19 أبريل,2024

آية الولاية (2)

اطبع المقالة اطبع المقالة

فوائد مهمة:

هذا وتوجد فوائد مهمة ينبغي الالتفات لها ونحن نتحدث عن دلالة الآية الشريفة،إذ تنفع عندما نتعرض للاشكالات التي أوردها الخصم على دلالتها:

الأولى:استنباط الحكم الشرعي من القضية:

فقد تعرض لذلك الجصاص في كتابه، ورتب على سبب النـزول الذي ذكر فيها أثراً فقهياً، باستفادة حكم شرعي منه،قال:

باب العمل اليسير في الصلاة، قال الله تعالى:- (إنما وليكم الله)، روى عن مجاهد والسدي وأبي جعفر وعتبة بن أبي حكيم:أنها نزلت في علي بن أبي طالب حين تصدق بخاتمه وهو راكع…

وقد اختلف في معنى قوله(وهم راكعون)…فإن كان المراد فعل الصدقة في حال الركوع، فإنه يدل على إباحة العمل اليسير في الصلاة….

فإن قال قائل:فالمراد أنهم يتصدقون ويصلون ولم يرد به فعل الصدقة في الصلاة.

قيل له:هذا تأويل ساقط، من قِبَل أن قوله تعالى:- (وهم راكعون)إخبار عن الحال التي تقع فيها الصدقة، كقولك:تكلم فلان وهو قائم، وأعطى فلاناً وهو قاعد، إنما هو إخبار عن حال الفعل…فثبت أن المعنى ما ذكرناه من مدح الصدقة في حال الركوع أو في حال الصلاة.

وقوله تعالى:- (ويؤتون الزكاة وهم راكعون)يدل على أن صدقة التطوع تسمى زكاة، لأن علياً تصدق بخاتمه تطوعاً، وهو نظير قوله تعالى:- (وما آتيتم زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون) قد انتظم صدقة الفرض والنفل، فصار اسم الزكاة يتـناول الفرض والنفل، كاسم الصدقة وكاسم الصلاة، ينتظم الأمرين[1].

وكذا في تفسير القرطبي، نقلاً عن الطبري[2].وأشار له الزمخشري وأبو السعود، وغيرهما.

هذا ومن الواضح أن هذا الكلام، يشتمل على عدة فوائد:

منها:ترتيب الأثر الفقهي، واستنباط الحكم الشرعي من هذه القضية.

ومنها:إن لفظ الزكاة، في الآية تشمل الفرض والنفل.

ومنها:إن لفظ الواو، في قوله تعالى:- (وهم راكعون)حالية.

الثانية:رأي الإمام الباقر في نزول الآية:

لقد ذكر الجصاص في عبارته السابقة الإمام أبا جعفر الباقر(ع) في عداد القائلين بنـزولها في أمير المؤمنين(ع).

وهذا رد على الدهلوي في كتابه التحفة الإثني عشرية، لنقله عن تفسير النقاش أنه عزا إلى الإمام قوله بأن المراد هو عموم المؤمنين، فقيل له الناس يقولون أنها نزلت في خصوص علي.

فقال:علي من المؤمنين.

وسيأتي منا إن شاء الله تحليل لهذه الرواية، والتأمل فيها، مضافاً إلى أن القوم قد تكلموا في النقّاش وتفسيره المسمى شفاء الصدور، فالبرقاني يقول:كل حديث النقاش منكر، وليس في تفسيره حديث صحيح، ووهاه الدارقطني.

ويقول اللالكائي: تفسير النقاش إشفى الصدور، لا شفاء الصدور.

وقال الخطيب: في حديثه مناكير بأسانيد مشهورة.

وقال طلحة بن محمد الشاهد:كان النقاش يكذب في الحديث.

وقال الذهبي: قلبي لا يسكن إليه، وهو عندي متهم[3].

الثالثة:الخبر في شعر حسان وغيره:

ذكر الحسكاني أن الصحابي حسان بن ثابت نظم هذه المنقبة في شعر له، فأورده، ثم أورد شعراً قيل أيضاً في هذه القضية.

وهناك أشعاراً أخرى لشعراء كبار من المتقدمين والمتأخرين، مذكورة في الكتب المطولة، يمكن مراجعتها.

الرابعة:قول النبي في الواقعة:من كنت مولاه فعلي مولاه:

جاء في رواية الطبراني في الأوسط، ورواية جماعة آخرين كما في الدر المنثور: أن النبي(ص)قال بعد نزول آية الولاية في قضية تصدق الإمام(ع): من كنت مولاه فعلي مولاه.

ومن الواضح أن قوله هذا مما يؤكد دلالة الآية على الإمامة، وهذا المورد أحد موارد قوله(ص): من كنت مولاه….وإن كان المشهور من بينها يوم غدير خم.

الخامسة:دعاء النبي بعد القضية:

جاء في الدر المنشور عن جماعة من الحفاظ: أن النبي(ص)قال بعد نزول الآية:الحمد لله الذي أتم لعلي نعمه وهيّأ لعلي بفضل الله إياه.

السادسة: إن الخاتم كان عقيقاً يمانياً أحمر:

جاء في رواية الحسكاني أن الخاتم الذي أعطاه الإمام (ع) للمسكين كان عقيقاً يمانياً أحمر يلبسه في الصلاة في يمينه.

الإشكالات على دلالة الآية:

أوردت على دلالة الآية على المدعى العديد من الإشكالات من قبل الجمهور، خصوصاً وقد عرفت أنها من أقوى الأدلة على الإمامة لكونها قد اشترك فيها الكتاب الشريف والسنة المباركة.

الإشكال الأول:سبب النـزول:

أشكل القائلون بالمنع عن دلالة الآية على مدعى الشيعة الإمامية، أنها غير نازلة في أمير المؤمنين(ع)، وتمسكوا لإثبات ذلك بأمور:

1-رواية الإمام الباقر(ع): قال الطبري في تفسيره: حدثنا هنّاد بن السري، حدثنا عبد الله عن عبد الملك عن أبي جعفر قال: سألته عن هذه الآية:- (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا)وقلنا: من الذين آمنوا؟…قال: الذين آمنوا، قلنا:بلغنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب. قال:علي من الذين آمنوا.

فقالوا: أن الإمام(ع) قد نفى كونها نازلة في حق جده أمير المؤمنين(ع)، بل أن المراد منها هم أصحاب النبي(ص)، أو المؤمنون، وعلي(ع) منهم.

لكن هذا الاستدلال مردود، ذلك أن هذه الرواية مخدوشة سنداً، لأن الراوي للحديث هو عبد الملك بن أبي سليمان العزرمي الكوفي المتوفى سنة 145، وهو مختلف فيه، فقد ضعفه يحيى، وقال عنه أحمد:ثقة يخطئ، وضعفه شعبة بن الحجاج الحافظ.

ثم على فرض الإغماض عن الإشكال السندي، وقبول وثاقة عبد الملك، فلا يـبعد كون الرواية خارجة مخرجة التقية، وعندها لا تصلح لمعارضة النصوص الصادرة عنهم(ع) وعن غيرهم، في إثبات القضية، ونزولها في حق أمير المؤمنين(ع)، حتى لقد عدّ في كتاب غاية المرام 24 حديثاً عن طريق أهل السنة و19 حديثاً من طريق الشيعة.

هذا ومع الإغماض عن هذه الناحية أيضاً، فإننا نمنع عن دلالتها على خلاف ما عليه المدعى، حيث أننا نجد أن الإمام(ع)، لم ينفي كون الآية نازلة في حق أمير المؤمنين(ع)، بل أشار لكون علي(ع) من المؤمنين، وهذا لا يثبت أنها تشير لخلاف ما عليه الشيعة، بل الظاهر أن إشارته(ع) إلى أن علياً(ع) من المؤمنين، واضحة إلى أنه المراد من اللفظ في الآية.

2- ما تمسك به الفخر الرازي في تفسيره، حيث قال:

إن في الآية مسائل: الأولى: في قوله تعالى:- (الذين آمنوا)قولان: الأول: إن المراد عامة المؤمنين وذلك لأن عبادة بن الصامت لما تبرأ من اليهود وقال: أنا برئ إلى الله من حلف بني قريظة والنظير، وأنا أتولى الله ورسوله نزلت هذه الآية على وفق قوله.

وروي أيضاً: أن عبد الله بن سلام قال: يا رسول الله إن قومنا قد هجرونا واقسموا أن لا يجالسونا، ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل فنـزلت هذه الآية، فقال: رضينا بالله ورسوله وبالمؤمنين أولياء، فعلى هذا: الآية عامة في حق كل المؤمنين، فكل من كان مؤمناً فهو ولي كل المؤمنين، ونظيره قوله تعالى:- (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)، وعلى هذا فقوله تعالى:- (الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة) صفة لكل المؤمنين والمراد بذكر هذه الصفات تميـيز المؤمنين عن المنافقين، لأنهم كانوا يدعون الإيمان، إلا أنهم ما كانوا مداومين على الصلوات والزكوات، قال تعالى في صفة صلاتهم:- (لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى) وقال:- (يراؤن الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً)، وقال في صفة زكاتهم:- (أشحة على الخير).

وأما قوله:- (وهم راكعون) ففيه على هذا القول وجوه:

الأول:قال أبو مسلم:المراد من الركوع الخضوع، يعني أنهم يصلون ويزكون، وهم منقادون خاضعون لجميع أوامر الله ونواهيه.

الثاني:أن يكون المراد من شأنهم إقامة الصلاة، وخص الركوع بالذكر تشريفاً له، كما في قوله:- (واركعوا مع الراكعين).

الثالث: قال بعضهم:أن أصحابه كانوا عند نزول هذه الآية مختلفون في هذه الصفات، منهم قد أتم الصلاة، ومنهم من دفع المال إلى الفقير، ومنهم من كان بعدُ في الصلاة وكان راكعاً، فلما كانوا مختلفين في هذه الصفات لا جرم ذكر الله تعالى كل هذه الصفات[4].

والجواب عما ذكره هو:

أما قصة عبادة بن الصامت، فضعيفة سنداً، لأنها مروية بطريقين:

الأول: ما رواه الطبري في تفسيره قال: حدثنا هنّاد بن السري، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: حدثنا ابن إسحاق، قال: حدثني والدي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الصامت، قال….

وقد وقع في سند هذه الرواية يونس بن بكير المتوفي سنة 199 هـ، وهو وإن كان من الحفاظ في القرن الثاني، إلا أنه ليس بمرضي عند الجميع، فقد ضعفه النسائي، وقال أبو داود: ليس بحجة يأخذ كلام ابن إسحاق فيوصله بالأحاديث.

كما في طريق الرواية أيضاً، محمد بن إسحاق، وهو مجروح، فقد ذكر أحمد بن حنبل، أنه كان يدلس، وكذبه سليمان التيمي، ويحيى القطان، ووهيب بن خالد.

الثاني:قال الطببري: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبي عن عطية بن سعد، قال: جاء عبادة بن الصامت إلى رسول الله(ص)…..

وفي طريق هذه الرواية عطية بن سعد، وهو وإن كان ثقة ممدوحاً عندنا، إلا أنه ضعيف عند الخصم.

وأما بحسب الدلالة، فإن هذه الآية لا تنافي ما يذكره الشيعة أعلى الله كلمتهم، وأنار برهانهم، ذلك لأن القصة دالة على أن المخاطب في جملة(إنما وليكم)في الآية الكريمة هو عبادة بن الصامت، أو جميع المؤمنين، ومنهم عبادة بن الصامت، ولا تدل على أن المراد بالذين آمنوا الموصوفين بالصفات المذكورة عامة المؤمنين وجميعهم.

وأما قصة عبد الله بن سلام، فهي أيضاً لا تنافي ما عليه الشيعة، كما أنها قد جاءت مذيلة في كثير من المراجع بذيل صريح في أن المراد بالذين آمنوا هو علي بن أبي طالب(ع).

وأما ما ذكره في تأول المراد من الركوع الوارد فيها، فقد عرفت جوابه عند التعرض لتفسير الآية الشريفة.

وأما الوجه الثالث، المذكور في بيان المراد من الركوع، فهو من التكلف بمكان، إذ أنه لو سلمنا به، فإنه سيكون مختصاً أيضاً بفئة خاصة من المؤمنين، لأنه من البعيد أن يكون كافة المسلمين غير المنافقين متواجدين في المسجد، ومشتغلون بهذه الصفات.

3-إن هذه الآية عامة، ولم تنـزل في شأن شخص خاص، ويدل على ذلك ظاهر الآية، لأن ظاهر جملة(والذين آمنوا) الواردة فيها هو جميع المؤمنين الموصوفين بالأوصاف المذكورة.

والجواب عنه:

أن الظاهر يدل على خلاف دعوى المستشكل، لأن الولاية فيها إن كانت بمعنى النصرة والمحبة، فهي ليست منحصرة في المؤمنين الموصوفين بالصفات المذكورة، بل هي عامة لجميعهم، وإن كانت بمعنى الأولوية في التصرف والتدبير كما أوضحنا ذلك عند التعرض لتفسير الآية، فهي تدل على أنها منحصرة في خصوص الموصوفين بهذه الصفات في الآية.

——————————————————————————–

[1] أحكام القرآن للجصاص ج 2 ص 625-626.

[2] تفسير القرطبي ج 6 ص 221.

[3] لاحظ الكلمات في سير أعلام النبلاء ج 15 ص 573، لسان الميزان ج 5 ص 137.

[4] التفسير الكبير ج 13 ص 25.