حج الصبي

لا تعليق
خواطر حوزوية
162
0

المعروف بين الأصحاب أن الصبي إذا خرج إلى الحج،وبلغ قبل أن يحرم من الميقات وكان جامعاً لشرائط وجوب الحج،فلا إشكال في كون حجه حجة الإسلام،وهذا واضح لتحقق الشرائط المعتبرة،مما يستدعي تنجز التكليف في حجه،فيكون حجه صحيحاً.

وإذا أحرم فبلغ بعد الإحرام،لم يجز له إتمام حجه ندباً،ولا عدوله إلى حجة الإسلام،بل يجب عليه الرجوع إلى أحد المواقيت والإحرام منه لحجة الإسلام.

أقول:أما عدم جواز إتمام حجه ندباً فلانتفاء عنوان الصباوة عنه،فلا تشمله النصوص الدالة على استحباب حج الصبي،كما أن انقلابه إلى حجة الإسلام بحاجة إلى دليل،وهو مفقود في المقام،فيتعين الوجه الثالث،وهو الرجوع إلى الميقات والإحرام منه بالحج،فإن لم يمكنه الرجوع إلى الميقات أحرم من مكانه.

إنما الكلام في ما إذا بلغ بعد إحرامه وقبل الوقوف بالمشعر فهل يجزيه ذلك عن حجة الإسلام أو لا؟…

قال الشيخ في الخلاف: إحرام الصبي عندنا جائز صحيح وإحرام العبد صحيح بلا خلاف ووافقنا الشافعي في إحرام الصبي. فعلى هذا إذا بلغ الصبي وأعتق العبد قبل التحلل فيه ثلاث مسائل: إما أن يكملا بعد فوات وقت الوقوف أو بعد الوقوف وقبل فوات وقته. فإن كملا بعد فوات وقت الوقوف مثل أن يكملا بعد طلوع الفجر من يوم النحر مضيا على الإحرام وكان الحج تطوعاً ولا يجزي عن حجة الإسلام بلا خلاف. وإن كملا قبل الوقوف تعين إحرام كل واحد منهما بالفرض وأجزأه عن حجة الإسلام وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة: الصبي يحتاج إلى تجديد إحرام لأن إحرامه لا يصح عنده والعبد يمضي على إحرامه تطوعاً ولا ينقلب فرضاً. وقال مالك: الصبي والعبد معاً يمضيان في الحج ويكون تطوعاً دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم فإنهم لا يختلفون في هذه المسألة وهي منصوصة لهم وقد ذكرناها ونصوصها في الكتاب المتقدم ذكره.[1] ومثله قال في المبسوط[2] وكذلك ابن حمزة في الوسيلة [3].

وفي الشرائع: ولو دخل الصبي المميز والمجنون في الحج ندباً ثم كمل كل واحد منهما وأدرك المشعر أجزأ عن حجة الإسلام على تردد.[4] وفي المعتبر مثله أيضاً[5].

وقال في التذكرة: لو بلغ الصبي أو أعتق العبد قبل الوقوف أو في وقته وأمكنهما الإتيان بالحج وجب عليهما ذلك لأن الحج واجب على الفور فلا يجوز لهما تأخيره مع إمكانه كالبالغ الحر خلافاً للشافعي. ومتى لم يفعلا الحج مع إمكانه فقد استقر الوجوب عليهما سواءً كانا موسرين أو معسرين لأن ذلك وجب عليهما بإمكانه في موضعه فلم يسقط بفوات القدرة بعده.[6]

وفي الجامع للشرائع: فإن أعتق الرقيق وبلغ الصبي بعد إحرامهما وقبل الوقوف بأحد الموقفين أجزئهما والأولى أن لا يجزي عن الصبي.[7]

وقال المحقق الأردبيلي (قده) في التعليق على قول الماتن: ولو حجا ندباً ثم كملا قبل المشعر أجزأ. أما سقوط الحج على تقدير كمالهما برفع الجنون وبالبلوغ قبل المشعر فأدركا كاملين مع وجود باقي الشرائط مثل حصول الاستطاعة من مكانه على ما أزعم لا من بدله كما قيل فهو أنهما أدركا ما يجزى للمضطر فيجزى مثله مع إدراكهما باقي المناسك بأمر الشارع وهذا واضح عندي لأني أقول بصحة عبادة الصبي المميز شرعاً مع الشرائط مطلقاً وهذه المسألة تؤيده فافهم. وفي الخبر الدال على الإجزاء من العبد لو أدركه معتقاً كما مر إشارة إلى الإجزاء من الصبي أيضاً. ولا يبعد ذلك في المجنون المميز أيضاً ولا ينبغي الحكم ممن يقول بعدم شرعية أفعال الصبي بل محض التمرين لعدم صحة الإحرام وساير الأفعال بخلاف العبد فعلى ما قلناه ينوي وجوب الوقوف فقط فيقع وعلى المشهور ينبغي تجديد الإحرام أيضاً وهو مشكل فتأمل.[8]

وفي المدارك: وإن أدرك المشعر كاملاً فقد ذكر الشيخ وأكثر الأصحاب أنه يدرك الحج بذلك ويجزيه عن حجة الإسلام ونقل فيه في التذكرة الإجماع واستدل عليه بالروايات المتضمنة للإجزاء في العبد إذا أدرك المشعر معتقاً وهو قياس مع الفارق. واستدل عليه في المنتهى بأنه زمان يصح إنشاء الحج فيه فيكون مجزياً بأن يجدد فيه نية الوجوب. ويتوجه عليه أن جواز إنشاء الحج في ذلك الزمان على بعض الوجوه بنصٍ خاص لا يقتضي إلحاق غيره به خصوصاً مع مصادمته لمقتضى الأصل من عدم إجزاء المندوب عن الواجب ومن ثم تردد في ذلك المصنف (ره) هنا وفي المعتبر وهو في محله. ثم إن قلنا بالإجزاء فيجب تجديد نية الوجوب لباقي الأفعال.[9]

وكيف كان فقد استدل للقول بالإجزاء بوجوه:

الأول: الإجماع الذي سمعت دعواه من الشيخ (ره) في الخلاف والعلامة في التذكرة. وقد جعله في الجواهر الحجة.[10]

ومنعه واضح كبرى وصغرى أما الصغرى فلكونه لا يعدو إجماعاً منقولاً بخبر الواحد المقرر في محله عـدم حجيته. وكبرى لأنه لو سلم تحصيله فإن مدركيته تمنع من كاشفيته عن قول المعصوم ليكون تعبدياً.

الثاني: النصوص الواردة في أن العبد متى ما أعتق وأدرك المشعر بعد ذلك فقد أجزئه عن حجة الإسلام:-

فمنها: صحيحة شهاب عن أبي عبد الله (ع) في رجل أعتق عشية عرفة عبداً له قال: يجزي عن العبد حجة الإسلام ويكتب للسيد أجران: ثواب العتق وثواب الحج.[11]

أقول: مصدرها هو كتاب الحسن بن محبوب والظاهر أن شهاب هو بن عبد ربه بقرينة رواية ابن محبوب عنه ودلالتها على الإجزاء للعبد بإدراكه المشعر بعد العتق واضحة جداً.

ومنها: صحيحة معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله (ع): مملوك أعتق يوم عرفة؟ قال: إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج.[12]

أقول: سنده صحيح ومصدرها كتاب معاوية بن عمار في الحج وهو كتاب مشهور ومتداول بين الأصحاب كما أن دلالتها على المدعى واضحة لا خفاء فيها.

ومنها: خبر شهاب عن أبي عبد الله (ع) في رجل أعتق عشية عرفة عبداً له أيجزي عن العبد حجة الإسلام؟ قال: نعم.[13]

أقول: في سندها سهل بن زياد وهو ضعيف. إلا أنه يمكن تصحيح الرواية من خلال نظرية التعويض فلاحظ. وأما دلالتها فهي أوضح من سابقتيها.

وتقريب الاستدلال بها: إن ذكر العبد في الخبر ليس إلا من باب المثال بمعنى أنه لا خصوصية له بل النظر فيها إلى كل من لم تتوفر فيه الشرائط ثم تحققت قبل المشعر بحيث أمكنه إدراكه جامعاً لها. وقد حكم الإمام في ذلك بالإجزاء.

ويلاحظ عليه: إن إلغاء الخصوصية يتوقف على أحد أمرين:

الأول: إحراز ملاك الحكم ومناطه والقطع به ليتعدى إلى غيره لوحدتهما ملاكاً.

الثاني: وجود قرينة داخلية أو خارجية تشير إلى عدم الخصوصية في الموضوع المذكور في النص.

وكلاهما مفقودان مما يمنع من التعدي وإلغاء الخصوصية حيث لم تتعرض النصوص لبيان ملاك الإجزاء ليحرز فيقال بالصحة. كما أن القرينة في المقام مفقودة.

الثالث: ما ورد في أن من لم يحرم من مكة أحرم من حيث أمكنه:

منها: خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال: سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر وهو بعرفات ما حاله؟ قال: يقول اللهم على كتابك وسنة نبيك (ص) فقد تم إحرامه فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلده إن كان قضى مناسكه كلها فقد تم حجه.[14]

وتقريب دلالتها على ما في الجواهر بما حاصله: الظاهر من هذا الخبر إن ذلك الوقت يصلح لإنشاء الإحرام فكذا يصلح لانقلاب الإحرام أو قلبه من المستحب إلى الواجب خصوصاً مع كونهما قد أحرما من مكة وأتيا بما على الحاج من الأفعال فلا يكونا أسوأ حالاً ممن أحرم من عرفات ولم يدرك إلا المشعر.[15]

وقد أورد عليه السيد اليزدي (قده) في العروة بقوله: وفيه ما لا يخفى.

ولعله يرجع إلى الإيراد السابق منا على الوجه الثاني بحيث يقال بأن الظاهر منها الخصوصية لمن كان الحج واجباً عليه فلا يتعدى منها لمن لم يكن الحج عليه كذلك.

الرابع: ما دل على أن من أدرك المشعر فقد أدرك الحج:-

منها: صحيح جميل بن دراج عن أبي عبد الله (ع) قال: من أدرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج ومن أدرك يوم عرفة قبل زوال الشمس فقد أدرك المتعة. [16]

أقول: مصدرها كتاب ابن أبي عمير وسندها لا خدشة فيه وكونها منقولة عن علل الصدوق لا يمنع من الاعتماد عليها بعدما نقل القريب مما يشهد لمضمونها.

ومنها: صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (ع) قال: من أدرك المشعر الحرام وعليه خمسة من الناس فقد أدرك الحج.[17]

ومنها: موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال: من أدرك المشعر الحرام وعليه خمسة من الناس قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحج.[18]

وعن الجواهر في تقريبها بأن المورد لا يخصص الوارد وعليه تشمل كل من أدركهما من غير فرق بين الإدراك بالكمال وغيره.[19]

وأورد على التمسك بها في العروة: بأن موردها من لم يحرم فلا تشمل من أحرم سابقاً لغير حجة الإسلام.

وأجاب عنه بعض شراحها: بأن موردها أعم ممن لم يحرم ومن أحرم وفات منه الوقوف بعرفة من غير عمد. وعليه فموضوعها عبارة عن تصحيح الحج حتى مع فوت الوقوف بعرفة الذي هو من الأركان مادام لم يكن عن عمد فيكون إدراك المشعر إدراك الحج فلا فرق بين من أحرم قبله ومن لم يحرم أصلاً.[20]

والحق في الجواب عنها بأنها أجنبية عن المدعى حيث لا نظر لها لفرض المسألة وإنما نظرها إلى تصحيح الحج وأن من أدرك المشعر فقد صح حجه. وهذا لا ينطبق على مسألتنا إذ لا نقاش عندنا في مشروعية هذا الحج الصادر من الصبي وصحته وإنما الكلام في إجزائه عن حجة الإسلام وعدمه.

الخامس: ما حكاه بعض الأعاظم (ره) عن بعض المحققين وعبر عنه بأنه أحسن الوجوه وحاصله:

إن الحج طبيعة واحدة مشتركة بين الصبي والبالغ وإنما الاختلاف في الحكم بمعنى أنه مستحب لطائفة وواجب على طائفة أخرى كالبالغين ولا اختلاف في الموضوع نظير الصلاة فإنه إذا بلغ الطفل أثناء الصلاة أو بعدها في أثناء الوقت لا يجب عليه إعادتها لأنها طبيعة واحدة وقد أتى بها ولا موجب للإعادة فالسقوط على طبق القاعدة نعم وردت النصوص أن حج الصبي إذا وقع بتمامه حال الصغر لا يجزئ وبهذا المقدار نخرج عن مقتضى القاعدة ولولا النص لقلنا بالإجزاء حتى بعد إتمام الحج.

وبالجملة يتوقف الاستدلال على إثبات مقدمتين:

الأولى: إن الحج حقيقة واحدة كالصلاة غاية الأمر واجب بالنسبة لبعض ومندوب بالنسبة إلى آخرين فلا فرق بين الحج الصادر من الصبي والبالغ.

الثانية: إن روايات عدم إجزاء حج الصبي عن حجة الإسلام لا تشمل ما إذا بلغ في الأثناء.

وأجاب عنه (قده) بمنع ثبوت كليهما:

أما الأولى: فلا دليل عليها إلا اتحاد الصورة وهو بنفسه لا يكشف عن وحدة الحقيقة نظير صلاة النافلة والواجبة والقضاء والأداء وصلاة الظهر والعصر فإن صورة ذلك كله متحدة لكنها حقائق مختلفة. ويشهد للتعدد النصوص الدالة على عدم إجزاء حج الصبي عن حجة الإسلام البالغ بعد الحج فإنها تكشف عن اختلاف الحقيقة وكذا ما ورد في عدم إجزاء حج العبد وعدم إجزاء حج المتسكع.

وأما الثانية: فلو أغمضنا عما جاء في الأولى وقلنا بكون الحج طبيعة واحدة إلا أن إطلاق بعض النصوص الدالة على عدم إجزاء حج الصبي يشمل ما إذا بلغ أثناء العمل وقبل إتمامه كموثقة إسحاق به عمار قال: سألت أبا الحسن (ع) عن ابن عشر سنين يحج؟ قال: عليه حجة الإسلام إذا أحتلم وكذا الجارية عليها الحج إذا طمثت.[21] فإنه وإن كان تصوير البلوغ في الأثناء بالإضافة إلى الصبي المفروض في السؤال بعيداً إلا أن تصوير حدوث الطمث بالنسبة إلى الجارية مع عدم فرض سن خاص لها أمر ممكن ومقتضى الرواية حينئذٍ أنه لا فرق في عدم الإجزاء بين حدوث الطمث بعد تمام الحج وبين حدوثه في الأثناء. ويؤيد ما ذكرنا فتوى الأصحاب بعدم الإجزاء متى ما بلغ بعد الموقفين وقبل إتمام بقية الأعمال ولعل مستندهم هو هذه الروايات ودعوى استنادهم إلى الإجماع التعبدي بعيد[22].

وقد أجاب بعض المعاصرين (دام ظله) عن المقدمة الثانية بأن المستفاد من الموثق هو أنه متى تحقق الطمث بالنسبة للجارية فإن ذلك يوجب ثبوت الحج ولزومه عليها فتكون دالة على الإجزاء متى ضمت إلى روايات من أدرك المشعر فيستفاد أن ما تأتي به الجارية بعد الطمث إذا أدركت المشعر يكون حجة الإسلام.[23]

ويلاحظ عليه: أن الموثق لا إطلاق له ليتمسك به لمثل المقام بل هو في مقام بيان اعتبار البلوغ في حجة الإسلام ولا نظر له لما إذا بلغ في الأثناء أصلاً حتى يقال بظهوره في الإجزاء. مضافاً إلى أن قبول مفاده يقتضي الالتزام بكون الحيض من علامات البلوغ وهو خلاف ما عليه المشهور. اللهم إلا أن يقال بكونه كاشفاً عن تحققه وليس أمارة من أماراته.

فتحصل أن الالتزام بما عليه المشهور مشكل جداً بل ممنوع كما عن السيد في العروة.

هذا ولا بأس بمتابعة السيد اليزدي (ره) في العروة في التعرض لبعض فروع هذه المسألة حيث قال: هل يشترط في الإجزاء تجديد النية للإحرام بحجة الإسلام بعد الإنعتاق فهو من باب القلب أو لا بل هو انقلاب شرعي؟ قولان مقتضى إطلاق النصوص الثاني وهو الأقوى قال الشيخ (ره): وإن كملا قبل الوقوف تعين إحرام كل واحد منهما بالفرض وأجزأه عن حجة الإسلام وبه قال الشافعي.[24]

أقول: الظاهر من قوله: تعين إحرام…الخ هو اعتبار تجديد النية حيث أن نيته السابقة كانت إحراماً مستحباً.

وقال بذلك المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى. وقال الشهيد في الدروس بوجوب تجديد النية أيضاً.[25]

وفي الروضة البهية: ويجددان نية الوجوب بعد ذلك ـ العتق والبلوغ ـ [26] إلا أن الفقيه صاحب الجواهر قال بعدم لزوم التجديد.[27] وقد تمسك لذلك بإطلاق النص والفتوى وأن مقتضاه الإجزاء الشرعي.

والذي ينبغي أن يقال: بأنه لا بد من ملاحظة أدلة إجزاء حج الصبي إذا أدرك المشعر بالغاً فإن كان هو إلغاء الخصوصية في نصوص انعتاق العبد المتقدمة كما هو الظاهر من الجواهر فما أفاده في الجواهر متعين فلا يلزم تجديد النية.

أما لو قيل بأن المستند غير ذلك كما أفاده بعض المعاصرين كما تقدم نقله عنه في جواب الوجه الخامس فالظاهر لزوم التجديد لأن مفاد الدليل حينئذٍ وجوب الحج بالبلوغ وهو لا ينافي لزوم التجديد.ثم هل تعتبر الإستطاعة في الإجزاء وعدمه. وهاهنا مباحث:

الأول: في أصل اعتبارها وعدمه. وصريح الجواهر العدم تمسكاً بإطلاقات النصوص الواردة في العبد. قال (قده): ولا استبعاد في استثناء ذلك مما دل على اعتبارها فيها بل في التذكرة:

لو بلغ الصبي وأعتق العبد قبل الوقوف أو في وقته وأمكنهما الإتيان بالحج وجب عليهما ذلك لأن الحج واجب على الفور ولا يجوز لهما تأخيره مع إمكانه كالبالغ الحر خلافاً للشافعي ومتى لم يفعلا الحج مع إمكانه فقد استقر الوجوب عليهما سواء كانا موسرين أو معسرين لأن ذلك واجب عليهما بإمكانه في موضعه فلم يسقط بفوات القدرة بعده.[28] ثم أيّد (ره) مدعاه بكلام الفاضل الهندي في كشف اللثام: ثم من المعلوم أن الإجزاء عن حجة الإسلام مشروط بالاستطاعة عند الكمال لكن الإتمام لما جامع الاستطاعة التي للمكي غالباً وكانت كافية في الوجوب هنا وإن كانا نائيين كما مرت الإشارة إليه لم يشرطوها.[29]

نعم عن الشهيدين في الدروس والروضة اعتبارها. قال في الروضة: ويشترط استطاعتهم له سابقاً ولاحقاً لأن الكمال الحاصل أحد الشرائط فالإجزاء من جهته.[30]

وهو الظاهر لأن نصوص العبد نظرها إلى ملاحظة الحرية والعبودية فمفادها هو اعتبار الحرية في حجة الإسلام فمتى تحققت ولو قبل الوقوف بالمشعر أجزأ ذلك وكفى عن حجة الإسلام فلا تعتبر في جميع أفعال الحج. وعلى هذا لا نظر لها إلى سائر الشرائط المعتبرة فيها كالاستطاعة وكذا لا إطلاق لها فلا تعارض بين مفادها وبين ما دل على اعتبار الاستطاعة لا بنحو العموم والخصوص المطلق كما تصوره في الجواهر فعبر بالاستـثناء ولا بنحو العموم والخصوص من وجه كما تنـزل له (ره) في ذيل كلامه فقال: إنه على هذا التقدير أيضاً يكون الترجيح للمقام. فتحصل اعتبار الاستطاعة ظاهراً.

الثاني: بناءاً على ما عرفت من اعتبار الاستطاعة فهل تعتبر في أول أعمال الحج أو في حال

البلوغ؟….وجهان بل قولان:

الظاهر من كشف اللثام كما سمعت كلامه هو الثاني. بينما المستفاد من الروضة هو الأول. وهو مختار الدروس أيضاً قال: ولو أعتق قبل الوقوف أجزأه عن حجة الإسلام بشرط تقدم الاستطاعة وبقائها.[31]

وعن المحقق النراقي (ره) في المستند موافقة كشف اللثام واستدل له بإطلاق الآية والنصوص فلو لم يكن مستطيعاً وأتم الحج بجهد ومشقة لم يجز عن حجة الإسلام.[32]

إلا أن بعض الأعيان (قده) أختار مختار الشهيدين (قده) وأجاب عن كلام كشف اللثام:-

بأن الدليل على اشتراط الاستطاعة في العبد المعتق قبل المشعر ليس إلا إطلاق أدلة اشتراط الاستطاعة في حجة الإسلام كما عرفت ومن الواضح أن إطلاق أدلة اشتراطها إنما يدل على اشتراط ثبوتها من أول الأعمال إلى آخرها بحيث لو فقدت في جزء منها لم يجزِ عنها لا من حين الإنعتاق فإن قلنا بانصراف إطلاقها عن العبد المعتق قبل المشعر فلا بد من القول بعدم اشتراط الإستطاعة في هذه حتى من حين الإنعتاق وإن قلنا بعدم الانصراف فلا بد من القول باشتراطها من أول الأعمال إلى آخرها فعلى هذا لا يبقى مجال لما أفاده (قده).[33]

أقول: أما الانصراف الداعي لرفع اليد عن اعتبار الاستطاعة فغير واضح مما يمنع من التمسك به وأما دعواه نتيجة عدم الانصراف فممنوعة بأنه لا دليل على اعتبار الاستطاعة قبل البلوغ والعتق لعدم الوجوب وهي شرط حال الوجوب لا قبله. مضافاً إلى أن مقتضى روايات من أدرك بضميمة ما دل على اعتبار الاستطاعة هو الاكتفاء بتحققها ولو قبل إدراك المشعر بقليل. فتحصل أن الأقوى ما عليه كشف اللثام.

الثالث: الظاهر أن الاستطاعة المعتبرة هي الاستطاعة من الميقات فلا تعتبر من البلد لأن طي الطريق إلى الميقات ليس داخلاً في الحج فلو طواه متسكعاً واستطاع من الميقات وجبت عليه

حجة الإسلام بعد تحقق شرائطها.

ومما تعرضه السيد (قده) في العروة: هل الشرط في الإجزاء إدراك خصوص المشعر سواء أدرك الوقوف بعرفات أيضاً أو لا، أو يكفي إدراك أحد الموقفين فلو لم يدرك المشعر لكن أدرك الوقوف بعرفات كفى.

أقول: عبارات الأصحاب تضمنت كلا الاحتمالين: فظاهر عبارة الشرائع هو خصوص إدراك المشعر ومثلها عبارات أخرى لبعض الأصحاب للاقتصار فيها على ذكر المشعر بالخصوص ويظهر من أكثر عبارات آخرين الإجتزاء بإدراك أحد الموقفين.

قال في الجواهر: وفي نصوص العبد ومعقد إجماع التذكرة وجملة من العبائر الاكتفاء في إدراك الحج بإدراك أحد الموقفين لا خصوص المشعر كما في المتن وبعض العبارات، ولعله لأن إدراك المشعر متأخر عن موقف عرفة فالإجتزاء بأحدهما يقتضي أنه الأقصى في الإدراك ولو فرض تمكنه من موقف عرفة دون المشعر فلا يبعد عدم الإجزاء ضرورة ظهور النص والفتوى في أن كل واحد منهما مجز مع الإتيان بما بعده لا هو نفسه[34].

وفيه أولاً: ما أشار له (قده) من تأخر المشعر عن موقف عرفة فيكون ذكره إنما بملاحظة الزمان لأن إدراك السابق إدراك للاحق غالباً لا لخصوص وقوف المشعر.

ثانياً: ان ما دل على صحة الحج بإدراك عرفة وحدها عند الاضطرار يصلح للحكومة عليه فيقدم عليه حينئذٍ حيث أن موضوع الإجزاء في الصبي هو إدراك أحد الموقفين بالغاً في الحج الصحيح فإذا ثبتت الصحة بإدراك عرفة وحدها مع الاضطرار ثبت الإجزاء.

وتعرض (قده) أيضاً أن الحكم مختص بحج الإفراد والقران أو يجري في حج التمتع أيضاً وإن كانت عمرته بتمامها حال صباوته.

أقول: قد يقال باختصاص الإجزاء بالإفراد والقران لانصراف أدلتها عن حج التمتع خصوصاً مع تقدم عمرته على حجه.

إلا أن الصحيح أن إطلاق الأدلة محكم والانصراف المدعى ممنوع.

ثم بعد شمول الإجزاء له هل يكون مقتضى أدلة الإجزاء، الإجزاء بالإضافة للعمرة التي وقعت قبل البلوغ بتمامها أو يكون مفادها الإجزاء بالإضافة للحج فقط ؟ قولان في المقام:-

صريح الخلاف والتذكرة الأول. قال في الخلاف: كل موضع قلنا أنه يجزيهما عن حجة الإسلام فإن كانا متمتعين يلزمهما الدم للمتمتع وإن لم يكونا متمتعين لم يلزمهما دم. وقال الشافعي: عليهما دم. وقال في موضع آخر: لا يبين لي أن عليهما دماً. وقال أبو إسحاق : على قولين. وقال أبو سعيد الإصطخري وأبوالطيب بن سلمة: لا دم قولاً واحداً.

دليلنا في المتمتع قوله تعالى: ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ) ولم يفصل وغير المتمتع فالأصل براءة الذمة وشغلها يحتاج إلى دليل.[35]

وفي التذكرة: إذا أجزأ حجهما عن حجة الإسلام بأن يدركا أحد الموقفين كاملين لم يكن عليهما دم مغاير لدم الهدي. وللشافعية طريقان أظهرهما : أنه على قولين:

أحدهما: نعم لأن إحرامه من الميقات ناقص لأنه ليس بفرض.

وأصحهما: لا لأنه أتى بما في وسعه ولم تصدر منه إساءة.[36]

وفي الدروس نسبته إلى ظاهر الفتوى.[37]

وفي كشف اللثام في مقام الإجابة عما ذكره الخلاف والتذكرة قال: ولا يساعده الدليل ولم يكن عليه إجماع فإن إدراك أحد الموقفين الاختيارين بعد صحة الحج والعمرة فعل آخر مفصول منه وقعت بتمامها في الصغر أو الجنون كعمرة أوقعها في عام آخر فلا جهة للاكتفاء بها ولذا قيل بالعدم فيكون كمن عدل اضطراراً إلى الإفراد فإذا أتم المناسك أتى بعمرة مفردة في عامه ذلك أو بعده.

ثم قال بعد ذلك: ومن القريب ما قيل: إنه يأتي إذا أتمها بعمرة أخرى للتمتع في ذلك العام إن كانت أشهر الحج باقية ويسقط الترتيب بين عمرة التمتع وحجه للضرورة وإن لم يبق أشهر الحج أتى بالعمرة في القابل. وهل عليه فيه حجة أخرى؟ وجهان من الأصل ومن دخول العمرة في الحج ووجوب الإتيان بهما في عام واحد على المتمتع.[38]

والتحقيق أن يقال: إن المستفاد من أدلة الإجزاء لو قلنا بتماميتها عزماً كفاية العمرة الواقعة في حال الصغر لكون حج التمتع مع عمرته فعلاً واحداً بخلاف حجي القران والإفراد. مضافاً إلى تقدم العمرة على الحج فبعد الالتزام بشمول أدلة الإجزاء لحج التمتع يكون مفادها الإجزاء عن العمرة أيضاً.

وعلى هذا لو بلغ الصبي في العمرة لحج التمتع وقبل الشروع في الحج كان عمله مجزياً عن حجة الإسلام والله سبحانه وتعالى أعلم بحقائق الأمور.

——————————————————————————–

[1]- الخلاف ج2 ص378.

[2] المبسوط ج 2 ص ص 297.

[3] الوسيلة ص 195.

[4]- شرائع الإسلام ج1 ص

[5] المعتبر في شرح المختصر ج ص 749.

[6]- التذكرة ج7 ص40.

[7]- الجامع للشرائع ص172.

[8]- مجمع الفائدة والبرهان ج6 ص63.

[9]- مدارك الأحكام ج7 ص22.

[10]- جواهر الكلام ج6 ص341.

[11]- الوسائل ب17 من أبواب وجوبه ح1.

[12]- المصدر السابق ح2.

[13]- المصدر السابق ح3.

[14]- الوسائل ب14 من أبواب المواقيت ح8.

[15]- جواهر الكلام ج6 ص341.

[16]- الوسائل ب23 من أبواب الوقوف بالمشعر ح8.

[17]- المصدر السابق ح10.

[18]- المصدر السابق ح11.

[19]- جواهر الكلام ج6 ص341.

[20]- المستمسك ج10 ص31، معتمد العروة ج1 ص45.

[21]- الوسائل ب12 من أبواب وجوب الحج ح1.

[22]- معتمد العروة ج1 ص46.

[23]- تفصيل الشريعة ج1 ص65.

[24]- الخلاف ج2 ص378.

[25]- المعتبر ج2 ص749. المنتهى ج2 ص649. الدروس الشرعية ج1 ص306.

[26]- الروضة البهية ج2 ص164.

[27]- جواهر الكلامج6 ص341.

[28]- جواهر الكلام ج6 ص342.

[29]- كشف اللئام ج5 ص75.

[30]- الروضة البهية ج2 ص165.

[31]- الدروس الشرعية ج1 ص306.

[32]- مستند الشيعة ج11 ص23.

[33]- كتاب الحج ج1 ص71.

[34]- جواهر الكلام ج6 ص243.

[35]- الخلاف ج2 ص380.

[36]- التذكرة ج7 ص39.

[37]- الدروس الشرعية ج1 ص

[38]- كشف اللثام ج5 ص76.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة