم هذا الصبي الإمام.

ثم على فرض التسليم والقبول بأن الناس لم يـبادروا إلى استكشاف حقيقة هذا المدعي-وإن كانت الشواهد الخارجية الكثيرة تثبت خلاف ذلك-فهل يمكن أن تمر المسألة أياماً وشهوراً،بل أعواماً دون أن تـتكشف الحقيقة على الرغم من التفاعل الطبيعي المستمر بين الصبي الإمام وسائر الناس؟…

وهل من المعقول أن يكون صبياً في فكره وعلمه حقاً،ثم لا يـبدو ذلك من خلال هذا التفاعل الطويل في أفعاله وتصرفاته؟…

ومع التنـزل وافتراض أن القواعد الشعبية لإمامة أهل البيت،لم يتح لها أن تكتشف واقع الأمر،فلماذا سكتت السلطة القائمة،ولم تعمل على كشف الحقيقة،خصوصاً وأن ذلك كان سيصب في صالحها؟…

وما كان أيسر على السلطة القائمة لو كان الصبي صبياً في فكره وثقافته كما هو المعهود في الصبيان؟وما كان أنجحه من أسلوب أن تقدم الصبي إلى شيعته وغيرهم على حقيقته،وتبرهن على عدم كفائته للإمامة والزعامة الروحية والفكرية،فإذا كانت هناك صعوبة في الإقناع بعدم كفاءة شخص في الأربعين من عمره،فلا صعوبة في الإقناع بعدم كفاءة صبي اعتيادي مهما كان ذكياً وفطناً للإمامة بمعناها الذي يعرفه الشيعة الإمامية.

ومن الواضح أن هذا سيكون أسهل وأيسر للسلطة من الطرق والأساليب القمعية والمجازفة التي أتبعتها في ذلك الوقت.

فالإنصاف أن سكوت السلطة والخلافة المعاصرة عن الإستفادة من هذه المسألة،دليل واضح على كونها قد أدركت أن الإمامة المبكرة ظاهرة حقيقة وليست شيئاً مصطنعاً.

بل لقد حاولت السلطة أن تلعب بهذه الورقة حينما عمدت إلى تعريض مدعي الإمامة للإختبار،لكن تلك المحاولات لم تنجح،حيث يحدثنا التاريخ عن فشلها،بينما لا نجده يخبرنا عن مورد واحد تزعزعت فيه ظاهرة الإمامة المبكرة،أو واجه فيه الصبي إحراجاً يفوق قدرته،أو يزعزع ثقة الناس فيه.

وهذا هو معنى ما قلناه من أن الإمامة المبكرة ظاهرة واقعية في حياة أهل البيت(ع)،وليست مجرد افتراض.

ثم إن هذه الظاهرة لها جذورها وحالاتها المماثلة في السنن السابقة،فهذا القرآن يتحدث عن نبي الله يحيى فيقول:- (يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبياً)[2]

ومتى ثبت أن الإمامة المبكرة ظاهرة واقعية وموجودة فعلاً في حياة أهل البيت(ع)،لم يعد هناك اعتراض فيما يخص حياة الإمام المهدي(عج)وخلافته لأبيه وهو بعدُ صغير.

طول العمر:

ومما يثار عادة إذا ذكر الإمام الحجة(عج)قضية طول عمر المولى(أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)فيقال أنه إذا كان إنساناً حياً فكيف تأتى له هذا العمر الطويل منذ أكثر من أحد عشر قرناً،وكيف خرق القوانين الطبيعية التي تحتم عليه المرور بمرحلة الشيخوخة؟…

وبعبارة ثانية:هل يمكن للإنسان أن يعيش هذه القرون المتطاولة؟…

وقبل الإجابة على هذا التساؤل،نشير إلى مقدمة تتضمن بيان معنى الإمكان،حيث يمكن تصور ثلاثة أقسام له:

الأول:ما يصطلح عليه بالإمكان العملي،ونعني به ما هو ممكن فعلاً وواقعاً،أي له تحقق ووجود ظاهر ومتعين.

الثاني:ما يصطلح عليه بالإمكان العلمي،ويراد به ما هو غير ممتنع من الناحية العلمية الصرفة،بمعنى أن العلم لا يمنع من تحققه ووقوعه ووجوده فعلاً.

الثالث:ما يصطلح عليه بالإمكان المنطقي،ويراد به ما ليس مستحيلاً عقلاً،أي أن العقل لا يمنع من وقوعه وتحققه.

الإمكان المنطقي:

وبناءاً على ما ذكرناه من الأقسام المتصورة للإمكان،يمكننا الإجابة على التساؤول السابق،بعرض مسألة طول العمر عليها،مبتدئين بالثالث منها،فنقول:

هل يمكن من الناحية المنطقية أن يعيش الإنسان مئات السنين،بمعنى أن هذا ليس أمراً مستحيلاً من الناحية العقلية،أو لا؟…

ونجيب:بالإيجاب،فليست قضية امتداد العمر فوق الحد الطبيعي أضعافاً مضاعفة من الأمور المستحيلة،كما هو واضح بأدنى تأمل.

نعم هو ليس مألوفاً ومشاهداً في الخارج بنحو من الكثرة،لكن هناك حالات نقلها أهل التواريخ وتناقلتها بعض النشرات العلمية،تجعل الإنسان لا يستغرب ولا ينكر ذلك.

هذا وترتفع الغرابة متى رجعنا إلى القرآن الكريم،لنقرأ قوله تعالى وهو يتحدث عن نبي من أنبيائه،وهو نوح(ع):- (ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً)[3].

فبإخبار القرآن الكريم عن أن نوحاً قد لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً،وهو غير عمره قبل النبوة،يقلل درجة الإستغراب،بل ربما ضعفت إلى درجة الزوال،لأن الإستغراب يـبقى ما لم يكن للشيء المتحدث عنه واقعية ووجود في الخارج،فمتى تحقق خارجاً فإن الإستغراب يزول.

ويحدثنا القرآن مرة أخرى لتحقق هذا الأمر بقصة نبي الله عيسى(ع)فإنه لم يمت وإنما رفعه الله إليه كما في قوله تعالى:- (وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً،بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً)[4].

وقد وردت النصوص كما في صحيحي البخاري ومسلم،بأنه سينـزل إلى الأرض.

وعليه فعندما تـتحدث النصوص الصحيحة،ويشهد الشهود،وتـتوالى الإعترافات بوجود الحجة بن الحسن المهدي(عج)من عترة الرسول الأكرم(ص)،الذي ولد سنة 255 من الهجرة النبوية،لن يـبقى للإستغراب والإنكار مجال،إلا ممن كان معانداً.

هذا وقد جاء في تفسير الرازي:قال بعض الأطباء:العمر الإنساني لا يزيد على مائة وعشرين سنة،والآية تدل على خلاف قولهم،والعقل يوافقها،فإن البقاء على التركيب الذي في الإنسان ممكن لذاته وإلا لما بقى،ودوام تأثير المؤثر فيه ممكن،لأن المؤثر فيه إن كان واجب الوجود فظاهر الدوام،وإن كان غيره فله مؤثر،وينـتهي إلى الواجب وهو دائم فتأثيره يجوز أن يكون دائماً،فإذن البقاء ممكن في ذاته،فإن لم يكن فلعارض،لكن العارض ممكن العدم،وإلا لما بقي هذا المقدار لوجوب وجود العارض المانع،فظهر أن كلامهم على خلاف العقل والنقل[5].

وهذا البرهان الذي ذكره الرازي بخلاف المعتاد كما هو الثابت في طول عمر عيسى(ع)،يصلح الإستدلال به على طول عمر المهدي(عج).

الإمكان العملي:

هل أن الإمكان العملي بالمعنى الذي سبق وبيناه،متاح إلى نوع الإنسان الآن،وتساعد عليه التجربة؟…

والجواب:

إنه لم تنجح إلى الآن التجارب المعاصرة في ضوء الإمكانات المتاحة والظروف الموجودة في تحقيق مثل هذه الحالة،أعني اطالة عمر الإنسان إلى حد أكثر من ضعفٍ،أو ضعفي العمر الطبيعي،وهذا أمر مشهود بحيث لا يحتاج إلى برهان.

وهذا لا يدل على عدم طول عمر الإنسان،لأن الإمكان العلمي ينحصر بمحاولات اطالة العمر الطبيعي للإنسان بيد الإنسان نفسه،إلا أن الأعمار بيد الله سبحانه وتعالى،وإن تدخل الإنسان في إطالة العمر على خلاف التقدير غير ممكن.

نعم إنه سبحانه يوفر الأسباب الكفيلة بإدامة حياة المعمرين إلى حين أجلهم،ودور العلم هنا اكتشاف تلك الأسباب لا أكثر إذ ليس بمقدوره إبداع الأسباب لإنحصارها بيده عز وجل بلا خلاف،وعلى هذا يفسر الإمكان العلمي.

الإمكان العلمي:

هل من الممكن علمياً زيادة عمر الإنسان عن الحد الطبيعي أو لا؟…

والجواب:

اولاً:نعم ذلك ممكن،وتوجد شواهد كثيرة بالأرقام تؤكد هذا الإمكان:

منها:إن التجارب العلمية آخذة بالإزدياد لإطالة عمر الإنسان أكثر من المعتاد،وهذه التجارب حثيثة وجادة لتعطيل قانون الشخوخة،فقد جاء في مجلة المقتطف المصرية الجزء الثاني من المجلد 59،الصادرة في آب(اغسطس)1921م الموافق 26 ذي القعدة سنة 1339هـ ص 206 تحت عنوان خلود الإنسان على الأرض ما هذا نصه:

قال الإستاذ ريمند بول أحد اساتذة جامعة جونس هبكنس بأمريكا:إنه يظهر من بعض التجارب العلمية أن أجزاء جسم الإنسان يمكن أن تحيا إلى أي وقت أريد،وعليه فمن المحتمل أن تطول حياة الإنسان إلى مائة سنة،وقد لايوجد مانع يمنع من إطالتها إلى ألف سنة.

وفي العدد الثالث لسنة 59 ص 239 جاء فيها:إنه في الإمكان أن يـبقى الإنسان حياً ألوفاً من السنين إذا لم تعرض عليه عوارض تصرم حبل حياته،وقولهم هذا ليس مجرد ظن،بل نتيجة عملية مؤيدة بالإمتحان.انتهى

وهذا الإمكان العلمي الذي وصل إليه العلماء يسعون اليوم إلى تحويله إلى إمكان عملي واقعي فعلي.

ومنها:ما جاء في كتاب صدر حديثاً بعنوان حقائق أغرب من الخيال ج 1 ص 24 نشر مؤسسة الإيمان-بيروت،ودار الرشيد/دمشق:

توفي بيريرا في عام 1955م في وطنه الأم مونتريا في سن 166 عاماً،وقد شهد على عمره أصدقاؤه،وسجلات مجلس البلدية،وبيريرا نفسه الذي استطاع أن يتذكر بوضوح كبير معركة كاراجينا(حدثت في عام 1815م)وفي نهاية حياته أحضر إلى نيويورك حيث فحصه جمع من الأطباء المختصين،ومع أنهم وجدوه محتفظاً بضغط دم رجل شاب،ونبض شرياني صحيح وقلب جيد،وعقل شاب،فقد قرورا أنه رجل عجوز جداً أكثر من 150 عاماً.

ومنها:إن مجرد إجراء التجارب من قبل الأطباء للتعرف على مرض الشيخوخة،وأسباب الموت،والمحاولات الدائبة من قبلهم ونجاحها،ولو بقدر محدود لإطالة عمر الإنسان،لهو دليل على الإمكان،وإلا لكان تصرفهم عبثاً،خلاف العقل.

ولنعم ما قاله المفكر الإسلامي الكبير الشهيد السعيد السيد الصدر(ره):

وفي ضوء ذلك كله لا يـبقى مبرر منطقي للإستغراب والإنكار بخصوص قضية المهدي،اللهم إلا أن يسبق المهدي العلم نفسه،فيتحول الإمكان النظري(العلمي)إلى امكان عملي في شخصه،قبل أن يصل العلم في تطوره إلى مستوى القدرة الفعلية،وهذا أيضاً لا يوجد مبرر عقلي لإستبعاده وإنكاره،إذ هو نظير من يسبق العلم في اكتشاف دواء للسرطان مثلاً،ومثل هذا السبق في الفكر الإسلامي قد حصل في أكثر من مفردة وعنوان،فقد سجل القرآن الكريم نظائر ذلك حين أورد وأشار إلى حقائق علمية تتعلق بالكون وبالطبيعة وبالإنسان،ثم جاءت التجارب العلمية الحديثة لتـزيح عنها الستار أخيراً،ثم لماذا نذهب بعيداً وأمامنا القرآن الكريم يصرح بالإمكان العملي فيما يتعلق بعمر نوح(ع)[6].

وكذلك صرحت الآثار النبوية بوجود أشخاص أحياء منذ قرون متطاولة،كالخضر،والنبي عيسى،والدجال.

فلماذا نؤمن بمثل هذه الوجودات المشخصة،مع أنهم ليس لهم أهمية فيما يتعلق بمستقبل الإسلام،إلا المسيح الذي سيكون وزيراً ومساعداً للحجة ابن الحسن،وقائداً لجيوشه،وننكر حياة الإمام المنـتظر(عج)وهو الذي سيكون له الدور الأعظم،حيث يملأ الأرض قسطاً وعدلاً،وينـزل عيسى ليصلي خلفه.

ثانياً:لو سلمنا بأن قانون الشيخوخة من القوانين التي لاتقبل التغيير،وأن إطالة عمر الإنسان أكثر من الحد الطبيعي والمعتاد خلاف القوانين الطبيعية التي دلنا عليها الإستقراء.

لكن هذا المعنى لا ينطبق في حق الإمام المهدي(عج)ذلك أن حصول هذا الشيء بالنسبة له يكون من باب المعجزة،وهي ليست حالة فريدة في التاريخ.

ثم إن الإنسان المسلم الذي يستمد عقيدته من القرآن الكريم،لا يرى ما ذكرناه بدعاً من القول،حيث يجد أن القانون الطبيعي الذي هو أكثر صرامة قد تعطل،كما في قضية خليل الرحمن،عندما ألقي في النار العظيمة،فأنجاه الله تعالى بالمعجزة،كما صرح القرآن بذلك،قال تعالى:- (قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم)[7].

وهذه المعجزة وأمثالها من معاجز الأنبياء والكرامات التي أختص الله بها أولياءه،قد أصبحت بمفهوما الديني أقرب إلى الفهم بدرجة أكبر بكثير في ضوء المعطيات العلمية الحديثة والإنجازات الكبيرة التي حققها العلماء بوسائلهم المادية.

غاية الغيبة الطويلة:

هذا وقد يقول شخص،لماذا كل هذا الحرص على إطالة عمر المهدي(عج)إلى هذا الحد،فتعطل القوانين لأجله،أو تضطر إلى المعجزة،ولماذا لا نقبل الإفتراض الآخر الذي يقول:إن قيادة البشرية في اليوم الموعود يمكن أن تترك لشخص يولد في ذلك الزمان،ويعيش الظروف الموضوعية لينهض بمهمته التغيـيرية؟…

وعندنا نود الإجابة،نذكّر أن الله تعالى قد أبقى أشخاصاً في هذا العالم أو غيره أحياء أطول بكثير مما انقضى من حياة الإمام الحجة،وذلك لحكم وأسرار لا نهتدي إليها،أو أننا علمنا ببعضها،دون البقية،مع أننا نؤمن بها إيماناً قطعياً.

فليكن الإمر كذلك بالنسبة إلى الإمام المنتظر(عج)،لأنا بمقتضى عقدينـتا الإسلامية نؤمن أن الله تعالى لا يفعل عبثاً،ونؤمن أيضاً بمغيـبات كثيرة عنا قامت عليها البراهين المتينة من العقل والنقل،فلا يضرنا إذا لم نعلم بالحكمة في معتقدٍ من معتقداتنا،وكذلك الحال في الأحكام الشرعية والأعمال العبادية،فقد لا نهتدي إلى سر حكم من الأحكام،وفلسفة قانون من القوانين الإلهية،لكن التعبد هو الداعي للإلتـزام بها،كما في سائر القوانين الإلهية،بل حتى في القوانين البشرية والوضعية.

وهنا أيضاً نقول،يمكننا أن نتصور بعض الأسرار لهذه الغيـبة الطويلة بقدر الفهم القاصر الذي يمتلكه الإنسان البشري الناقص،ولكن ليس ذلك هو الداعي الحقيقي للأمر،بل الأمر كما قدمنا من الأمور التعبدية،التي لا مجال لنا للتأمل فيها.

ومن الواضح أن حديثنا هذا مع من يؤمن بالمعجزة،وبالعقائد الدينية الحقة.

الإستفادة من امام غائب:

إننا نعتقد بوجود الإمام المهدي(أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)ونعتقد بولادته وأنه حي يرزق لما تقدم من حديث الثقلين،وأن الأرض لا تخلو من حجة،لكن كيف يمكن لنا الإستفادة من امام غائب،مستور،ومتوارٍ عن الأنظار؟…

ينبغي أن نتذكر قبل الإجابة على هذا التساؤل الروايات التي تحدثت عن ظهوره(عج)إذ نراها لا تشير إلى وقت خاص،بل هناك نهي عن التوقيت،وهو الإشارة إلى وقت الظهور،وهذا يعني أن ظهوره(عج)بصورة مفاجئة وسريعة،وبتعبير بعض النصوص،إن ظهوره بغتة.

وهذا الأمر يستلزم حصول حالة من الترقب عند كل جيل من أجيال المسلمين لظهوره المبارك،وهذا بنفسه تـترتب عليه مجموعة من الفوائد:

1-سيكون كل مؤمن في حالة من الإستقامة على الشريعة،والتقيد بأوامرها ونواهيها،والإبتعاد عن ظلم الآخرين،أو غصب حقوقهم،وذلك لأن ظهور الإمام المهدي الذي سيكون فجأة،يعني قيام دولته،وهي الدولة التي ينـتصف فيها للمظلوم من الظالم،ويـبسط فيها العدل ويمحى الظلم من صفحة الوجود.

إن قلت:إن الشريعة المقدسة فد منعت من الظلم،وهذا بنفسه كافٍ لتحقق الغرض؟…

قلت:إن الشعور والإعتقاد بوجود السلطة وبتمكنها وسلطنـتها يعد رادعاً قوياً،وقد جاء في الأثر:إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.

2-كون كل مؤمن في حالة طوارئ مستمرة،حيث يتهيأ للإنضمام إلى جيشه(عج)والإستعداد العالي للتضحية في سبيل شرع الله تعالى.

وهذا الشعور يخلق عند المؤمنين حالة من التآزر والتعاون ورص الصفوف والإنسجام لأنهم سيكونون جنداً للإمام(ع).

3-إن هذه الغيـبة تحفز المؤمن بها للنهوض بمسؤوليته،وخاصة في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،فتكون الأمة بذلك متحصنة متحفزة،إذ لا يمكن تقيد أنصار المولى(عج)بالإنتظار فحسب،دون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استعداداً لبناء دولة الإسلام الكبرى وتهيئة قواعدها حتى ظهور الإمام المهدي(ع).

4-إن الأمة التي تعيش الإعتقاد بوجود الحجة المنتظر الحي الموجود تبقى تعيش حالة من الشعور بالعزة والكرامة،فلا تطأطى رأسها لأعداء الله تعالى،ولا تذل لجبروتهم وطغيانهم،لكونها تترقب وتتطلع لظهوره(عج)المظفر في كل ساعة،فهي تأنف من الذل والهوان،وتستصغر قوى الإستكبار،وتستحقر كل ما يملكون من عدة وعدد.

وهذا الشعور سيخلق دافعاً قوياً للمقاومة والصمود والتضحية،وهو الذي يخوف أعداء الله وأعداء الإسلام،بل هذا هو سر خوفهم ورعبهم الدائم.

ولذا حاولوا عبر التاريخ زعزعة العقيدة بقضية الإمام المنتظر،والتشكيك فيها.

الجانب الأخروي:

قد كان جميع ما ذكرناه من الفوائد متعلقاً بالناحية الدنيوية،وهناك فوائد يكسبها المعتقد بظهور المولى(عج)في آخرته،نشير لبعض منها:

1-تصحيح اعتقاد المكلف بعدل الله تعالى،ورأفته بهذه الأمة التي لم يتركها الله سدى ينـتهبها اليأس ويفتك بها القنوط لما تشاهده من انحراف عن الدين دون أن يمد لها حبل الرجاء بظهور الدين على كل الأرض بقيادة الحجة ابن الحسن(ع).

2-تحصيل الثواب والأجر على الإنتظار،فقد ورد في الصحيح عن أبي عبد الله الصادق(ع):المنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله.

3-الإلتـزام بقوله تعالى حكاية عن وصية إبراهيم(ع)لبنيه:- (يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون)[8].

وقد مر أن إمام العصر في زماننا هو الحجة بان الحسن،ومن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية.

——————————————————————————–

[1] سورة البقرة الآية رقم 1-3.

[2] سورة مريم الآية رقم 19.

[3] سورة العنكبوت الآية رقم 14.

[4] سورة النساء الآية رقم 157-158.

[5] التفسير الكبير للفخر الرازي ج 25 ص 42.

[6] بحث حول المهدي لآية الله العظمى السيد الشهيد محمد باقر الصدر.

[7] سورة الأنبياء الآية رقم69.

[8] البقرة الآية رقم 132.